authentication required


موقع القرضاوي
 آخر تحديث:19:35 (مكة) الأربعاء 17 ربيع الأول 1433هـ -2012/02/08م
 الخميس, 09 فبراير 2012 03:35  موقع القرضاوي


أخطر المعاصي: معاصي القلوب: من الحسد والكِبْر والغرور والرياء وحبِّ المال وحبّ الجاه والحقد والغضب والكراهية، وغيرها، هذه هي معاصي القلوب الخطيرة، ولذلك كانت معصية آدم من المعاصي الظاهرة...

 



د. يوسف القرضاوي

أخطر المعاصي: معاصي القلوب: من الحسد والكِبْر والغرور والرياء وحبِّ المال وحبّ الجاه والحقد والغضب والكراهية، وغيرها، هذه هي معاصي القلوب الخطيرة، ولذلك كانت معصية آدم من المعاصي الظاهرة، ومعصية إبليس من المعاصي الباطنة، معصية آدم كانت الأكل من الشجرة، وهو أمر حسِّي، دفعت إليه الشهوة والغريزة، وغرَّرت به نفسه: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:115].

إنما معصية إبليس هذه، معصية متحدية، وقف إبليس يقول: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ...}، فكانت أوَّل معصيَّة وقعت في هذا العالم هي معصية إبليس، وبعد ذلك معصية آدم.

أول معصية معصية إبليس لعنه الله: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12، وص:76].

{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}

خروج إبليس من الجنة وطرده من رحمة الله:

{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا}، فارقها وابتعد عنها، أي: من السماوات، أو من الجنَّة، ليس لك مكان في هذا المكان الذي فيه الملائكة المُطهَّرون، الذين {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، اخرج يا إبليس؛ لأنك تُلوِّث هذا المكان، ابتعد عن هذا المكان.

{فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} ، مَرْجوم، مَطْرود من الرحمة والخير والكرامة، وملعون، وهذا مقام لا يقوم فيه الملاعين ولا المراجيم ولا المطاريد.

{وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} ، تلبسك اللعنة، وتركبك، اللعنة: هي السب والطرد. أنت مطرودٌ من رحمة الله إلى يوم الدين، لا بقاء لك في عالم المَلَكُوت، عالم السَّماوات، عالم الملائكة، عالم المُطَهَّرين، عالم المُقرَّبين، ليس لك مَوْضعٌ في هذا المكان، {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}، إلي يوم الحساب والجزاء.

مُجَازاة إبليس بعمله:

هل ظلم الله إبليس أم جازاه بعمله؟ لا، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]، إنما جَازَاه الله بعمله، هذا الذي وقف متحدِّيًا للألوهيَّة، كان لا بدَّ أن يُطْرَدَ من رحمة الله عزَّ وجلَّ، وأن يعلن بهذه الحقيقة: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} .

القرآن الكريم كتاب حوار:

ثم بدأ هذا الحوار بين إبليس والله عزَّ وجلَّ، ولهذا دائمًا نقول: إنَّ القرآن الكريم كتاب حوار من الطراز الأول: حوار بين الرسل وأقوامهم: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [هود:32].

انظر حوارَ سيِّدنا موسى مع فرعون، في سورة طه: {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى  ...} [طه:47-76]، الآيات.

وفى سورة الشعراء: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ...} [الشعراء:15-50] الآيات، حوار طويل.

الأنبياء يُحاورون الله سبحانه: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ...} [هود:45، 47].

والله  عزَّ وجلَّ يحاور الملائكة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30].

وأخيرًا نرى حوار الله لأشرِّ خلقه إبليس. فهذا يدلُّنا على أنَّ الحوار في هذا الدين ليس أمرًا غريبًا، بل هو فريضة في هذا الدين، وإنَّا مأمورون أن نحاور مخالفينا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]، الموعظة الحسنة مع الموافقين، والجدال بالتي هي أحسن مع المخالفين، فهذا ما يعلِّمنا إيَّاه هذا القرآن العظيم.

{قَالَ رَبِّ  فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}

طلب  إبليس الإمهال إلي يوم البعث:

فتح الله لإبليس باب الحوار، لم يغلق عليه الباب، طَلَب من الله أشياء فأجابه لها: {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ  إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}، إلى وقت النفخة الأولى يوم موت الخلائق، أو إلى ما شاء الله في الوقت المحدَّد، إذا انتهي أجله .

{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}

ابتلاء الإنسان بتزيين الشيطان وإغوائه:

هذا دلالةٌ على أنَّ هذا الإنسان الذي خلقه الله بيديه، ونَفَخ فيه من رُوحه، وأسجد له ملائكته، وكرَّمه أفضل تكريم، وخلقه في أحسن تقويم، هذا الإنسان حياته قائمةٌ على الابتلاء، نحن ذكرنا أنَّ هذا الإنسان مخلوق، خلقه ربٌّ خالق عظيم، وليس كما يدَّعي المدَّعون، أنه أنشأته الطبيعة، أو مُصادفات عمياء، أو غير ذلك، لا، هو مخلوق خلقاّ مستقلاًّ، يعني لم يتطوَّر عن مخلوق غيره، كما قالوا: إنَّه تَطَوَّرَ من كذا إلى كذا، إلى قرد، إلى إنسان. لا، هو مخلوق: {إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30]، {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر:28] فهو مخلوقٌ قَصْدًا واستقلالاً.

وهو أيضًا مخلوق على أساس الابتلاء: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الإنسان:2]، ومن ابتلاء الله للإنسان: ابتلاؤه بالشيطان، بهذا العدوِّ الداهية الماكر المتربِّص للإنسان، لا يغفُل عنه أبدا، هذا الشيطان إبليس، حينما أخرجه الله من السموات، أو أخرجه من الجنَّة، أو أخرجه من مستقرِّ رحمته، وخاطبه بقوله: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}، لعنه الله، ولعنه الناس، لا يوجد أحد يُلْعن كما يُلْعن إبليس، فعليه لعنة الله إلى يوم الدين، هنا قال إبليس: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}.

{قَالَ رَبِّ} إبليس يعترف بربوبيَّة الله عزَّ وجلَّ، ويعترف بأنَّ الله خالقه: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12، ص:76]، فهو معترفٌ بأنَّ الله هو خالقه، وخالق آدم، وخالق الكون، وأنه ربُّه، لذلك يقول: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ}.

الباء في قوله تعالى: {بِمَا أَغْوَيْتَنِي} للقسم أو السببيَّة:

(الباء) هنا في {بِمَا أَغْوَيْتَنِي}، هل هي للقسم؟ يعنى: بحقِّ ما أغويتني. كما قال في سورة ص: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82]، هل الباء للقسم؟ أي: أقسم بإغوائك إيَّاي لأُزَيِّنَنَ لهم في الأرض. أو الباء للسببيَّة؟ أي: بسبب ما أغْويتني.

الباء تأتي في اللغة العربية للسبب: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13]، فبسبب نقضهم. وهنا احتمالان قائمان، البعض يقول: إنَّ الفعل لا يجوز الإقسام به، إلا إذا جاء بالصفة. مثل {فَبِعِزَّتِكَ}، وهي صفةٌ من صفات الله، إنما بإغواء الله! ولذلك قالوا: لا، الباء للسببيَّة. أي بسبب ما أغويتني: {لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ}، ولأغوينَّهم أجمعين، والضمير لذريَّة آدم، كما قال: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:]، وكما قال أيضًا في سورة الأعراف: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16]، سأقف على الصِّراط المستقيم، حتى لا يسلك هذا الصِّراط أحد

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة
نشرت فى 13 فبراير 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

313,723