( عدد القراء 16869)

عناصر الموضوع
1 الحكمة من خلق الإنسان
2 قصة قارون وما فيها من عبر

3 وقفات مع عمر بن الخطاب
زهد عمر
عمر يتفقد الرعية
عمر يسأل الله الشهادة فينالها
4 أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

5 اعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة
فرعون لم يعرف الله في الرخاء
يونس عليه السلام عرف الله في الرخاء
6 التوبة وعواقبها الحميدة
قصة الرجل الذي أوصى أن يُحرق بعد موته
قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً
قصة المرأة التي زنت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

7 أخذ العبرة من الموت وما بعده
8 الأسئلة
حق الجار
حكم اغتصاب الأراضي وشهادة الزور
نصيحة إلى شاب يريد العودة إلى الله
حكم الصلاة خلف إمام يشرب الشيشة



لماذا خلقنـا؟

يتحدث الشيخ في هذه المحاضرة عن الحكمة من خلقنا، وبين أن الحياة الحقيقية هي في طاعة الله، وتكلم عن قارون أنه ما نفعه ماله يوم أعرض عن طاعة الله، وعن فرعون أنه ما نفعه ملكه يوم كفر بالحي القيوم، وعن العقوبة التي حلت بقوم لوط يوم تركوا شريعة الله.

وتعرض لقصص بعض من عرفوا الله في الرخاء فعرفهم في الشدة.

وختم المحاضرة بالحديث عن التوبة وفضلها وعواقبها المحمودة.

الحكمة من خلق الإنسان




إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عزَّ جاهك، وجلَّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت.

في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، أنت رب الطيبين، لا إله إلا أنت، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضى.

اللهم صلِّ وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل.

اللهم صلِّ وسلم على صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، اللهم صلِّ وسلم على من هديت به البشرية، وأنرت به أفكار الإنسانية، وزعزعت به الوثنية ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

لماذا خلقنا؟

وإلى أين نسير؟

ومن يحاسبنا؟

وما هو مصيرنا؟

هذه أسئلة لا بد أن يجيب عليها من يريد الله والدار الآخرة:

لماذا خلقت أيها الإنسان؟

لماذا وجدت؟

لماذا جعل الله لك عينين ولساناً وشفتين؟

لماذا بصَّرك وأراك؟

لماذا علمك وأنطقك؟

لماذا أكلك وشربك؟

لماذا سترك وقومك؟

لماذا أسمعك وبصّرك؟

هذه الأسئلة لا بد أن يجيب عليها المسلم إن كان يريد الله والدار الآخرة، يقول الله للإنسان المتمرد: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الإنفطار:6] ما لك تمردت علينا -أيها الإنسان- وقد خلقناك ولم تك شيئاً؟

ما لك -أيها الإنسان- نسيتنا وقد علمناك، وجهلتنا وقد أدبناك، وتمردت علينا وقد أرويناك وأسقيناك وأشبعناك؟!

والله يقول: هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:1-3].

يا أيها الإنسان: خلقت من نطفة، وأتيت إلى الدنيا من بطن أمك وأنت تبكي وكأن بطن أمك أوسع لك من الأرض، فلماذا خرجت تبكي من بطن أمك؟!

ولدتك أمـك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سروراً


فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً


لا إله إلا الله ما أغفل الإنسان! لا إله إلا الله ما أجفى الإنسان! لا إله إلا الله ما أظلم الإنسان! يوم يأتي من بطن أمه لا ملابس له ولا منصب ولا وظيفة ولا بيت ولا سيارة ولا جاه، ليسقط قطعة لحم على الأرض وهو يبكي، فإذا ما بصَّره الله وعلمه وأنبته وتملك، وأصبح له وظيفة، وأصبح ذا منصب وسيارة وجاه؛ نسي الله، وتمرد على حدود الله، وانتهك محارم الله وحدوده، فأين العقول؟!

وأين الأسماع؟!

وأين الأبصار؟!

الله يقول من فوق سبع سماوات: {الكبرياء إزاري، والعظمة ردائي، من نازعني فيهما عذبته } الله أكبر كبير، وأعظم عظيم، وأغنى الأغنياء، وأما أنت أيها الإنسان ففقير بن فقير، مسكين بن مسكين، إن لم يسترك الله افتضحت.

فيا عباد الله! يا من أتى إلى بيوت الله! يا من عود نفسه الصوم، وسجد في التراب لله!

ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا


دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً
......


قصة قارون وما فيها من عبر




هل الشرف المال؟

كان قارون أعظم من ملك المال في الدنيا، ثم لعنه الله لعنة تحيق به؛ لأنه ما عرف الله، آتاه الله مالاً وقال: يا قارون ! خف من الله في المال، اتق الله في هذا المال، المال وديعة عندك يا قارون ! أنت مسلوب أنت ومالك، ونحن ماذا نملك مما ملكه قارون ؟

إن كان عند أحدنا فلة أو سيارة، أو بعض الأبناء، أو وظيفة فما تساوي ذرة من ذرات كنوز قارون .

قارون كانت مفاتيح كنوزه تنوء بها العصبة من الرجال، عشرة من الرجال لا يستطيعون حمل المفاتيح، فما بالك بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، فماذا فعل؟

خرج في أبهة وجبروت وكبر، والإنسان إذا نسي الله وما أصبح عنده صلاة ولا أوراد، جفل قلبه وأصبح قطعة حجر، أصبح قلبه مثل قلب الثور، لا يعي ولا يعرف ولا يفقه، يأكل ويشرب لكن له قلب لا يفقه به، له سمع لا يسمع به، وبصر لا يبصر به، فـقارون أعطاه الله المال وقال: خف من الله في هذا المال، إنما هو يمتحنك الله به، لا تظن أن الأغنياء والتجار أعطاهم الله المال إكراماً لهم، لا. قال تعالى: كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً [الإسراء:20-21] فهذه الحياة حياة تافهة، كالحمار يأكل ويشبع، لكن يقول الله عز وجل: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16] وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:33-35].

الخواجة يسكن في الدور العاشر، والمسلم لا يجد كسرة خبز وقطعة من الخيمة في الصحراء؛ لأن الجنة أعدها الله لأوليائه تبارك وتعالى.

خرج قارون ومعه حلة يتبختر فيها، فقال له علماء قومه: اتق الله! وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ [القصص:77] وعظوه.

كما يفعل بعض الناس الآن إذا أغناه الله بعد الفقر، وأَصَحَّ جسمه بعد السقم، وآتاه ذرية بعد أن لم يكن عنده ولد، نسي الله فتجبر على عباد الله، وصعَّر خده لأولياء الله في أرض الله، فـقارون فعل مثل ذلك.

قالوا له: اتق الله، قال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص:78] الله يدري أنني أستحق الملك، أنا أخذته بعرق جبيني وجهدي وذكائي ودهائي، وهو كذاب على الله، دجَّال ما منحه المال إلا الله، ولا يرزق إلا الله، والله الذي لا إله إلا هو إن لم يرزقك الله؛ فلن يرزقك أهل الدنيا ولو اجتمعوا عن بكرة أبيهم، مفاتيح الخزائن والمال بيد الله عز وجل، القطر بيديه، الرزق بيديه، الإحياء والإماتة بيديه تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:1-3].

سبحان الله! كيف ينسى الإنسان؟!

أما يتذكر يوم أن كان ضعيفاً في بطن أمه، كان قطعة لحم لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق ولا يتكلم، فلما أصبح قوي البنية، ويلبس ما شاء من الملابس أصبح لا يرى الناس شيئاً، خف من الله، لمن البقاء إلا لله..

لمن الغنى إلا لله..

لمن القوة إلا لله..

وانظر إلى أحوال الناس تجاه الدنيا وزينتها، فإن قارون لما خرج علىقومه في زينته الدنيوية قال بعض قومه ممن قصرت عقولهم عن معرفة حقيقة الدنيا: قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ [القصص:79].

بعض الناس يظن أن الإنسان إذا أُمْهِلَ في الدنيا ورزقه الله أبناء وأولاداً وقصوراً وفللاً وعمارات وسيارات ظن أن الله يحبه، ولا يدري هذا الإنسان أنه قد يكون أعدى عدوٍ لله في الأرض، ويمكن أن يكون حسابه أن يكب على وجهه في النار، ولا يدري أنه قد يكون أكبر فاجر على المعمورة.

لكن الناس يختلفون في عقولهم وفي بصائرهم: قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص:79] أي: إن لـقارون مكانة عظيمة عند الله، وإن ما عليه من نعيم لهو منحة من الله يحسد عليها.

وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [القصص:80] العقلاء الذين يخافون لقاء الله ويتذكرون القبر وما بعده وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ [القصص:80] قالوا: خافوا من الله؛ ثواب الله في الجنة أحسن من هذه الدنيا، والله الذي لا إله إلا هو إن كلمة: (سبحان الله) خيرٌ مما طلعت عليه الشمس وغربت.

كلكم يعلم قصة سليمان بن دواد عليه الصلاة والسلام في القرآن، الذي ملك الجن والإنس والطيور والزواحف وكل ما هبَّ ودبَّ، حتى الريح التي تمر علينا صباح مساء كانت تتحرك بأمره، إذا أراد أن يرتحل من بلد يأمر الريح غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ [سبأ:12] يقول: يا ريح! احمليني إلى الهند ، فتأتي الريح فتكون كالبساط، ثم يركب هو ووزراؤه وحاشيته فتنقله في لحظات، حتى إذا أتى لينزل في الأرض كيف تنـزل به؟

يقول الله عز وجل: رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ [ص:36] يعني: ما تنـزل بقوة، إنما تنزل تدريجياً حتى يهبط في الأرض، فارتفعت به الريح مرة من المرات ومعه من جنوده وقوته ما لا يعلمه إلا الله، ولما أصبح في السماء مر تجاه الشمس فحجب ضوء الشمس عن فلاح يشتغل في الأرض بالمسحاة، فنظر الفلاح إلى السحاب فرأى سليمان عليه السلام والريح تمر به، قال الفلاح: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، فسمعها سليمان عليه السلام فقال للريح: اهبطي بي هنا، فهبطت بجانب الفلاح قال: ماذا قلت يا فلان؟

قال: ما قلت إلا خيراً (خاف من سليمان).

قال: ماذا قلت؟

قال: والله ما قلت إلا سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً.

قال: والذي نفسي بيده، لقولك سبحان الله في ميزانك خير مما أوتي آل داود.

الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس }.

رأيناهم والله أغنياء يملكونها بالملايين، لا يتعاملون إلا بالشيكات والمصارف العالمية، وإن بعضهم توفي في مدينة نائية عن تجارته ومدينته، حتى طلب له كفن من التجار بالشحاذة ودس في التراب، أين الذهب؟!

أين الفضة؟!

أين الجاه؟!

لا جاه إلا لمن أسعده الله.

يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسران


أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسـان


يـا عامراً لخراب الدهـر مجتهـداً بالله هل لخراب الدهر عمـران


وفي هذه الأيام لو تدخل مجلس أحدنا لوجدته مزركشاً ومزخرفاً كأنه إيوان كسرى وقيصر؛ فيه الكنبات والروائح والملبوسات والمفروشات والمطعومات والمركوبات، العطور.. شيء عجيب يذهل.

ماذا أعددنا للقبر؟

ماذا أعددنا لتلك الحفرة الضيقة؟

يدس فيه الإنسان لا ولد، ولا أهل، ولا زوجة، ولا أنيس، ولا حبيب إلا من أسعده الله.

والموت فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءة


وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه


والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران


إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده


وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ


لكن لا نفقه ولا نعي ولا نفهم، الله يقول لنا: افهموا، اسمعوا، تدبروا، اعقلوا؛ لكن القلوب قد ران عليها الخطأ، أظلمت وقست من السيئات.

كيف يعي قلب من يستمع الغناء صباح مساء؟! الأغنيات الماجنات من المغنين والمغنيات، الأحياء منهم والأموات، يصبح على الأغنية ويمسي على الأغنية، يركب السيارة ويسمع أغنية، ويدخل المجلس مع أغنية، أبعثنا للناس هكذا؟!

أكانت حياة الصحابة كحياتنا؟!

أجعلنا الله نعيش على هوامش الأحداث؛ أكل وشرب ونوم وغناء ورقص ولعب ولهو؟!

أين حياتنا؟!

أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَ [الأنعام:122].

كان مصير قارون أن قال الله فيه: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ [القصص:81] هذا هو الردى وهذه هي اللعنة والخسران وسوء الخاتمة فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ [القصص:81] من الذي ينصر إلا الله، وإذا لم ينصر الله العبد لا ينصره أحد، والله لو كانت الدنيا وسكان الدنيا معك في أسرة لك فلا تعتز بأسرتك من دون الله، العزيز من أعزه الله بالطاعة، والذليل من أذله الله بالمعصية فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ [القصص:81] يقول الله عزَّ وجلَّ: هل له أسرة؟

هل كان معه قبيلة قامت تقاتل عنه بالسيوف؟

لا. قوة الله لا تغلب، والله عزَّ وجلَّ يقول: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر:51] من الذي ينصر الرسل والمؤمنين؟

إنه الله، أما غير المؤمنين فلن ينصر الله يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52].

فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [القصص:81-82] يقول: أصبح الذين تمنوا الدنيا لما رأوا داره تخفوا في الأرض، أتدرون ما فعل؟

أتى في مصطبة من ذهب أي: دكان مرتفع مصبوب ذهباً، فجلس عليه بحلة في الصباح ومرَّ النبي موسى بن عمران عليه السلام، الداعية الكبير الذي دخل على فرعون، داعية لا إله إلا الله، الذي قاد الجيوش الجرارة لخدمة لا إله إلا الله؛ مرَّ على قارون وقال: يا قارون ! اتق الله وقل لا إله إلا الله، فتكلم قارون بكلام بذيء في عرض موسى عليه السلام ولذلك قال عزَّ وجلَّ قال: فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب:69].

ولذلك -الآن- الدعاة وطلبة العلم والعلماء والصلحاء وأهل الخير والعباد والزهاد ينالون نصيباً من هذا الاستهزاء والاستهتار والتعليق المرير، لكن قدوتهم في ذلك الأنبياء؛ فعليهم بالصبر.

يقول لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ [لقمان:17] ماذا يقول بعدها: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان:17] فإنك إذا أمرت ونهيت سوف تنالك الألسنة، وسوف تعترضك القلوب التي ما عرفت لا إله إلا الله.

موسى عليه السلام لقي الله عزَّ وجلَّ فكلمه كفاحاً بلا ترجمان: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164] فلما كلمه قال: يا موسى! أتريد شيئاً؟

قال: نعم يا رب.

قال: ماذا تريد؟

قال: يا رب! كف ألسنة الناس لا يتكلمون في عرضي، يقول: يا رب! امنعني من ألسنة الناس لا ينالونني ولا يتكلمون فيّ ولا يغتابونني.

فقال الله: يا موسى! ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أرزقهم وأعافيهم وإنهم يسبونني ويشتمونني.

عندما خوطب قارون من قبل أهل العلم فقالوا له: اتق الله يا قارون فتكلم على الله، فقال موسى: اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر، فنـزل بيته في الأرض، فأراد أن يهرب فنزل البيت جميعاً، وكانت كنوزه تنـزل معه، كانت قلعته كلها ذهب وفضة وكلها تنـزل معه في الأرض، أراد أن يفر فما استطاع، لأنه محبوس في الأرض، فينـزل رويداً ينادي: يا موسى يا موسى! أطلقني أطلقني فنـزل وموسى ينظر إليه، فيقول الله تعالى في آخر القصة: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].

الحياة معناها يا عباد الله! أن تعيش لله، وتموت لله، وتبعث لله، حياة ليس فيها صلاة ولا عبادة ولا اتصال بالله ليست بحياة، والعجيب من بعض الناس أنه راض عن نفسه، يرى أنه إذا كان له بيت وسيع وأبناء، ويأكل ويشرب، وعنده سيارات، وقد ارتاح إلى هذه الحالة أن الله راضٍ عنه، بالله هل سأل نفسه عن معاملته مع الله؟! هل سأل نفسه هل يداوم على الصلوات الخمس في المسجد؟!

هل علم كيف قلبه مع المسلمين؟!......


وقفات مع عمر بن الخطاب




الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم لهداية الإنسان، فأتى عليه الصلاة والسلام والناس في جاهلية جهلاء، في حين لا تزال بعض أماكننا وبعض مناطقنا اليوم تعيش بعض الصور من تلك الجاهلية التي عاشها الناس قبله صلى الله عليه وسلم، أو عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هداية الناس، فلما أتى صلى الله عليه وسلم قال: {يا أيها الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا } وعاد الناس، واستجاب من أراد الله أن يستجيب يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24].

وممن استجاب لله: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكلكم يعرف عمر الفاروق خليفة الإسلام، كان قبل الإسلام ليس له إرادة، ولا تفكير، ولا طموح، كان يعيش هكذا، مثل حال كثير من الناس؛ يأكل ويشرب وينام، لا يغضب إذا انتهكت حدود الله، ولا يحزن إذا فاتته صلاة، ولا يتألم إذا سمع شباب الإسلام غرقوا في المعاصي، إنما همه أن يبقى عليه رزقه ومرتبه ووظيفته، فأتى عمر فوضع يده في كف المصطفى صلى الله عليه وسلم وأسلم، لما سمع قوله سبحانه وتعالى: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:1-2] ومن يوم أسلم بدأ قلبه حياً مع الله؛ لأن الله يحيي القلوب بعد إماتتها، واستمر في الإسلام، وبعد عشرين سنة أو أكثر تولى خلافة المسلمين، فأصبح خليفة ذهب الدنيا وفضتها تحت يديه، وأصبح هو المسئول الأول، فماذا فعل؟......


زهد عمر



كان من أبسط الناس وأزهدهم وأفقرهم، ما كان يشبع من خبز الشعير، يوم الجمعة يصعد المنبر وعليه إزار فيه أربع عشرة رقعة، وبإمكانه لو أراد أن يلبس الذهب والديباج والحرير للبس، فرقي المنبر يوم الجمعة في عام الرمادة؛ عام الجوع والقحط.

عام الثامن عشر من الهجرة مرَّ قحط على المسلمين حتى رأوا الدخان يفوح من على الأرض، وحتى أكلوا الميتة، وحتى ما أصبح هناك نبتة خضراء، أكلوا أوراق الشجر حتى تشرمت أشداقهم، فصعد على المنبر وهو يبكي يوم الجمعة، وقال: [[يا رب! لا تعذب أمة محمد بسبب ذنوبي ]] ذنوب عمر الزاهد، المجاهد، قائم الليل، صائم النهار، ونحن الآن إذا قلنا: نحن مذنبين قالوا: لا. الحمد لله نحن من أحسن الناس، وما أذنبنا، والله إننا لنصلي ومستقيمين على طاعته ولا نريد شيئاً، ويا ليت الناس مثلنا.

عمر يقول على المنبر وهو يبكي: [[اللهم لا تعذب أمة محمد بسبب ذنوبي، يا رب أتهلك أمة محمد بعهدي؟ ]] ثم يبكي ويبكي الناس ويقول مخاطباً بطنه: [[قرقر أو لا تقرقر والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين ]].

أعلى الصفحة


عمر يتفقد الرعية



ينـزل رضي الله عنه وأرضاه في ليلة من الليالي يطوف بعصاه بعد صلاة العشاء، يتفقد المريض والمسكين، والأرملة والجائع، كيف ينام وهناك أنفس لا تنام ولا ترتاح، فسمع بكاءً في بيت، فاقترب من البيت ووضع رأسه على صائر الباب، فسمع امرأة في الطلق -في النفاس- فأخذ يبكي -ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية - فقال مولاه أسلم : مالك يا أمير المؤمنين تبكي؟ فقال عمر : [[إنك لا تعلم يا أسلم بالألم التي تجده هذه المرأة، انطلق بنا يا أسلم إني أخاف أن يسألني الله عن هذه المرأة إن قصرت في حقها، فانطلق إلى بيت المال، وحمل جراباً من شحم ودقيق، وهو خليفة، ودخل البيت واستأذن من المرأة، وصنع لها طعاماً بيده الكريمة -هذه تربية لا إله إلا الله، تربية محمد صلى الله عليه وسلم، الذين غرس في قلوبهم لا إله إلا الله، أهل الجنة قصورهم في الجنة كالربابة البيضاء أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90]- فدخل عليها وصنع لها الطعام وقدم لها لتأكل فقالت: والله الذي لا إله إلا هو إنك خير من عمر بن الخطاب ، وهو عمر بن الخطاب ، ثم خرج فأخذ يبكي فيقول له مولاه: ما لك؟ قال: إني أخاف من الله أن يعذبني بسبب هذه الأمة ]].

أعلى الصفحة


عمر يسأل الله الشهادة فينالها



عمر رضي الله عنه وأرضاه، لما علم الله أنه صادق، وأنه يريد الله والدار الآخرة فاستجاب له دعاءه في آخر حجة حجها، لما وقف عند الجمرات الثلاث ورفع يديه، وقال: [[اللهم إنه انتشرت رعيتي، ورق عظمي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون، اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتة في بلد رسولك، قال له الصحابة: يا أمير المؤمنين! تريد الموت في سبيل الله في بلد رسول الله؟ -يعني: إن من يريد الشهادة يخرج إلى الثغور- قال: هكذا سألت الله، وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت ]].

فخرج وعاد إلى المدينة ، وفي أول ليلة نامها رأى رؤيا في المنام، رأى أن ديكاً ينقره ثلاث نقرات، فسأل بعض الصحابة ما تأويل الرؤيا، قالت له أسماء بنت عميس إحدى الصحابيات المؤمنات، وكانت تفسر الأحلام وتعبر الرؤيا: يا أمير المؤمنين! أستودعك الله في نفسك الذي لا تضيع ودائعه.

كان يصلي بالناس إماماً فلما بلغ قوله سبحانه وتعالى: وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ [يوسف:84] انهد باكياً وبكى الناس معه، ولما ركع تقدم له أبو لؤلؤة المجوسي .

مولى المغيرة لا جادتك غادية من رحمة الله ما جادت غواديها


تقدم بخنجر ذو حدين مسموم، سمه شهراً حتى أصبح الخنجر أزرق من كثرة السم، ثم ضرب عمر أمير المؤمنين، حصن الإسلام، العادل الكبير، الزاهد النحرير، الذي ما عرف إلا قيام الليل والوقوف مع المسكين والفقير والأرملة، ضربه ثلاث طعنات ليهدم ركن الإسلام، فسقط عمر رضي الله عنه وأرضاه، ووقع على وجهه على الأرض وهو يقول: [[حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ]] ثم التفت وقدم أحد المسلمين، فلما صلوا وقد أغمي عليه وأغشي من كثرة الدم قال: من قتلني؟ قالوا: أبو لؤلؤة قال: [[الحمد لله الذي جعل شهادتي على يد رجل ما سجد لله سجدة ]] ثم رفعوه على أكتافهم.

يقول أنس: [[ظننا أن القيامة قامت يوم أن مات عمر ]] ويقول علي : [[والله الذي لا إله إلا هو، لقد كفنت سعادة الإسلام في أكفان عمر ]] ووضعوه في البيت، فلما أرادوا أن يضعوا رأسه وهو مطعون، يعالج السكرات، وضعوا له مخدة -وسادة- تحت رأسه، قال: انزعوها من تحت رأسي، ضعوا رأسي على التراب علَّ الله أن يرحمني، فأخذ يمرغ وجهه في التراب ويبكي، فدخل عليه علي رضي الله عنه وأرضاه فقال: [[يا أمير المؤمنين! طوبى لك وهنيئاً لك، والله لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك ]] فقال عمر : [[يا ليتني نجوت كفافاً، لا لي ولا عليّ ]] يقول: يا ليتني أخرج من الحساب يوم القيامة لا حسنات ولا سيئات سبحان الله! وهم المجاهدون الصادقون الزهاد العباد فماذا فعلنا نحن؟!

أعلى الصفحة


أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر




بماذا نلقى الله يوم القيامة، ونحن -والله- قد أسأنا الأدب مع الله كل الإساءة، هل داومنا على الصلوات الخمس في المسجد؟

هل دعونا جيراننا إلى المساجد صباح مساء؟

هل والينا في الله وأبغضنا في الله؟

هل أخذنا على يد الفاجر السفيه الذي يريد أن يردينا في النار؟

ثم إننا نرى الباطل ونؤيد عليه إلا من رحم الله، وأنا أتكلم بهذا لأننا قبائل نعرف المآسي التي يعيشها كثير من القبائل، يرون الباطل ولا يقومون في وجهه، ويرون حدود الله ومحارمه تنـتهك ولا يغضبون، ثم ندعو الله أن ينزل علينا القطر، ونقول: نحن نحب الله، ما هي أعمالنا؟

السفيه يؤيد، والفاجر يسدد؛ لا يجد صاحب الحق من يعضده ويقوم معه.

يقول سبحانه وتعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79] إي والله لبئس ما كانوا يفعلون، يرون الفاجر ويسكتون، والمعصية ولا يتكلمون، ولا تتمعر وجوههم، أحدهم لو أُخذ شيء من ماله، أو تكُلِّم على ولده، أو على عرضه، أو سب قامت الدنيا وقعدت، وأخذ السلاح وقاتل، لكن أن تنتهك حدود الله فلا يغضب أحد، المساجد تهجر، الأغاني الماجنة تنتشر، الحجاب يترك، والسفور يوضع ويوقع، والمرأة لا تتقي الله عز وجل في البيوت إلا من رحم الله.

سبحان الله! الربا يتعامل به، الرشوة موجودة، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الغيبة في المجالس، الاستهزاء والاستهتار بالصالحين، ونقول: الله يرحمنا، ونحن على خير إذا اتقينا الله عز وجل.

الله سبحانه وتعالى أرسل جبريل عليه السلام قال: إن أهل تلك القرية عصوني، وتمردوا على حدودي، وأكلوا نعمي، واجترءوا على حرماتي فخذهم، وجبريل له ستمائة جناح، الجناح الواحد يكفي لنقل قرى الجنوب كلها نقلة واحدة، قرى قوم لوط -الأربع كان عددهم ستمائة ألف كما يقول المؤرخون- أرسل الله إليهم جبريل قال: خذهم، فقد عمت فيهم الفاحشة، كانوا يفعلون كل منكر في ناديهم، وعندهم الفجور واللواط والزنا والفحش، والمحارشة والمحاسدة الأيمان والغموس، والتبجح وظلم الناس، والفجور والكذب، فلا تجد أحداً يقول: اتقوا الله، فغضب الله، والله يمهل لكنه إذا غضبت فإنه لا يفلت أحداً كما قيل: إن الله يقول في الحديث القدسي: {إني إذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية، وإذا غضب لعنت وإن لعنتي تبلغ السابع من الولد } نعوذ بالله من لعنة الله، ونعوذ بالله من غضب الله، ونعوذ بالله من قلوب لا تتقي الله، فأرسل جبريل وقال: خذهم -وعند جبريل كما في الصحيح ستمائة جناح- فما استعمل إلا جناحاً واحداً، اقتلع القرى من جذورها بجبالها وأوديتها وأشجارها وأنهارها حتى رفعهم إلى قرب السماء الدنيا، فسمعت ملائكة السماء -كما في الحديث- نباح كلابهم وصياح ديكتهم، ثم لطمهم بالأرض، وما كفى، بل أرسل الله عليهم حجارة من طين كما قال سبحانه: مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ [الذاريات:34] كل حجر عليه اسم مجرم تأتي وتقع في رأسه وتخرج من دبره.

الله عز وجل غضب على قرية من القرى ما أمرت بالمعروف ولا تناصحت فقال لجبريل: خذهم، فنـزل جبريل عليه السلام فمر فوجد مصلياً صائماً يصلي في صومعته، فعاد إلى الله قال: يا رب! هناك عبد يصلي ويذكرك ويسبحك ويدعوك، قال: يا جبريل! به فابدأ قال: يا رب! ولم؟ قال: إنه يرى المنكر ولم يتمعر وجهه غضباً لي.

الله عز وجل يغضب من العبد لأنه لا يغضب لمحارمه، نغضب لمحارمنا ولا نغضب لمحارم الله! نغضب لأنفسنا ولا نغضب لله! أي قلوب هذه التي نملكها! فلما فعل بنو إسرائيل ذلك عمهم الله بالعذاب، وقست قلوبهم فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13].......


اعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة




......


فرعون لم يعرف الله في الرخاء



فرعون الطاغية الخبيث عليه لعنة الله، وقف يقول لأهل مصر كما قال الله: وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51] فجعل الله الأنهار تجري من فوق رأسه، أغرقه الله في البحر، فلما أدركه الغرق قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ [يونس:90] ما شاء الله! الآن آمنت وأسلمت، لقد ملأت الدنيا أعمالاً سيئة، ولطخت يديك بالدماء وضحكت على التاريخ، ودستَ القيم، والآن لما أصبحت في هذا المكان الضيق قلت: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ [يونس:90] مثلما يفعل كثير من الناس، تجده وقت الرخاء يتبجح على الله، ويتعدى حدوده، وينتهك حرماته، وكثيراً ما تجد بعض الشباب لا يلقي بالاً للمسجد ولا للقرآن ولا للدعوة ولا للذكر ولا يخاف الله، كلما خطر له شيء ركب رأسه؛ فإذا كسر ظهره وأصبح على السرير الأبيض في المستشفى عاد إلى الله، أين أنت وقت الرخاء. أفي وقت الشدة تعود؟! فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65].

يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه


كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه


ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه


ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله


فلما بلغ فرعون هذا الموضع قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] وهذا كذاب، ولو كان صادقاً لآمن وقت الرخاء، قال سبحانه وتعالى: آلْآنَ [يونس:91] ما عرفت الله إلا اليوم آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:91-92] ولذلك رماه البحر، فأخرج جثته، وما زالت جثته إلى اليوم في أحد المتاحف هناك، فلا تأكله الأرض، ليكون عبرة لكل من ينظر، لكن الذي يحفظ الله في الرخاء يحفظه الله في الشدة، إذا ضاقت عليك الضوائق وأتت عليك المصائب وكنت في الرخاء تذكر الله وتقوم بحدود الله؛ ينجيك الله ويجعل لك مخرجاً.

فامسك يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان

 

أعلى الصفحة


يونس عليه السلام عرف الله في الرخاء



يونس عليه السلام أحد الأنبياء كان يحفظ الله في الرخاء، كان مصلياً، صائماً للنهار، قائماً لليل، ذاكراً لله، غضب على قومه فخرج منهم وما استأذن الله، والواجب أن يستأذن ربه، لكن قومه عاندوه، يقول لهم: هذا الطريق المستقيم، فيقولون له: لا.

فلما ركب السفينة في البحر، أخذت الريح تلعب بالسفينة، فقال ربان السفينة: معنا رجل مذنب ولا يمكن أن تهدأ الريح حتى تنزلوا هذا الرجل من السفينة -حتى قواد السفن والطائرات يعرفون أنه لا يأتي الخلل إلا من ذنوب وخطايا، فقالوا: استهموا -قرعة- فوقعت القرعة في يونس عليه السلام، فأقرعوا ثانية فوقعت فيه، فأقرعوا ثالثة فوقعت فيه، فأخذوه بيديه وبأرجله وأوقعوه في البحر في الليل.

سبحان الله! لا قريب ولا أهل ولا زوجة ولا ولد، رموه هكذا في وسط البحر وسط الليل المظلم، وليته بقي على خشبة أو بقي يسبح لكن ابتلعه الحوت، ما وقع في البحر إلا والحوت فاغر فاه فأطبق عليه، فأصبح في ظلمات ثلاث؛ ظلمة الليل وظلمة اليم وظلمة بطن الحوت.

فمن يتذكر؟ هل يتصل بأهله، هل يكلم أخاه أو قومه؟ لا. قال: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] رد إلهامه إلى الله.

ونادِ إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى


وأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا


فلما قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قذفه الحوت في الشاطئ، وأنجاه الله الذي يقول للشيء كن فيكون؛ لأنه حفظ الله في الرخاء.

يذكر ابن القيم في كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي قصة لرجل من الصالحين كان يصوم النهار ويقوم الليل، والصلاح ليس بكلمة تقال، أو خطبة جمعة يخطبها الإنسان، فإذا خرج فإذا هو من أظلم الناس وأفجرهم، وإذا هو قاطع رحم، أو عاقٌ لوالديه، يفجر، ويحلف اليمين الغموس، وهذا ليس بصلاح، الصلاح عمل وخوف من الحي القيوم.

فهذا الرجل الصالح كان يشتغل بالتجارة، وكان كثير الذكر والتلاوة والصيام والعبادة، فخرج ببغلات له يشتغل فيها على التجارة، فمر به مجرم فقال: يا فلان! أوصلني إلى ذلك المكان فقال: اركب معي، فركب معه، فلما أصبحوا في غابة لا يراهم إلا الله، أخرج المجرم خنجراً، وقال لهذا الرجل الصالح: ادفع ما عندك من مال فوالله لأقتلنك.

قال الرجل الصالح: أسألك بالله الذي قامت به السماوات والأرض أن تأخذ ما عندي من مال وما عندي من تجارة وتتركني، أنا عندي أبناء وأمهم ولا يعولهم بعد الله إلا أنا.

قال: والله الذي لا إله إلا هو لأقتلنك.

قال: فأسألك بمن قامت به السماوات والأرض أن تتركني لأصلي ركعتين قال: صلِّ ركعتين واستعجل، فقام فتوضأ وقام ليصلي قال: فلما كبرت نسيت كل آية في القرآن من الخوف والله ما ذكرت إلا قوله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62] من يجيب المضطر إلا الله! من يكشف السوء إلا الله! من يشافي المريض إلا الله! من يجبر الكسير إلا الله!

قال: فقلت في نفسي: يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني! يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني! يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني!

قال: والله ما انتهيت من الدعاء إلا وفارس أقبل على فرس من آخر الوادي، ومعه رمح فأرسل رمحه فوقع في لبة هذا الرجل فإذا هو مقتول على قفاه.

فقال: أسألك بالله من أنت؟

قال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه.

لما دعوت الدعوة الأولى كنت في السماء السابعة، ولما دعوت الدعوة الثانية كنت في الرابعة، ولما دعوت الثالثة أتيت إلى الأرض لأقتل هذا المجرم.

وهذا من كرامات الأولياء عند أهل السنة والجماعة .

نعم من يحفظ الله في الرخاء يحفظه في الشدة. يقول عليه الصلاة والسلام لـابن عباس : {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف }.

هذه -يا عباد الله- قضايا لا بد أن تفهم لكل مسلم، إن من لا يحفظ الله لا يحفظه الله.

أعلى الصفحة


التوبة وعواقبها الحميدة




ومن القضايا التي أريد أن أذكر بها نفسي وإياكم: قضية التوبة؛ أن نتوب إلى الله ونستغفره ليلاً ونهاراً، فقد أخطأنا كثيراً، وأسأنا وتعدينا كثيراً، وليس لنا إلا التوبة: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] والله سبحانه وتعالى يقول: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135-136].......


قصة الرجل الذي أوصى أن يُحرق بعد موته



يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين : {كان فيمن كان قبلكم رجل أسرف على نفسه في الخطايا، فلما حضرته الوفاة قال لأبنائه: إذا مت فأحرقوني بالنار، ثم اسحقوني ثم ذروني فوالله لو قدر الله عليَّ لعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين -سبحان الله! ظن أنه يفوت على الله- فلما مات أحرقوه بالنار وسحقوه وذروه، وأخذته الريح في كل مكان، فجمعه الذي أنشأه أول مرة، وأحياه سبحانه وتعالى الذي يقول للشيء: كن فيكون، فلما أصبح أمامه رجلاً قال: يا عبدي ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب! خفتك وخشيت ذنوبي قال الله: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة }.

أعلى الصفحة


قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً



هذا تائب أقبل على الله عز وجل وتاب فغفر الله له ذنوبه، فأوصيكم ونفسي بالتوبة والاستغفار، ومراجعة الحساب معه سبحانه وتعالى والرجوع إليه.

في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: {أن رجلاً قتل تسعة وتسعين نفساً فأتى إلى رجل عابد قال: هل لي من توبة؟ قال: لا. ليس لك توبة } سبحان الله! من يغلق باب التوبة عليك! باب فتحه الله عز وجل كيف يغلقه هذا العبد؟!

إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار


وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار


قال: {ليس لك توبة، فقتله فوفى به المائة، وذهب إلى عالم قال: هل لي من توبة؟ قال: نعم. ومن يغلق عليك باب التوبة، وباب التوبة فتحه الله حتى تطلع الشمس من مغربها، فتاب إلى الله، قال: إني أرشدك أن تخرج من قريتك التي أنت فيها؛ لأنها قرية سوء -بعض القرى سيئة، أهلها ظلمة لا يعينونك على طاعة الله- فخرج من القرية، ولما أصبح في منتصف الطريق مات فنـزلت ملائكة العذاب وملائكة الرحمة واختصموا فيه، ملائكة الرحمة يقولون: خرج منيباً إلى الله فجزاؤه أن يدخل الجنة، وملائكة العذاب يقولون: مات وما عمل لله عملاً صالحاً، فجزاؤه النار، فأوحى الله إليهم أن قيسوا ما بين المسافتين، فإن كان أقرب إلى القرية التي خرج إليها فهو من أهل الجنة، وإن كان أقرب من القرية التي خرج منها فهو من أهل النار، فأتوا يقيسون بالأشبار فأوحى الله إلى تلك القرية أن تقربي وإلى تلك القرية أن تباعدي، فكان أقرب إلى تلك القرية الصالحة فكان من أهل الجنة } فيا الله! من لهذا العبد الضعيف المذنب يوم لا يجد راحماً إلا الله، عطاء الله ممنوح، وبابه مفتوح، ونواله يغدو ويروح.

أعلى الصفحة


قصة المرأة التي زنت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم



أتت امرأة إليه صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح- فأخبرته أنها زنت، وأنها أسرفت على نفسها، فأشاح صلى الله عليه وسلم بوجهه لا يريد أن تعترف، لأنه يقول: {ادرءوا الحدود بالشبهات } يريد أن يستر على هذه المرأة، فأتته من الجهة الأخرى فاعترفت، فأشاح حتى اعترفت أربع مرات، وهي تطلب أن يطهرها عليه الصلاة والسلام، وهي ثيب، وحد الثيب أن ترجم بالحجارة حتى تموت، لكن قدمت نفسها رخيصة في سبيل الله.

فقال لها صلى الله عليه وسلم: {عودي حتى تضعيه } فعادت حتى وضعت ولدها وأتت به في لفائف، فرآه صلى الله عليه وسلم فقال: {عودي حتى ترضعيه } فأرضعته سنتين، ثم جاءت به وفي يده كسرة خبز، جاءت صابرة محتسبة تريد الله والدار الآخرة؛ فأُخذ ولدها ثم أخذوها وذهبوا يرجمونها بالحجارة وهي صابرة محتسبة، فلما رجموها طاش شيء من دمها على أحد الصحابة فسبها فقال عليه الصلاة والسلام وقد سمعه: {والذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها سبعون رجلاً من أهل المدينة لوسعتهم } وفي لفظ: {والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها أهل المدينة لوسعتهم، والذي نفسي بيده إني لأراها تنغمس في أنهار الجنة } هذا هو ربنا التواب الرحيم سبحانه وتعالى.

أعلى الصفحة


أخذ العبرة من الموت وما بعده




تنبهوا يا رقود إلى متى ذا الجمود


فهذه الدار تبلى وما عليها يبيد


الخير فيها قليل والشر فيها عتيد


والعمر ينقص فيها والسيئات تزيد


فاستكثر الزاد فيها إن الطريق بعيد


أمامك حفرة مظلمة لكنها للمتقين روضة من رياض الجنة، أمامك قبر تردى فيه الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء والتجار.

أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق


نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا


صمٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق


مر مجدد القرن الأول الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، يوم العيد، وقد كان خليفة المسلمين من طاشقند في الشمال إلى جنوب أفريقيا ، ومن مشارق سيبيريا إلى الأندلس إلى شرق نهر السند كلها يملكها رضي الله عنه وأرضاه، فنـزل يوم العيد فرأى المقابر؛ فبكى حتى جلس، فقال: [[يا أيتها المقابر! كم فيك من حبيب! كم فيك من قريب! ما كأنهم أكلوا مع من أكل، وما كأنهم شربوا مع من شرب، ما كأنهم ضحكوا مع من ضحك ]] ثم قال: [[يا موت! ماذا فعلت بالأحبة؟ ثم بكى وأجاب نفسه بنفسه وقال: أتدرون ما يقول الموت؟ قالوا: لا. قال: يقول: أكلت الحدقتين، وفقأت العينين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، والعضدين عن الكفين، والقدمين عن الساقين، والساقين عن الركبتين ]].

إن كنت تريد الخلود -أيها المسلم- والسعادة والرضا فاعمل للجنة:

اعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بان

المصدر: الشبكة الاسلامية
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 73 مشاهدة
نشرت فى 11 فبراير 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

296,367