( فرصة للاستثمار ) للشيخ : ( عائض القرني )

( عدد القراء 14988)

عناصر الموضوع
1 حديث: (الطهور شطر الإيمان)
2 معنى: (الطهور شطر الإيمان)

3 معنى: (والحمد لله تملأ الميزان)
معنى الحمد
ما هو الميزان؟
أنواع الميزان
4 معنى: (سبحان الله)
إثبات التسبيح لجميع الكائنات
فضل التسبيح
تسبيح الهروي في قصته مع السلطان ابن سبكتكين

5 شرح قوله: (والصدقة برهان)
فضل الصدقة
أسرار الصدقة وكرماء العرب
6 شرح قول: (والصبر ضياء)
نماذج من الصابرين
أقسام الصبر

7 القرآن حجة لك أو عليك
8 كل الناس يغدو
من هو معتق نفسه ومن هو موبقها؟

9 فضل التكبير والتهليل
10 واقعنا مع الحديث
واقعنا مع الصلاة
واقعنا مع الصدقة
واقع الصبر في حياة المسلمين



فرصة للاستثمار

تحمل كلمة الاستثمار في هذه المادة معانٍ عظيمة، ومعانٍ سامية، تختلف تماماً عن تلك المعاني التي يتداولها الناس لهذه الكلمة .

إنها تجارة مع الله، ثمرتها جنة عرضها السماوات والأرض، أعدت للمتقين.

ومجالات هذه المتاجرة هي: الطهارة، الذكر، الصلاة، الصدقة، الصبر، قراءة القرآن، وغير ذلك من العروض المغرية التي يعرضها الشيخ في حديثه هذا.

حديث: (الطهور شطر الإيمان)




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أنتم صفوة الناس، ولا يحضر بيوت الله ولا يجلس فيها، ولا يتهيأ لسماع المواعظ، ولا يستفيد من الآيات والأحاديث إلا صفوة الناس، ولا يعرض عن اللغو ويذهب إلى مجالسة الصالحين إلا صفوة الناس، ولا يحب الدين، ولا يسعد بآيات رب العالمين، ولا يتبع سيد المرسلين إلا صفوة الناس.

عنوان هذه المحاضرة: (فرصة للاستثمار) والناس استثمروا أموالهم ومناصبهم وسيروا حياتهم في غير مرضات ربهم إلا القليل.

باسمك اللهم ثم الحمد لك والتحيات وتسبيح الفلك


وصلاة الله للمختار ما سبح القمري وغنى بشرك


هذه ألفاظه قد أينعت وقطفناها أخي المسلم لك


فارعها سمعك حياك الذي جعل الكون على نهج الحبك


أما الحديث: فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها } رواه مسلم ، وأحمد ، والترمذي ، والدارمي ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، وابن ماجة ، والبيهقي في كتاب السنن ، والطبراني ، وابن حبان ، وابن مندة في كتاب الإيمان .

هذا هو الحديث الذي معنا هذه الليلة، وهو من أشرف أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام.

أما عناصره فهي:

الطهارة: في الكتاب والسنة، وفضل الوضوء، وطهارة الباطن والظاهر.

كلمة شطر ومعناها، هل هي مرادفة للنصف؟ ولماذا يكون الطهور شطر الإيمان؟

ما هو الإيمان عند أهل السنة ؟ وما الفرق بين الإسلام والإيمان؟ وهل الإيمان يزيد وينقص؟

الحمد لله ما معناها؟ من هو المحمود؟ ما هو فضل الحمد؟

ما معنى تملأ الميزان؟ ما هو الميزان؟ هل هو محسوس؟ وهل توزن الأعمال فيه؟ ومعتقد أهل السنة والجماعة في الميزان؟

سبحان الله، ما معنى التسبيح؟ تسبيح الكائنات ما هو؟ فضل التسبيح، وتملأ ما بين السموات والأرض كيف تملأ؟

اتساع الميزان أو اتساع السماوات والأرض؟ وما معنى: (عرضها السماوات والأرض) عند أهل العلم، في قوله سبحانه وتعالى: عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [آل عمران:133]؟

(الصلاة نور) ما هو فضل الصلاة؟ وما هو النور؟ وما علاقة الصلاة بالنور؟

(والصدقة برهان) فضل الصدقة، وما معنى البرهان؟ سر أسرار الصدقة.

(الصبر ضياء) ما هي أقسام الصبر؟ ولماذا قال صلى الله عليه وسلم: (الصبر ضياء) وقال: الصلاة نور؟ وما الفرق بين النور والضياء؟

(القرآن حجة لك أو عليك) فضل القرآن، أمة القرآن، المذهب الاستعماري والغزو الفكري في تحطيم مبدأ أمة القرآن.

(فبائع نفسه) من الذي اشترى؟ ما هو العقد؟ متى تتم البيعة؟ ما هي السلعة المشتراة؟

آيات الشراء والبيع في القرآن، الصكوك التي وقعها محمد عليه الصلاة والسلام.

(معتقها) العتق الحقيقي، الرق الحقيقي، أسباب العتق.

(أو موبقها) معنى أوبق عند أهل اللغة، أسباب الهلاك، ما هي موبقات الأعمال؟

فنسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم، وأن يفتح علينا وعليكم، وأن يزيدنا توفيقاً وإياكم.

هذا الحديث بدأه عليه الصلاة والسلام بجمله المختصرة النافذة، وبعباراته البليغة التي شحذت الأمة العربية، فعلمتها البلاغة، ومعجزته صلى الله عليه وسلم من المادة التي أجادها العرب، فقد أجادوا الفصاحة، وهم أمة الشعراء والبلغاء، فأتى صلى الله عليه وسلم، فضربها من جنس جماعتها، وأورد سوقها بزها، فأتى عليه الصلاة والسلام فبزها.......


معنى: (الطهور شطر الإيمان)




قال صلى الله عليه وسلم: {الطهور شطر الإيمان }.

الطهور هو: النقاء والصفاء، قال سبحانه وتعالى: إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [الأعراف:82] وقال سبحانه وتعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] قيل دينك طهره من الأدناس، وقيل عرضك، وقيل ثيابك الظاهرة طهرها إذا أردت أن تصلي، واستدل أهل العلم بهذه الآية على وجوب تطهير الثياب، وأنها من شروط الصلاة، وقال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] وقال سبحانه وتعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [الحج:26].

فالطهر دينه، والطاهر رسوله، والطاهر بيته، والله يحب التوابين ويحب المتطهرين، هذا الطهور، وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الطهور الوضوء، وعند الترمذي : {الوضوء شطر الإيمان } وعند مسلم (الطهور) فرادف بينها صلى الله عليه وسلم، وسمي طهوراً؛ لأنه يطهر الأعضاء، فنصف باطن ونصف ظاهر، فالظاهر يطهر بهذا الطهور، والباطن عمارته بلا إله إلا الله، فتجتمع عند المسلم طهارتان: طهارة في الظاهر، وهي الوضوء والغسل، وطهارة في الباطن، وهي الإيمان الذي غرسه الله في القلوب.

أما شطر: فهو عند أهل اللغة نصف، يقال شطر الشيء نصفه، ويقال شطر للقسمين، ولو لم يكونا نصفين كثلث وثلثين، فتقول لهذا الجزء شطر وهذا شطر.

إذا مت كان الناس شطرين شامت بموتي ومثن بالذي كنت أفعل


هذا هو الشطر، فالرسول عليه الصلاة والسلام جعل الطهور الظاهر شطراً ونصفاً، وجعل ذاك نصفاً، فصلى الله وعليه وسلم ما أبلغه!

أما الإيمان -إخوة الإيمان- ففيه ثلاث قضايا:

الأول: إذا ذكر الله الإيمان وحده دخل فيه الإسلام وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35] وإذا ذكر الإسلام مع الإيمان فالإسلام شيء والإيمان شيء آخر قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا [الحجرات:14] فلما ذكر الإسلام والإيمان قال أهل العلم: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. وإذا ذكر الله عز وجل الإسلام وحده شمل الإيمان وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] يشمل الإيمان أيضاً، فخذها قاعدة لتفهم.

الثاني: الإيمان يزيد وينقص عند أهل العلم، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والمؤمنون متفاوتون في الدرجات، فأعلاهم بعد محمد عليه الصلاة والسلام أبو بكر ، ثم يبدأ العد التنازلي حتى يصل إلى من ليس في قلبه إلا مثقال ذرة أو شعيرة أو حبة من خردل، والناس ينجون يوم القيامة على الصراط بحسب إيمانهم، ولا يثبت إلا من زاد إيمانه، ويدخل بعض المؤمنين النار، ثم يخرجهم الله من النار بما في قلوبهم من إيمان، أعاذنا الله وإياكم من النار.

وأما الإيمان فإنه درجات، ومن يفعل كبيرة قالوا: يخرج إلى درجة الإسلام، فأعظم الدرجات الإحسان ثم الإيمان ثم الإسلام، فكل محسن مؤمن وكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن ولا كل مؤمن محسن.......


معنى: (والحمد لله تملأ الميزان)




وقال صلى الله عليه وسلم: {والحمد لله تملأ الميزان }.......


معنى الحمد



الحمد: الثناء العاطر على من يستحق الثناء، ولا يستحق الثناء لذاته إلا الله، ولذلك سبقت معنا في محاضرة أو درس: اللهم اهدني فيمن هديت، الحمد ووصفه.

والله حمد نفسه ويحب المدح يقول الأسود بن سريع وهذا عند أحمد في المسند وعند الطبراني قال: {أتيت الرسول عليه الصلاة والسلام فقلت: يا رسول الله! ألا أنشد محامد حمدت فيها الله؟ -يعني: قصيدة نظمتها في الله- قال صلى الله عليه وسلم: أما إن ربك يحب المدح } ولذلك مدح الله نفسه، وأثنى على نفسه بنفسه، فوصف نفسه ونزه نفسه وقدس نفسه، وأثنى على نفسه، فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام:1] وقال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [فاطر:1] وقال: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].

والحمد غير الشكر، فالشكر على صنيع.

أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا


فإذا قدم لك إنسان جميلاً قلت: شكر الله لك، أما الحمد فهو الثناء، سواءٌ لمن قدم لك جميلاً أولا، والله محمود لثلاثة أسباب:

أولاً: ما من نعم ظاهرة ولا باطنة إلا من الله قال تعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53].

ثانياً: محمود لأفعاله، فأفعاله كلها كاملة وممدوحة وطيبة لا عيب فيها.

ثالثاً: أن أسماءه وصفاته كلها صفات حمد، فلا ينام، وليس ببخيل، وليس بجبان، ولا يختل صنعه، إنما صفاته كلها صفات حمد، حكيم عليم قدير رحيم تبارك الله رب العالمين.

أعلى الصفحة


ما هو الميزان؟



أما قوله عليه الصلاة والسلام: {الحمد لله تملأ الميزان } ففيه قضايا:


ما هو الميزان؟

قيل: ميزان الأعمال التي تسجل فيه الحسنات في يوم العرض الأكبر، والصحيح عند أهل السنة أنه محسوس خلافاً لعلماء الكلام والمناطقة الذين قالوا: إن هذا الميزان وهمي، وليس ميزاناً محسوساً، وإنما ضربه صلى الله عليه وسلم للناس ليفهموا عنه ذلك، وهذا خطأ، بل الميزان محسوس ينصبه الله يوم القيامة، وله كفتان ولسان كما قال تعالى: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ [الأعراف:8] ويقول الله سبحانه وتعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] ويقول سبحانه وتعالى: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ [الأعراف:8-9] ويقول سبحانه وتعالى: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:1-11].

فيضع الله الحسنات في كفة، والسيئات في كفة، وفيه دليل لـأهل السنة أن الحسنات تصبح مجسمة، فيجسم لك الله حسناتك، وفي الصحيح: أن الله عز وجل يمثل العمل الصالح في القبر على صورة شاب مليح أو رجل حسن الهيئة، ويمثل أعمال المجرم والسيئ بصورة رجل قبيح الهيئة؛ فالله يجسم الأعمال، فتأتي الأعمال في أجسام، كالصدقة والصيام والحج وبر الوالدين وحسن الخلق، فيضعها الله في كفة، ويجسم الله الأعمال السيئة كالكذب والنفاق والغيبة والنميمة والربا والغناء، فيضعها الله في كفة.

ومن الذي يحكم على الميزان؟ من الذي ينظر للسان الميزان؟

الله الواحد الأحد لا ظُلْمَ الْيَوْمَ [غافر:17] وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].

وورد أن الله عز وجل بعد نفخة الصعق ينادي: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه ملك مقرب ولا نبي مرسل فيجيب نفسه بنفسه: لله الواحد القهار، وينادي سبحانه وتعالى: {أين ملوك الأرض؟ أين المتجبرون؟ أين المتكبرون؟ } ثم هو سبحانه وتعالى ينصب الميزان، وهو الذي يراقب الميزان.

وورد عن ابن عمر في حديث صحيح: {أن رجلاً يأتي يوم العرض الأكبر، فيحاسبه الله، فيرى الرجل ويتيقن أنه قد هلك فيقول: خذوه إلى النار، فيأخذونه، فيلتفت الرجل فيقول: يا رب ما ظننت أنك تفعل بي هكذا، فيقول سبحانه وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي! غفرت لك! } وفي حديث ابن عمر الآخر: {أن الله سبحانه وتعالى يدني العبد فيضع عليه كنفه، فيكلمه سبحانه وتعالى سراً بينه وبينه فيقول: فعلت كذا يوم كذا وكذا قال: نعم يا رب! قال: فعلت كذا يوم كذا وكذا، قال: نعم يا رب! قال: فعلت كذا يوم كذا وكذا من المعاصي والكبائر قال: نعم يا رب! قال: فإني سترتها عليك في الدنيا وغفرتها لك اليوم } وصح عنه عليه الصلاة والسلام: أن رجلاً من الأمة يأتي، فيرى أن سيئاته قد رجحت، وأن حسناته قد خف ميزانها فيرى أنه قد هلك، فيقول سبحانه وتعالى: ائتوني ببطاقة عبدي، فيؤتى ببطاقة مكتوب فيها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فتوضع في الكفة فترجح. ولا يرجح مع اسم الله شيء.

هذه من المعالم الخالدة في الميزان، ويقول سبحانه وتعالى: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ [الرحمن:1-7].

أعلى الصفحة


أنواع الميزان



قال أهل العلم: الميزان اثنان:

ميزان في الدنيا وهو العدل، وهو الميزان الذي يتحاكم به الناس في الدماء والفروج والأموال والأشياء والذوات والمبيعات والمكيلات والموزونات، فالله أقام الدنيا على العدل، وجعل السلطان بالعدل، وأنزل السيف بالعدل.

وهناك الميزان الذي لا يحكم فيه إلا الله، ولذلك يقول: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] فلا يحكم إلا هو، ولا يظلم أحداً وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46] فالأعمال توزن وتجسم، فعلى العبد أن يعتني ليرجح ميزانه عند من لا يظلم سبحانه وتعالى.

أعلى الصفحة


معنى: (سبحان الله)




وأما قوله عليه الصلاة والسلام: {سبحان الله }.

فسبحان الله معناها: ننزهك يا رب، فالتسبيح: التنـزيه والتقديس له، نسبحه: ننفي النقائص عنه، ولا يستحق المدح إلا الله، فإنه ليس في صفاته عيب ولا ثلم، أما النفي المحض الذي ليس فيه مدح، فليس من منهج أهل السنة ؛ لأنه لا يفيد المدح، فإنك لو أتيت إلى البشر -ولله المثل الأعلى- وقلت لأحد ملوك الدنيا: يا من ليس يكنس الشارع! ويا من ليس يبخل! ويا من ليس يكذب! ويا من ليس منافقاً! فلا يعد ذلك مدحاً حتى تقول: يا أجود الناس! ويا أعدل الناس! ويا بركة العصر! فنحن إذا نفينا نفياً محضاً، فلا بد أن نثبت كمال الضد، فنقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، ولذلك قال سبحانه: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات:180].

فوصف نفسه بالعزة، ونفى ما وصفه الناس مما لا يليق به سبحانه وتعالى، ثم قال: وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [الصافات:181] فأثنى عليهم أنهم بلغوا الرسالة، ثم نسب المدح له، فلا يمدح في السراء والضراء إلا هو، تذهب العيون والأسماع والأبصار فنقول: الحمد لله، ويأتي الرسول صلى الله عليه وسلم خبر قتل الصحابة؛ فيأتي متأثراً باكياً نادماً فيه لوعة وأسى فيقول: الحمد لله على كل حال، ويموت طفله بين يديه فيقول: الحمد لله، وتموت بناته ويقول: الحمد لله، فلا يحمد على المكروه إلا الله، ولذلك لما دمر الأمم قال: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45] ولذلك لا يقال للبشر: دمرت بيتي شكر الله لك، ولا ضربت ظهري شكر الله لك، إنما ذلك في حق الله تعالى لا في حق البشر.......


إثبات التسبيح لجميع الكائنات



قال: وأما التسبيح، فهل تسبح جميع الكائنات؟

نعم. كما قال تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً [الإسراء:44] قال الرازي والغزالي : لا تسبح الكائنات بلسان المقال، وهؤلاء أشاعرة بل هم أساتذة الأشاعرة ، ولكن ليس عندهم علم الحديث، وليسوا بصيارفة في بضاعة النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك ضلوا في بعض المسائل، مع أنهم أذكياء.

فقد كان فخر الدين الرازي ذكي الدنيا، وهو صاحب التفسير الذي لا يستطيع حمارٌ أن يحمله، يقولون: في تفسيره كل شيء إلا التفسير، وفيه خير كثير.

وأنا أستطرد في الحديث عنه قليلاً، كان واعظ الدنيا، إذا وعظ أبكى الملوك، كان يغمى على الملوك في مجلسه من الوعظ، ويرشون بالماء، وجلس مرة بعد صلاة الفجر يدرس في الشمال في خراسان ، وكان الجو قارساً بارداً، فتجمدت حمامة من البرد ووقعت عليه، فقال أحد الشعراء:

كذب امرؤ بـأبي علي قاسه هيهات يبلغ مستواه
1001914>أبو علي

ثم انتقل إليه في قصيدة أخرى وقال:

جاءت سليمان الزمان حمامة تسعى إليه بقلب صب واجف


من أخبر الورقاء أن مكانكم حرم وأنك ملجأ للخائف


وكانت من ألطف الأبيات، فيقول الرازي : الكائنات لا تسبح بألسنتها، فالحمام لا يسبح، والشجر لا يسبح بلسانه، والحجر لا يقول: سبحان الله، والمروحة عنده لا تقول: سبحان الله، إنما تسبح بلسان الحال، أي: أنها تشهد شهوداً ظاهراً أنَّ الخالق الله، ولذلك قيل للرسول عليه الصلاة والسلام: اقرأ وهو في الغار، فأين يقرأ؟ قال: في كتاب الكون.

إيليا أبو ماضي شاعر لبناني مسيحي مجرم، لكن شعره جميل، وله ديوان الجداول والخمائل ، يقول:

وكتابي الفضاء أقرأ فيه سوراً ما قرأتها في كتاب


فالكون كتاب الوحدانية، نقرأ في التل والرابية والهضبة، ونقرأ في الحمامة وفي الوردة وفي الزهرة وفي أشياء تدلك على الله.

وقال أهل العلم: نثبت التسبيح لها، ولعل لها لغة لا نفهمها نحن، تسبح بها، والله يعلم سبحانه وتعالى وأنتم لا تعلمون.

سخروف هذا العالم الروسي الذي نفي أيام برجنيف إلى سيبيريا أثبت أن للنبات ذبذبات، كان بعض علماء السلف يقول: النباتات تسبح، فأتى العلم الحديث يقول: النبات يطلق ذبذبات من الصوت لا يفهمها إلا النبات الآخر، فسبحان من خلق، فالعلم الآن يدعو إلى الإيمان، وكلما ارتقى العلم أثبت وجود الواحد الأحد، ولذلك العالم اليوم أحسن منه في الإيمان قبل سنة، وبعد سنة قد يكون أحسن مما هو عليه اليوم، والإسلام يزحف على العالم ليدخل الناس في دين الله أفواجاً.

أعلى الصفحة


فضل التسبيح



أما فضل التسبيح: فيقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {من قال: سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت كزبد البحر } وعند الترمذي بسند حسن: من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة } وقال أبو ذر فيما صح عنه: { يا رسول الله أي الكلمات أحسن؟ قال:{ما اصطفى الله لعباده، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم } وكان يقول عليه الصلاة والسلام وهذا آخر حديث في صحيح البخاري ختم به صحيحه ، وروى هذا الحديث أيضاً مسلم ، ورواه أيضاً أحمد ، والترمذي ، وابن ماجة ، والنسائي ، وصححه ابن حبان ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم } وهذه الكلمة من ألطف الكلمات، وهي من أسهل الكلمات.

قال ابن الجوزي في صيد الخاطر كلاماً ما معناه يقول: عجباً لك إذا علمت أن كل كلمة بغرسة في الجنة وبنخلة، فكم يضيع عليك من النخلات؟! بعض الناس يتحدث ساعتين بالهرج والضياع والهراء والبغاء والفحش، وإذا طلبت منه أن يسبح قال: ساعة لربك وساعة لقلبك، والدين يسر، وليست الطاعة كل يوم.

وعند الترمذي : {أنه صلى الله عليه وسلم مر بإبراهيم الخليل -شيخ التوحيد- فقال: من؟ قال: محمد. قال: نعم. قال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح } ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يفتخر بالنسب إلى إبراهيم ويغتبط ويسر ويقول للناس: {أما عيسى بن مريم فأشبه الناس بهعروة بن مسعود الثقفي ، وأما موسى فرجل آدم كأنه من رجال شنوءة، وأما إبراهيم فأشبه الناس به صاحبكم } يعني: نفسه صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:68] فالرسول صلى الله عليه وسلم أشبه الناس به، فقال إبراهيم عليه السلام: {أقرئ أمتك مني السلام } عليه الصلاة والسلام، يقول: بلغهم السلام، وكان إبراهيم في السماء السابعة، رفعه الله عز وجل؛ لأنه شيخ التوحيد، ثم موسى في السادسة، وهارون في الخامسة، وإدريس في الرابعة وهكذا، فقال: {بلغ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر } وفي سند هذا الحديث نظر، وهو في فضائل الأعمال، يقول عليه الصلاة والسلام عند مسلم : {لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس -وفي لفظ آخر أو غربت- } والتسبيح يستخدم للتعجب، يأتيك خبر يفحؤك، فتقول: سبحان الله! سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ [النور:16] وعندما ترى خلق الله في الكون تقول: سبحان الباري! ويأتي للتوجع يأتيك خبر فتقول: سبحان الله! ويأتي للإنكار فتقول: سبحان الله!

أعلى الصفحة


تسبيح الهروي في قصته مع السلطان ابن سبكتكين



كان أبو إسماعيل الهروي محمد بن عبد الله الأنصاري صاحب منازل السائرين من أشجع الناس، عالم خراساني يسمى شيخ الإسلام، هذا يتحدى السلاطين تحدياً سافراً، لا يقف له أحد، وكان من أكبر الأولياء لله عز وجل، وكان شاعراً بديعاً يقول لـنظام الملك ؛ السلطان العظيم الذي بنى مدارس العالم الإسلامي، وكان من السادات الكبار، دخل عليه أبو إسماعيل الهروي فقال:

بسيفك أدرك المظلوم ثاره ومن جدواك شاد الملك داره


وقبل هنئ الوزراء حتى نهضت بها تهنأت الوزاره


أراد الحسدة في خراسان أن يشكوه للسلطان ويقولون: إنه مشرك، وهو الذي يعلم الناس التوحيد؛ لعل السلطان أن يعزله أو يقتله أو يحبسه، فماذا فعلوا؟ أتوا بصنم على صورة إنسان نحتوه من ذهب ثم دخلوا مسجد أبي إسماعيل ، ووضعوا الصنم تحت السجادة، وذهبوا إلى السلطان والسلطان محمود بن سبكتكين أحد السلاطين الكبار، فقالوا: أبو إسماعيل الهروي يعبد الأصنام، قال: عجيب! قالوا: نعم. تحت سجادته صنم من ذهب يسجد عليه، قال للجنود: اذهبوا إلى السجادة وائتوني بالصنم، فذهبوا فوجدوا الصنم تحت السجادة، وأتوا بـأبي إسماعيل فأدخلوه وهو لا يدري ما القصة، فأخرج له الملك الصنم فقال: ما هذا يا أبا إسماعيل ؟ قال: هذا صنم، قال: ما حكم عبادة الصنم؟ قال: ملعون من يعبد الأصنام، قال: وأنت تعبد الصنم؟ قال: سبحانك هذا بهتان عظيم! قال: فكاد قلب محمود أن ينخلع، فقال محمود : كذبتم وصدق، ثم جلدهم من مائة جلدة وأخرجهم.

هذا أبو إسماعيل الهروي يقول: عرضوا رأسي للسيف خمس مرات، والله ما طلبوا مني أن أعود عن مذهبي، لكن طلبوا مني ألا أسب المذاهب فما وافقت، ما وافق لأنه يحب لا إله إلا الله، كان ابن تيمية يحبه ويقول: عمله خير من علمه؛ لأنه أحياناً في منازل السائرين يأتي بالفناء والشهود وكلمات الصوفية ، لكن إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث.

وله قصص عجيبة في هذا الباب:

أتوا بأحد تلاميذه ليقتله السلطان ظلماً؛ لأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فلما قدموه للخشبة ليشنقوه فقيل له: قل: لا إله إلا الله، قال تلميذه: يقول لي شيخي أبو إسماعيل الأنصاري : لا تعلف الدابة في أسفل العقبة، أي أن لا إله إلا الله لا تنفع إلا عند المشنقة، قل لا إله إلا الله من قبل، ولا يترك الإنسان نفسه ولا يذكرها إلا إذا أتاه الموت أو أصبح على السرير الأبيض في وقت المرض، فالدابة إذا أردت أن تصعد من تهامة ، وأردت أن تقويها، فلا ينفع أن تأتي في الصباح تعلفها الشعير حتى تسمن، بل اعلفها من قبل بمدة كافية، وهذا معنى كلامه، وهي من أبدع الكلمات.

أعلى الصفحة


شرح قوله: (والصدقة برهان)




أما قوله عليه الصلاة والسلام: {والصدقة برهان }.

فالبرهان هذا هو الشعاع الذي يلي الشمس، والشمس تسمى عند العرب: ذُكاء، ويسمى شعاعها: إِيَاك، وتسمى الشمس أيضا: الغزالة، يقول الشاعر:

غزالة أنت فجر الناس طراً وأنت الحاكم البطل المريع


يمدح الخليفة، فغضب الخليفة لأنه لا يعرف العربية الفصحى قال: اسحبوا ابن الفاعلة يدعيني أنا غزالة، قال: الغزالة هي الشمس لكنه لم يفهم، ولذلك قالوا: لا بد أن تخاطب الناس بقدر عقولهم، فالشاعر بليغ، وهذا لا يفهم شيئاً في اللغة العربية، وشعاعها يسمونه إِيَاك ولذلك يقول أبو عبيد : لا يقرأ إِيَاك في الصلاة، إذا قرأت الفاتحة وقلت: إِيَاك نعبد وإِيَاك نستعين بطلت صلاتك؛ لأن إِيَاك تعني: شعاع الشمس، يعني: الشمس نعبد والشمس نستعين، فلا بد أن تشدد فتقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وتسمى: ذكاء.

ومن اللطائف والاستطراد ما جاء في الصحيح: أن الله رد الشمس ليوشع أحد الأنبياء، فقاتل الكفار، وبقي على الانتصار قليل، وكادت الشمس تغرب، قال: اللهم ردها لي، فردها الله.

والشيعة يقولون: رد الله الشمس لـعلي بن أبي طالب لما نام عن صلاة العصر، وهذا كذب، وذكره البغوي والطحاوي وبعضهم، ورده ابن تيمية وأتى أبو تمام به في قصيدة له فقال:

فردت علينا الشمس والليل جاثم وشمس بدت في جانب الخدر تلمع


نضا ضوءها صبغ الدجنة وانطوى بطلعتها نور السماء المرجع


فوالله ما أدري علي بدا لنا فردت لنا أم كان في القوم يوشع


وهذا خطأ فما ردت لـعلي رضي الله عنه.

فمن معاني البرهان الشعاع، ومن معانيه الحجة القاطعة وقد قال تعالى: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا [الأنعام:148] وقال سبحانه وتعالى: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111] وإنما سمي برهاناً؛ لأنه واضح مثل شعاع الشمس، ولأنه صادع، ولأن الناس يرونه.......


فضل الصدقة



قال صلى الله عليه وسلم: {والصدقة برهان }.

أما الصدقة فلا تسأل عن حكمها، والصدقة إذا أطلقت في الكتاب والسنة فيقصد بها الزكاة المفروضة والنافلة، فقوله صلى الله عليه وسلم: {فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم } وقوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ [التوبة:60] يعني: الزكاة، فهي تشمل هذا وهذا والحمد لله.

وأما فضل الصدقة: فهي مكفرة للخطايا، وهي توسع صدر العبد، وعدها ابن القيم في زاد المعاد من أسباب شرح الصدر، وكذلك وصف صلى الله عليه وسلم رجلين كريماً وبخيلاً، برجلين عليهما جبتان، فلا يزال الكريم ينفق فتتسع الجبة ولا يزال البخيل يمسك فتضيق عنه، فيقول أبو هريرة : فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع } يعني الجبة من ضيقها، ولذلك نفوس البخلاء من أضيق النفوس؛ لأنهم ما بذلوا، ونفوس الكرماء من أشجع النفوس ويقولون: في الغالب تجتمع للكريم الشجاعة، وللشجاع الكرم، وغالباً يجتمع في البخيل الجبن وفي الجبان البخل، فتجد الشجاع دائماً كريماً؛ لأنه يجود بنفسه صباح مساء، يقول بعضهم:

يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود


وهذا في كرم النفوس، فيقول صلى الله عليه وسلم: {والصدقة برهان } دليل على صدق صاحبها في الإيمان، والمنافق لا يتصدق، وأبخل الناس في الأموال المنافق، فإنه يكدس الدنيا ولا ينفق أبداً؛ لأنه لا يؤمن بموعود الله، فهو ليس حريصاً على قيام الليل؛ لأن أخبار لقاء الله عز وجل وأخبار الكتاب والسنة ليست موثوقة عنده، وكذلك لا يتصدق لأنه يقول: عصفور في اليد ولا عشرة فوق الشجرة، ويقول:

خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل


ويقول سبحانه وتعالى: وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [النساء:37] لذلك تجد المنافق يقول: أمسك مالك، ودع الإسراف والتبذير، ولا تضيف هؤلاء الضيعة من الناس، ولو افتقرت لما ضيفك منهم أحد، ولا ينفعك إلا مالك، وادخر درهمك الأبيض ليومك الأسود!! ويأتيك بهذه المقالات، ومن أحسن من كتب في هذا الجاحظ في كتاب البخلاء فقد أتى بالبدائع في بخل بعض الناس، حتى إن أحدهم يلقي محاضرة إذا قدم الطعام، منهم أحد البخلاء قدم تيساً محنوذاً، والتيس معروف، فأتى هذا الضيف يأكل منه، فقال له البخيل: يظهر أن أمه نطحتك، كأنه أخذ يلعب بالتيس لعباً، وكأنه يقطع من كبد المضيف، فقال له الضيف: وكأن أمه أرضعتك، يعني: لماذا تحن عليه؟ هل بينك وبينه نسب؟! الحمد لله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وذكر من قصصهم كثير وكثير ولولا أن الوقت لا يسمح لأوردت بعض القصص من أخبارهم والله المستعان.

أعلى الصفحة


أسرار الصدقة وكرماء العرب



أما أسرار الصدقة، فقالوا: تشرح الصدر، وتكفر الخطايا، والصدقة في السر تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وتحبب الخلق إلى الإنسان.

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ


وهو من أجود ما يكون، وكرماء العرب اختلف فيهم، وأكرم الناس منذ أن خلق الله الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي في القائمة بعده أبو بكر الصديق الذي دفع ماله في سبيل الله، وما دفعه ليشكر في الدنيا، وإنما يبتغي به وجه الله، وأثنى عليه ربنا في كتابه فقال: الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:18-21] من أجل أن يرضى يوم العرض الأكبر وسوف يرضيه الله تبارك وتعالى.

وأما بعض الكرماء فإنهم ينفقونها رياءً وسمعة وطلباً للمحمدة، ويعطيهم الله المحامد مثل حاتم الطائي ، لا يخلو مجلس من ذكر حاتم ، لكن ليس له في الدنيا إلا الذكر وليس له في الآخرة من خلاق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح ابن حبان لـعدي بن حاتم : {إن أباك طلب شيئاً فأصابه } طلب الذكر فأصابه، وكان حاتم هذا كريماً من فطرته.

وكان صلى الله عليه وسلم يستعرض الأسارى، فقامت امرأة متحجبة -بنت حاتم الطائي - فقالت: {يا رسول الله! إن أبي كان يقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، ويحمل الكل، ويعين الملهوف، أنا بنت حاتم الطائي ، قال صلى الله عليه وسلم: خلوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه }.

يقولون: كان حاتم وهو طفل يرضع من ثدي أمه، فأتت أمه بطفل آخر يرضع معه على الثدي الآخر، قالوا: فإذا رفع ذلك الطفل رأسه رفع حاتم رأسه، فإذا رضع رضع، هذا من ضمن ما ذكروا عنه، وأتاه أضيافه فما وجد قرى فنحر فرسه، إلى غير ذلك من الأخبار.

أرسله أبوه يرعى الإبل في البادية، فمر ضيوف فقال: من أنتم؟ قالوا: هل تضيفنا في هذه البادية فلم يضيفنا أحد؟ قال: هذه ضيافتكم وأعطاهم الإبل.

وكان حاتم نحيفاً؛ لأنه ما كان يأكل الطعام، كان إذا أتى الطعام دعا الناس جميعاً فأكلوا الطعام وبقي هو جائعاً، فقال أبياتاً من الشعر نسبت له ولـعروة بن الورد :

أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى بوجهي شحوب الحق والحق جاهد


أوزع جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد


وإني امرؤ أعافي إنائي شركة وأنت امرؤ عافي إنائك واحد


حتى ضرب به المثل، فقال الفرزدق :

على ظمأ لو أن في القوم حاتماً على جوده ضنت به نفس حاتم


فالله المستعان!

وأما ابنه عدي فسيد من السادات، وهذا ليس من بحثنا في شيء.

أعلى الصفحة


شرح قول: (والصبر ضياء)




قال صلى الله عليه وسلم في الصبر: {والصبر ضياء }. لماذا قال: (ضياء) ولم يقل نوراً؟

الضياء: نور فيه حرارة، والنور: نور بلا حرارة، شعاع بلا حرارة، اسمع إلى كلام الله سبحانه وتعالى كيف فرق بين الشمس والقمر في الإضاءة، اسمع بلاغة القرآن قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً [يونس:5] فالشمس ترسل شعاعاً بحرارة، والقمر يرسل شعاعاً بلا حرارة، فقال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً [يونس:5] لذلك لا يقال: ضياء القمر، وإنما يقال نور القمر، ولا يقال: نور الشمس، وإنما يقال ضياء الشمس.

وقال بعضهم: وأما شريعة موسى فوصفها الله بأنها ضياء ووصف شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها نور، فشريعة محمد صلى الله عليه وسلم مثل القمر، وشريعة موسى أشبه شيء بالشمس، فما هو السر؟ انظر إليه سبحانه وتعالى يقول عن القرآن: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ [الأنبياء:48] وقال عن التوراة: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ [المائدة:44] ففيها نسبة من النور لكن هناك ضياء، أما شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول سبحانه: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ [المائدة:15] وقال سبحانه: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ [الأعراف:157]. قال أهل العلم: شريعة موسى فيها آصار وأغلال؛ فسماها الله ضياء؛ لأن فيها تكاليف تحرق، وأما شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنها يسر، قال تعالى: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8] وقال: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:1-2] فكانت ميسرة، فشريعته صلى الله عليه وسلم حنيفية سمحة، وشريعة موسى شديدة، كان اليهودي إذا أذنب يكتب على جبينه الذنب، إذا شرب الخمر في الليل خرج في الصباح مكتوب على جبينه شرب الخمر، وكان إذا أصاب البول بشرة أحدهم قطع البشرة، أما نحن فشريعتنا سمحة قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] وهناك رخص تناسب الإنسان وطموحه وأشواقه وآماله، فالمريض له رخصة، والمسافر له رخصة، وكذلك الحائض، والنفساء، والصغير، والنائم، والمجنون كل له أحكام، ولله الحمد والشكر.

قال: الصبر ضياء؛ لأن الصبر فيه مشقة.......


نماذج من الصابرين



وبالصبر يدرك الإنسان كل خير، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {واعلم أن النصر مع الصبر } ولا ينتصر الإنسان على نفسه وعدوه إلا بالصبر.

لم يكن عنترة بن شداد الجاهلي الشجاع مسلماً، لكن كان يحطم الرءوس بسيفه، وكان من أشجع العرب، قال له أحد الناس: يا عنترة ! جسمي أكبر من جسمك، فكيف تغلب الرجال ولا نغلبهم نحن، قال عنترة : أعطني إصبعك وأعطيك إصبعي، فأعطاه إصبعه وأخذ هو إصبع ذاك، فقال: عض إصبعي وأعض إصبعك، ليدلل له أن المسألة مسألة هل يصبر أم لا، فعض عنترة وعض ذلك، فما لبث ذاك أن قال: آه فانطلقت إصبع عنترة فقال: بهذا غلبت الرجال.

أقسمت أن أوردها حرة وقاحة تحت غلام وقاح


إما فتى نال المنى فاشتفى أو فارس زار الردى فاستراح


إذا سألت الله في كل ما أملته نلت المنى والفلاح


بهمةٍ تخرج ماء الصفا وعزمة ما شابها قول آح


فإذا قال الإنسان: آح، فهذا يعني أنه ما صبر، وكانت العرب تكره للإنسان إذا ضرب بالسيف أن يقول: حس؛ لأن هذا من أصوات ضرب السيف يقال للفرس: صه، يعني: انهض، والعربي الشجاع إذا ضرب بالسيف يكظم أنفاسه، ولا يقول شيئاً.

وهذا خبيب بن عدي لما صلب في مكة ، ما قال حرفاً، وإنما أنشد قبل أن يتوفى بدقائق فقال:

فلست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي


وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلوٍ ممزع


وحبيب بن زيد أحد الصحابة مزق جسمه مسيلمة الكذاب ، فأخذ يقطع منه قطعة وقطعة وقطعة قالوا: فضم أسنانه بعضها على بعض، وما تلفظ بحرف، فهذا من أعظم الناس.

أعلى الصفحة


أقسام الصبر



الصبر على ثلاثة أقسام:

صبر على أقدار الله المؤلمة.

وصبر على أداء الطاعات.

وصبر على اجتناب المعاصي.

وأعظمها الصبر على أداء الطاعات وهو: أن تصبر على أداء الصلوات في أوقاتها، وعلى الوضوء، وقيام الليل، والصدقة، والصيام في الحر، والحج، وعلى تكاليف العبادة إن كان فيها تكاليف، فهذا صبر على الطاعات.

والصبر على الأقدار المؤلمة، أن تصبر على موت الطفلة، وموت الوالدة، والحبيب، أو على فقد بصرك، أو سمعك، أو البلاء في جسمك، أو أخذ مالك، أو ضرب جسمك، أو حبسك، فكل هذا من الصبر.

والصبر عن المعاصي أن تصبر على اجتناب الفواحش والمنهيات.

فهذه أقسام الصبر الثلاثة، وأسعدها وأحسنها الصبر الأول، وقد ابتلى الله عز وجل الخليقة بهذه الأصناف، فبعضهم يصبر على الطاعات ولا يصبر عن المعاصي، بعض الناس يقوم الليل من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، ولكن إذا عرضت له فتاة، لا يصبر؛ بل ينظر، وبعضهم يسمع الغناء، وهذا أخطأ في هذا الجانب، وأصاب في الآخر، وبعضهم يصبر عن المعاصي، ولا يصبر على الطاعة، فتجده لا يسمع محرماً، ولا يعصي الله عز وجل؛ لكنه من أسوأ ما يكون إذا قام للصلاة، وبعضهم يصبر على هذا ولا يصبر على الأقدار المؤلمة، فإذا أتاه جراح، أو ماتت بنته أقام الدنيا وأقعدها، وبقي يبكي سنة، ويتسخط على القضاء والقدر.

ويذكر أن أحد العوام من الناس الجهلاء بالشرع كانت له طفلة، وقد وكان عقيماً، ثم رزقه الله هذه الفتاة، وجاره عنده تسع بنات، فمرضت هذه البنت، وأشرفت على الوفاة، فأخذ يجلس عند الرصيف، ويقول: يا رب! هذه بنت، وفلان عنده تسع وتأخذها، سبحان الله! قالوا: فتوفيت ابنته فخرج -نسأل الله العافية- غاضباً ينظر إلى السماء، ويقول: أما على الضعفاء مثلي وأمثالي فتستطيع، وأما صاحب التسع فما تستطيع!!

ومثل ذلك القصائد التي مرت في الاعتراض على القضاء والقدر فلله الحمد، فله القضاء المطلق، ولا بد من الصبر، وأسعد الناس من إذا أذنب استغفر، وإذا أنعم عليه شكر، وإذا ابتلي صبر، هذه منازل الربانيين الموحدين المحمديين صبر في البلاء، وشكر في الرخاء، واستغفار عند الذنب، وهذه في القرآن جميعاً، فأنت إذا فتحت الأبواب الثلاثة، وأعطيت كل باب منـزلته، أسعدك الله في الدنيا والآخرة.

أعلى الصفحة


القرآن حجة لك أو عليك




وأما قوله عليه الصلاة والسلام: {القرآن حجة لك أو عليك } هذا القرآن لا يقوم على الإنسان إلا بزيادة أو نقص، ليس كتاب ثقافة ولا مطالعة؛ لأن كتاب المطالعة إن قرأت فيه أو لم تقرأ أو تدبرت أو لم تتدبر فأنت أنت، أما القرآن وحده فإنك إذا قرأته متدبراً؛ زادك الله بصيرة، وإلا زادك خسراناً والعياذ بالله، قال سبحانه: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً [الإسراء:82] قال بعض السلف : ما جالس أحد القرآن، فقام عنه سالماً، بل إما أن يربح أو أن يخسر، ثم تلا هذه الآية.

أما قوله صلى الله عليه وسلم: {حجة لك } فإن من عمل بالقرآن دافع عنه القرآن يوم القيامة، وعند الحاكم في المستدرك : {يأتي القرآن والصيام يوم القيامة، فيقول الصيام: يا رب! منعته طعامه بالنهار، ويقول القرآن: يا رب! منعته نومه بالليل، فيستشفعان فيه، فَيَشْفَعَانِ فيه } ولا يزال القرآن يحاج عن العبد يوم القيامة ويقول: يا ربِّ أسهرته، يا ربِّ عمل بي، يا رب ترك نواهيه؛ حتى يدخله الجنة، وفي أحاديث صحيحة: وصف الرسول صلى الله عليه وسلم (سورة تبارك) أنها المنجية، أنجت صاحبها من عذاب القبر، ثلاثون آية حاجت عن صاحبها حتى منعته عذاب القبر؛ لأن ملائكة العذاب أتت إلى رجل في القبر، فأرادوا أن يدخلوا إليه، واقتربوا من وجهه، فأتت (تبارك) دون وجهه، ثم أتت إلى أقدامه فمنعته، وإلى جنبه فمنعته، فحاجت عنه، والمراد من قام بها وعمل بمقتضاها.

وأنا أرشدكم إلى كثرة قراءة سورة الملك تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] وأن تكرروها، ولو في اليوم والليلة مرة، وأن تسعدوا بقراءتها وأن تحفظوها أبناءكم.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: { أو عليك }.

فإنه يأتي لمن أبطل تعاليمه وأبطل مراسيمه، فهو يحجه ويدمغه ويكذبه، ويقول: يا ربِّ قرأني ولم يعمل بي وخالف أوامري، قرأ: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18] وهو يظلم، وقرأ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27] وهو يقطع، وفي القرآن لعنة المنافقين وهو ينافق، وتحريم الربا وهو يرابي، وتحريم الزنا وهو يزني، وتحريم الغناء وهو يسمع الغناء، فهذا محجوج يوم القيامة.

فالقرآن أمام رجلين: إما أن يأخذ الرجل فيقوده حتى يدخله الجنة، وإما أن يأخذ الرجل من قفاه حتى يزج به في النار، ولا يترك القرآن العبد أبداً، هذا القرآن حجة لك أو عليك، فعلى الإنسان أن يستعرض حياته ومنهجه ونفسه على ضوء القرآن الكريم الذي نزل على سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يمثل القرآن يوم القيامة رجلاً، فيؤتى بالرجل قد حمله، فخالف أمره، فيتمثل خصماً، فيقول له: يا ربِّ حملته إياي فشر حامل، تعدى حدودي، وضيع فرائضي، وركب معصيتي، وترك طاعتي، فما يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذ بيده، فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار، ويؤتى بالرجل الصالح كان قد حمله وحفظ أمره، فيتمثل خصماً دونه، فيقول: يا ربِّ حملته إياي فخير حامل، حفظ حدودي، وعمل بفرائضي، واجتنب معصيتي، واتبع طاعتي، فما يزال يقذف له بالحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذه بيده، فما يرسله حتى يلبسه حلة الإستبرق، ويعقد عليه تاج الملك، ويسقيه كأس الخمر } كأس الخمر الذي في الجنة، رواه ابن أبي شيبة وابن الظريف في فضائل القرآن ، والخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل ، وفيه محمد بن إسحاق وقد عنعن وهو مدلس، وقد رواه أيضاً البزار ، وذكره الهيثمي في المجمع وقال: فيه ابن إسحاق وهو ثقة، ولكنه مدلس وبقية رجاله ثقات.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: [[القرآن شافع مشفع، وحامل مصدق، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار ]] وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه } وهذا عند مسلم : {وتأتي سورتا البقرة وآل عمران كغمامتين أو كفرقان من طير صواف تظلان صاحبهما يوم القيامة } وصح عنه أيضاً أنه: { يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل؛ فإن منـزلتك عند آخر آية تقرؤها } فيقرأ الذي كان يقرأ في الدنيا ويعمل حتى يقف إلى مستوى حفظه في الدنيا، فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على حفظه، والعمل به وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار.......


كل الناس يغدو




وأما قوله عليه الصلاة وا�

المصدر: الشبكة الاسلامية
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 101 مشاهدة
نشرت فى 11 فبراير 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

296,399