طه خليفة | 12-11-2011 00:10

المعارضات التقليدية في النظم الجمهورية العربية تنتمي كلها إلى جذر ومنبت واحد. لا تختلف في تونس عنها في مصر واليمن وسوريا، أما ليبيا فلم يكن فيها معارضة من الأصل. في بريطانيا أعرق الديمقراطيات يقال هناك عن الحكومة إنها حكومة جلالة الملكة ،ويقال عن المعارضة إنها معارضة جلالة الملكة، كنوع من الاحترام للمؤسسة الملكية التاريخية في الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس، لكن الحكومة هي حكومة بجد، فهي منتخبة من الشعب بحرية ونزاهة وليست معينة من الملكة، والمعارضة هي معارضة بجد لا تتواطأ مع الحكومة، بل تسعى لإحراجها وحشرها في الزاوية باستمرار لتسحب من رصيدها لدى الرأي العام لتفوز هي بالأغلبية في أقرب انتخابات وتتقلد السلطة.

عندنا في بلادنا المنكوبة بأنظمة استبدادية دموية - تتساقط الآن - والمنكوبة بمعارضات هي والعدم سواء يمكن القول إن المعارضة هي معارضة النظام الحاكم، لكنها - بخلاف بريطانيا والدول المتقدمة - لا تعارضه بجد ، كانت تعارض بالريموت كنترول حسب توجيهات النظام لها، هي مثل الطابور الخامس المدمر في أي بلد حيث برعت في القيام بدور تخريبي لأي أفكار إصلاحية يطرحها معارضون وطنيون مخلصون، وقامت بدور تحريضي ضد أي حركات إصلاحية حقيقية، ولها دور في إحباط أي تحركات احتجاجية على سوء الأوضاع، كانت تبث اليأس في نفوس من يطمحون للتغيير، وتقتل الأمل في دواخل المتفائلين بإنجاز أي إصلاح، معارضة تحبط الشيطان نفسه، هي مخلصة في خدمة الطغيان، لأنها من صنع الطغاة ، معارضة خانعة ذليلة لأنها تربت في حضن الأنظمة الفاشية، تتفانى في الخدمة في بيوت النظام وأجهزة الأمن مقابل الفتات الذي يتساقط من على موائد أسيادها.

في تونس صاحبة أول ثورة شعبية عربية ومنها انطلقت الشرارة كان قادة أحزاب ما يسمى بالمعارضة لنظام بن علي يترشحون ضده في الانتخابات بتوجيهات منه لإكمال الديكور الكاذب بأنه نظام ديمقراطي ،ولم يكن أشباه المعارضين المترشحين يخجلون من القول إن بن علي أفضل منهم وأنهم سيصوتون له ، ولو لم يكن هناك بوعزيزي ولو لم ينتفض الشباب والمواطنون العاديون لبقي نظام بن علي ألف سنة أخرى ومعه معارضته نائمة في حضنه.

نفس الحال في مصر، فأحد المرشحين المعارضين في انتخابات الرئاسة 2005 أعطى صوته لمبارك لأنه أفضل منه، هذا النوع من المعارضين كانوا يهرولون على موائد صفوت الشريف وأحمد عز ليتلقوا التعليمات باتخاذ مواقف معينة يتاجر بها النظام أمام العالم بأن لديه ديمقراطية ،ومقابل خدمتهم لأجندة النظام كانوا يطمحون في مقعد بمجلس الشورى بالتعيين ،أو طن حديد من عز، أو قطعة أرض لتسقيعها ثم بيعها، أو وظيفة لأحد الأبناء أو الأقارب، هذه المعارضة أطلقها الشريف لتساهم مع إعلام النظام في نهش جسد وشرف الدكتور محمد البرادعي بالأكاذيب لأنه عارض رأس النظام بشجاعة وصلابة ورجولة. معارضة لم تكن تجيد سوى الرقص في ملهى الدولة على أنغام التوريث لجمال مبارك، وهي التي تسابقت للجلوس حول عمر سليمان خلال الثورة فيما يسمى الحوار الوطني وكان نائب الرئيس آنذاك يجاهد لإنقاذ النظام المتهاوي رغم أنه لم يكن لها أي دور في الثورة أو في أي تحرك جاد ضد النظام بل كانت دومًا تتواطأ على المعارضة الحقيقية لمصلحة النظام، ولو كنا انتظرنا تلك المعارضة ألف سنة لتفعل شيئًا على طريق التغيير لما فعلت ولأصبح آل مبارك هم ملوك مصر الجدد، بارك الله في الثورة، وفيمن فجرها، وفيمن يضحى من اجل الحفاظ عليها ومنع اختطافها من العسكر والفلول والمعارضة المتواطئة الانتهازية المنافقة المدلسة.

وفي سوريا فإن الذي تحرك ضد النظام السفاح هو الشارع وليس المعارضة العميلة للنظام أو الفرع الآخر من حزب البعث الدموي. وهذه المعارضة تنام بطبيعة الحال في حضن النظام ولا تمل من التصفيق للقمع والكبت والقهر، فهل كان متوقعًا من هذا المسخ الكسيح أن يطالب يومًا بأي إصلاح؟، ولولا الشعب السوري البطل الذي انضم لحركة الشعوب العربية التوّاقة للحرية والكرامة والتخلص من سطوة الاستبداد لما كان هذا النظام المجرم تفوّه بكلمة إصلاح لأنها ليست في قاموسه. وطوال 8 أشهر والشعب يقدم يوميًا الشهداء في أكبر مذبحة ينفذها النظام العائلي الطائفي، أما المعارضة فهي تمارس دورها المعتاد في خدمة النظام والتواطؤ على دماء الشعب، لكن هناك معارضة بالخارج لحقت متأخرة بقطار الشعب، وهذا أفضل من ألا تكون قد لحقت به على الإطلاق. ومن المؤسف أن معارضين سوريين أو يسمون كذلك زورًا وبهتانًا يذهبون للجامعة العربية لإعطاء النظام مزيدًا من الوقت لمواصلة قتل الشعب، هؤلاء الخدم يزعمون أن المبادرة العربية مازالت صالحة ، والحقيقة أن النظام يستخدمهم ليبعث برسائل للجامعة العربية وللعالم بأن المعارضة منقسمة على نفسها، وأنها لن تكون بديلاً له، وأن هناك قسمًا منها مازال متمسكًا بالمبادرة وذلك لمواصلة الخداع وشراء المزيد من الوقت للاستمرار في القمع ومحاولة إنهاء الثورة بقوة السلاح، وهذا لن يحصل لأن كل بيت خرج منه شهيد أو جريح أو معتقل أو مفقود أو مشرد أو مظلوم أو جائع أو عاطل أو مريض أو خائف أصبح معارضًا للأسد ونظامه ولن يدخل بيت الطاعة مرة أخرى . من المؤسف أن أحد المحسوبين على المعارضة ويدعى هيثم مناع يتهم المعارضين والثوار الحقيقيين بأنهم متطرفون، ويقول لو في المبادرة العربية 5% فقط فنحن متمسكون بها، فمن يمثل هو وأمثاله في الشارع الثائر، وهل هؤلاء أو أبناؤهم في الشوارع يضحون بدمائهم أم أنهم يناضلون فقط من فنادق الخمس نجوم في أوروبا؟. منذ المهلة العربية هناك أكثر من 400 شهيد فأي حياة بقيت في مبادرة يقتلها النظام يوميًا ؟.

سقطت المبادرة قبل أن يجف حبرها، وستسقط أي مبادرات أخرى لأن منطق العصابة يقول: "إما أن نحكمكم أو نقتلكم".

ليس كل المعارضين سواء، فمنهم من قدم تضحيات عظيمة لأنهم كانوا مخلصين في معارضتهم وهم قليل، أما المعارضون المزيفون وهم كثير، فهم عار على شعوبهم وعار على الثورات المباركة.

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 38 مشاهدة
نشرت فى 12 ديسمبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

325,803