كاتب الخطبة: الشيخ حسن البار

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يُضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما .

 

أما بعد : فإن خير الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة .

 

فقطرة صغيرة من ماء -مثل رأس الذباب- يمكن أن تكون سبب سعادة ونُجح لك في دينك ودنياك ، يُكرم الله بها وأمثالها السُّعداءَ من عباده ، ويصطفيهم للمراتب العالية ، ويُسكن قلوبهم من حبه ، والخوف منه ، وحسن الإنابة إليه ، مع التعظيم والإجلال والمهابة ما تغلي منه قلوبهم ، وتخشعُ جوارحُهُم ، وتتفجَّرُ ينابيع عيونهم أنهاراً .

 

إنها عبادةٌ جليلة هجرها وفرَّط فيها كثيرٌ من الناس {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} ، وتقاصر آخرون أنفسَهم أن يكونوا من أهلها ، وحاولها آخرون فلم يجدوا إليها سبيلاً .

 

إن البكاء من خشية الله عبادةٌ من عبادات النبيين ، ومقامٌ من مقامات عباد الله المُخلَصين ، وطريق لاحبٌ إلى رضا رب العالمين والفوز بجنات النعيم . {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً{58} فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً{59} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} مريم: ٥٨ - ٦٠

 

كان نبيكم أيها المسلمون أعظمَ الناس خشيةً لربه فهو كما قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم : أما إني أعلمكم بالله ، وأشدُّكم له خشية . وكان مع أن ربه غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر كان يبكي صلى الله عليه وسلم إعظاماً لله وإجلالاً ، وكان يبكي صلى الله عليه وسلم خوفاً من الله ووجلاً ، فعن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال : رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرَّحى من البكاء . رواه أبوداود . وفي رواية للحديث عند النسائي والترمذي في الشمائل قال: ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء .

 

وعن عبد الله بن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: اقرأ علي . قلت: أقرا عليك وعليك أنزل ؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري . فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا )  قال: حسبك الآن . فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان . متفق عليه .

 

بل إنه صلى الله عليه وسلم قد بلغت به بعض آيات القرآن وسوره المشيب قبل أوانه فعن ابن عباس قال : قال أبو بكر : يا رسول الله قد شبتَ . قال صلى الله عليه وسلم : ( شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت ) ، وفي لفظٍ قال : (شيبتني هودٌ وأخواتها قبل المشيب) .

 

فأين نحن يا عبد الله من خشية الله ، إن كان خير خلق الله يخشى ربَّه خشية بلغت به المشيب ، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم . أتُرانا قد أحسنا فيما فرط منا من الدهر ، أم تُراه صلى الله عليه وسلم -وحاشاه- قد أساء . فيالسعادة من جمع خوفاً وعملاً حسَناً ، ويالشقاوة من جمع قُبح العمل مع الأمن من مكر الله .

 

أيها المسلم ، تذكَّر متى كانت آخرَ مرةٍ جرت فيها دموعك على خدودك ، أكان ذلك منذ شهر أم شهرين ، أم سنةٍ أم سنتين . أم من آخر دعاء في تراويح رمضان ؟؟ يا هذا إنا لم نُخلق والله لعمارة الدُّور ، ولا لتشييد القصور ، ولكنَّا خوِّفنا من يوم النشور ، وأُنذرنا يوم الحسرة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ، ما للظالمين من حميم ولا شفيعٍ يطاع .

 

أحبتي في الله ، إن البكاء من خشية الله إنما هو أثر الطاعة ؛ إذ إنه اعتمال الخوف والوجل في القلب حتى يغلي ، ويتململ ، فإذا بلغ به الأمر ذاك ، فإن الجوارح تطيعُه ؛ فتَفيضُ العيون ، وتسكُنُ الجوارح ، وتزداد دواعي الخير ، وتُقصَر دواعي الشر .

 

ولذا فإن الناس مع دمع العين على مراتب ، فمنهم من تدمع عينُهُ ويخشعُ قلبُه ، وهذا بأشرف المنازل . ومنهم من يخشع قلبهُ ولا تدمعُ عينه ، وهذا على خير كثير ، وحسبه أن الله جعله أهلا لخشيته ، وصنفٌ ثالثٌ تدمع أعينُهُم ، وترتفعُ أصواتهم ، وقلوبهم خاوية كأن الواحد منهم يقول : انظروني ، انظروني ؛ فهذا بأخبث المنازل ؛ إذ عَمَدَ إلى شريف من أجلِّ ما يُتقرَّب به إلى الله ، ويزدلف به إليه ، فجعله سُلَّماً لخسيسٍ من ثناء الناس ، ومدحهم ، وكثيراً ما رجع هؤلاء ببغضةٍ في قلوب الخلق ، ونفور من صنائعهم . قال بعض السلف : من استطاع أن يكظم بكاءه فلم يكظمه فذاك مرائي .

 

أيها المسلمون: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ{16} اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} الحديد: ١٦ - ١٧

 

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله) رواه الترمذي

 

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم) . رواه الترمذي ، والنسائي .

 

وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين ؛ قطرةِ دموع من خشية الله ، وقطرةِ دم تهراق في سبيل الله . وأما الأثران : فأثرٌ في سبيل الله ، وأثرٌ في فريضةٍ من فرائض الله)  رواه الترمذي.

 

وقال تعالى عن بعض أهل الجنة {إن المتقين في جنات ونعيم} ، وذكر تعالى من شأنهم أنهم وهم في الجنة منعمون: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ{25} قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ{26} فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ{27} إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} الطور: ٢٥ - ٢٨

 

بل إن الله قد امتدح في كتابه من أهل الكتاب مَن هو من أهل الخشية والخشوع فقال تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً{106} قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً{107} وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً{108} وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً}  الإسراء: ١٠٦ - ١٠٩ وقال سبحانه وبحمده: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ{82} وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ{83} وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} المائدة: ٨٢ - ٨٤

 

وإذا كان هذا هو حال بعض أهل الكتاب فإن خير أصحاب نبي هم أصحاب نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ، وقد كان من هذه الأمة خاشعين ، وباكين من خشية اله مشفقين قدماء ومعاصرين :

 

فأبو بكر رضي الله عنه كان رجلا رقيقاً إذا صلى غلبه البكاء ، فلم يدر الناس ما يقول .

 

وكان عمر مع قوته في الحق ، رقيقاً عند قراءة القرآن ، فعن عبيد بن عمير قال : صلى بنا عمر صلاة الفجر فافتتح سورة يوسف فقرأها ، حتى إذا بل {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } بكى حتى انقطع ؛ فركع .  وعنه كذلك أن عمر لما انتهى إلى قوله: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } بكى حتى سُمع نشيجه من وراء الصفوف .

 

وعن أبي الضحى قال : حدثني من سمع عائشة تقرأ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} فتبكي حتى تبل خمارها . يعني ندماً على مسيرها إلى البصرة ، وخروجها يوم الجمل .

 

وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر -ابن أخي عائشة- قال : كنتُ إذا غدوتُ أبدأ ببيت عائشة أُسلِّمُ عليها ؛ فغدوتُ يوماً فإذا هي قائمة تسبِّحُ وتقرأ : {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } وتدعو وتبكي وترددها ، فقمتُ حتى مللتُ من القيام ، فذهبتُ إلى السوق لحاجتي ، ثم رجعتُ فإذا هي قائمةٌ كما هي تصلي وتبكي .

 

وعن مسروق قال : قال لي رجل من أهل مكة : هذا مقام أخيك تميم الداري ، لقد رأيتُه ذات ليلة حتى أصبح أو كاد أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله ، يركع ويسجد ويبكي : {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ }

 

وعن البراء بن سليم قال : سمعتُ نافعاً مولى ابنِ عمر يقول : ما قرأ ابنُ عمر هاتين الآيتين قط من سورة البقرة إلا بكى: { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} ، ثم يقول : إن هذا لإحصاءٌ شديد .

 

وعن نافع قال : كان ابنُ عمر رضي الله عنه إذا قرأ : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} بكى حتى يغلبه البكاء .

 

وعن عبد الله بن عقيل بن شُمير الرياحي عن أبيه قال : شرب عبد الله بن عمر ماءً بارداً فبكى ، فاشتدَّ بكاؤه ، وقيل له : ما يُبكيك ؟ . قال : ذكرتُ آيةً في كتاب الله عز وجل : {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} سبأ: ٥٤ قال : فعرفتُ أن أهل النار لا يشتهون شيئاً إلا الماء البارد ، وقد قال الله عز وجل : {أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ} الأعراف: ٥٠ .

 

وعن عبد الرحمن بن عجلان قال : بتُّ عند الربيع بن خثيم ذات ليلة ؛ فقام يصلي فمرَّ بهذه الآية : {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ }الجاثية: ٢١ فمكث ليلته حتى أصبح ما جاوز هذه الآية إلى غيرها ببكاء شديد . وعن هشام الدستوائي قال : لما توفي عمرو بن عتبة بن فرقد دخل بعضُ أصحابه على أخته فقال : أخبرينا عنه . فقالت : قام ذات ليلة فاستفتح سورة حم ؛ فلما أتى على هذه الآية : {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ }غافر: ١٨ فما جاوزها حتى أصبح .

 

وغير ذلك كثير في علماء الأمة وصلحائها حتى في زمان الناس هذا ، فاللهم ألحقنا بهذا السلف الكريم ، واجعل لنا فيهم معتبراً ، وأصلح فساد قلوبنا ، واشرحها لمعرفتك ، وتوحيدك ، وتعظيمك ، يا قدوس يا سلام .

 


 

 

الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالكِ الملك ، ومدبرِ الأمر ، الخالقِ الرازق ، محي الأرض بعد موتها ، أشهد ألا إله إلا هو من إلهٍ كبيرٍ متعال . وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله وخيرُ خلقه في زمانه وفي المآل ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً .

 

إن خشية الله أيها المسلم تمنع من الفرح بالدنيا ، والركض وراءها ركضاً يُنسي الآخرة ، ويُضيع حقوق الله ، حتى يكون اللهُ آخر فقرةٍ في الحسابات ، وآخر ما يُنظر إلى حُكمه بعد مراجعة كشوفات الاكتتابات .

 

وخشيةُ الله تمنع من الفرح والخيلاء ، والكبر على الناس ، والضحك ملء الفم ، فما كان ضحكه صلى الله عليه وسلم إلا تبسُّماً ، وما كانت ترى لهواته .

 

وخشية الله تمنع من أكل حقوق العمال والخدم ، وتكليفهم من العمل ما لا يطيقون لأن صاحبها يعلم أنه إن كان قادراً على هؤلاء ؛ فإن ربَّه أقدرُ عليه من قدرته عليهم .

 

وخشية الله تمنع من مشاهدة أفلام وكليبات المجون والعُهر ، فما الذين يشاهدونها بأهل خشية الله ، والله .

 

وخشية الله تمنع من الفجور في الخصومة ، ومن البغي والطغيان ، واتهام الناس في نياتهم .

 

ثم إن خشية الله لا تمنع من القيام على نفسك وأهلك بما يصلحهم ، في طلب المعاش ، وفي نزول الأسواق ، وفي الممازحة ، وحسن المعاشرة .

 

كما أن خشية الله لا تمنع استيفاء الحقوق ورد المظالم ، والانتصار ممن ظلم .

 

وهي كذلك لا تمنع من معرفة الباطل ، ومعرفة أهله ، والتحذير منهم ليحذرهم الناس

 

فيا أيها المسرف على نفسك في ذنوبك ابكِ على ذنبك ، واخش يوماً تُعرض فيه على ربك فينبِّئَك فيه بما قدَّمتَ وما أخَّرت .

 

ويا أيها المُخلِّط فأنت مع الحق والهدى تارة ، وتغلبك نفسُك الأمارةُ بالسوء تارة ابكِ ذنبك ، واخشَ ربَّك ، واعلم أنك تجد بكاءك شافعاً لك ، مثقِّلاً لميزانك يوم القيامة .

 

ويا أيها العابد الصالح ، المجتهد في طاعةِ ربِّك = مَن أولى منك بالبكاء؟ قل لي بربك من ينفعك إذا لقيت ربَّك فلم ينفعك عملُك ؟ أو كُنتَ فيه مرائياً ؟ فإن سلمتَ من ذلك فهل تسلم من عُجب يُحبطُ العمل ، فإن وقاك الله شر العُجب فأين حق الله من عملك ، وأين يقوم عملك بجانب ما يجب عليك ، واتق يوماً ترجع فيه إلى الله . وإنما يخشى اللهَ من عباده العلماء إن الله عزيز غفور .

 

يا أيها الذين آمنوا، يا عباد الله:

 

{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ{54} وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{55} أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{57} أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} الزمر: ٥٤ - ٥٨

 

المصدر: الموسوعة خطب الجمعة
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 37 مشاهدة
نشرت فى 6 ديسمبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,700