لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي

بسم الله الرحمن الرحيم

      الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِّ ، وسلم ، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين .

     أيها الإخوة الكرام ، تعودت ـ والفضل لله عز وجل ـ أن أوثر الحقيقة المرة على الوهم المريح ، لأن الإنسان ما لم يعلم حجم المشكلة فلن يستطيع أن يحلها ، الغرب وجوده قوي جداً في عالم المسلمين ، لأن الغرب قوي ، وقوي وجوده لأن الغرب غني ، وقوي وجوده لأنه متفوق ، ومع ثورة الاتصالات حيث أصبحت الأرض كلها سطح مكتب ، كانت قرية فصارت بيتاً ، فصارت غرفة ، فصارت سطح مكتب ، لهذه الأسباب هناك تساؤل كبير : ماذا نأخذ عن هؤلاء الأقوياء الأغنياء المتفوقين ، وماذا ندع ؟ أجاب على هذا السؤال أحد المفكرين في العصر الحديث ، فقال : نأخذ ما في رؤوسهم ، وندع ما في نفوسهم ، نأخذ ما في رؤوسهم من علم ومعرفة ، وندع ما في نفوسهم من تفلت وانحلال ، فكيف إذا أخذ المسلمون ما في نفوسهم ، وتركوا ما في رؤوسهم ؟ أية صرعة من صرعات الغرب ، إنْ في أعيادهم التي استحدثوها ، أو في أزيائهم التي فجروا بها ، نأخذها عنهم بسرعة البرق ، أما علمهم وتفوقهم ، وقوتهم ونظامهم ، وانضباطهم ونظام فريق العمل ، عندهم وإدارة الوقت عندهم ، وإدارة الأعمال عندهم ، هذه لا نأخذها ، من صرعات الغرب هذا العيد الذي استحدث في العالم الإسلامي .

     أيها الإخوة الكرام ، ربما كان سبب أخذنا لهذا العيد ضعف معرفتنا بديننا وبإسلامنا ، ذلك أن حقيقة الإنسان أنه عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، فالحب ثلث الإنسان ، عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، العقل غذاؤه العلم ، والقلب غذاؤه الحب ، والجسم غذاؤه الطعام والشراب ، وأن الإنسان الذي لا يجد حاجة إلى أن يحب أو إلى أن يحب فليس من بني البشر ، نستورد عيداً للحب ، والحب في أصل ديننا ، ولا إيمان لمن لا محبة له ، لكن كلمة الحب واسعة جداً ، لدرجة أن جانباً من الحب يرقى بك إلى أعلى عليين ، ويجعلك في سعادة متنامية إلى أبد الآبدين ، وجانب من الحب الساقط يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، ثم تنتهي به إلى جهنم ، وبئس المصير ، كلاهما حب ، كلمة واسعة جداً ، في جانب منها يرقى بك إلى أعلى عليين ، ويدخلك جنة عرضها السماوات والأرض إلى أبد الآبدين عن طريق الحب ، وجانب من الحب يهوي بالإنسان إلى أسفل سافلين ، ويستحق جهنم ، وبئس المصير ، بين أن تحب الله ، وبين أن تحب امرأة ساقطة ، هذا هو الفرق بين الحبين .

     أيها الإخوة الكرام ، أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون الحب أساس العلاقة بينك وبين الله قال تعالى :

[ سورة المائدة : 54]

     فضل الله أن تحبه ، وأن يحبك ، فضل من الله عظيم أن تحبه ، وأن يحبك .

  أيها الإخوة الكرام ، لابد من التفصيل ، هناك حب حسي ، وهناك حب عقلي ، ولأضرب الأمثلة .

 هناك أكلات يحبها الإنسان ، ولكنها تقضي عليه ، إذاً يبغضها لا بإحساسه ، ولكن بعقله ، وهناك عبادات تتناقض مع راحة الجسم ، ولكن الإنسان يحبها حباً عقلياً تمشياً مع أهدافه الكبرى في الحياة .

 ويجب أن أؤكد لكم أيها الإخوة الكرام ، أن المؤمن حبه وكراهيته على مستوى عقله ، بينما غير المؤمن حبه وكراهيته بأعصابه وأحاسيسه ، لذلك ركب الملك من عقل بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان .

من أقرب الأمثلة ، لو أن امرأة متبرجة متفلتة مرت أمامك في الطريق ، طبيعة جسمك ، وطبيعة غرائزك ، وطبيعة الشهوة التي أودعها الله فيك تقتضي أن تملأ عينك من محاسنها ، بينما أمر الله عز وجل الذي وراءه جنة عرضها السماوات والأرض يقتضي أن تغض البصر عنها ، فأنت حينما تبغض النظر إليها بعقلك ، وتحب غض البصر عنها بعقلك ترقى إلى الله ، عندئذ في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر .

أيها الإخوة الكرام ، يقول الله عز وجل :

[ سورة آل عمران : 14]

     وكلمة ( متاع ) تعني أن الإنسان إذا أراد المتعة فقط يستمتع ، ولكن ليس لهذه المتعة أثر في المستقبل ، في عالم دنيانا هذا الذي يسترخي ، وينام إلى نصف النهار ، ويأكل ما يشتهي بلا قيد ولا شرط ، ولا ضبط ، ولا يدرس ، ولا يعمل ، ولا يؤسس عملاً ، هذا الاتجاه ينتهي به إلى فقر مدقع ، يذله ، ويشقيه ، أما هذا الذي يدع الفراش ، ويقرأ ، ويتعلم ، ويؤدي واجباته تجاه الله عز وجل يرقى الله به ، لذلك أراد الله أن يكون هناك تناقض بين العبادة و الطبع ، فالطبع يدعوك إلى النوم ، والله يدعوك إلى أن تستيقظ ، والطبع يدعوك إلى أن تنظر ، والله يأمرك أن تغض النظر ، والطبع يأمرك أن تأخذ المال ، والله يأمرك أن تنفقه ، لابد من تناقض بين الطبع والتكليف ، وهذا التناقض هو ثمن الجنة .

     أيها الإخوة الكرام ، الحب الحسي هو الحب اللحظي ، الحب الآني ، حب المتعة فقط ، استجابة للشهوة فقط ، بينما الحب العقلي ينتهي بك إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، الله عز وجل  يصف أهل الجنة فيقول :

[ سورة الزمر : 74]

     جئنا إلى الأرض ، فضبطنا شهواتنا وفق منهج الله ، فكان الجزاء من الله هذه الجنة ، قال تعالى :

 

[ سورة الزمر : 74]

     نتبوأ الآن من الجنة حيث نشاء ، لأننا جئنا إلى الأرض ، وطبقنا منهج الله عز وجل ، والله عز وجل صدقنا وعده .

أيها الإخوة الكرام ، يقول الله عز وجل :

 

[ سورة التوبة : 24]

     ماذا بقي من الدنيا ؟ لم يبق شيء ، لا إيمان لمن لا محبة له ، قال تعالى :

[ سورة التوبة : 24]

عند التعارض ، قال تعالى :

[ سورة التوبة : 24]

فالطريق إلى الله ليست سالكة ، قال تعالى :

[ سورة التوبة : 24]

     أي إذا كانت محبة الآباء لا عبادة بل مصلحة ، إن كانت محبة الآباء والأبناء والإخوة والأزواج والعشيرة ، ومحبة المال ، ومحبة التجارة العريضة ، ومحبة المساكن الواسعة حملتكم على معصية ، أو على فسق فالطريق إلى الله ليست سالكة ، الدين كله حب ، ولا إيمان لمن لا محبة له ، وإسلام بلا حب جسد بلا روح ، جثة هامدة ، جيفة ، وإسلام بلا حب جسد بلا روح ، كان الحب يتأجج في قلب أصحاب رسول الله ، ففعلوا المعجزات ، وكان الواحد منهم كألف .

     سيدنا خالد طلب مدداً من أبي بكر رضي الله عنه ، وكان يتوقع أن يمده بخمسين ألفًا ، أرسل له واحداً اسمه القعقاع بن عمرو ، ومعه رسالة ، فسأل هذا البطل القائد القعقاع : أين المدد ؟ قال : أنا المدد ، قال له : واحد ؟ قال له : اقرأ هذه الرسالة ، يقول سيدنا أبو بكر : والذي بعث محمداً بالحق ، إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم ، واحد كألف ، ومليار وثلاثمئة مليون كأف ، لا وزن لهم في الأرض ، وليس أمرهم بيدهم ، مع أنهم يتربعون على أهم موقع في العالم ، وبلادهم فوق أكبر ثروات العالم ، ومع ذلك أمرهم ليس إليهم ، وترون ما ترون ، وتسمعون ما تسمعون كل يوم .

     أيها الإخوة الكرام ، حول الحب العقلي والحب الحسي قصة سيدنا يوسف ، قال تعالى :

[ سورة يوسف : 33]

      من يحب السجن ؟ هل ترى على وجه الأرض إنساناً واحداً يحب السجن ، قال تعالى :

[ سورة يوسف : 33]

إلى ماذا يدعى ؟ إلى متعة من أجمل المتع على وجه الأرض ، فقال :

     مرة ثانية ،  الإنسان الجاهل والشارد يحب بأعصابه وأحاسيسه فقط ،  يعيش لحظته ،  كما يفعل معظم المسلمين اليوم ، والإنسان العاقل المؤمن يحب بعقله ،  ويكره بعقله طمعاً بجنة ربه .

 أيها الإخوة الكرام ، موضوع آخر في الحب ، هناك الحب في الله ، والحب مع الله ، إن أحببت الذي منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، إن أحببت الذي خلقك ، ولم تك شيئاً ، إن أحببت الذي أمدك بمال وبنين ، إن أحببت الذي يربيك ، إن أحببته حباً حقيقياً هذا الحب له فروع ، من فروعه أن تحب رسوله ، بل ورسله السابقين وأنبياءه ، من فروعه أن تحب أصحابه رسوله الكرام ، والتابعين الأعلام ، وكل ولي وعالم وفقيه ، وأن تحب بيوت الله ، وأن تسعى في عمارتها ، وأن تحب كتاب الله ، وأن تقبل عليه ، وأن تحب الأعمال الصالحة ، وأن تحب كل شيء يقربك إلى الله ، هذا حب في الله ، وهو عين التوحيد ، أما الحب مع الله فأن تحب شيئاً يبعدك عن الله ، أن تحب شيئاً فيه معصية لله ، أو فيه إتلاف مال من دون جدوى ، أو فيه إتلاف وقت من دون جدوى ، الحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك ، فاحرص أن تحب بعقلك .

 مرة طبيب يعمل في أمراض القلب دعي إلى طعام طيب ، فلم يأكل ، سئل ، فأجاب : لكثرة ما أرى كل يوم من أوعية مسدودة بهذا الطعام أكره هذا الطعام ، والحديث طويل طبعاً ، كره الطعام بعقله ، والذي يمشي في الأيام الباردة ، وفي الظروف القاسية طمعاً بسلامة قلبه ، هذا أحب بعقله أيضاً ، أحب بعقله مشقة لا تحتمل ، وكره بعقله طعاماً لذيذاً طيباً ، فالعاقل يحب بعقله ، والجاهل يحب بأحاسيسه ، أما الحب في الله فأي حب يقربك إلى الله فهو حب في الله ، وأي حب يبعدك عن الله فهو حب مع الله ، الحب الأول في الله عين التوحيد ، والحب الثاني عين الشرك .

 شيء آخر ، الله عز وجل قال :

[ سورة آل عمران : 14]

     فلو أحب الإنسان امرأته حباً مشروعاً بارك الله له هذا الحب ، ورضي عنه بهذا الحب ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : (( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة )) .

[ورد في الأثر]

     الآن حب مشروع ، وحب غير مشروع ، لا شيء عليه ، ولا تثريب عليه ، بل يثني الله عليك إذا أحببت حليلتك التي سمح الله بك أن تحبها ، إذاً هو حب مشروع ، أما أن تحب موظفة في مكتبك ، ولا تحل لك ، فهذا حب آخر غير مشروع ، يرضى الله عن حبك المشروع أن تحب أولادك ، أن تحب أحفادك ، أن تحب إخوانك المؤمنين ، وأن تبغض أعداء الدين ، هذا مما يرضي الله عز وجل ، أما أن تجعل كل لطفك ونعومتك وابتساماتك وطرافة حديثك لمن لا تحل ، وكل تجهمك وقسوتك لمن تحل لك فهذا الحب من وسوسة الشياطين .

 أيها الإخوة الكرام ، الذي يعنينا هو أن أعظم حب ترقى إليه أن تحب الله ، لستُ أستقصي ، ولكن أضرب الأمثلة ، افتح كتاب الله ، يقول الله عز وجل :

[ سورة البقرة : 205]

[ سورة المائدة : 64]

     والإفساد إخراج الشيء عن طبيعته ، فالذي يسهم في تلويث الماء لا يحبه الله ، والذي يسهم في تلويث الجو لا يحبه الله ، والذي يسهم في تلويث الأخلاق لا يحبه الله ، وما من كلمة واسعة تدور مع حياتنا في كل جانب ككلمة الفساد ، قال تعالى :

 

[ سورة البقرة : 205]

[ سورة المائدة : 64]

     وكذلك لا يحب المسرفين ، أناس يموتون من الجوع ، وتقيم عقداً في أفخر الفنادق برقم فلكي يزوج مئة شاب لليلة واحدة ، والله لا يحب المسرفين ، كلوا ، واشربوا ، ولا تسرفوا ، كل ، واشرب من دون إسراف ، ولا مخيلة ، فالمسرف لا يحبه الله ، أنت حينما تشعر أنك واحد من مجموع المؤمنين ، وأنهم في أمسّ الحاجة إلى المال تأخذ حاجتك المعتدلة منه ، وتسهم بالباقي لحل مشكلات المسلمين ، عندئذ يحبك الله عز وجل ، إنه لا يحب المستكبرين المتعالين ، الذي يرى نفسه فوق البشر ، ينبغي أن يأكل هو وحده ، وأن يستمتع بالحياة وحده ، وأن يبني مجده على أنقاض الآخرين ، أن يبني غناه على فقرهم ، ويقول : } إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي { .

[سورة القصص]

وهؤلاء لا يعرفون طعم الحياة ، هذه نماذج موجودة في المجتمع ، وما أكثرها ، قال تعالى :

[ سورة النحل : 23]

[ سورة لقمان : 18]

     الذي يزهو بممتلكاته ، ببيته ، بمركبته ، بشكله ، بقوامه ، بصحته ، بشبابه ، بثيابه يريد أن يستعلي ، قال تعالى :

[ سورة القصص : 83]

[ سورة الأنفال : 58]

[ سورة يوسف : 52]

[ سورة البقرة : 190]

     افتحوا القرآن العظيم ، ودققوا في كلمة : } إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ { ، اجمعوها ، أنا ذكرت أمثلة فقط ، ولم أستقص ، ثم افتح القرآن العظيم ثانية ، واقرأ الآيات التي تبدأ بقوله تعالى : } إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ { ، } إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِين { ، } وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ { ، هذا الذي ينبغي أن نفعله أيها الإخوة .

     طبعاً الله عز وجل يحبك ، لأنه خلقك ، وسواك ، وخلقك في أحسن تقويم ، ومنحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، فهو يحبك ، بقي أن تحبه ، يحبك ابتداءً ، فإذا أحببته أحبك ثانيةً ، حب على حب ، حبٌّ لأنك إنسان ، وحبٌّ لأنك آمنت به ، وانضبطت بمنهجه .

 أيها الإخوة الكرام ، قضية الحب هي الدين كله ، الحب هو أصل ديننا ، وأصل علاقتنا بربنا ، ما بال المسلمين اليوم يستوردونه ؟ ليشيعوا علاقات آثمة بين شباب وشابات ؟!

  مرة ثانية ، حب يرقى بك إلى أعلى عليين ، ويدخلك جنة الله رب العالمين ، وحب يهوي بالإنسان إلى أسفل سافلين ، وينتهي به إلى الجحيم ، وإلى العذاب الأليم .

  أيها الإخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيّس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .

 

                                *         *       *

  الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سينا محمد عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

 أيها الإخوة الكرام ، بعيداً عن كل التحليلات والتفسيرات ، وبعيداً عن كل الانتماءات والولاءات ، وبعيداً عن كل الظروف والملابسات ، وبعيداً عن كل السياسات والمناورات ، لأن المساجد لله ، } فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللهِ أَحَدَاً { ، بعيداً عن كل ذلك ، واقتراباً ، أو دخولاً في جوهر الدين ، وحقيقة الإسلام التي تستنبط من ماضي المسلمين ، ومن واقعهم ، حينما يطبق مسلم ما جانباً واحداً من هذا الإسلام العظيم ، ألا وهو الجانب الإنساني ، ويحمل هموم الناس ، كل الناس ، على اختلاف انتماءاتهم ، ويسعى جاهداً في حدود إمكاناته لتخفيف آلامهم ، فهو يعيش لكل الناس ، ولا يعيش الناس له ، عندئذ يعيش في قلوب جميع الناس على اختلاف انتماءاتهم ، فكيف لو طبق الإنسان كل جوانب الدين ؟

  كيف أيها الإخوة الكرام لو فهم المسلمون دينهم حق الفهم ؟ فهموه ديناً ربانياً ، وسطياً إنسانياً متسامحاً ، وطبقوا كل جوانبه ، وبنوا مجدهم على الأعمال ، لا على الأقوال ، وأيقنوا أن قيمة الإنسان عند الله بما يعطي ، لا بما يأخذ ، معظم الناس يبني مجده على ما أخذ ، لا على ما أعطى ، وكان المسلمون مثلاً عليا لما حولهم ، لو كان المسلمون كذلك لكانوا في حال غير هذا الحال ، ولكان موقف أعدائهم غير هذا الموقف ، ولدخل الناس في دين الله أفواجا .

  أيها الإخوة الكرام ، نحن مع الإسلام النظري ، مع إسلام الخطب ، مع إسلام المؤلفات ، مع إسلام الأشرطة ، مع إسلام المؤتمرات ، مع إسلام المكتبات ، لا مع الإسلام العملي ، إما أن تعيش للناس ، وإما أن يعيش الناس لك ، إن عشت للناس عشت في قلوبهم ، لو أن كل مسلم عاش للناس ، ورأوا منه تواضعاً ورحمة ، وعطاءً ، والله الذي لا إله إلا هو لدخل معظم غير المسلمين في دين الله أفواجاً ، أزمة أخلاق ، أزمة تطبيق ، أما المظاهر فشيء لا يصدق ، المساجد المزخرفة ، الكتب ، المكتبات ، المجلدات ، شيء لا يصدق ، لكن حقيقة الدين أن تطعم جائعاً ، أن تكسو عارياً ، أن ترحم مصاباً ، أن تسعى لخدمة البشر ، أن تحمل هموم البشر .

 أيها الإخوة الكرام ، ورد في بعض الآثار القدسية : " يا داود ذكر ، عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ، وعلى بغض من أساء إليها " .

 كن محسناً ، } إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ { ، ينبغي أن تخرج من ذاتك إلى خدمة الآخرين ، عندئذ يحبك الله والمؤمنون .

  أيها الإخوة الكرام ، أبواب الخير مفتحة على مصارعها ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، لو طبقت جانباً واحداً من الدين ، الجانب الإنساني لأحبك الناس جميعاً ، فكيف لو طبقت كل جوانبه ؟ فكيف لو كان انضباطك في أعلى مستوى ؟

 أيها الإخوة الكرام ، الدنيا ساعة ، اجعلوها طاعة ، والنفس طماعة عودوها القناعة .

 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ )) .

[الترمذي]

    اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا فيما جرت به المقادير ، إنك على كل شيء قدير ، اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال ، لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان ، في العراق وفلسطين ، يا رب العالمين ، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

والحمد لله رب العالمين

 

 

/

المصدر: الموسوعة الاسلامية الكبري كتاب خطبة الجمعة
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 41 مشاهدة
نشرت فى 6 ديسمبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,651