الكاتب: د. محمد مورو

تاريخ النشر: الأحد، 11/03/2007

منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها أقدام الفرنسيين الجزائر عام 1830 هب الجزائريون جميعًا للمقاومة، ولم تنقطع هذه المقاومة على الإطلاق منذ عام 1830، وحتى استقلال الجزائر عام 1962، وفي خلال هذه الرحلة الجهادية الكبرى لشعب الجزائر برز العديد من رموز الثورة والجهاد، ولعل الأمير عبد القادر يأتي على رأس هذه الرموز.


مولده وحياته:
ولد الأمير عبد القادر في مايو سنة 1807 في قرية " قبطنة " وهي قرية جزائرية تقع في منطقة " أغريس " إلى الجنوب الشرقي من وهران كان والده محيي الدين من المرابطين الذين ظهر أجدادهم المرابطون في المغرب وحملوا السلاح دفاعًا عن المغرب والأندلس، حتى إذا دالت دولة الأندلس استقروا في ربوع بلاد المغرب العربي يعملون على نشر علوم الدين، وكان ينحدر أساسًا من سلالة هاشمية زادته شرفًا على شرف.

حفظ الأمير عبد القادر القرآن الكريم مبكرًا ثم تلقي عددًا من العلوم الشرعية على يد عدد من العلماء منهم والده محيي الدين، كما درس عددًا من العلوم الحديثة مثل الفلك والحساب والجغرافيا حتى عام 1822 م ثم رافق والده إلى الحج إلى مكة المكرمة عام 1825، وعاد من رحلة الحج عام 1828 م، وفي عام 1830 احتلت فرنسا الجزائر، فانخرط الشعب الجزائري وعلى رأسه المرابطون ومنهم والد عبد القادر " محيي الدين " في الجهاد والقتال , وطلب المرابطون أن يصبح محيي الدين قائدًا لهم، فرفض ذلك، وأنتهي الأمر بمبايعة شيوخ المرابطين للأمير عبد القادر على الأمارة والجهاد ضد الفرنسيين عام 1832 م، ومنذ ذلك الحين حمل الأمير عبد القادر لواء الجهاد والثورة على الفرنسيين، وأظهر شجاعة وذكاء في إدارة المعارك على الفرنسيين واستمر مقاتلاً مجاهدًا حتى عام 1848، حيث هزم ونقل معتقلاً إلى سجون فرنسا ثم أطلق سراحه سنة 1853، ونفي إلى بروسيه ثم دمشق 1856، حيث ظل بها أغلب سنواته الباقية ولم يكن يتركها إلا لزيارات إلى مصر أو فرنسا أو الذهاب إلى الحج، وقضي الأمير عبد القادر تلك السنوات في العبادة والعلم إلى أن توفي في عام 1883 م في دمشق.


جهاده ضد الفرنسيين:
منذ أن اجتمعت كلمة شيوخ المجاهدين على ضرورة توحيد راية الجهاد تحت قيادة رجل واحد، وتم اختيار الأمير عبد القادر لهذه المهمة الصعبة، بدأ الأمير عبد القادر سنة 1832 في توحيد المناطق التي لم يصل إليها الاحتلال الفرنسي، كما أنضم إليه عدد من زعماء الجهاد في مختلف أرجاء الجزائر، وبدأ في تنظيم إدارة حكومية لتنظيم أمور الحياة في تلك المناطق وتعبئتها وحشد طاقاتها للجهاد ضد الاحتلال الفرنسي وأعتمد الأمير عبد القادر على الفقه المالكي لتنظيم العلاقات والقوانين وطرق الحكمة، كما أقام مجلسًا للشورى يضم مندوب عن كل منطقة من المناطق الإحدى عشر التابعة له، وكان لا يبرم أمرًا غلا بعد الرجوع إلى هذا المجلس، وبدأ الأمير ببث الدعاة في مختلف أنحاء الجزائر للدعوة إلى الجهاد في سبيل الله، واستطاع أن يشكل جيشًا نظاميًا بلغ قوامه 16 ألف جندي بالإضافة إلى قوات المتطوعين من القبائل الذين يبلغ عددهم 150 ألفًا، كما أقام عددا من مصانع السلاح في المناطق التي يسيطر عليها، مثل مصنع صهر المعادن في تلسمان الذي كان ينتج يوميًا ثمانية عشر مدفعًا، ومصنع للبنادق في مدينة مليانة ,آخر لإنتاج البارود، وعدد آخر من مصانع السلاح والذخيرة في تلمسان والمعسكر ومليانه والمدية وتاقداوت، كما نشطت صناعة التعدين وخاصة تعدين ملح البارود، الكبريت، الحديد، النحاس، ولعل هذا اثبت أن المسلمين كانوا يسيرون في اتجاه التصنيع الثقيل لولا الاستعمار، وأن هذا الاستعمار هو الذي قضي على الثورة الصناعية في بلاد المسلمين، ولم يكن هناك تأخر علمي أو خلافه بل إن نجاح الأمير عبد القادر في إنشاء هذه الصناعات يثبت وجود الخبرات العلمية الأزمة لذلك في بلاد المسلمين ولولا الاستعمار لتطورت التكنولوجيا في بلادنا، والغريب أن البعض يزعم أن الاستعمار قد حمل إلينا العلوم ! ولولاه لكنا لا نزال غارقين في الجهل.

وأهتم الأمير عبد القادر بتأسيس المدن الجديدة وتنظيم الإدارة الحكومية تنظيمًا دقيقًا وان يرفع المظالم عن الأهالي ويرسي علاقات الثقة والود بين الشعب والحاكم، كما أنشأ المكتبات العامة وأستجلب لها الكتب من مختلف بلاد العالم وفتح العديد من المدارس، وأهتم بتعليم الأطفال وخصص لطلاب العلم مرتبات شهرية، ونظم القضاء اعتماداً على المذهب المالكي وهو مذهب أهل الجزائر والمغرب العربي عمومًا، وقد امتنعت أعمال السرقة والسطو تمامًا وامتنعت أيضًا تجارة المخدرات والخمور والدعارة والميسر، وأعتمد الأمير عبد القادر في ذلك على القدوة فكان هو نفسه مثالاً يحتذي من حيث أسلوب الحياة ونزاهة النفس.

بدأ الأمير عبد القادر ورجاله المجاهدون عملياتهم القتالية ضد الفرنسيين سنة 1833م، وقاد الأمير عبد القادر رجاله في اتجاه وهران ,اصطدم مع القوات الفرنسية واستطاع أن يلحق بها خسائر ضخمة وأن يأسر عددًا كبيرًا من الفرنسيين ويبيد الكثير من كتائبهم واستمرت انتصارات الأمير عبد القادر في أرزيو ومستغانم والهبرة حتى عام 1835 مما أدي إلى هياج في فرنسا وتم تغيير القائد الفرنسي وإرسال المزيد من القوات الفرنسية إلى الجزائر لإنقاذ الجيش الفرنسي المهزوم في الجزائر، وبرغم تغيير القائد الفرنسي وإرسال المزيد من القوات الفرنسية إلى الجزائر، استمرت نجاحات الأمير عبد القادر ورجاله ضد القوات الفرنسية التي وحقق الأمير عبد القادر أكبر انتصاراته على الجيش الفرنسي الذي أضطر إلى الانسحاب عن طريق البحر إلى وهران، واستمر الأمير يضغط على الفرنسيين في كل مكان طوال عام 1836 حتى اضطرت فرنسا إلى تغيير القائد الفرنسي في الجزائر مرة أخري، وتم تحرير وهران نفسها وكذلك دخل الأمير عبد القادر تلمسان، وأصبح الوجود الفرنسي في الجزائر كلها مهددًا تمامًا عام 1837، وللأسف الشديد وقع الأمير هدنة مع الفرنسيين في ذلك الوقت، ولو ضرب ضربته الكبرى لأزاح الوجود الفرنسي من الجزائر كلها في ذلك الوقت.

تجددت الأشتباكات عام 1840 بعد أن عززت فرنسا قواتها بالمزيد من الجنود والسلاح فوصلت إلى 30 ألف جندي وعندما أحس الأمير عبد القادر عدم توازن القوى لجأ إلى أسلوب الإغارة والكمائن وقطع طرق الإمداد مما أرهق القوات الفرنسية فأرسلت فرنسا 80 ألف جندي على الجزائر لإخضاع الأمير عبد القادر، الذي استمر في أسلوب حرب العصابات طوال أعوام 1841، 1842، 1843، وأوقع خسائر فادحة في القوات الفرنسية، ثم أضطر إلى اللجوء إلى الحدود المغربية 1845 وأتخذ منها قاعدة لغزواته، وعندئذ اندلعت ثورة أخري في الجزائر في منطقة الظهرة وسهل الشلف بقيادة محمد بن عبد الله أبي معزه فاستغل الأمير عبد القادر الفرصة وقاد قواته إلى داخل الجزائر ودمر الحامية الفرنسية في سيدي مخلصة واستسلمت له كتيبة فرنسية كاملة قوامها 600 جندي في " ثموشنت " وشعرت فرنسا بالخطر فأرسلت 120 ألف جندي أي 14 فرقة كاملة بقيادة الجنرال " بيجو" الذي أعتمد على أسلوب الأبادة وحرق المزارع والقري وخاض الأمير عبد القادر صراعًا مريرًا ضد القوات الفرنسية أعوام 1845، 1846، إلى أن وقع في قبضة الفرنسيين سنة 1847، وبذلك استراحت فرنسا وسحبت 100 ألف جندي من الجزائر ولكن إلى حين.

 

المصدر: الفتح
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 41 مشاهدة
نشرت فى 3 ديسمبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,563