الكاتب: د. محمد مورو

تاريخ النشر: السبت، 17/03/2007


تعد حياة عادل حسيـن التي حفلت بالعديد من المعارك السياسية والمراجعات الفكرية واحدة من أخصب التجارب في الحياة السياسية المصرية المعاصرة، حيث ولد عادل حسيـن وعاش في بيت يمتلأ بالسياسة والنضال والثورة، فقد كان أخوة المرحوم أحمد حسين مؤسس ورئيس حزب مصر الفتاة الذي نشأ في النصف الأول من القرن العشرين، وكان من أكثر الأحزاب معارضة للملك والإنجليز وأنشطها حيويةً. ولد عادل حسيـن في هذا البيت في 24/11/1932، في جزيرة الروضة بالقاهرة، والتحق بهذا الحزب، ثم أنتقل بعد ذلك في إطار تطوراته الفكرية والسياسية إلى الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني "حدتو" والتي كانت أحد أهم التشكيلات اليسارية المصرية، وبرز عادل حسيـن كمفكر ومناضل يساري صلب، ودخل السجن عدة مرات في هذا الإطار، أولها عام 1953 ثم عام 1955، ثم في عام 1959 واستمر خمسة سنوات في السجن إلى أن أفرج عنه عام 1964م.

وقد حصل عادل حسيـن على بكارليوس علوم قسم الجيولوجيا، إلا أنه عمل بالصحافة والكتابة، فأصدر مبكرًا سلسلة كتب عن اقتصاديات النفط في الفترة من 1956 ـ 1959، وعمل صحفيًا ورئيس قسم في مؤسـسة أخبار اليوم، ثم رحل من مصر عام 1978 بعد أن تم فصله من العمل بأخبار اليوم، حيث عمل في مركز دراسات الوحدة العربية وفي مجلة المستقبل العربى، ثم عاد إلى مصر وبدأت سيرة المراجعة الفكرية التي انتهت به وبعدد آخرمن الرموز اليسارية مثل الدكتور محمد عمارة، والمستشار طارق البشرى، إلى اعتناق فكر الإسلام السياسى.

ولا شك أن ذلك كان حدثًَا هامًا يرجع إلى العديد من الأسباب منها ما هو خاص وما هو عام وبالنسبة لعادل حسيـن فإن تيار الإسلام السياسي لم يكن غريبًا عنه، حيث كان أخوه أحمد حسين أحد رموز هذا التيار، ولا شك أن هناك مراجعات وحوارات تمت بين الرجلين أثمرت إلى حد كبير في تفكير ومراجعات عادل حسيـن، ولكن هذا لا ينفي وجود عقلية خلاقه ومبدعة لدى عادل حسيـن وفي الإطار العام فإن بوادر إفلاس اليسار فكريًا وسياسيًا كانت بدأت تتضح على مستوى العالم. وقد كانت االقدرات الفكرية لعادل حسيـن كانت قادرة على رؤية ذلك على البعد وقبل حدوثه.

وكذا فإن إفلاس التجارب اليسارية العربية ووصول معظم القوي السياسية والفكرية إلى ما يشبه المأزق في نهاية السبعينات، وبداية الثمانينات وخاصة في اطروحاتها بخصوص القضية الفلسطينية وتآكل مواقفها في هذا الصدد، أدي في النهاية الى أن يراجع الأستاذ عادل حسيـن مواقفه الفكرية والسياسية، ويبدأ مرحلة جديدة من مراحل نضاله الفكري والوطني من خندق الإسلام السياسى، فالتحق بحزب العمل الذي كان قد أسـسه كل من المهندس إبراهيم شكري وهو أحد رموز حزب مصر الفتاة، واحد تلاميذ أحمد حسين، مع الدكتور محمد حلمي مراد أحد الرموز السياسية البارزة ووزير سابق، وأسند الي الأستاذ عادل حسيـن رئاسة تحرير جريدة الشعب منذ عام 1985 ـ 1993، حيث بدا الخط الإسلامي يأخذ مساحته الواسعة داخل الجريدة والحزب.

ولا شك أن عادل حسيـن كمفكر وسياسي استطاع أن ينقل الخطاب الإسلامي من خانة خطاب العموميات إلى خانة الاشتباك مع الحالة السياسية والاجتماعية، ودعا عادل حسيـن في هذا الصدد إلى مواجهة أمريكا وإسرائيل ورفض مسيرة السلام المزعوم، ووقف بصلابة ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني وضد بيع القطاع العام والخصخصة، ودعا إلى وحدة التيارين الإسلامي والقومي على قاعدة مواجهة إسرائيل وأمريكا.

ثم عمل عادل حسيـن أمينا عامًا لحزب العمل منذ عام 1993 وحتى وفاته وفي إطار تواجده داخل الحزب سواء كرئيس تحرير لجريدة الشعب أو أمينًا عامًا، فإنه كان أحد رموز وقواعد التحالف الإسلامي الذي تحقق بين كل من جماعة الخوان المسلمين وحزبي العمل والأحرار منذ عام 1987 وحتى وفاته.

وإذا كان البعض وخاصة في الدوائر الحكومية يرى عادل حسيـن هو مهندس هذا التحالف، إلا أن الحقيقة أن المهندس إبراهيم شكري رئيس الحزب كان الأكثر تمسكا بهذا التحالف، أما عادل حسيـن فكان يميل إلى فتح الحزب أمام رموزا وجماهير الجماعات الإسلامية.. على أساس أنهم الأكثر صلابة، وأن ذلك يفيد المجتمع حيث يعطي هؤلاء فرصة النضال السياسي بعيدًا عن العنف، وقد استطاع عادل حسيـن بالفعل أن يحدث تغييرًا واسعًا في صفوف حزب العمل وهيئاته ومؤسساته باتجاه تقليص دور غير الإسلاميين وغير الموالين له شخصيا، وأمسك بخيوط اللعبة داخل الحزب.

كما كان عادل حسيـن مثيرًا دائمًا للصخب، ويتعاطى مع السياسة والنضال بشكل جاد وصلب في نفس الوقت، وسواء في فترته اليسارية أو الإسلامية فأنه كان معارضًا شرسًا ويدخل السجن عادة، وقد اعتقل في إطار نضاله الإسلامي عام 1994، وخرج من السجن ليعاود جهاده ضد الفساد في إطار حملة طالت رموز كبيرة مثل وزير الداخلية المصري وقتها السيد حسن الألفى، ثم وزير الزراعة ونائب رئيس الوزراء والأمين العام للحزب الوطني الحاكم الدكتور يوسف والى، وقد أدت هذه الحملة إلى صدور أحكام بالسجن على عدد من الصحفيين والرسامين بالصحيفة وإلي أحكام بالغرامات على عادل حسيـن شخصيًا، ثم جاءت حملة الصحيفة على ما أسمته التطاول على العقائد والإسفاف في إصدارات وزارة الثقافة المصرية وخصوصًا وليمة لأعشاب البحر، جاءت هذه الحملة التي أدت إلى اندلاع مظاهرات واسعة في جامعة الأزهر، لتكون الذريعة التي اتخذتها الحكومة وبالتالي لجنة الأحزاب لتعطيل الصحيفة وتجميد الحزب عام 2000م، واستمر هذا الأمر - وربما كان سببًا في إصابة عادل حسيـن بنزيف في المخ ليسلم الروح في 15/3/2001 م بعد حياة حافلة بالكفاح والتحولات والسجون.

ويعد موقف عادل حسيـن إبان الأزمة وحرب الخليج الثانية من أهم المحطات السياسية في حياته وحياة تيار الإسلام السياسي، حيث وقف الرجل وجر معه التيار الإسلامي فيما عدا بعض الاستثناءات مع العراق، وكان حزب العمل وصحيفة الشعب أكثر الأصوات العربية تقريبًا رفضا للتدخل الأمريكي وتأييدًا للعراق، وهو الأمر الذي استمر بعد ذلك.


مؤلفات عادل حسيـن

من أهم مؤلفاته " الاقتصاد المصري من الاستقلال إلى التبعية "، " نحو فكر عربي جديد "، " الإسلام دين وحضارة "، " الخليج الأمريكي العربي سابقًا "، وكذا عدد كبير من المقالات والدراسات التي تؤسس للنضال الإسلامي المعاصر وتهاجم الفساد وتقف بجوار قضايا الأمـة.

ولعل من المفيد هنا أن نذكر أن عددًا كبيرًا من اليساريين المصريين كانوا قد تحولوا باتجاه خدمة المشروع العولمي الأمريكي عن طريق تأسيس ما يسمى بجماعات المجتمع المدني التي يتم تمويلها من جهات أمريكية وكندية وأوروبية، في حين أن عادل حسيـن ورموز يسارية أخري قد تحولت إلى الإسلام السياسي الذي أصبح رمـزًا على مقاومة أمريكا، ورفض مشـروع العولمة، ومواجهة التدخل الأمريكي في المنطقة والعالم.

 

المصدر: الفتح
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة
نشرت فى 3 ديسمبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

313,930