34-أكل الميراث بالباطل

النفسُ تجزعُ أنْ تكونَ فقـــــــــيرةً والفقـرُ خيرٌ مِن غِنًى يُطغِــــيهَا
وغِنَى النفوسِ هو الكفافُ فإنْ أبَتْ فجـمـيعُ ما في الأرضِ لا يَكفِيها
أموالُنا لـذوِي الميراثِ نجمعُـــــها ودُورُنا لخــرابِ الدهرِ نبنِيــــها
كم مِن مـدائن في الإقامة قـد بُنِيَت أمسَتْ خرابًا وأفْنَى الموتُ أهلِيها
 وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا :
يقول الله ﻷ:( فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْـمَالَ حُبًّا جَمًّا ) (الفجر:15-20).
يقول تعالى منكرًا على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله عليه في الرزق ليختبره في ذلك ، فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك ، بل هو ابتلاء وامتحان. كما قال تعالى:(أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ) (المؤمنون:55 ، 56). وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضَيَّق عليه في الرزق ، يعتقد أن ذلك من الله إهانة له.
قال الله ﻷ: ( كَلّا ) أي: ليس الأمر كما زعم ، لا في هذا ولا في هذا ، فإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب ، ويضيق على من يحب ومن لا يحب ، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين ، إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك ، وإذا كان فقيرًا بأن يصبر.
وقوله: ( بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ) فيه أمر بالإكرام له؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:« قَالَ رَسُولُ اللهِ ص : «كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ » ، وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى »(رواه مسلم)
( وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) يعني: لا تأمرون بالإحسان إلى الفقراء والمساكين ، ويحث بعضكم على بعض في ذلك ، ( وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ ) يعني: الميراث (أَكْلًا لَمًّا ) أي: من أي جهة حصل لهم ، من حلال أو حرام ، ( وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ) أي: كثيرًا.
( كَلا إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْـمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * َقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْـمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي )(الفجر:21-30).
يخبر تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة ، فقال:( كَلَّا ) أي: حقًا (إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا دَكًّا ) أي:وطئت ومهدت وسويت الأرض والجبال ، وقام الخلائق من قبورهم لربهم ، ( وَجَاءَ رَبُّكَ ) يعني: لفصل القضاء بين خلقه ، فيجيء الرب تعالى لفصل القضاء كما يشاء ، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا.
وقوله: ( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) قَالَ رَسُولُ اللهِ ص:« يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا »(رواه مسلم).
وقوله: ( يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ ) أي: عمله وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه ، ( وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ) أي: وكيف تنفعه الذكرى؟ ( يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) يعني: يندم على ما كان سلف منه من المعاصي ـ إن كان عاصيًا ـ ويود لو كان ازداد من الطاعات ـ إن كان طائعًا فقد قَالَ رَسُولَ اللهِ ص:« لَوْ أَنَّ رَجُلًا يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى يَوْمِ يَمُوتُ هَرَمًا فِي مَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَحَقَّرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(حسن رواه الإمام أحمد).
قال الله ﻷ: ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ) أي: ليس أحد أشد عذابًا من تعذيب الله من عصاه ، ( وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ) أي: وليس أحد أشد قبضًا ووثقًا من الزبانية لمن كفر بربهم ﻷ ، هذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين.
فأما النفس الزكية المطمئنة وهي الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق فيقال لها: ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْـمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ ) أي: إلى جواره وثوابه وما أعد لعباده في جنته ، ( رَاضِيَةً ) أي: في نفسها ( مَرْضِيَّةً ) أي: قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها ، ( فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ) أي: في جملتهم ، (وَادْخُلِي جَنَّتِي ) وهذا يقال لها عند الاحتضار ، وفي يوم القيامة أيضًا ، كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره ، وكذلك هاهنا.
 منع المرأة من حقها في الميراث صورة عن ظلم المرأة في بعض المجتمعات الإسلامية:
بين تعالى في كتابه أن جميع الأوامر وجميع النواهي هي للرجال وللنساء على السواء ، فالرسول صأرسِلَ إلى الرجال والنساء ، والقرآن أنزل للرجال والنساء ، فالله ذكر كل ذلك في القرآن.
وعند الكلام عن جزاء أهل الإيمان فإنه سبحانه ذكر الجميع :(وَعَدَ اللهُ الْـمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة: 72).
وفي الحديث عن المساواة في الحقوق المادية الخاصة قال تعالى:( لِلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا اكْتَسَبْنَ) (النساء: 32). وعند الميراث قالﻷ:( لِلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالاْقْرَبُونَ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالاْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا )(النساء: 7). وقال تعالى:( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) (النساء:11).
قال سعيد بن جبير وقتادة:«كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ، ولا يورِّثون النساء ولا الأطفال شيئًا ، فأنزل الله: ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا).
أي: الجميع فيه سواء في حكم الله تعالى ، يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله ﻷ لكل منهم ، بما يدلي به إلى الميت من قرابة ، أو زوجية ، أو ولاء ؛ فإنه لُحْمَة كَلُحمة النسب.
هذا هو المبدأ العام الذي أعطى الإسلام به « النساء » منذ أربعة عشر قرنًا حق الإرث كالرجال ـ من ناحية المبدأ ـ كما حفظ به حقوق الصغار الذين كانت الجاهلية تظلمهم وتأكل حقوقهم. لأن الجاهلية كانت تنظر إلى الأفراد حسب قيمتهم العملية في الحرب والإنتاج.
وفي هذه الأيام اعتدى الرجال على حق من حقوق المرأة وهو حقها في الميراث ، حقها من مال أبيها وأخيها وزوجها وابنها ، زاعمين أن ذلك فضيحة وعار ، والعار من عارض شريعة الجبار ، العار من كره ما أنزل الله حتى أدخله الله النار ، العار من حرم الأنثى الضعيفة ، واستغل حياءها ، وأكل أموالها ليقيم عليها تجارته ومشاريعه ، ذاكم هو العار ، أما مطالبة المرأة بحقها وإرثها فهو حق مشروع شرعه الله من فوق عرشه (لِلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالاْقْرَبُونَ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالاْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا )(النساء:7).
إن الله ﻷالذي يأمر بالعدل أعطى كل ذي حق حقه ، سواء كان رجلًا أم امرأة ، وإن الواجب علينا أن نعطي الحقوق لأهلها ، وأن ندرك أن الله محاسبنا يوم القيامة ، رجالًا ونساءً ، وأنه لا يرضى أن يعتدي أحد على أحد ، بل لا يرضى أن يعتدي إنسان على حيوان ، بل لا يرضى أن يعتدي حيوان على حيوان ، فقد جاء في الحديث الصحيح أن الله يقتص يوم القيامة للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَتأَنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ :» لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ »(رواه مسلم) وَالْجَلْحَاء هِيَ الْجَمَّاء الَّتِي لَا قَرْن لَهَا.
هَذَا تَصْرِيح بِحَشْرِ الْبَهَائِم يَوْم الْقِيَامَة ، وَإِعَادَتهَا يَوْم الْقِيَامَة كَمَا يُعَاد أَهْل التَّكْلِيف مِنْ الْآدَمِيِّينَ ، وَكَمَا يُعَاد الْأَطْفَال وَالْـمَجَانِين وَمَنْ لَمْ تَبْلُغهُ دَعْوَة ، وَعَلَى هَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِل الْقُرْآن وَالسُّنَّة.
قَالَ اللهُ تَعَالَى : ( وَإِذَا الْوُحُوش حُشِرَتْ ) (التكوير:5).
قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَيْسَ مِنْ شَرْط الْحَشْر وَالْإِعَادَة فِي الْقِيَامَة الْـمُجَازَاة وَالْعِقَاب وَالثَّوَاب ، وَأَمَّا الْقِصَاص مِنْ الْقَرْنَاء لِلْجَلْحَاءِ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ قِصَاص التَّكْلِيف ؛ إِذْ لَا تَكْلِيف عَلَيْهَا ، بَلْ هُوَ قِصَاص مُقَابَلَة.
وبعد هذا نقول لكل رجل يظلم أخته باحتقارها وازدرائها وحرمانها من حقها: إنه إنسان بعيد عن الحق ، يأخذه الشيطان إلى طريق الجاهلية ومفاهيم الجاهلية ، وعليه أن يعلم أنه بظلمه لأخته أو ابنته ، عليه أن يعلم أنه ربما قد يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج فيجعلها الله هباء منثورًا ، بسبب ظلمه وطغيانه ، والله عز وجل يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْـمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ) (الأحزاب:58).
إن الإساءة إلى المرأة إساءة عظيمة ، لماذا؟ لأنها ضعيفة ، ولأنها لا تستطيع أن تردّ كيد الرجل أو تتظلم أو تجهر بالشكوى ، ولا أن تخرج فتسيح في الأرض ، لأنها عِرض ، إنها امرأة ، لذلك كان ظلمها أشد الظلم ، وكان إلحاق الضرر بها مصيبة أكبر من كل المصائب ، فلتتقوا الله أيها الرجال ، فإن كانت تلك المرأة أختًا فدخول الجنة موقوف على الإحسان إليها ، وإن كانت بنتًا فهذا حقها ، وإن كانت أمًّا فالجنة تحت قدميها ( ) ،فليؤدِّ إليها حقها ، وإلا فقد ظلمها وأساء إليها ، والويل له من ربه.
ونقول لهؤلاء الذين يحرمون النساء من حقهن في الميراث: تفكروا فيمن كان قبلكم ، كم عمَّروا على هذه الدنيا ، وأين هم الآن؟! اعتبروا بمن كان قبلكم ، بماذا سينفعك الولد إذا تواريت التراب؟! ماذا ستفعل بتلك الأمتار التي تركتها ولأختك حق فيها ، وستطوق بها يوم القيامة إن شاء الله تعالى؟!
قال رَسُولَ اللهِ ص:« مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» (رواه البخاري) ولفظ مسلم:« مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
وَالتَّطْوِيق الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث يَحْتَمِل أَنَّ مَعْنَاهُ : أَنَّهُ يَحْمِل مِثْله مِنْ سَبْع أَرْضِينَ ، وَيُكَلَّف إِطَاقَة ذَلِكَ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون يُجْعَل لَهُ كَالطَّوْقِ فِي عُنُقه كَمَا قَالَ سُبْحَانه وَتَعَالَى :( سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة) وَقِيلَ : مَعْنَاهُ : أَنَّهُ يُطَوَّق إِثْم ذَلِكَ وَيَلْزَمهُ كَلُزُومِ الطَّوْق بِعُنُقِهِ.
ماذا ستقول لرب العالمين إذا سألك: لماذا حرمْتَ أختَك من حقها؟! تذكّر حديث النبي ص : «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْـخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنْ الْقَطِيعَةِ ، قَالَ:« نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ» ، قَالَتْ: بَلَى ، قَالَ:« فَذَاكِ لَكِ» ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ص:« اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ:(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)»(رواه البخاري ومسلم).
من مِنّا سيخلد في الدنيا؟! من مِنّا يأمن عذاب الله؟! لماذا ينسى هؤلاء الظلمة ذلك اليوم العظيم ، ذلك اليوم الذي يَفِرُّ فيه الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ، وَأُمّهِ وَأَبِيهِ ، وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ ، لِكُلّ امْرِئ مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ؟!
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَاخْشَوْاْ يَوْمًا لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحياةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ) (لقمان:33) ، وقال تعالى:( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الـْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون:99 ، 100) ، وقال تعالى:(وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ) (فاطر:37).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَتأَنَّ رَسُولَ اللهِ ص:« أَتَدْرُونَ مَا الْـمُفْلِسُ؟» قَالُوا : الْـمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ:« إِنَّ الْـمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا ؛ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» (رواه مسلم).
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ تعَنْ النَّبِيِّ ص فِيمَا رَوَى عَنْ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:« يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا» (رواه مسلم).

 المماطلة بالحقوق:
ومِن أنواع الظلم المماطلةُ بالحقوق ، كتأخير قِسمةِ الميراث أحيانًا؛ لأن بعضَهم قد يريد بها ظلمَ الآخرين والتحايلَ عليهم ومحاولةَ تنازلهم عن بعض حقوقِهم ، لأجل المصالح الشخصيّة ، فالمسلم يتباعَدُ عن هذا ، وإن ائتُمِنَ أدَّى أمانته بصدقٍ وإخلاص.
قال رَسُولَ اللهِ ص:« اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» (رواه مسلم).
وقال النَّبيِّ ص:$إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ # ، ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ).(هود:102).
رقَدَتْ عيونُ الظالمينَ ولَمْ ترقُدْ لمظلــــومٍ مظالمُهُ
ومَن اعتدى فالله خـاذلُه ومَن اتقَى فالله عاصِمُهُ
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَتأَنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ:«مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ #. (رواه البخاري).
أمَا واللهِ إنَّ الظلمَ شُـــــؤْمٌ وما زالَ الظلومُ هو الملـومُ
إلى ديَّانِ يومِ الدينِ نمضــي وعند اللهِ تجتمعُ الخصــومُ
ستعلمُ في الميعـادِ إذِ التقَيْنَا غدًا عند المليكِ مَن الظـلومُ
 الميراث الحقيقي ميراث النبوة:
ولقد أخبر الرسول صأنَّ له تركة وميراثًا ، لا يمكن أن يُختص بها إلا من أراد الله له الخير وأخبر أن هذا الميراث ليس من فئة الدينار والدرهم ، وإنما هو العلم الذي من تحصل عليه فإنما وفق لخير عظيم قال : «إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ و إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَه أَخَذَ بِحَظٍّ وافر» (صحيح رواه أبو داود). (وَرَّثُوا الْعِلْم): لِإِظْهَارِ الْإِسْلَام وَنَشْر الْأَحْكَام(فَمَنْ أَخَذَهُ): أَيْ أَخَذَ الْعِلْم مِنْ مِيرَاث النُّبُوَّة (أَخَذَ بِحَظٍّ): أَيْ بِنَصِيبٍ (وَافِر): كَثِير كَامِل.

35- إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلاَّ طيِّبًا

تفنى اللذاذةُ ممــنْ ذاقَ صفْوتَها مِن الحرامِ ويبقَى الإثمُ والعارُ
تبقى عواقِبَ سوءٍ فــي مَغَبَّتِها لا خــيرَ في لذَّةٍ بعدهــا النارُ
 إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلاَّ طيِّبًا :
عَنْ أبي هُرَيرة ت قال:قال رسولُ الله ص:$إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلاَّ طيِّبًا ، وإنَّ اللهَ تَعَالَى أمَرَ المُؤْمِنَينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ ، فَقَالَ:( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) (المؤمنون:51) ، وَقَالَ تَعَالَى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) (البقرة:172) ، ثُمَّ ذكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ:أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يمُدُّ يدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ:يَا رَبّ يَا رَبّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرامٌ ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِّيَ بالحَرَامِ ، فأنَّى يُستَجَابُ لِذلكَ؟ #(رواهُ مُسلمٌ).
قوله ص:$ إنَّ اللهَ طَيِّبٌ # المعنى:أنَّه تعالى مقدَّسٌ منَزَّه عن النقائص والعيوب كلها ، وهذا كما في قوله:( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُون ) (النور:26) ، والمراد:المنزهون من أدناس الفواحش.
وقوله ص:« لا يَقْبَلُ إلاَّ طيِّبًا » قد ورد معناه في قوله ص:$مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللهِ إِلَّا الطَّيِّبُ فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ# (رواه البخاري).الفُلُوّ: الْـمُهْرُ.
والمراد أنه تعالى لا يقبل من الصدقات إلا ما كان طيبًا حلالًا.
وقد قيل:إنَّ المراد بقوله: « لا يَقْبَلُ إلاَّ طيِّبًا » أعمُّ مِنْ ذلك ، وهو أنَّه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيبًا طاهرًا من المفسدات كلِّها ، كالرياء والعُجب ، ولا من الأموال إلا ما كان طيبًا حلالًا ، فإنَّ الطيب تُوصَفُ به الأعمالُ والأقوالُ والاعتقاداتُ ، فكلُّ هذه تنقسم إلى طيِّبٍ وخبيثٍ.
وقد قيل:إنَّه يدخل في قوله تعالى:( قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ) (المائدة:100) هذا كلُّه
 الكلام منه طيب وخبيث :
قد قسَّم الله تعالى الكلام إلى طيب وخبيث ، فقال:( ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة ) (إبراهيم:24) ، ( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ) (إبراهيم:26) ، وقال تعالى:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) (فاطر:10) ، ووصف الرسول ص بأنَّه يحلُّ الطيبات ويحرِّمُ الخبائث.
وقد قيل:إنَّه يدخل في ذلك الأعمالُ والأقوالُ والاعتقاداتُ أيضًا.
 المؤمن كله طيِّبٌ:
ووصف الله تعالى المؤمنين بالطيب بقوله تعالى:(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) (النحل:32) ولقد أخبرنا النبي ص أنَّ« الـْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْـمَلَائِكَةُ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا قَالُوا :اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْـجَسَدِ الطَّيِّبِ» (صحيح رواه ابن ماجه) وإنَّ الملائكة تسلِّمُ عليهم عندَ دُخول الجنة ، فيقولون لهم:(سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ )(الزمر:73).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تقَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ ، نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا» (صحيح رواه الترمذي وابن ماجه).
( مَنْ عَادَ مَرِيضًا)أَيْ مُحْتَسِبًا(أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ )أَيْ فِي الدِّينِ( فِي اللهِ )أَيْ لِوَجْهِ اللهِ لَا لِلدُّنْيَا(مُنَادٍ )أَيْ مَلَكٌ( أَنْ طِبْت )دُعَاءٌ لَهُ بِطِيبِ عَيْشِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى( وَطَابَ مَمْشَاك) كِنَايَةٌ عَنْ سَيْرِهِ وَسُلُوكِهِ طَرِيقَ الْآخِرَةِ بِالتَّعَرِّي عَنْ رَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ وَالتَّحَلِّي بِمَكَارِمِهَا(وَتَبَوَّأْت)أَيْ تَهَيَّأْت( مِنْ الْجَنَّةِ )أَيْ مِنْ مَنَازِلِهَا الْعَالِيَةِ( مَنْزِلًا )أَيْ مَنْزِلَةً عَظِيمَةً وَمَرْتَبَةً جَسِيمَةً بِمَا فَعَلْت. وَهذا دُعَاءٌ لَهُ بِطِيبِ الْعَيْشِ فِي الْأُخْرَى كَمَا أَنَّ طِبْت دُعَاءٌ لَهُ بِطِيبِ الْعَيْشِ فِي الدُّنْيَا.
فالمؤمن كله طيِّبٌ قلبُه ولسانُه وجسدُه بما سكن في قلبه من الإيمان ، وظهر على لسانه من الذكر ، وعلى جوارحه من الأعمال الصالحة التي هي ثمرة الإيمان ، وداخلة في اسمه ، فهذه الطيباتِ كلُّها التي هي الإيمان والعمل الصالح يقبلها الله ﻷ.
ومن أعظم ما يحصل به طيبةُ الأعمَال للمؤمن طيبُ مطعمه ، وأنْ يكون من
حلال ، فبذلك يزكو عملُه.
 لا يقبل العملُ ولا يزكو إلاَّ بأكل الحلال :
في هذا الحديث إشارةٌ إلى أنَّه لا يُقبلُ العملُ ولا يزكو إلاَّ بأكل الحلال ، وإنَّ أكل الحرام يفسد العمل ، ويمنع قبولَه ، فإنَّه بعد تقريره: $إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلاَّ طيِّبًا» قال:وإنَّ اللهَ تَعَالَى أمَرَ الْـمُؤْمِنَينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ ، فَقَالَ:( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) (المؤمنون:51) وقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) (البقرة:172).
والمراد بهذا أنَّ الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال ، وبالعمل الصالح ، فما دام الأكل حلالًا ، فالعملُ صالح مقبولٌ ، فإذا كان الأكلُ غير حلالٍ ، فكيف يكون العمل مقبولًا؟
وما ذكره بعد ذَلِكَ من الدعاء ، وأنَّه كيف يتقبل مع الحرام ، فهوَ مثالٌ لاستبعاد قَبُولِ الأعمال مع التغذية بالحرام.
ولقد كان الصحابة ي يحرصون أشد الحرص على أن يأكلوا من الحلال ويبتعدوا عن الحرام ، فعَنْ عَائِشَةَ ت قَالَتْ:كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ تغُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ (أي يأتيه بما يكسبه والخراج ما يقرره السيد على عبده من مال يحضره له من كسبه).وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ تيَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ.
فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ ت فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ:أَتَدْرِي مَا هَذَا؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:وَمَا هُوَ؟
قَالَ:كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ».
فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ (أي أدخلها في حلقه) فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ».(رواه البخاري).
و في رواية لأبي نُعيم في الحلية وأحمد في الزهد:«فقيل له يرحمك الله كلُّ هذا من أجل هذه اللقمة؟ قال:لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتُها ، سمعت رسول الله ص يقول:«كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أوْلَى بِهِ» فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة.(صحيح).
 من حجَّ بمالٍ حرام ، ومن صلَّى في ثوب حرام ، هل يسقط عنه فرضُ الصلاة والحج بذلك؟
إذا حجَجْتَ بمال أصلُه دنَسٌ فما حجَجْتَ ولكن حجَّت العيرُ
ما يقبلُ اللهُ إلا كـــــلّ طيِّبَـةٍ ما كُلّ مَن حجّ بيتَ اللهِ مــبرورُ
قد اختلفَ العلماءُ في حجِّ من حجَّ بمالٍ حرام ، ومن صلَّى في ثوب حرام ، هل يسقط عنه فرضُ الصلاة والحج بذلك ، وفيه عن الإمام أحمد روايتان ، وهذه الأحاديث المذكورة تدلُّ على أنَّه لا يتقبل العملُ مع مباشرة الحرام ، لكن القبول قد يُراد به الرضا بالعمل ، ومدحُ فاعله ، والثناءُ عليه بين الملائكة والمباهاةُ به ، وقد يُراد به حصولُ الثواب والأجر عليه ، وقد يراد به سقوط الفرض به من الذمة.
فإنْ كان المراد هاهنا القبولَ بالمعنى الأوَّل أو الثاني لم يمنع ذلك من سقوط الفرض به من الذمة ، كما ورد في صحيح مسلم عن النبي ص أنه قال:« إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ ».

و قال ص:« مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً » (رواه مسلم)( ).
والمراد ـ والله أعلم ـ نفي القبول بالمعنى الأوَّل أو الثاني ، وهو المراد ـ والله أعلم ـ من قوله ﻷ:( إنَّما يَتقبَّلُ الله من المتَّقين ) (المائدة:27).
ولهذا كانت هذه الآية يشتدُّ منها خوفُ السَّلف على نفوسهم ، فخافوا أنْ لا يكونوا من المتَّقين الذين يُتقبل منهم.
وسُئل أحمد عن معنى (المتقين) فيها ، فقال:يتقي الأشياء ، فلا يقع فيما لا يَحِلُّ له.
قال أبو عبد الله الناجي الزاهد /:«خمسُ خصال بها تمامُ العمل:الإيمان بمعرفة الله ﻷ ومعرفةُ الحقِّ ، وإخلاصُ العمل للهِ ، والعمل على السُّنَّةِ ، وأكلُ الحلالِ ، فإن فُقدَتْ واحدةٌ ، لم يرتفع العملُ ، وذلك أنَّك إذا عرَفت الله ﻷ ، ولم تَعرف الحقَّ ، لم تنتفع ، وإذا عرفتَ الحقَّ ، ولم تَعْرِفِ الله ، لم تنتفع ، وإنْ عرفتَ الله ، وعرفت الحقَّ ، ولم تُخْلِصِ العمل ، لم تنتفع ، وإنْ عرفت الله ، وعرفت الحقَّ ، وأخلصت العمل ، ولم يكن على السُّنة ، لم تنتفع ، وإنْ تمَّتِ الأربع ، ولم يكن الأكلُ من حلال لم تنتفع».
وقال وُهيب بن الورد:«لو قمتَ مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل بطنك حلال أو حرام».
 الصدقة بالمال الحرام هل تُقبل؟
وأما الصدقة بالمال الحرام ، فغيرُ مقبولةٍ كما في $صحيح مسلم #عن ابن عمرب ، عن النَّبيِّ ص:$ لَا يَقبَلُ اللهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ ، ولَا صَدَقةً مِنْ غُلُولٍ #.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تقَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ـ وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ ـ فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ » (رواه البخاري ومسلم).
(الفَلُوُّ : الـمُهْرُ).
وعن أبي هريرة تعن النبي ص قال:$ مَنْ كَسَبَ مَالًا حَرَامًا فَتَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ أجْرٌ ، وَكَانَ إصْرُهُ عَلَيْهِ# رواه ابن حبان في صحيحه (إسناده جيد)
ورُوي عن أبي الدرداء ، ويزيد بن مَيْسَرَة أنَّهما جعلا مثلَ من أصاب مالًا من غير حلِّه ، فتصدَّق به مثلَ من أخذ مال يتيم ، وكسَا بهِ أرملةً.
وسُئِلَ ابنُ عباس عمَّن كان على عمل ، فكان يَظلِمُ ويأخُذُ الحرام ، ثم تابَ ، فهو يحجُّ ويعتِق ويتصدَّق منه ، فقال:إنَّ الخبيث لا يُكَفِّرُ الخبيثَ ، وكذا قال ابن مسعود:إنَّ الخبيثَ لا يُكفِّر الخبيث ، ولكن الطَّيِّبَ يُكفِّرُ الخبيث ، وقال الحسنُ:أيها المتصدِّق على المسكين يرحمُه ، ارحم من قد ظَلَمْتَ.
الصدقة بالمال الحرام تقع على وجهين:
أحدهما:أنْ يتصدَّقَ به الخائنُ أو الغاصبُ ونحوهما عن نفسه ، فهذا هو المراد من هذه الأحاديث أنه لا يُتُقبَّلُ منه ، بمعنى:أنَّه لا يُؤجَرُ عليه ، بل يأثمُ بتصرفه في مال غيره بغير إذنه ، ولا يحصلُ للمالك بذلك أجرٌ ؛ لعدم قصده ونيته ، كذا قاله جماعةٌ من العلماء.
الوجه الثاني من تصرفات الغاصب في المال المغصوب:أنْ يتصدَّق به عن صاحبه إذا عجز عن ردِّه إليه أو إلى ورثته ، فهذا جائزٌ عند أكثر العلماء ، منهم:مالكٌ ، وأبو حنيفة ، وأحمد وغيرهم.
وروي عن مالك بن دينار ، قال:سألتُ عطاء بن أبي رباح عمن عنده مالٌ
حرام ، ولا يعرف أربابه ، ويريدُ الخروج منه؟ قال:يتصدق به ولا أقول:إنَّ ذلك يُجزئ عنه.قال مالك:كان هذا القول من عطاء أحبَّ إليَّ من وزنه ذهبًا.
وقال سفيان فيمن اشترى من قوم شيئًا مغصوبًا:يردُّه إليهم ، فإنْ لم يقدر
عليهم ، تصدَّق به كلَّه ، ولا يأخذ رأس ماله .
وكان الفضيلُ بنُ عياض يرى:أنَّ مَن عنده مالٌ حرامٌ لا يعرف أربابه ، أنَّه يُتلفه ، ويُلقيه في البحر ، ولا يتصدَّق به ، وقال:لا يتقرَّب إلى الله إلاَّ بالطيب.
والصحيح الصدقةُ به ؛ لأنَّ إتلاف المال وإضاعته منهيٌّ عنه ، وإرصاده أبدًا تعريض له للإتلاف ، واستيلاء الظلمة عليه ، والصدقة به ليست عن مكتسبه حتى يكون تقرُّبًا منه بالخبيث ، وإنَّما هي صدقةٌ عن مالكه ، ليكون نفعُه له في الآخرة حيث يتعذَّرُ عليه الانتفاعُ به في الدنيا.
 آداب الدعاء :
قوله:« ثُمَّ ذكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ:أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يمُدُّ يدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ:يَا رَبّ يَا رَبّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرامٌ ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِّيَ بالحَرَامِ ، فأنَّى يُستَجَابُ لِذلكَ؟ #
هذا الكلام أشار فيه ص إلى آداب الدعاء ، وإلى الأسباب التي تقتضي إجابَته ، وإلى ما يمنع من إجابته ، فذكر من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء أربعة:
أحدها:إطالةُ السفر ، والسفر بمجرَّده يقتضي إجابةَ الدعاء ، كما في حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ ص:$ ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْـمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ # وفي رواية:« وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ» (حسن رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي).
ومتى طال السفر ، كان أقربَ إلى إجابةِ الدُّعاء ؛ لأنَّه مَظنِّةُ حصول انكسار النفس بطول الغُربة عن الأوطان ، وتحمُّل المشاق ، والانكسارُ من أعظم أسباب إجابة الدعاء.
الثاني:حصولُ التبذُّل في اللِّباس والهيئة بالشعث والإغبرار ، وهو ـ أيضًا ـ من المقتضيات لإجابة الدُّعاء ، كما في الحديث المشهور عن النَّبيِّ ص:$ رُبَّ أشْعَثَ أغْبَرَ ، مَدْفُوعٍ بِالأبْوَابِ ، لُوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأبَرَّهُ # (رواه مسلم).
ولما خرج النَّبيُّ ص للاستسقاء ، خرج متبذِّلًا متواضعًا متضرِّعًا (رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي ، والنسائي وإسناده حسن).
وكان مُطَرِّفُ بنُ عبد الله قد حُبِسَ له ابنُ أخٍ ، فلبس خُلْقان ثيابه ، وأخذ عكازًا بيده ، فقيل له:ما هذا؟ قالَ:«أستكين لربي ، لعلَّه أنْ يشفِّعني في ابن أخي».
الثالث:مدُّ يديه إلى السَّماء ، وهو من آداب الدُّعاء التي يُرجى بسببها إجابته ، وفي حديث سلمانَ عن النَّبيِّ ص:$ إنَّ اللهَ تَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَسْتَحْيِي إذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إلَيْهِ يَدَيْهِ أنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْن# ، (صحيح رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه).
وكان النَّبيُّ ص يرفع يديه في الاستسقاء حتى يُرى بياضُ إبطيه (رواه البخاري ومسلم) ، ورَفَعَ يديه يومَ بدرٍ يستنصرُ على المشركين حتى سقط رداؤه عن منكبيه (رواه مسلم).
وقد روي عن النَّبيِّ ص في صفة رفع يديه في الدُّعاء أنواعٌ متعددة ، فمنها:
1- أنَّه كان يُشير بأصبعه السَّبَّابةِ فقط(رواه مسلم) ، وكان يفعل ذلك على المنبر فعن عمارة بن رويبة ، قال:لقد رأيت رسول الله ص وهو على المنبر ما يزيد على هذه ـ يعني:السبابة التي تلي الإبهام.(رواه مسلم)
وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ تقَالَ:«مَرَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ ص وَأَنَا أَدْعُو بِأُصْبُعَيَّ فَقَالَ:« أَحِّدْ أَحِّدْ » وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ». (رواه أبو داود ، والنسائي وصححه الألباني).
« أَحِّدْ أَحِّدْ »: أَيْ أَشِرْ بِوَاحِدَةٍ لِيُوَافِقَ التَّوْحِيد الْمَطْلُوب بِالْإِشَارَةِ.
2- أنَّه ص رفع يديه وجعل ظُهورَهما إلى جهةِ القبلة وهو مستقبلها ، وجعل بطونَهما ممَّا يلي وجهَه.فقد روى ابن عباس تأن رسول الله ص كان إذا دعا جعل باطن كفيه إلى وجهه.(رواه الطبراني وصححه الألباني).
وقد رُويت هذه الصَّفةُ عنِ النَّبيِّ ص في دعاء الاستسقاء فعن عمير مولى آبي اللحم:أنَّه رأى رسول الله ص يستسقي عند أحجار الزَّيت قريبًا من الزوراء قائمًا ، يدعو يستسقي رافعًا كفيه ، لا يجاوز بهما رأسه مقبل بباطن كفيه إلى وجهه.(رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وصححه الألباني).
3- رفْع يديه ، وجعْلُ كفَّيه إلى السَّماء وظهورهما إلى الأرض.قال رسول الله ص ، قال:$ إِذَا سَأَلْتُمْ اللهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا #.(رواه أبو داود وصححه الألباني).
4- عكسُ ذلك ، وهو قلب كفيه وجعل ظهورهما إلى السماء وبطونهما مما يلي الأرض.وفي (صحيح مسلم) عن أنس ت قال:$ إِنَّ النَّبِيّ ص اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاء».
قال النووي:« قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ:السُّنَّة فِي كُلّ دُعَاء لِرَفْعِ بَلَاء كَالْقَحْطِ وَنَحْوه أَنْ يَرْفَع يَدَيْهِ وَيَجْعَل ظَهْر كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاء ، وَإِذَا دَعَا لِسُؤَالِ شَيْء وَتَحْصِيله جَعَلَ بَطْن كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاء واحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيث».
وروى أبو داود عن أنست أن النبي ص كان يستسقي هكذا يعني ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه.(صححه الألباني)
الرابع من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء:الإلحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيته ، وهو مِنْ أعظم ما يُطلب به إجابةُ الدعاء.
وعن عطاءٍ قال:ما قال عبدٌ يا ربِّ يا ربِّ يا ربِّ ثلاث مرات ، إلاّ نظر الله إليه ، فذُكر ذلك للحسن ، فقال:أما تقرءون القرآن؟ ثم تلا قوله تعالى:( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ ).(آل عمران:191-195)
ومن تأمَّل الأدعية المذكورة في القرآن وجدها غالبًا تفتتح باسم الرَّبِّ ، كقوله تعالى:( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (البقرة:201) ، (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) (البقرة:286) ، وقوله:( رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ) (آل عمران:8).ومثل هذا في القرآن كثير.
وسئل مالك وسفيان عمَّن يقول في الدعاء:يا سيدي ، فقالا:يقول يا ربّ.زاد مالك:كما قالت الأنبياء في دعائهم.

 من موانع إجابة الدعاء:
1- قد أشار ص في هذا الحديث إلى أنّ منها التوسُّع في الحرام أكلًا وشربًا ولبسًا وتغذيةً.
وقيل لسعد بن أبي وقاص:تُستجابُ دعوتُك من بين أصحاب رسول الله ص؟ ، فقال:«ما رفعتُ إلى فمي لقمةً إلا وأنا عالمٌ من أين مجيئُها ، ومن أين خرجت».
وعن وهب بن مُنبِّه قال:من سرَّه أنْ يستجيب الله دعوته ، فليُطِب طُعمته.
وقوله ص:$ فأنَّى يُستَجَابُ لِذلكَ؟ # ، معناه:كيف يُستجاب له؟ فهوَ استفهامٌ وقع على وجه التَّعجُّب والاستبعاد ، وليس صريحًا في استحالة الاستجابة ، ومنعها بالكلية ، فَيُؤْخَذُ من هذا أنَّ التوسُّع في الحرام والتغذي به من جملة موانع الإجابة ، وقد يُوجد ما يمنعُ هذا المانع من منعه.
2- وقد يكونُ ارتكابُ المحرمات الفعلية مانعًا من الإجابة أيضًا ، وكذلك ترك الواجبات كما في الحديث:أنَّ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمنع استجابة دعاء الأخيار ، فعن حذيفة بن اليمان تعن النبي ص قال:$ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْـمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ » (رواه الترمذي وحسنه الألباني).
وفعل الطاعات يكون موجبًا لاستجابة الدعاء.ولهذا لمَّا توسَّل الذين دخلوا الغارَ ، وانطبقت عليهمُ الصخرةُ بأعمالهم الصالحةِ التي أخلصوا فيها لله تعالى ودَعُوا الله بها ، أجيبت دعوتهم.(رواه البخاري ومسلم).
وقال وهب بن مُنبِّه:مَثَلُ الذي يدعو بغير عمل ، كمثل الذي يرمي بغير وَتَر.
وعنه قال:العملُ الصالحُ يبلغ الدعاء ، ثم تلا قوله تعالى:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه ) (فاطر:10).
وعن عمر تقال:بالورع عما حرَّم الله يقبلُ الله الدعاء والتسبيحَ.
وعن أبي ذر ت قال:يكفي مع البرِّ من الدعاء مثلُ ما يكفي الطعامُ من الملح.
وقال محمد بن واسع:يكفي من الدعاء مع الورع اليسيرُ.
وقال بعض السَّلف:لا تستبطئ الإجابة ، وقد سددتَ طُرُقها بالمعاصي.
وأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال:
نحن نَدْعُو الإله في كُلِّ كَربٍ ثُمَّ نَنساهُ عِندَ كَشفِ الكُروبِ
كَيْفَ نَرجُو إجابةً لدُعـــــاءٍ قَدْ سَدَدْنا طــرِيقَها بالذُّنوب

 

المصدر: دليل الواعظ
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 246 مشاهدة
نشرت فى 1 ديسمبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

313,785