authentication required

13-شروط الدعاء وموانع الإجابة

أتَهْزَأ بالدعــــــاءِ وتزدَرِيهِ وما تدرِي بما صنعَ الدعاءُ
سهامُ الليلِ لا تخْطِي ولكنْ لها أجلٌ وللأجَلِ انْقِضـاءُ
إن الأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح ، والسلاحُ بضاربه ، لا بحده فقط ، فمتى كان السلاحُ سلاحًا تامًّا لا آفة به ، والساعدُ ساعدًا قويًا ، والمانعُ مفقودًا ، حصلت به النكاية في العدو ، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة تخلَّف التأثير ، فإن كان الدعاءُ في نفسه غير صالح ، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه ، أو كان ثَمَّ مانعٌ من الإجابة ، لم يحصل التأثير.
 شروط الدعاء:
الشرط الأول:الإخلاص:وهو تصفية الدعاء والعمل من كل ما يشوبه ، وصرف ذلك كله لله وحده ، لا شرك فيه ، ولا رياء ولا سمعة ، ولا طلبًا للعرض الزائل ، ولا تصنعًا وإنما يرجو العبد ثواب الله ويخشى عقابه ، ويطمع في رضاه.
وقد أمر الله تعالى بالإخلاص في كتابه الكريم فقال تعالى:(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (الأعراف:29).
وقال:(فَادْعُواْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(غافر:14).
وقال تعالى:(أَلا للهِ الدِّينُ الْـخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)(الزمر:3).
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بقَالَ:كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ ص يَوْمًا فَقَالَ:« يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ:احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظْ اللهَ تَجِدْهُ تجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ »(صَحيحٌ رواه الترمذيُّ).
وسؤال الله تعالى:هو دعاؤه والرغبة إليه كما قال تعالى:( وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (النساء:32).
الشرط الثاني:المتابعة ، وهي شرط في جميع العبادات ، لقوله تعالى:(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)(الكهف:110).
والعمل الصالح هو ما كان موافقًا لشرع الله تعالى ويُراد به وجه الله سبحانه.فلا بد أن يكون الدعاء والعمل خالصًا لله صوابًا على شريعة رسول الله ص.
ولهذا قال الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى:(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْـمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، الَّذِي خَلَقَ الْـمَوْتَ وَالْـحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)(الملك:1 ، 2) قال:هو أخلصه وأصوبه.
قالوا:يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ فقال:«إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل ، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل ، حتى يكون خالصًا صوابًا.والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة».ثم قرأ قوله تعالى:(قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف:110).
فيجب على المسلم أن يكون متبعًا للنبي ص في كل أعماله ، لقوله تعالى:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21) وقال:(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(آل عمران:31).
وقال تعالى:(وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)الأعراف :158).
ولا شك أن العمل الذي لا يكون على شريعة النبي ص يكون باطلًا ، لقول النبي ص:$مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ». (رواه البخاري ومسلم). وقولهص:« مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (رواه البخاري ومسلم).
الشرط الثالث:الثقة بالله تعالى واليقين بالإجابة:
فمن أعظم الشروط لقبول الدعاء الثقة بالله تعالى ، وأنه على كل شيء قدير ، لأنه تعالى يقول للشيء كن فيكون ، قال سبحانه:(إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)(النحل:4) وقال سبحانه:(إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(يس:82) ومما يزيد ثقة المسلم بربه تعالى أن يعلم أن جميع خزائن الخيرات والبركات عند الله تعالى ، قال سبحانه:(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَآئِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ)(الحجر:21).
وقال ص في الحديث القدسي الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى:«يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْـمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ»(رواه مسلم).
وهذا يدل على كمال قدرته سبحانه وتعالى ، وكمال ملكه ، وأن ملكه وخزائنه لا تنفد ولا تنقص بالعطاء ، ولو أعطى الأولين والآخرين:من الجن والإنس جميع ما سألوه في مقام واحد ، ولهذا قال ص:« إِنَّ يَمِينَ اللهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ»(رواه البخاري ومسلم).
سحَّاءُ:أي دائمة الصب تصب العطاء صبًّا ، ولا ينقصها العطاء الدائم في الليل والنهار.
فالمسلم إذا علم ذلك فعليه أن يدعو الله وهو موقن بالإجابة ، لما تقدم ، ولحديث أَبِي هُرَيْرَةَ تقَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ ص:« ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ » (حسن رواه الترمذي).
الشرط الرابع:حضور القلب والخشوع والرغبة فيما عند الله من الثواب والرهبة مما عنده من العقاب ، فقد أثنى الله تعالى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى:
( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْـخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ)(الأنبياء:89-90).
فلا بد للمسلم في دعائه من أن يحضر قلبه ، وهذا أعظم شروط قبول الدعاء ، وقد جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ تقَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ ص:« ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ،وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ »(حسن رواه الترمذي).
وقد أمر الله تعالى بحضور القلب والخشوع في الذكر والدعاء ، فقال سبحانه:(وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْـجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ)(الأعراف:205).
الشرط الخامس:العزمُ والجَزم ُوالجِدُّ في الدعاء:
المسلم إذا سأل ربه فإنه يجزم ويعزم بالدعاء ، ولهذا نهى ص عن الاستثناء في الدعاء ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَت عَنْ النَّبِيِّ ص قَالَ:« لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ:اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ، ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ ، وَليَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ ، إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا مُكْرِهُ لَهُ»(رواه البخاري).
وعَنْه تأَنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ:«إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ:اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ الْـمَسْأَلَةَ ، وَلْيُعَظِّمْ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ»(رواه البخاري ومسلم).
قَالَ الْعُلَمَاء:عَزْم الْـمَسْأَلَة الشِّدَّة فِي طَلَبهَا ، وَالْـجَزْم مِنْ غَيْر ضَعْف فِي الطَّلَب ، وَلَا تَعْلِيق عَلَى مَشِيئَة وَنَحْوهَا ، وَقِيلَ:هُوَ حُسْن الظَّنّ بِاللهِ تَعَالَى فِي الْإِجَابَة.
وَمَعْنَى الْـحَدِيث:اِسْتِحْبَاب الْـجَزْم فِي الطَّلَب ، وَكَرَاهَة التَّعْلِيق عَلَى الْـمَشِيئَة ، قَالَ الْعُلَمَاء:سَبَب كَرَاهَته أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّق اِسْتِعْمَال الْـمَشِيئَة إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّه عَلَيْهِ الْإِكْرَاه ، وَاللهُ تَعَالَى مُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله ص فِي آخِر الْـحَدِيث:فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِه لَهُ ، وَقِيلَ:سَبَب الْكَرَاهَة أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظ صُورَة الِاسْتِعْفَاء عَلَى الْـمَطْلُوب وَالْـمَطْلُوب مِنْهُ.
 موانع إجابة الدعاء:
المانع الأول:التوسع في الحرام:أكلًا ، وشربًا ، ولبسًا ، وتغذية.
عَنْ أبي هُرَيرة ت قال:قال رسولُ الله ص:$إنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلاَّ طيِّبًا ، وإنَّ الله تعالى أمرَ المُؤْمِنينَ بما أمرَ به المُرسَلين ، فقال:( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحا ) (المؤمنون:51) ، وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُم ) (البقرة:172) ، ثمَّ ذكَرَ الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفرَ:أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يمُدُّ يدَيهِ إلى السَّماءِ:يا رَب يا رب ، وَمَطْعَمُهُ حَرامٌ ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حرامٌ ، وَغُذِّيَ بالحَرَامِ ، فأنَّى يُستَجَابُ لِذلكَ؟ #.(رواهُ مُسلمٌ).
وقد قيل في معنى هذا الحديث:إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيبًا طاهرًا من المفسدات كلها:كالرياء ، والعجب ، ولا من الأموال إلا ما كان طيبًا حلالًا ، فإن الطيب توصف به الأعمال ، والأقوال ، والاعتقادات.
والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات والابتعاد عن الخبائث والمحرمات ، ثم ذكر في آخر الحديث استبعاد قبول الدعاء مع التوسع في المحرمات:أكلًا ، وشربًا ، ولبسًا ، وتغذيةً.
ففي هذا الحديث أن هذا الرجل الذي قد توسع في أكل الحرام قد أتى بأربعة أسباب من أسباب الإجابة:
أحدها:إطالةُ السفر ، والسفر بمجرَّده يقتضي إجابةَ الدعاء ، كما في حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ ص:$ ثلاثُ دَعْوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ لَا شَكَّ فِيهِنّ:دَعْوَةُ الَمظْلُومِ ، وَدَعْوَةُ الْـمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ لِوَلَدِهِ # (حسن رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي).
ومتى طال السفر ، كان أقربَ إلى إجابةِ الدُّعاء ؛ لأنَّه مَظنِّةُ حصول انكسار النفس بطول الغُربة عن الأوطان ، وتحمُّل المشاق ، والانكسارُ من أعظم أسباب إجابة الدعاء.
والثاني:حصولُ التبذُّل في اللِّباس والهيئة بالشعث والإغبرار ، وهو - أيضًا - من المقتضيات لإجابة الدُّعاء ، كما في الحديث المشهور عن النَّبيِّ ص:$ رُبَّ أشْعَثَ أغْبَرَ ، مَدْفُوعٍ بِالأبْوَابِ ، لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأبَرَّهُ # (رواه مسلم).
ولما خرج النَّبيُّ ص للاستسقاء ، خرج متبذِّلًا متواضعًا متضرِّعًا (رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي ، والنسائي وإسناده حسن).
الثالث:مدُّ يديه إلى السَّماء ، وهو من آداب الدُّعاء التي يُرجى بسببها إجابته ، فعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّتعَنْ النَّبِيِّ ص قَالَ:« إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ »(صحيح رواه الترمذي).
(إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ) أَيْ كَثِيرُ الْـحَيَاءِ ، وَوَصْفُهُ تَعَالَى بِالْـحَيَاءِ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَلِيقُ لَهُ كَسَائِرِ صِفَاتِهِ نُؤْمِنُ بِهَا وَلَا نُكَيِّفُهَا.
(كَرِيمٌ)هُوَ الَّذِي يُعْطِي مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ فَكَيْفَ بَعْدَهُ.
(صِفْرًا) أَيْ خَالِيَتَيْنِ.(خَائِبَتَيْنِ)مِنْ الْـخَيْبَةِ وَهُوَ الْـحِرْمَانُ.
والرابع:الإلحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيته وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء ومع ذلك كله قال ص:« فأنَّى يُستَجَابُ لِذلكَ؟»وهذا استفهام وقع على وجه التعجب والاستبعاد.
فعلى العبد المسلم التوبة إلى الله تعالى من جميع المعاصي والذنوب ، ويرد المظالم إلى أهلها حتى يسلم من هذا المانع العظيم الذي يحول بينه وبين إجابة دعائه.
المانع الثاني:الاستعجال وترك الدعاء:
من الموانع التي تمنع إجابة الدعاء أن يستعجل الإنسان المسلم ويترك الدعاء ، لتأخر الإجابة ، فقد جعل رسول الله ص هذا العمل مانعًا من موانع الإجابة حتى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دُعائه ولو طالت المدة ، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تأَنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ:« يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ ، يَقُولُ:دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي »(رواه البخاري ومسلم).
و عَنْه تعَنْ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ:« لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ» ، قِيلَ:يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا الِاسْتِعْجَالُ؟قَالَ:«يَقُولُ:قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ» (رواه مسلم).
اسْتَحْسَرَ:أَعْيَا وَانْقَطَعَ عَنْ الشَّيْء ، وَالْـمُرَاد هُنَا أَنَّهُ يَنْقَطِع عَنْ الدُّعَاء.
فالعبد لا يستعجل في عدم إجابة الدعاء ، لأن الله قد يؤخر الإجابة لأسباب:إما لعدم القيام بالشروط ، أو الوقوع في الموانع ، أو لأسباب أخرى تكون في صالح العبد وهو لا يدري ، فعلى العبد إذا لم يستجب دعاؤه أن يراجع نفسه ويتوب إلى الله تعالى من جميع المعاصي ، ويبشر بالخير العاجل والآجل ، والله تعالى يقول:(وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْـمُحْسِنِينَ)(الأعراف:56) فما دام العبد يلحُّ في الدعاء ويطمعُ في الإجابة من غير قطع فهو قريب من الإجابة ، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له.
وقد تُؤخرُ الإجابة لمدة طويلة كما أخر سبحانه إجابة يعقوب في رد ابنه يوسف إليه ، وهو نبي كريم ، وكما أخر إجابة نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام في كشف الضر عنه ، وقد يُعطى السائل خيرًا مما يسأل ، وقد يُصرف عنه من الشر أفضل مما سأل.
المانع الثالث:ارتكاب المعاصي والمحرمات:
قد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعًا من الإجابة ، ولهذا قال بعض السلف:لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طريقها بالمعاصي ، وأخذ هذا بعض الشعراء فقال:
نحنُ ندعُو الإلَه في كلِّ كربٍ ثمَّ ننْساهُ عندَ كشْفِ الكرُوبِ
كيف نرجُو إجابةً لدُعـــــاءٍ قد سـددْنا طريقَـــــها بالذنوبِ
ولا شك أن الغفلة والوقوع في الشهوات المحرمة من أسباب الحرمان من الخيرات.وقد قال تعالى:(إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَآ أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ)(الرعد:11).
المانع الرابع:ترك الواجبات التي أوجبها الله:
كما أن فعل الطاعات يكون سببًا لاستجابة الدعاء فكذلك ترك الواجبات يكون مانعًا من موانع استجابة الدعاء ، ولهذا جاء عن النبي ص هذا المعنى ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِتعَنْ النَّبِيِّ ص قَالَ:« وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْـمُنْكَرِ ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ»(حسن رواه الترمذي).
وَالْـمَعْنَى:وَاللهِ إنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَاقِعٌ إِمَّا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مِنْكُمْ ، وَإِمَّا إِنْزَالُ الْعَذَابِ مِنْ رَبِّكُمْ ، ثُمَّ عَدَمُ اِسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ لَهُ فِي دَفْعِهِ عَنْكُمْ ، بِحَيْثُ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَمْ يَكُنْ عَذَابٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَانَ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
المانع الخامس:الدعاء بإثم أو قطيعة رحم.
المانع السادس:الحكمة الربانية فيُعطى أفضل مما سأل:
عن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ تأَنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ:« مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللهُ إِيَّاهَا ، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ » ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ:إِذًا نُكْثِرُ؟قَالَ:« اللهُ أَكْثَرُ».(حسن صحيح رواه الترمذي).مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ:أَيْ بِمَعْصِيَةٍ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تقَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ ص:«مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللهَ بِدُعَاءٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ ، فَإِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ ، أَوْ يَسْتَعْجِلْ » قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ ، وَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُ؟ قَالَ:«يَقُولُ دَعَوْتُ رَبِّي فَمَا اسْتَجَابَ لِي»(صحيح رواه الترمذي)
ُفقد يظن الإنسان أنه لم يجب وقد أجيب بأكثر مما سأل أو صرف عنه من المصائب والأمراض أفضل مما سأل أو أخَّره له إلى يوم القيامة.

 

المصدر: دليل الواعظ
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 56 مشاهدة
نشرت فى 1 ديسمبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

313,845