5- التواضع وذم الكبر

 الكبرياء صفة لا تنبغي إلا للهﻷ:
من نبذ خلق التواضع وتعالى وتكَبَّر إنما هو في الحقيقة معتد على مقام الألوهية ؛ لأن الكبرياء والعظمة لله وحده ، ولا يجوز للعبد أن يتصف بهما أو بأحدهما.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تقَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ ص:« قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ »(صحيح رواه أبو داود).
فليسَ بغريب إذًا أن نجد التواضع من صفات الصالحين.ومن أخص خصال المؤمنين المتقين ومن كريم سجايا العاملين.قال الله تعالى:( يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْـمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ) (المائدة:54).
وقال الله لنبيه والخطاب عام له ولأمته:(وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ )(الشعراء 215) وقال تعالى:( وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأرْضِ مَرَحًا إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (لقمان:18).وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ:أي ولا تُعرض بوجهك عمن تكلمه تكبرًا.مَرَحًا:أي مختالًا تمشي خيلاء.مُخْتَالٍ فَخُورٍ:أي متبختر فخور كثير الفخر مما أعطاه الله ولا يشكر.
وقال ﻷ:( كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللهُ عَلَىٰ كُـلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ) (غافر:35).
$ كَذَلِكَ # أي:كما طبع على قلوب آل فرعون $ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ # متكبر في نفسه على الحق برده ، وعلى الخلق باحتقارهم ، جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.
واعلم أخي المسلم:أن الكبر من أخلاق الكفار الفراعنة ، والتواضع من أخلاق الأنبياء والصالحين لأن الله تعالى وصف الكفار بالكبر فقال:( إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَـهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللهُ يَسْتَكْبِرُونَ ) (الصافات:35).وقال:( إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْـمُسْتَكْبِرِينَ ) (النحل:23).

 صور من تواضع النبي ص:
يا من تحبون رسول الله ص ، يا من تعتقدون أن لا سعادة ولا عزة ولا طريق إلى الجنة إلا باتباع رسول الله ص وإلا بأن تكون محبته مقدمة على كل محبوب من البشر.( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلاْخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا ) (الأحزاب:21).
إنه ص سيد ولد آدم ، ليس فوقه أحد من البشر ـ حاشاه ص ـ إنه أحب الخلق إلى الله وأعظمهم جاهًا وقدرًا عند رب العالمين.إنه صاحب الوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة ، منزلةٌ واحدةٌ ليست إلا له ص.إن الأرض ما وطئ عليها ولن يطأ عليها إلى يوم القيامة أكرم ولا أجل ولا أرفع منه ص.
ومع ذلك تأمل أخي المؤمن تواضعه العجيب ص.
أ-عَنْ الْبَرَاءِ تقَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صيَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ ـ وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ الشَّعَرِ ـ وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللهِ
اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَـا
فَأَنْزِلَنْ سَـــكِينَةً عَلَيْنَـــا وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
إِنَّ الْأَعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَـــا »
يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ»(رواه البخاري).
ب- رعيُهُ ص الغنم وتحدثه بذلك:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تعَنْ النَّبِيِّ صقَالَ:$مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ» ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ:« وَأَنْتَ» ، فَقَالَ:« نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ#(رواه البخاري)
قَوْله:(عَلَى قَرَارِيط لِأَهْلِ مَكَّة)الْقِيرَاط:جُزْء مِنْ الدِّينَار أَوْ الدِّرْهَم.
وَفِي ذِكْر النَّبِيّ ص لِذَلِكَ ـ بَعْد أَنْ عُلِمَ كَوْنه أَكْرَم الْخَلْق عَلَى اللهِ ـ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَظِيم التَّوَاضُع لِرَبِّهِ وَالتَّصْرِيح بِمِنَّتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى إِخْوَانه مِنْ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللهِ وَسَلَامه عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِر الْأَنْبِيَاء.
قَالَ الْعُلَمَاء:الْحِكْمَة فِي إِلْهَام الْأَنْبِيَاء مِنْ رَعْي الْغَنَم قَبْل النُّبُوَّة أَنْ يَحْصُل لَهُمْ التَّمَرُّن بِرَعْيِهَا عَلَى مَا يُكَلَّفُونَهُ مِنْ الْقِيَام بِأَمْرِ أُمَّتهمْ ، وَلِأَنَّ فِي مُخَالَطَتهَا مَا يُحَصِّل لَهُمْ الْحِلْم وَالشَّفَقَة لِأَنَّهُمْ إِذَا صَبَرُوا عَلَى رَعْيهَا وَجَمْعهَا بَعْد تَفَرُّقهَا فِي الْـمَرْعَى وَنَقْلهَا مِنْ مَسْرَح إِلَى مَسْرَح وَدَفْع عَدُوّهَا ـ مِنْ سَبُع وَغَيْره كَالسَّارِقِ ـ وَعَلِمُوا اِخْتِلَاف طِبَاعهَا وَشِدَّة تَفَرُّقهَا مَعَ ضَعْفهَا وَاحْتِيَاجهَا إِلَى الْـمُعَاهَدَة ؛ أَلِفُوا مِنْ ذَلِكَ الصَّبْر عَلَى الْأُمَّة وَعَرَفُوا اِخْتِلَاف طِبَاعهَا وَتَفَاوُت عُقُولهَا فَجَبَرُوا كَسْرهَا وَرَفَقُوا بِضَعِيفِهَا وَأَحْسَنُوا التَّعَاهُد لَهَا ؛ فَيَكُون تَحَمُّلهمْ لِمَشَقَّةِ ذَلِكَ أَسْهَل مِمَّا لَوْ كُلِّفُوا الْقِيَام بِذَلِكَ مِنْ أَوَّل وَهْلَة لِمَا يَحْصُل لَهُمْ مِنْ التَّدْرِيج عَلَى ذَلِكَ بِرَعْيِ الْغَنَم.
وَخُصَّتْ الْغَنَم بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا أَضْعَف مِنْ غَيْرهَا ، وَلِأَنَّ تَفَرُّقهَا أَكْثَر مِنْ تَفَرُّق الْإِبِل وَالْبَقَر لِإِمْكَانِ ضَبْط الْإِبِل وَالْبَقَر بِالرَّبْطِ دُونهَا فِي الْعَادَة الْمَأْلُوفَة ، وَمَعَ أَكْثَرِيَّة تَفَرُّقهَا فَهِيَ أَسْرَع اِنْقِيَادًا مِنْ غَيْرهَا.
جـ ـ تواضعه ص مع الضعفاء والأرامل والمساكين والصبيان.
عن سهل بن حنيف ت:أن رسول الله ص:$كَانَ يأتِي ضُعَفَاءَ المسْلِمِينَ ويَزُورُهُمْ ، ويَعُودُ مَرْضَاهُمْ ، ويَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ#(صحيح رواه الطبراني وغيره).
يأتي ضعفاء المسلمين.فلم تشغله النبوة عن ذلك.ولم تمنعه مسؤولية أمته ، ولا كثرة الأعمال:أن يجعل للضعفاء والمرضى نصيبًا من الزيارة والعبادة واللقاء.
ولقد كان ص يمر بالصبيان فيسلم عليهم.وفي رواية:$كَانَ يَزُورُ الأنْصَارَ ويُسَلّمُ عَلَى صِبْيَانِهِمْ ويَمْسَحُ رُؤُوسَهُمْ#. (صحيح رواه النسائي).
إنك ترى ـ في عصرنا هذا ـ بعض الناس يترفع عن المتقين من الرجال فكيف يكون شأنه مع الصبيان والصغار؟
إنك لتجد بعض ضعفاء الإيمان يأنف أن يسلم على من يرى أنه أقل منه درجة أو منصبًا ، ولعل ما بينهما عند الله كما بين السماء والأرض! ألا فليعلم أولئك أنهم على غير هدي رسول الله ص.
فقد كان ص يركب الحمار ويخصف النعل ويرفَع القميص ويلبس الصوف ويقول:«مَنْ رَغِبَ عَنْ ُسنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». (حسن رواه ابن عساكر). (خَصَفَ النعْلَ: خاطَهُ بالِمخْرَز).
د - تواضع النبي ص مع أهله:أخي المسلم تأمل في هذه الأحاديث:
سُئِلَتْ عَائِشَةَ ل:مَا كَانَ النَّبِيُّ ص يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ:«كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ ـ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ ـ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ»(رواه البخاري).
(فِي مَهْنَةِ أَهْله) قَدْ فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيث بِالْخِدْمَةِ ، وَهِيَ مِنْ تَفْسِير آدَم بْن أَبِي إِيَاس شَيْخ البخاري.وَقَدْ وَقَعَ مُفَسَّرًا فِي (الشَّمَائِل) لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيق عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَة بِلَفْظِ:« مَا كَانَ إِلَّا بَشَرًا مِنْ الْبَشَر:يُفَلِّي ثَوْبه ، وَيَحْلُبُ شَاتَه ، وَيَخْدُم نَفْسه »(صحيح).
وَفِي الحديث التَّرْغِيب فِي التَّوَاضُع وَتَرْك التَّكَبُّر وَخِدْمَة الرَّجُل أَهْله.
وعَنْ عُرْوَةَ بن الزبير قَالَ:سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ ل هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ص يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا؟قَالَتْ :« نَعَمْ ، كَانَ رَسُولُ اللهِ ص يَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ» (صحيح رواه الإمام أحمد).
وقِيلَ لِعَائِشَةَ ل:مَا كَانَ النَّبِيُّ ص يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ:كَمَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ يَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ» (إسناده صحيح رواه الإمام أحمد).
ماذا يقال عمن يفعل مثل هذا اليوم؟ محكوم للمرأة!!ولكنه النور الذي جعله الله ﻷ في قلب رسول الله ص فظهر في سلوكه وفعاله وتواضعه وخدمة أهله.وبه كانت تسمو نفسه ص وتعلو ، فليقل السفهاء ما يحلو لهم أن يقولوا.
ولم يكن رسول الله ص يفعل هذا من فراغ في وقته ولكنه كان يحقق العبودية لله سبحانه بجميع أنواعها وأشكالها وصورها.

 

 فضل التواضع وذم الكبر:
قال الله تعالى:( تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى ٱلأرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْـمُتَّقِينَ) (القصص:83).قال عكرمة:العلو:التجبر.وقال سعيد بن جبير:بغير حق:وقال ابن جريج:$لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى ٱلأرْضِ #تعظمًا وتجبرًا.
قال رسول الله ص:$ مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ# (رواه مسلم).
قَوْله ص:$مَا نَقَصَتْ صَدَقَة مِنْ مَال #ذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ:أَحَدهمَا: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَارَك فِيهِ ، وَيَدْفَع عَنْهُ الْمَضَرَّات ، فَيَنْجَبِر نَقْص الصُّورَة بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّة ، وَهَذَا مُدْرَك بِالْحِسِّ وَالْعَادَة.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ صُورَته كَانَ فِي الثَّوَاب الْـمُرَتَّب عَلَيْهِ جَبْر لِنَقْصِهِ ، وَزِيَادَة إِلَى أَضْعَاف كَثِيرَة.
قَوْله ص:$ وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا #فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ:
أَحَدهمَا: أَنَّهُ عَلَى ظَاهِره ، وَأَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْح سَادَ وَعَظُمَ فِي الْقُلُوب ، وَزَادَ عِزّه وَإِكْرَامه.وَالثَّانِي: أَنَّ الْـمُرَاد أَجْره فِي الْآخِرَة وَعِزّه هُنَاكَ.
قَوْله ص:$وَمَا تَوَاضَعَ أَحَد للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ # فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ:أَحَدهمَا: يَرْفَعهُ فِي الدُّنْيَا ، وَيُثْبِتُ لَهُ بِتَوَاضُعِهِ فِي الْقُلُوب مَنْزِلَة ، وَيَرْفَعهُ اللهُ عِنْد النَّاس ، وَيُجِلّ مَكَانه.
وَالثَّانِي:أَنَّ الْـمُرَاد ثَوَابه فِي الْآخِرَة ، وَرَفْعه فِيهَا بِتَوَاضُعِهِ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ الْعُلَمَاء:وَهَذِهِ الْأَوْجُه فِي الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة مَوْجُودَة فِي الْعَادَة مَعْرُوفَة ، وَقَدْ يَكُون الْـمُرَاد الْوَجْهَيْنِ مَعًا فِي جَمِيعهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
تواضَعْ لربِّ العرشِ عَلّكَ تُرفَعُ فما خَابَ عَبْدٌ للمهيمنِ يخضَعُ
وداوِ بذِكْــــــــرِ اللهِ قلبَك إنَّهُ لَأَشْفَى دَواءٍ للقلوبِ وأنفــعُ
إن المتواضع يرفع الله ﻷ منـزلته ومكانه وقدره فطوبى للمتواضعين.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ ص قَالَ:$لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ »قَالَ رَجُلٌ:إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً؟قَالَ:$إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ»(رواه مسلم).
(بَطْر الْـحَقِّ ):دَفْعه وَإِنْكَاره تَرَفُّعًا وَتَجَبُّرًا.( غَمْط النَّاسِ): اِحْتِقَارهمْ.
وقال رسول الله ص:$ إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ# (رواه مسلم).
وقال ص:$ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّة؟ # قَالُوا:بَلَى.
قَالَ ص:$كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ#
ثُمَّ قَالَ:«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ »قَالُوا:بَلَى.
قَالَ:«كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ ».(رواه مسلم)
قَوْله ص:$مُتَضَعَّف #بِفَتْحِ الْعَيْن وَكَسْرهَا الْمَشْهُور الْفَتْح ، وَلَمْ يَذْكُر الْأَكْثَرُونَ غَيْره ، وَمَعْنَاهُ:يَسْتَضْعِفهُ النَّاس وَيَحْتَقِرُونَهُ وَيَتَجَبَّرُونَ عَلَيْهِ لِضَعْفِ حَاله فِي الدُّنْيَا ، يُقَال: تَضَعَّفَه وَاسْتَضْعَفَهُ ، وَأَمَّا رِوَايَة الْكَسْر $مُتَضَعِّف #فَمَعْنَاهَا:مُتَوَاضِع مُتَذَلِّل خَامِل وَاضِع مِنْ نَفْسه ، وَقَدْ يَكُون الضَّعْف هُنَا:رِقَّة الْقُلُوب وَلِينهَا وَإِخْبَاتهَا لِلْإِيمَانِ ، وَالْـمُرَاد أَنَّ أَغْلَب أَهْل الْجَنَّة هَؤُلَاءِ ، كَمَا أَنَّ مُعْظَم أَهْل النَّار الْقِسْم الْآخَر.
قَوْله ص:$لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ # مَعْنَاهُ:لَوْ حَلَفَ يَمِينًا طَمَعًا فِي كَرَم اللهِ تَعَالَى بِإِبْرَارِهِ لَأَبَرَّهُ ، وَقِيلَ:لَوْ دَعَاهُ لَأَجَابَهُ.
قَوْله ص فِي أَهْل النَّار:$كُلّ عُتُلّ جَوَّاظ مُسْتَكْبِر #
أَمَّا (الْعُتُلّ) فَهُوَ:الْجَافِي الشَّدِيد الْخُصُومَة بِالْبَاطِلِ ، وَقِيلَ:الْجَافِي الْفَظّ الْغَلِيظ.
أَمَّا (الْجَوَّاظ) فَهُوَ:الْجَمُوع الْمَنُوع ، وَقِيلَ:كَثِير اللَّحْم الْـمُخْتَال فِي مِشْيَته
و(الْـمُتَكَبِّر وَالْـمُسْتَكْبِر) هُوَ صَاحِب الْكِبْر ، وَهُوَ بَطَر الْحَقّ وَغَمْط النَّاس.
قال الحسن /:«هل تدرون ما التواضع؟ التواضع:أن تخرج من منزلك فلا تلقى مسلمًا إلا رأيت له عليك فضلًا».
ومن منا الآن يطبق هذا القول على نفسه ، وينزلها تلك المنزلة؟ بل البعض يأخذه العجب والتيه والتكبر على عباد الله لدنيا أو منصب أو علم أوجاه..وكلها منح وعطايا من الله ﻷ.ومثلما أعطاها إياه فهو سبحانه قادر على أن يسلبها منه في طرفة عين.
قال سفيان بن عيينة:«من كانت معصيته في شهوة فارْجُ له التوبة ؛ فإن آدم عليه السلام عصي مشتهيًا فاستغفر فغُفر له ، فإذا كانت معصيته من كبر فاخْشَ عليه اللعنة.فإن إبليس عصى مستكبرًا فلُعن».
أخي المسلم:من اتقى الله تعالى تواضَعَ له ، ومن تكبر كان فاقدًا لتقواه ، ركيكًا في دينه مشتغلًا بدنياه ؛ فالمتكبر وضيع وإن رأى نفسه مرتفعًا على الخلق ، والمتواضع وإن رؤي وضيعًا فهو رفيع القدر.
تواضَعْ تَكُنْ كالنجمِ لاحَ لِنَاظرٍ على صَفْحَاتِ الماءِ وهو رَفِيـعُ
ولا تكُ كالدّخَانِ يعْلُو بنَفْسِـه إلى طبَقَاتِ الجوِّ وهو وَضِيـعُ
وتأمل في حال من تلبسه الشيطان في حالة واحدة من حالات الكبر يظنها بعض الناس يسيرة وهي عند الله عظيمة ؛ فقد قال رسول الله ص:$بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ ، فَخَسَفَ اللهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (رواه مسلم).(يَتَجَلْجَل:يَتَحَرَّك وَيَنْزِل مُضْطَرِبًا).
مر بعض المتكبرين على مالك بن دينار ، وكان هذا المتكبر يتبختر في مشيته فقال له مالك:أما علمت أنها مشية يكرها الله إلا بين الصفين؟(أي عند قتال الكفار) فقال المتكبر:أما تعرفني؟ قال مالك:بلى ، أوّلُك نطفة مَذِِرة (أي فاسدة) ، وآخرك جيفة قذرة (أي تموت ويأكلك الدود) ، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة(يعني البراز) ، فانكسر وقال:«الآن عرفتني حق المعرفة».
أخي الحبيب:كل ما تراه من مباهج الدنيا وزينتها إنما هو ظل زائل وراكب مرتحل.
أحلامُ ليلٍ أو كَظِلٍ زَائلِِِ إنَّ اللبيبَ بمِثلِها لا يُخْدَعُ
عن ابن شهاب قال :« خرج عمر بن الخطابت إلى الشام و معنا أبو عبيدة بن الجراح ، فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة ، فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه ، وأخذ بزمام ناقته ، فخاض بها المخاضة.
فقال أبو عبيدة : «يا أمير المؤمنين ، أأنت تفعل هذا ؟! تخلع خفيك و تضعهما على عاتقك ، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة ؟!ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك !».
فقال عمر : أَوَّهْ ، لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة ، جعلته نكالًا لأمة محمد ت! إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام ، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله».
رواه الحاكم وقال :« صحيح على شرط الشيخين». ووافقه الذهبي ، والألباني.
(استشرفوك):رفعوا أبصارهم ينظرون إليك.( أَوَّهْ ) كَلِمَة تُقَال عِنْد التَّوَجُّع.
قال الشاعر:
تواضَـعْ إذا ما نِلتَ في الناسِ رفعةً فإنّ رفِيـــعَ القــومِ مَن يَتَوَاضَـعُ
ولا تمشِ فوقَ الأرضِ إلا تواضعًا فكمْ تحتَها قومٌ هُمُوا مِنْكَ أرفَـــعُ
وإنْ كُنْتَ في عِــــــزٍ رَفيعٍ ومَنْعَةٍ فكمْ مَاتَ مِن قومٍ هُمُوا منكَ أمْنَــعُ
أيها الناس:اعلموا أن الزمان لا يثبت على حال كما قال ﻷ:(وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ ) (آل عمران:139).فتارة فقر ، وتارة غِنَى ، وتارة عز ، وتارة ذُل ، وتارة منصب ، وهكذا ؛ فالسعيد من لازم أصلًا واحدًا على كل حال ، وهو تقوى الله ﻷ والتواضع على كل حال ، وهذا الذي يزينه ويبقى معه.

 

المصدر: دليل الواعظ
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 30 مشاهدة
نشرت فى 1 ديسمبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

314,022