د. محمد عمارة   |  25-11-2011 13:32

العدل اسم من اسماء الله سبحانه وتعالى، وإذا كان روح الحضارة الغربية القوة، فإن العدل هو روح حضارة الإسلام، ولقد كان الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز (61 - 101 هـ ) - (681 - 720م) قمة في إقامة العدل بين الناس. ولا نغالي إذا قلنا إنه تفوق في إقامته على عدل الراشدين الذين سبقوه، لأن العدل في أعقاب دولة النبوة كان موروثاً، بينما كان في عهد عمر بن عبد العزيز إنقلابا على الجور الذي ساد ما يقرب من ستين عاما.

 

وفي خلافة هذا الراشد الخامس - التي لم تتعد العامين - نصوص سياسية تحتاج إلى فقه جديد نتعلم منه هذا العدل الذي جسده عمر بن عبد العزيز بين الناس ..

 

لقد أعلن في خطبه ومراسلاته مع الخطباء والولاة، أن المرجعية المقدسة هي الكتاب والسنة، وأن رأس الدولة تنفذ ما يحكم به القضاء، ويشير به المشيرون، وأن رأس الدولة ليس خير الناس وإنما أثقلهم حملاً. وأن من لم يجد من الرعية العدل فخرج على الإمام وهرب من السلطان فليس بعاص، وإنما الإمام هو العاصي، وأن مواريث الظلم لا تكتسب أية شرعية مهما طال بها الزمن.

 

وتحدث عن أركان السلطة الأربعة فقال: إن للسلطان أركانًا أربعة لا يثبت إلا بها، فالوالي ركن والقاضي ركن وصاحب بيت المال ركن والركن الربع الإمام.

 

ومن موقع السلطة وليس المعارضة، أعلن عمر بن عبد العزيز أن المال مال الله وأن الامة كل الأمة مستخلفة عن الله في الأموال، تقضي بها حاجيات أهلها، والحاكم والمحكوم في المال سواء.

 

وأن التكافل الاجتماعي يشمل الأمة جمعاء، المسلمين منها وغير المسلمين والرقيق والأحرار سواء بسواء، وأن الإنفاق يجب أن يكون من الحلال الطيب الذي لم يتدنس بالحرام .. وأن على الدولة أن تسهر على رعاية الأسرى في سجون الأعداء ورعاية أسرهم كبيرهم وصغيرهم .. الذكور منهم والإناث .. الأحرار منهم والأرقاء.

 

كما جعل عمر بن عبد العزيز نفقات جهاز الدولة من بيت المال وليس على كاهل الفلاحين .. ومنع الاستغلال للفلاحين بواسطة فروق العملة ووضع الجزية عن الذين أسلموا .. وقرر مساعدة الراغبين في أداء فريضة الحج من بيت المال .. وأمر الولاة بمراجعة الخلافة قبل إقامة عقوبات الحدود.

 

ومع الأمر بالعدل والإحسان وإشاعتهما، وهما قوام الدين، أمر عمر بن عبد العزيز الجيوش الإسلامية أن تلتزم بدستور الفروسية الإسلامية، فكتب إلى أمراء الجيوش: "إنه قد بلغني أن رسول الله (ص) كان إذا بعث جيشاً أو سرية قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله) تقاتلون من كفر بالله، لا تغلوا (أي لا تخونوا) ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا امرأة ولا وليد.

 

ولقد تعدى عدل عمر بن عبد العزيز حدود الإنسان إلى الرفق بالحيوان، فكتب إلى العمال والولاة (لا تجروا شاة إلى مذبحها، ولا تحدوا الشفر على رأس الدبيحة)، وطلب من خادمه مزاحم أن يراقبه فقال له: إن الولاة جعلوا العيون على العوام، وأنا أجعلك عيني على نفسي فإن سمعت مني تربأ بي عنها أو فعلا لا تحبه فعظني ضده أو انهني عنه .. إنه العدل الذي يمثل روح الاسلام.

المصدر: المصريون
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 37 مشاهدة
نشرت فى 25 نوفمبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

325,699