جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الثلاثاء - 15 نوفمبر - 2011 1:18:26 مساء |
|
من ينقذ مصر؟! |
مصطفي بكري |
مصطفي بكري ما هذا الذي يجري علي أرض مصر؟ حروب ومعارك قبلية، عنف طائفي، عمليات خطف من السيارات للأبناء، انفلات أخلاقي وانهيار أمني، مؤسسات عاجزة، وإدارات فاشلة، وتخبط في القرارات، تناقض وصراعات سياسية وحزبية، الكل يريد أن يحصل علي نصيبه من 'التورته' وكأن الوطن أصبح مجرد غنيمة ، يسعي الكل إلي الحصول علي حصته منها قبل حدوث الانهيار الكيبر. إن الناس تتساءل في كل مكان: لماذا يترك الوطن يمضي نحو الانهيار؟ .. لماذا يسمح بإسقاط مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخري؟ .. هل هي مؤامرة، أم هو عجز عن الإدارة، وأياد مرتعشة تتخوف من ردود الفعل؟ نعرف أن المجلس العسكري في موقف صعب، وندرك أن العسكر يريدون تسليم السلطة لإدارة مدنية منتخبة في أقرب وقت ممكن، ولكن الخوف كل الخوف هو ألا يجد العسكر دولة يسملونها للإدارة التي يفترض أن يجري انتخابها خلال العام المقبل. |
|
|
|
|
|
إن اتساع رقعة المعارك والحروب، وحالات العصيان المدني، وقطع الطرق، وتعطيل مؤسسات الدولة، لا يؤدي فقط إلي زيادة مساحة الانفلات الأمني ويغل يد الدولة عن اتخاذ القرار، بل يؤدي- وهذا هو الأخطر- إلي التعجيل بالانهيار الاقتصادي، الذي سيكون سببًا رئيسيًا في اندلاع 'ثورة الجياع' التي لن تبقي علي شيء، بل ستأكل الأخضر واليابس، وسوف ينتشر النهب والسلب علي كل شبر من أرض الوطن، وهذه هي الفوضي التي ستحدث بلا جدال، إذا استمر الحال علي ما هو عليه. كثيرون يقولون وماذا يمكن للحكومة أن تفعل، ومما الذي يستطيع المجلس العسكري أن يقدمه؟! إن الإجابة هنا لا تقبل الجدل أو النقاش، فالحكومة تستطيع والمجلس العسكري قادر علي الحسم إذا أراد .. والحسم هنا لا يعني العصف بالحريات، ولا مصادرة الحق في التعبير، ولا إهدار الحقوق، ولكن حماية الدولة من السقوط، ذلك أن حالة الصمت والارتباك التي تسود المؤسسات الحاكمة في الدولة، هي السبب الرئيسي وراء ما تشهده البلاد من انهيارات وانفلات وسقوط هيبة الدولة وانهيار المؤسسات الواحدة تلو الأخري. إذا تم الاستيلاء علي سيارتك، أو خطف ابنك، أو تم تهديدك، وذهبت للإبلاغ لدي أقسام الشرطة، فالكثير منها يؤثر السلامة ويطلب منك آن 'تفتح مخك' وتحل مشكلتك مع الخاطفين، بل وهناك البعض من رجال الشرطة ينصحك بأن تسرع الخطي وتسلم الفدية المطلوبة لانقاذ ابنك أو إعادة سيارتك. لقد أصبح الشعب في قبضة 'البلطجية' وبدأ الناس ينصرفون عن مؤسسات الدولة التي لم تعد تجدي نفعًا لهم، وبدأ كل مواطن يسعي إلي حل مشكلته بنفسه، ومن الطبيعي والحال كذلك، أن يعم الانفلات، وأن تسقط هيبة الدولة، ويتراجع دورها، فتصبح قراراتها غير ذي جدوي، وتنتقل السلطة من يدها إلي أيدي ٥٨ مليون مصري، فيصبح كل مصري دولة داخل الدولة، له قانونه، وله سلطته بعيدًا عن مؤسساتها. إن سيادة هذه الحالة وانتشارها، وانتقالها من بقعة إلي أخري هي في ازدياد مستمر، وكأننا بذلك نعد للحظة قادمة بلا جدال، وهي شرارة الفوضي التي أصبحت البلاد مهيأة لها أكثر من أي وقت مضي. لم نكن نتصور أبدًا أن تصبح لغة الكراهية والعنف داخل المجتمع المصري الذي اتسم بالتسامح والسلام هي اللغة السائدة في الكثير من المناطق المصرية، لم يكن أحد يتوقع أن تزداد الفجوة العرقية والطائفية إلي هذه الدرجة التي تنذر بخطر شديد علي أحوال المجتمع وأبنائه من كافة الاتجاهات. لقد سال الدم في الشوارع، ومنعت الجثث من الدفن، وتمت عمليات الخطف بين أبناء الوطن الواحد، وحوصرت المناطق والقري، وخربت المنشآت عن عمد، فأين الدولة من كل ذلك؟!. لقد غابت سلطة الدولة وغيب القانون، وأصبحنا أمام مؤسسات عاجزة، وإذا تدخلت الشرطة تحرق الأقسام والمديريات، فارتعشت الأيادي، واهتزت العدالة، وانهارت دولة القانون.
|
|
|
|
|
|
|
|
إن الحكومة تتحمل العبء الأكبر وراء هذا الانهيار، وصمت المجلس العسكري وتردده يجعله في موقع المسئولية عن هذا الذي يحدث، فهو المسئول أمامنا جميعًا ولن نقبل منه أية حجج أو مبررات. إننا نقولها بصراحة، إذا كان المجلس العسكري غير قادر علي حكم البلاد وحماية الدولة ومؤسساتها وحماية الشعب ووحدته، فليعلن انه عاجز وليترك السلطة لآخرين، أما الاستمرار دون قدرة علي إدارة أمور الدولة وتنفيذ أهداف الثورة وحماية المجتمع فهذا أمر مرفوض ولن نقبل به أبدًا. إن المسئولية التاريخية الملقاة علي عاتق المجلس العسكري يجب أن تجعله في موضع المسئولية الحقة، وأن يدرك انه قبل الآخرين يتحمل تبعات كل ما يحدث علي أرض مصر، فالجيش قادر علي حماية البلاد إذا أراد، وهو يمتلك من السلطة والقوانين ما يجعله قادرًا علي مواجهة ظواهر الانفلات الأمني والأخلاقي وحماية الدولة ومؤسساتها من الانهيار. وإذا كان الواقع الراهن قد تعدي حدود التدخل فالمجلس العسكري والحكومة يتحملان المسئولية لأنهما خضعا منذ البداية لمطالب غير مشروعة، وكان التردد والتناقض والتراجع هو سمة القرارات الصادرة عن المؤسستين، وأصبح التعامل يتم بطريقة »المسكنات« التي جرت علي البلاد ويلات ومخاطر شتي. إن الحالة التونسية تمثل نموذجًا مختلفًا عما هو سائد في مصر الآن، والسبب هو وجود إدارة فاعلة وقوية، والاتفاق علي عدد من القواعد والمقررات التي كان لها الفضل في عبور تونس لكثير من العوائق التي اعترضت طريق الثورة. لقد أصبح الناس علي ثقة من أن هناك تعمدًا في افتعال المشاكل والأزمات، فكلما تم التغلب علي مشكلة، تخرج لنا الأخري، وكلما جري التراجع عن قرار، يعود لنا مقترح آخر، يعيد الأزمة إلي المربع صفر. وهكذا أصبحنا أمام مشكل حقيقي علي أرض المجتمع. إن من حقي كمواطن مصري غيور علي وطنه ان أسأل ألا يعرف هؤلاء الذين يحكمون أن مصر مستهدفة من قوي متآمرة في الخارج، وقوي في الداخل لها مصالحها في الانهيار بعد اسقاط النظام القديم؟! وإذا كانوا يدركون، ويعرفون، ولديهم المعلومات والتفاصيل، فلماذا هم صامتون، ولماذا يتركون الدولة تنهار وتتساقط أمام أعيننا. قد يقول البعض »أنتم تبالغون« وقد يري آخرون بأن هذا أمر طبيعي بعد كل الثورات، لكننا نقول لهم إن ما يجري في مصر هو فعل مخطط ومدبر، ويكفي الاستشهاد بتقرير لجنة تقصي الحقائق حول أحداث ماسبيرو، والذي برأ الجيش من قتل المتظاهرين، إذن من الذي فعلها، ولماذا لم يكشف النقاب كاملاً عن هؤلاء الذين يشار إليهم بالبنان في كل الأزمات والمشاكل الأمنية التي تشهدها البلاد؟!. نعم هناك قوي تتحرك علي الأرض، وهناك أموال تتدفق من الخارج، لمنظمات مجتمعية، ولشخصيات تلعب دورًا في حياتنا السياسية والاجتماعية، هذه الأموال وصلت إلي أكثر من مليار جنيه دخلت إلي مصر من الولايات المتحدة وبعض دول الغرب، فأين ذهبت، وكيف استغلت، وما دور هذه الأموال فيما يجري علي أرض مصر؟
|
|
|
|
|
|
|
|
صحيح أن محكمة الجنايات اصدرت حكمًا بكشف سرية الحسابات لهذه المنظمات ولـ٦٣ شخصية بعضهم مرشح في انتخابات البرلمان، إلا أن هذه القضية استغرقت عدة أشهر في التحقيقات، بينما كل الدلائل والمؤشرات واضحة، فمتي يحسم الأمر حتي تتكشف الحقائق، ويبرأ البريء ويدان من ارتكب جرمًا في حق هذا البلد؟. أعرف أن واشنطن وغيرها من الدول تمارس ضغوطًا شديدة علي مصر لإغلاق ملف هذه القضية، واعرف بعض المتورطين في القضية والذين صدعوا رؤوسنا بالحديث عن الشفافية يوجهون انتقادات لاذعة إلي الدولة لأنها تجرأت وفتحت هذا الملف ولكن كل ذلك لا يجب ان يدفع الدولة إلي التراخي أو التردد في قضية تتعلق بأمننا القومي، وبمستقبل وطن يتعرض لمؤامرة تهدف إلي تقسيمه وتقطيع أوصاله، وتكرار التجربة السودانية علي أراضيه. إن مصر تتعرض لخطر كبير، والدولة مهددة بالسقوط والفوضي علي الأبواب، ويبقي السؤال: من ينقذ مصر؟! من ينقذ مصر؟! من ينقذ مصر قبل فوات الأوان؟
|
|
|
|
|
|
|
المصدر: الاسبوع
ساحة النقاش