2011- 11- 15 إعداد : حسن حسين
الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذى شرفنا بالانتساب إلى هذا الوطن العزيز ـ مصر ـ ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، اللهم صل وسلم وبارك على أعظم نبى وعلى أفضل رسول ، خير من علم الناس حبهم للأوطان ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا وبعد :
فإننا فى هذه الأيام تعود إلى قلوبنا وعقولنا ذكريات عديدة فيها العظة والعبرة فيها الإيقاظ لأمة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، إنها ذكريات أعظم حدث فى تاريخ المسلمين ذكريات الهجرة التى غيرت مسيرة التاريخ ، والتى تجلت فيها أعظم القيم التى نحن فى مسيس الحاجة إليها ، ومن هذه القيم : قيمة الحب والانتماء للوطن .
أخوة الإسلام والإيمان :
تعالوا نقف مع هذه القيمة العظيمة من خلال هذه العناصر :
أولا ـ العلاقة الوثيقة بين الهجرة وبين الحب للوطن .
ثانيا ـ مكانة ومنزلة مصر .
ثالثا ـ واجبنا نحو الوطن العزيز فى هذه الفترة .
أولا ـ العلاقة بين الهجرة وحب الوطن :
الوطن هو محل الإنسان ومحل إقامته ، وقيل : مكان الإنسان ومقره وإليه انتماؤه ولد به أو لم يولد .
وحب الأوطان أمر مركوز فى فطرة الإنسان ، وحين أراد فرعون استنفار قومه لمواجهة موسى ـ عليه السلام ـ هز فيهم غريزة حب الوطن ، وذلك فى قوله تعالى : ( إن هذا لساحر عليم ، يريد أن يخركم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون ) " "
وهاهو النبى الأعظم والرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلمنا من خلال هجرته درسا غاليا فى حب الأوطان ، فقد كانت مكة المباركة بلد الله الحرام أحب البلاد إليه ، وكان حريصا أن تكون مكة محضن الدعوة ومنطلقها ، وأن يكون أهلها ، وهم أهله المقربون ، حماة الدين وحراس العقيدة ، ولكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودعها وتركها حين أذن الله له ، طاعة وفداء وتضحية فى سبيل العقيدة التى آمن بها .
وكم كان الأمر شديدا على نفس النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( لقد آلم نفسه أشد الإيلام اضطرارهم إياه للبحث عن قاعدة أخرى ، ثم الخروج إلى بلد آخر ، وهيج ذلك فى نفسه الكريمة معانى ومشاعر كثيرة وكبيرة ، إذ لم يكن من السهل على هذه النفس العظيمة أن يصير حاله مع بلد الله الحرام التى نشأ فى ربوعها إلى الاضطرار للخروج منها ) " " .
وقد صور الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه المشاعر فى كلمات مؤثرة خاطب بها بلد الله الحرام : ( ما أطيبك من بلد ، وأحبك إلى ولولا أن قومك أخرجونى منك ما سكنت غيرك ) " " .
ولئن كان الشعور بحب الوطن أمرا مركوزا فى النفوس ، فإن الدعوة المباركة التى جاء بها النبى الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد دعت إليه ، وحببت فيه ، هذا فى عموم الأوطان وعموم الناس ، فكيف إذا كان الوطن هو مكة بلد الله الحرام ، وكان المواطن هو محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرق الناس قلبا وأصفاهم نفسا وأقربهم مودة .
لقد ظل الشعور بالحنين إلى مكة ملازما للنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يقدم عليه من مكة قادم إلا سأله عنها واهتز قلبه شوقا إليها ، ولم يكن هذا هو حال النبى وحده بل كان الصحابة كذلك ، فكان النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسمع كلام أصحابه فى الحنين إلى مكة ، فيرق لحالهم ويقدر عواطفهم ويدعو لهم بأن يحبب الله إليهم المدينة كما حبب إليهم مكة ، وأن يصبرهم على لأوائها ويعينهم على احتمال الشدائد .
عن السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : لما قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة وعك أبو بكر وبلال قالت : فدخلت عليهما فقلت : يا أبت كيف تجدك ؟ ، يا بلال كيف تجدك ؟ ، قالت : فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول :
كل امرىء مصبح فى أهلــــــــــــــــــــه والموت أقرب إليه من شراك نعله
وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول :
ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة بواد وحولى إذخر وجليــــل
وهل أردن يوما مياة مجنـــة وهل يبدون لى شامة وطفيل
قالت عائشة : فجئت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبرته فقال : ( اللهم حبب إلينا المدينة كحب مكة وأشد .............. ) " " .
ولم يزل هذا الحنين والشوق إلى البلد الحرام مستمرا ، حتى فتحها الله عليه ، ودخلها الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائدا فاتحا منتصرا .
ثانيا ـ مكانة ومنزلة مصر
علمنا الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحب الشديد للوطن ، وظهر ذلك جليا فى أثناء الهجرة ، وقد أكرمنا الله تعالى وحبانا بالسكن فى وطن حبيب ، وطن له مكانة عالية ومنزلة رفيعة .
هذا الوطن الغالى ـ مصر ـ هو قرة العين ومهجة الفؤاد ، ذكره الله كثيرا فى القرآن خمس مرات صراحة وأكثر من عشرين مرة ضمنا ، ولست الآن بصدد سرد الآيات ، ولكن أذكر هنا : أن الله ذكر مصر فى سورة يوسف خمس مرات صراحة وضمنا ، قال الله تعالى : ( وقال الذى اشتراه من مصر لامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ، وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) " " .
وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم مصر فى القرآن ، وأوصى بأهلها ، فقد روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى ذر عن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إنكم ستفتحون مصر وهى أرض يسمى فيها القيراط ، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها ، فإن لهم ذمة ورحما ، أو قال : ذمة وصهرا ) " " .
وإذا ما أردت أن تتحدث عن تاريخ مصر ، فإنك تدخل التاريخ من أوسع أبوابه ، فمصر لها تاريخ مشرق مجيد ، فقد مشى على أرضها وسار على ترابها الطاهر الأنبياء والمرسلون والصالحون والشهداء ، وهاجر إلى أرض مصر إبراهيم عليه السلام ، وعاش فيها يوسف ـ عليه السلام ـ ، وكان لموسى وهارون ـ عليهما السلام ـ جولات وصولات فى مصر ، وشرف الله مصر بزواج السيدة مارية من خير البرية من الحبيب صلى الله عليه وسلم ، ودخل الإسلام مصر فى عهد الفاروق عمر ـ رضى الله عنه ـ وكان الفاتح والوالي هو عمرو بن العاص ـ رضى الله عنه ـ ، وقد أنقذت مصر عاصمة الخلافة فى عهد الفاروق فى عام الرمادة .
وكان لمصر دور رائع فى صد الحملات الصليبية ، فقد وحد صلاح الدين الأيوبي مصر والشام ، وانتصر على الصليبيين فى حطين ، وبعدها حرر القدس ، ويحدثنا التاريخ عن التتار الذين سفكوا الدماء ، واحتلوا عاصمة الدنيا بغداد ، وأرادوا مصر ، فوقف المصريون وقوفا مشرفا خلف القائد السلطان قطز ، وكان النصر العظيم فى عين جالوت .
وقام المصريون بالجهاد فى العصر الحديث من عام 1948م حتى حرب العاشر من رمضان 1973 م ، وفى الخامس والعشرين من يناير 2011م قام المصريون بثورتهم السلمية العظيمة التى وحدت المصريين ، والتى أدهشت العالم مما حدا برئيس النمسا إلى القول : شعب مصر من أعظم شعوب العالم ، ويستحق جائزة نوبل للسلام .
وطن بهذه المنزلة والمكانة يستحق الحب الكثير ، والعطاء الكبير ، والتضحية العزيزة بكل ما نملك ، وهذا ما قدمه المصريون فى الخامس والعشرين من يناير ، حيث ترجموا حبهم للوطن إلى بذل وعطاء وتضحية بأغلى ما يملكون ، وقدموا النفس رخيصة فنالوا أعظم كرامة وهى : الشهادة فى سبيل الله وفى سبيل الدفاع عن الوطن وإنقاذه من الظالمين .
ثالثا ـ واجبنا نحو الوطن فى الفترة الحالية
ليعرف الجميع كبارا وصغارا رجالا ونساء أن الوطن غال وعزيز ، ومهما بذلنا من أجله ، فلن نوفيه حقه ، فقد عشنا تحت سمائه ، وأكلنا من خيراته ، وترعرعنا فوق أرضه ، ومن هنا لا بد أن نقوم بواجبنا نحو الوطن العزيز .
وأهم الواجبات المطلوبة من المصريين فى الفترة المقبلة ما يلى :
ـ مطلوب من الجميع التركيز الشديد فى العمل ، فمصر فى حاجة إلى إتقان كل مصري لعمله كل فى مجاله : العامل والزارع والصانع والمعلم والمهندس والتاجر والطبيب والموظف .
ـ تقديم مصلحة الوطن العامة على المصالح الضيقة الخاصة ، والكف عن المطالب الفئوية الخاصة فى هذا الوقت .
ـ الحرص الشديد على ممتلكات الوطن والمحافظة على هذه الممتلكات .
ـ إذا كان هذا الشعب العظيم قد قام بهذه الثورة العظيمة التى أزاحت عنا الظلم والظالمين ، فمن الأمانة أن نحافظ عليها ، ولا نقف مكتوفى الأيدى ننتظر كسالف العهد من المنتصر ، ثم نصفق له ، أو ربما نأسى ونحزن على منحة وهبنا الله إياها ولم نكن أهلا لحفظها ، ومن هنا لا بد أن نستشعر حجم وعبء الأمانة ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ..... ) " " .
ـ أقول لكل مصرى : أنت جزء مهم من الخريطة الجديدة لوطنك ، فارسم الخريطة التى تحبها لوطنك وذلك بحسن اختيارك لمن يمثلك ، واعلم بأنك مطالب بدعوة غيرك للمساهمة فى رسم خريطة مصر ، فانطلق وكن إيجابيا .
وأخيرا : اعلم بأنك محاسب عن هذه الشهادة التى تقوم بها ، وأنت تدلى بصوتك فى الانتخابات القادمة ، فصوتك أمانة ، والله سائلك يوم القيامة لماذا اخترت هذا وتركت هذا ، فلا تجامل على حساب دينك ولا تجامل على حساب وطنك .
الله أسأل أن يحفظ مصرنا من كل سوء ، اللهم اجعل مصرنا واحة للأمن والأمان ، اللهم وأعنا على العطاء والبذل لهذا الوطن الحبيب ، اللهم ألف بين قلوب المصريين ، اللهم وحد صفوفهم ، واكتب لهم التوفيق والسداد .
ساحة النقاش