authentication required

مصر وباكستان فى قلب إعصار



محمد يوسف عدس | 02-10-2011 23:23

تُرى ما الذى يجمع بين مصر وباكستان فى إطار واحد فى نظر الولايات المتحدة الأمريكية..؟ ولماذا تستهدفهما..؟ وماذا تفعل لتحقيق أهدافها..؟ وهل تنجح...؟!

هناك أطراف فاعلة فى هذا الموضوع: أمريكا وإسرائيل طرف أول.. ومصر وباكستان هما الطرفان المستهدفان.. تريد أمريكا وتعمل على جعل إسرائيل الدولة العسكرية الوحيدة الرادعة والمسيطرة، بلا منازع فى الشرق الأوسط...

 

بالنسبة لمصر: تملك مصر الآن ثورة كبرى رائدة وفاعلة ومؤثّرة فى الوطن العربيّ كله.. استطاعت أن تسقط مبارك ونظامه الذى كان عميلا استراتيجيا للمصالح الأمريكية الصهيونية.. وتعتبر أمريكا أن سقوط مبارك وامتداد الثورة إلى الشعوب العربية الأخرى ظاهرة خطيرة، تؤكّد أن عهد الحكومات الهزيلة والمتواطئة -التى كانت تكبّل شعوبها قد انتهى.. وأن مصير إسرائيل وخططها التوسعية فى المنطقة، أصبح مُهدّدا..

 

أما بالنسبة لباكستان: فإنها تملك قوة نووية لا يستهان بها وتملك منظومة حديثة ومتطورة للصواريخ .. وأهم من ذلك أنها صناعة باكستانية أصيلة.. وجود هذه القوة المتطوّرة الرادعة تخيف إسرائيل.. و تعمل لها ألف حساب.. وتسعى مع أمريكا والهند لتدميرها ..

 

لقد أصبحت إسرائيل ترى أنها مضطرة لاستخدام قوتها النووية لتحقيق أهدافها التوسعية بعد أن فشلت فى ذلك بقواتها التقليدية أمام المقاومة اللبنانية والفلسطينية.. وتريد هدم المسجد الأقصى لا كهدف فقط ولكن أيضا كوسيلة لإثارة الغضب العارم فى العالم الإسلامي ضدها.. بحيث تجد مبررا للدفاع عن نفسها بالأسلحة النووية.. ولا يمنعها الآن من هذا سوى وجود القوة النووية الباكستانية.. وليس هناك ضمان ألا تستخدم باكستان أسلحتها النووية ضد إسرائيل فى هذه الحالة...

 

لذلك تعمل أمريكا مع إسرائيل فى جبهتين: المصرية والباكستانية.. فهما متكاملان فى منظور الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية..

 

ففى مصر: واضح أن هناك عمل دائب لتقويض الثورة.. وتفتيت القوى السياسية.. وإثارة الفتنة الطائفية.. وإضعاف السطة الحاكمة: بتحريك الفئات المطالبة بالحقوق ضد السلطة من ناحية.. وبإغراء السلطة باستخدام العنف والقوانين الاستثنائية ضد المتظاهرين وضد أعمال الشغب المفتعلة.. وستجد الأصابع الأمريكية الصهيونية فى كل تفصيلة من هذه التفاصيل التى يصعب الآن حصرها لكثرتها وسرعة توالدها..

أرجو ألا يفهم القارئ أن أمريكا وإسرائيل تملكان قوى سحرية أو خفية حتى تستطيع أن تفعل كل هذا.. ولكن ينبغى ألا يغيب عن الأذهان ما تكشّف من حقائق حتى الآن:

(١) ملايين الدولارات الأمريكية التى أنفقت فى الخفاء والعَلَنْ على أفراد وجماعات وأحزاب ووسائل إعلام جعلت لأمريكا أصابع قادرة على العبث فى كل موقع بجواسيسها وأعوانها وعبيدها المرتزقة المنتشرين فى كل مكان..

(٢) إلحاح أمريكا على إغْواء أصحاب السلطة والقرار بالمساعدات المشروطة والتلويح بمنعها.. ولا بد أن نفهم أن هذه الأموال -بين المنْح والمنْع- تقوم بوظيفتين: الوظيفة الأولى هى تكبيل الدولة للتنازل عن سيادتها ومصالحها الحقيقية لصالح إسرائيل.. والوظيفة الثانية: تمكين عقلية المتسوّل بين من فى يدهم اتخاذ القرارات.. بحيث يسهل عليهم كلما واجهتهم مشكلة مالية أو اقتصادية، أن يلجأوا إلى مد اليد واستجداءً المساعدات من وليّ النعمة الأمريكي.. تماما كما كان يحدث فى زمن النظام العميل البائد..

 

وهذا ينطبق بجدارة على المساعدات العسكرية للجيش المصري.. وما يدور حولها الآن فى الكونجرس الأمريكي من مداولات صريحة تُعرّى الأهداف الحقيقية لهذه المنح .. فالمطلوب من مصر -لقاء المساعدات- توفير الأمن لإسرائيل وحراسة حدودها.. و ما يرتبط بهذا من تفاصيل لا مجال للخوض فيها الآن.. ومن ثَـمَّ يجب أن ننظر إلى المساعدات الأمريكية فى حجمها الطبيعي.. ونفهم بوضوح الإطار والشروط المصاحبة لها.. وندرك ما يترتب عليها من فساد وإفساد و ما تنشره من عفونة وأمراض فى المجتمع المصري...

 

خلاصة الأمر فيما يتعلق بأهداف أمريكا وأتباعها فى مصر: أن تنسف الثورة المصرية، وتضع العراقيل فى طريق تحقيق مطالبها.. خصوصا مطلبها فى الديمقراطية وانتخاب حكومة وطنية قوية ووضع دستور وطني.. و انتخاب رئيس دولة مدني.. بعد عقود من حكم "الدكتاتور العسكري" الذى تعودت أمريكا على التعامل معه واحتوائه.. لذلك ستفعل أمريكا كل مافى وسعها لتعطيل الانتخابات، مستهدفةً أحد أمرين: إما أن تؤدى الأوضاع المضطربة (والشد والجذب) إلى إفراز برلمان تسيطر عليه أغلبية و(بالتالى حكومة) من العملاء لا يتمتعون بحس وطني حقيقى.. أو برلمان ليس به أغلبية واضحة يمكن أن تشكل حكومة قوية.. بمعنى آخر برلمان من شراذم كثيرة متقاتلة تحتاج إلى استمرار المجلس العسكري ليفصل بينهم.. ويستمر فى الحكم إلى أجل غير مسمى...!

 

فما هى أهداف أمريكا فى باكستان...؟: تسعى أمريكا بمؤامراتها فى باكستان لإثبات ضعف وفشل الحكومة الباكستانية وإظهارها بمظهر الدولة العاجزة عن حماية أسلحتها النووية.. وأن هذه الأسلحة يمكن أن تسقط فى أيدى الإرهابيين [تقصد القاعدة وطالبان باكستان] لتشكّل خطرا يهدد العالم.. وبذلك يسهل تبرير إجراء دولي لتجريد باكستان من قوتها النووية.. أو تدميرها بعمل مشترك بين أمريكا والهند وإسرائيل جميعا.. وفيما يلى بعض الحقائق التى تكشّفت مؤخرا:

أولا: هل تتذكرون واقعة الهجوم الإرهابي الشهيرعلى مدينة مومباى الهندية فى ٢٦ نوفمبر ٢٠٠٨ ...؟.. فقد شملت ثمانية مواقع فى أنحاء المدينة.. واستُخدمت فيه قنابل وإطلاق نار بتنسيق وتوقيت موحد.. ولم تتمكن القوات الهندية من السيطرة على الموقف إلا بعد أن تمكنت من اقتحام فندق "تاج" والقبض على واحد من المهاجمين.. اتضح أنه من جماعة "عسكر طيبة".. ومن ثم استقرّت الهند على اتهام باكستان بتدير هذه الهجمة الإرهابية..

ولكن الأمور تتكشف بعد ذلك عن حقائق مذهلة بعد أن أُلقى القبض فى شيكاغو (خلال أكتوبر٢٠٠٩) على المدعو "دافيد هيدلى".. مزدوج الجنسية "أمريكي باكستاني"، اعترف أمام محققين هنود أنه إشترك فى تدريب إرهابيين فى باكستان.. وأنه هو المسئول عن تدريب المجموعة التى نفذت عملية مومباى.. وأشرف على توجيهها بنفسه.. فطلب المحققون الهنود تسليمه لمحاكمته فى الهند.. ولكن رُفِض طلبهم بحجة أنه أحد العملاء فى الخابرات الأمريكية.. فاكتفت الهند منه بتزويدها بمعلومة وحيدة كانت تهمها وهى قوله: "إن المخابرات الباكستانية كانت تموّل العمليات الإرهابية داخل الهند.." واعتبرت هذه الجزئية دليلا على تأكيد اتهاماتها المتكررة لضلوع الحكومة الباكستانية فى العمليات الإرهابية على الأراضى الهندية..

وهنا يرتفع السؤال: هل كان هيدلى إرهابيا حقا أم أنه كان مجرد عميل للمخابرات الأمريكية، وأن كل ماقام به فى باكستان كان جزءًا من مهمته كجاسوس للولايات المتحدة..؟.. ثم ندع لصحيفة "نيويورك تَيمز" لتكمل بقية الصورة عن الشخصية الغريبة: ففى مقال كاشف لها نتبيّن أن "ديفيد هيدلى" كان خاضعا خضوعا تاما لإدارة مكافحة المخدرات الأمريكية DEA لسنوات طويلة.. أدمن فيها المخدرات وعوقب بالسجن مرات عديدة.. وقد بدأ تاريخه الأسود عندما قُبض عليه فى مطار فرانكفورت بألمانيا سنة ١٩٨٨ وبحوزته كيلوجرامان من الهيروين.. وحُكم عليه بالسجن أربع سنوات.. خرج بعدها ليقضى فترة إعادة تأهيل.. ولكنه أثناء هذه الفترة قبض عليه سنة ١٩٩٥لتعاطيه المخدرات مرة أخرى وأودع فى السجن لمد ستة أشهر.. ثم قبض عليه مرة ثالثة سنة ١٩٩٧ لاحتيازه هيروين..

فى هذه المرة إلتقطته المخابرات الأمريكية مع إدارة مكافحة المخدّرات للقيام بمهمة أكبر من حكاية المخدرات: حيث وعدوه بتخفيف الحكم عليه إذا أصبح عميلا لهم فى باكستان ينفّذ لهم ما يرغبون فيه.. وبالفعل خُفّضت مدة الحكم عليه من عشر سنوات إلى ١٥ شهرا لم يقض منها فى السجن سوى سبعة أشهر.. وساعدته المخابرات فى الهروب من مدة المراقبة بحجة تجنيده فى مهمة كبيرة فى باكستان تهم الأمن القومي..

ترى ما طبيعة هذه المهمة...؟!: لقد تبين من تحليلات المراقبين أن أمريكا إنما تتخذ من هيدلى مخلب قط ، بينما تُدبِّر لحرب مقبلة على باكستان.. مستهدفة بالذات مُنشآتِها النووية.. وهذا ما تنبهت إليه باكستان مؤخرا خصوصا بعد ما ألقت القبض على شخص أمريكي مشتبه فيه كان يحمل كمية من اليورانيوم المشعّ، وقد اعترف بأنه ذاهب لتسليمها لجهات إرهابية معينة بتكليف من رؤسائه.. وقد تعززت هواجس باكستان من اعتزام أمريكا تدمير منشآتها النووية.. بعد أن ألقت قوات الأمن الباكستانية على أمريكيين كانو يحاولون تصوير مواقع هذه المنشآت من جميع الجهات والزاويا ..

وهنا مربط الفرس.. فإذا نجحت المؤامرة الأمريكية الصهيونية من تدمير السلاح النووى الباكستاني تحررت القوة النووية الإسرائيلية من أى رادع فى العالم الإسلامي .. وأصبح من الممكن لإسرائيل تركيع العالم العربي كله.. ربما بضرب موقع واحد كالسد العالى الذى طالما حلمت به.. وطفح على ألسنة بعض المسئولين المتطرفين الإسرائيليين...

وهكذا نرى أن ما يجمع مصر وباكستان فى نظر الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية أنهما يملكان قوتين متكاملتين خطيرتين: تملك مصر قوة الثورة التى انطلقت بين الشعوب العربية لتحدث زلزالا من التغيير فى المنطقة.. من أهم نتائجه أن تتحول مصر إلى قوة عالمية فاعلة.. وتملك باكستان قوة نووية رادعة ترى فيها إسرائيل تهديدا ممكنا لأطماعها فى التوسع والهيمنة: فهى تؤمن بأن أرضها التاريخية المقدّسة تمتد من النيل إلى الفرات.. وتجريد هاتين الدولتين من السلاحين الخطرين يمكن أن يفسح الطريق أمام أطماعها التوسعية.. ويمنحها ستين عاما أخرى من الأمن والاستمرار.. ويمنحها الهيمنة على منابع الطاقة فى الشرق الأوسط ..

هنا يجب أن أنبه إلى نقطة هامة وهى: أن أي حكومة مصرية منتخبة قوية، سوف تدرك أهمية باكستان [كقوة رادعة للمخططات الأمريكية الصهيونية فى المنطقة].. ومن ثم فهى ضمان لأمن مصر والعرب.. وسوف تعمل فى المجال الدولي على إفشال مؤامرات أمريكا لتدمير القوة الباكستانية.. وستسعى للتنسيق والتعاون الفعال مع باكستان.. وأؤكد أن هذه الرؤية الاستراتيجية غائبة تماما عن وعى الحكومة المصرية الهزيلة التى جلست عاجزة تتفرج على أحداث ليبيا المجاورة وكأن الأمرلا يعنيها، مع أن تدخل الناتو فى المسار الذى اتخذته الثورة الليبية [فى غيبة من أي فاعلية مصرية] سوف يحدث تغييرات درامية فى ليبيا وسيكون له أبلغ الأثر على مصر عاجلا أوآجلا.. [email protected]


 

المصدر: المصريون
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 40 مشاهدة
نشرت فى 17 أكتوبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

321,221