دور المعلم في تقويم المنهج وتطويره
يعد المعلم أحد الأركان الرئيسية في العملية التربوية , بل إن نجاحها أو فشلها يتوقف إلي حد بعيد على مدى كفاءته , ومن الأمور المستقرة والثابتة عالميا أنه على الرغم من كل التطورات العلمية والتكنولوجية التي نعيشها إلا أن المعلم لا يزال هو المحور والأساس والسبيل إلى إنجاح عملية تنفيذ المنهج , فهو العنصر البشري المدبر و المحرك للعمليات التنفيذية , ومن بينها عملية التدريس ذاتها .
ولعنا استطعنا من خلال دراستنا السابقة أن ندرك أن المعلم له أدوار عديدة غير مجرد أنه ناقلا للمعرفة من كتاب إلى عقول التلاميذ , والحقيقة أن ما يهمنا في هذا المجال هو دوره في عمليتي تقويم وتطوير المنهج.
1- لما كان المعلم هو جوهر العملية التنفيذية للمنهج , فهو يتعامل مباشرة مع التلاميذ والخبرات المتاحة لهم , ومن خلال ذلك يرى عن قرب مدى ملائمة المادة العلمية والخبرات المتاحة , ومدى سهولة أو صعوبة المادة , وقابليتها للقراءة والفهم من جانب التلاميذ , وغير ذلك من الأمور التي يمكن أن نتبين منها مدى صلاحية المنهج , وهكذا يبدو أن المعلم هو الذي يرى عن قرب ما يجرى في الميدان , وهو القادر على التشخيص أي معرفة الأسباب الكامنة إزاء هذا العيب أو ذاك , إن التلاميذ في مرحلة تنفيذ المنهج لايرون أمامهم إلا المعلم , وبالتالي فهو الملاذ عندما يواجهون صعوبات أو مشكلات.
إن المعلم في هذا المجال يفترض فيه أنه قادر على التعرف على مدى ملاءمة المنهج للتلاميذ , ومن ثم يكون هو القادر على بيان علاقة المنهج المخطط بالمنهج المنفذ , ونقصد بذلك هل ما تم تخطيطه حقق ما وضع له من أهداف أم أن هناك فجوة بين الجانبين.
إن هذه القضية غاية في الأهمية لأن المنهج المخطط ليس بالضرورة أن يكون هو المنهج المنفذ , وبالتالي فإن ما خطط قد يحقق نتائج متباينة , وهذا يتوقف بطبيعة الحال على عوامل كثير من بينها المعلم ومستوى إعداده وثقافته واتجاهه نحو المهنة , كما يتوقف علي الظروف المحيطة والإمكانات المتاحة والخبرات السابقة للدارسين والمواد التعليمية المتاحة ، وغيرها من العوامل التي من شأنها أن تحدث فروقا في مستويات الفاعلية .
ومن هنا ظهرت فكرة المنهج المستتر ، والتي تشير إلي خبرات أخرى وجوانب تعلم أخري يتعلمها الأبناء أثناء تنفيذ المنهج الذي وضعت أهدافه بشكل معين ، وتكون النتيجة ربما تحقيق الأهداف أو جزء منها إلي جانب أهداف أخري لم تكن في الحسبان أو لم توضع موضع اعتبار المخططين .
هكذا يبدو أن دور المعلم غاية في الخطورة , ولذلك فهو مطالب بالملاحظة والمناقشة والتسجيل والتساؤل والدراسة واتخاذ قرارات بشأن المنهج الجاري في الميدان.
2- إن ما يجمعه المعلم من بيانات ومعلومات في هذا الشأن هو في الحقيقة من أهم المصادر اللازمة في عملية تقويم المنهج ، وهي العملية السابقة علي تطوير المنهج والتالية له أيضا ، وهذه البيانات علي قدر موضوعيتها وشمولها وتكاملها علي قدر ما تكون سلامة القرار الذي يطالب به الخبير لتحديد الموضع أو المواضع التي يجب أن يقع عليها فعل التطوير ، والمعلم في هذا الشأن ليس مجرد ملاحظ أو مراقب ولكنه خبير يعمل في الميدان ، وهو مطالب بالتعمق والتحليل والكشف والمراقبة والتأكد ليستطيع أن يري علي سبيل المثال ما إذا كان المنهج يناسب جميع التلاميذ أم أنه لا يناسب البعض ويناسب البعض الأخر ، وهل الخبرات الواردة به مناسبة لما يوجد من فروق فردية بين التلاميذ أم لا ، وهل تتوافر فيه جوانب التعلم الأساسية التي تتفق مع أهداف المنهج أم لا ؟ إن هذه الأسئلة وغيرها تحتاج من خبير المناهج إلي إجابات وافية عنها ، وهو أمر لا يستطيع الخبير أن يقوم به ، ولكن المعلم باعتباره الخبير المقيم في الميدان هو الذي يجب أن يجيب عن هذه الأسئلة وغيرها مما يقدم معلومات واضحة ومحددة عن المنهج.
3- يحتاج المعلم في سبيل جمع البيانات والمعلومات عن المنهج إلي إتقان مهارات إعداد استبيانات الرأي وبطاقات الملاحظة ، كما لابد أن تتوافر لديه مهارة إدارة المناقشة والتوصل إلي استنتاجات ، وغير ذلك من المهارات الأساسية التي تجعله في موقف يستطيع فيه أن يحصل علي معلومات وافية عن تلاميذه ، وتجدر الإشارة هنا إلي أن المعلم في هذا الإطار مطالب بأن يكون باحثا لكي تكون الصورة واضحة تماما ، مما يساعد علي تبين الأخطاء والثغرات التي يصعب الكشف عنها من خلال أراء سطحيه أو مجرد ملاحظات سريعة.
وعندما يصل إلي قرارات بشأن عيوب المنهج الذي يقوم بتنفيذه يجب أن تتاح له الفرص لمناقشة كل شيء مع زملائه من المعلمين والموجهين وكل المعنيين بأمر المنهج ، ففي ذلك فائدة كبيرة ؛ إذ تتاح الفرص للجميع ليعطي القرارات قوة وصدقا قد لا يتوفر للرؤية السطحية أو التحليل المبدئي غير المتعمق.
5- عندما يتم تفريغ البيانات التي توصل إليها المعلمون لابد من النظر في التركيبة الداخلية للمنهج ، وبحث العلاقة بين الأهداف وكل جوانب التعليم المتضمنة به ، وفي هذه الحالة تجري المناقشة بين المعلمين والخبراء ، فيري المعلم وجهة نظر الخبير ويري الخبير وجهة نظر المعلم ، وهو أمر من شأنه إثراء العمل وتدعيم ما يصدر عن قرارات خاصة بالتطوير من جانب هذا الفريق المتكامل .
6- يحتاج الخبير في أولى مراحل التطوير إلي مراجعة الأهداف ، وفي هذا الشأن لابد للمعلم من دور يقوم من خلاله بالمناقشة وإبداء الرأي ، إذ أنه ربما يكون من بين الأهداف ما هو دون مستويات التلاميذ ، وقد يكون هناك أيضا أهداف أعلي من مستوياتهم ، وفي الحالتين يستطيع المعلم خبير الميدان أن يقوم الرأي السليم المستند إلي الخبرة الميدانية .
7- يجب أن يشارك المعلم أيضا في مراحل اختيار المحتوي وتنظيمه وإعداد المواد التعليمية والأنشطة ، وكذلك كل ما يتعلق باستراتيجيات التدريس وأساليب التقويم ، فهو خبير بمثل هذه المسائل من واقع الخبرة والممارسة ، ولذلك فإن رأي المعلم في هذا الشأن لا يمكن التقليل من شأنه أو قيمته .
8- عندما يصل المنهج إلي صورته المبدئية لا بد من وجود مجموعات من المعلمين الذين يشاركون في المناقشة والاستماع ويكتبون تقارير فردية وغير ذلك من أساليب التي تكشف في مجملها عن المنهج.
9- يشترك المعلم في مرحلة التجريب الميداني أو الموسع ، ويقدم مقترحاته بشأن كل ما يحتاج إلى تعديل أو حذف أو إضافة ، أي أن مسألة التغذية الراجعة تعتمد تماما علي رؤيته في هذا الصدد.
10- عندما يأخذ المنهج صورته النهائية لدى المعلم ، يجب أيضا أن يشترك في عملية التهيئة الفكرية لزملائه للمعلمين ولكل من يشارك في عملية التطوير.
من ذلك يبدو أن المعلم هو العامل الحاسم في مدى نجاحه أو فشله ، وهذا يؤكد وجهة النظر في موضوع تقويم المنهج وتطويره ، والتي تشير إلي أنه حجر الزأوية في عمليات المنهج تخطيطا وبناء وتطويرا ومتابعة ، ومن هنا جاء الاهتمام العالمي بالمعلمين وتربيتهم وتدريبهم في أثناء الخدمة من أجل المزيد من الكفاءات ومن أجل مشاركة أكثر في عمليات المنهج .
ساحة النقاش