لم أكن في يوم من الأيام ذلك الطفل المشاغب الذي كان يقوم بحركات صبيانية بل كنت أعيش حياة هادئة تماما , أمكث وقتي في الصمت والتفكير من ثم أتحرك من مكاني لأمسك بمكعباتي حتى أبني أشكالاً وأتخيل نفسي مهندساً.. من ثم أنصرف عنها وأذهب إلى الشُرفة وأنظر منها ولم يكن هناك أي شئ يلفت نظري سوى السماء وأسراب العصافير التي تُحلق بأجنحتها فيها , كان يغمر قلبي السعادة ويرتسم على وجهي ابتسامه فقد كان في مخيلتي سؤال لماذا لا أحلق مثلهم لماذا لم أولد عصفوراً أطير بلا قيود أو أي هموم أنتقل من مكان لأخر , أفضل لي من تقيدي من سجن غرفتي المتمثلة في أربعة جدران .. وأيضاً أفضل لي من سيري وسط زحمة الطرقات والسيارات فقد كنت عاشقاً للانطلاق على الرغم من أني كنت هادئاً , هذا يدل على مدى تعلقي فعلاً بتلك العصافير , خصيصاً أنني كنت أستمتع وهم يطيروا في أسراب وأضع تركيزي معهم وأبدأ في إحصائهم وكأني أقوم بإحصاء النجوم وفي كل مرة كنت أفشل في إحصائها كانت الحيرة تنتاب شعوري ..
ولم يكن هذا هو السبب الذي جعلني أتعلق بالعصافير .. بل كنت أجدها تحاول إن تسير على الأرض وتقفز وكأنها فرحة بروح المغامرة التي تقوم بها .. ولكني كنت أجدها تختلف عنا في أنها تعمل على إشباع رغباتها فهي ممنوع لها أن تسير على الأرض نظراً للمخاطر التي قد تلاحقها على الرغم من ذلك كانت تلك العصافير لا تُبالي فدائماً ما كانت تكرر نفس الأمر .. كل تلك الأمور لم تكن سوى عبارة عن خيال الطفل البرئ الذي كان يحلُم بالطيران مع تقدمي في العُمر لم أحقق أمنيتي في الطيران .. ولكن أصبحت أنظر لتلك العصافير بنظرة أخرى .. لماذا هي تطير ونحن لا !؟
الرأي الذي ثبت عليه الأغلب ان نظراً لخفة وزنها هذا الأمر يشفع لها للطيران .. ولكن إجابتي مغايرة بعض الشئ إنها تطير لأن فعلا العصافير ليس لديهم أي هموم ولا متاعب في الحياة عكسنا نحن فالهموم تثقلنا كثيراً وتجعلنا غير قادرين على تحقيق ذلك .. فتلك الهموم وصل بها الحال إنها أثقلت أوزاننا لدرجة إننا أصبحنا نجد صعوبة في سحب أقدامنا حتى نسير على الأرض , بناءاً على ذلك فقد قررت أن ألقي بكل همومي سواء دراستي أو صدقاتي وكل أعبائي حتى يخف وزني .. فقد كنت أن أرسم في رأسي لوحة تنم على خروج تلك الهموم .. وفعلاً حصلت على مبتغاي من خلال النظر من شرفتي مرة أخرى إلى السماء .. وفعلا ارتسم في ذهني الأفق الواسعة بزرقته .. وصوت العصافير يهمس أذني كأنهم ينادوني ويريدوا إن يتخذوني صديقاً لهم .. حاولت في أكثر من مرة أن أصل إليهم فقد كنت أحاول أن أقفز وأرتقي وأرتفع وكانت النتيجة في كل مرة أجد نفسي ملقى على الأرض .. لتتحطم أحلامي ..وتلعب العصافير أمامي.. وتبقى هي زهو أيامي فكل شخص منا في مكنونه هذا الوصف فكل منا يلعب ويمرح ولكن بطريقته الخاصة