جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
فى أواخر التسعينيات.. عندما أتيت إلى القاهرة للدراسة بجامعة عين شمس واجهتنى مشكلة ربما واجهت وتواجه كل أبناء الجنوب عندما ينزحون إلى العاصمة.. كانت المشكلة باختصار هى سمعة (الصعايدة) والتى ترتبط بطبيعة الرجل الصعيدى الساذج المغيب الذى يمكن خداعه بسهولة حتى انتشرت عنه النكات وتلاسن الناس عليه وأصبح مثالا للتغييب والجهل وعدم المعرفة.
وقد كنت أنا وقتها على قدر من الثقة بالنفس بحيث لم توجعنى – بالمرة – هذه النكات.. بالعكس لقد كنت أشارك أحيانا فى صياغتها وإلقائها وكنت أعتبرها جزءا من تراث المجتمع الجديد الذى سأعيش فيه ولابد أن أتقبله بمميزاته وعيوبه.
ولكنى لا أخفى على حضراتكم أننى كنت مهتما – بعض الشىء – لمعرفة سر (الرجل الصعيدى) فى النكتة المصرية.
ومع الوقت.. ومع استمرار التساؤل فى ذهنى.. توصلت إلى سببين رئيسيين.. الأول هو بُعد أهل الصعيد عن العاصمة وعن تقنيات العاصمة والتكنولوجيا ووسائل الترفيه المستخدمة فيها آنذاك (قبل عصر الإنترنت والتواصل العنكبوتى)، مما جعل من أهل الصعيد كائنات فضائية بدائية بالنسبة لأهل القاهرة.
والسبب الثانى هو ما أراد اليهود وأعداء ثورة 23 يوليو أن يروجوا له من شائعات تخص شخص (جمال عبدالناصر) ومجتمعه الذى نشأ فيه.
ومن هنا انطلقت النكات وتوغلت الفكرة فى المجتمع المصرى وأُنتِج لها الأفلام والمسلسلات حتى صارت حقيقة يتحدث بها العامة وتتناقلها وسائل الإعلام فى مصر وخارج مصر.. وتبدلت سمعة رجل الصعيد من القوة والفحولة والكرم والشهامة إلى السذاجة والسطحية والجهل بما هو معلوم من الأمور.
أنا لا أكتب مقالى هذا للدفاع عن سمعة الصعيد.. فقد شهد التاريخ للصعيد ولرجاله ما يكفيه ويعزه عن دفاعى أو دفاع غيرى.. ولكنى أحاول أن أُثير قضية شبيهة لهذه القضية تحدُث فى أيامنا هذه.
هناك تيار ساخر و(منظم) يحاول أن يطبع صفة الشؤم والتطيُّر على شخص الرئيس (محمد مرسى).. هذا التيار يختبئ فى مواقع التواصل الاجتماعى كما اختبأ قديما فى النكات والأفلام والمسلسلات.. ويروج للشائعات الخاصة بأحداث مؤسفة ومأساوية تلاحق شخص الرئيس فى كل أرض تطأها قدماه.
لعل حضراتكم تعرفون أننى كنت من أوائل من عارضوا سياسات الرئيس فى فترات عديدة.. وأعلنت معارضتى هذه على الملأ وفى وسائل الإعلام.. ومازلت أعارضه وأعارض قراراته غير الخبيرة وغير الحكيمة والتى لا ترضِى طموحات الشعب الثائر ولا تطلعاته.. ولكنى فى ذات الوقت أرفض بشدة أن يتحول النقد البناء والمعارضة الهادفة إلى مثل هذا (الهرج الفكرى) والشائعات التى تستخف بعقول المصريين وتوجهاتهم وأذواقهم.
أنا أطالب نفسى وأطالب كل معارض لسياسة الرئيس (مرسى) بأن تكون معارضته بناء على فكر ورؤية ووجهة نظر وليس من خلال إطلاق الشائعات والنكات والتشاؤم والتطير لأن مثل هذه الأشياء ستضر بسمعة المعارضة قبل أن تضر بسمعة الرئيس نفسه.. وستجعل من المعسكر المعارض مجموعة من (البهلوانات) لا يفيدون المجتمع ولا يقدمون وجهات نظر ولا سياسات بديلة لسياسات الرئيس الحالية التى يعانى منها الشعب المصرى.
لقد وقعت أنا شخصيا فى شرك الفكاهة وأخذتنى متعة السخرية واشتركت–نوعا ما– فى ترويج الأخبار المغلوطة التى تدعى حدوث كوارث فى الدول التى يزورها الرئيس.. ولهذا أكتب مقالى معاتبا نفسى وعائدا إلى صفوف المعارضة الحقيقية البناءة التى ترفض سياسات الرئيس وقراراته غير المدروسة ولكنها لا تتطير به ولا توصمه بما ليس فيه ولا تقذفه بالجهل وبالعدوان.
أخبارك بالمصري "موقع اخبارى متخصص فى نقل الأخبار بكل حياديه"