عزيزي القارئ قصتي هذه التي سوف اسطرها بين أيديكم قد حدثت بالفعل مثلما تروى عليكم فهي واقعية مائة بالمائة فقد تكون عبرة لنا وقد تكون شوكة في حلوقنا تنهش فيها حتى لا تخرج أصواتنا من أجل أن نندد ونناشد أولي أمورنا وكل من يهمه الأمر ، فوداعاً أرض الأحياء وأهلاً بأرض الموتى التي لا مفر لنا منها فمهما طال عمرنا وامتد حتى أخر الزمان فيأتي موعدنا المحدد ، ومن أجل هذا فقد قررت أن أزور أرض موعدي وأرى موضع شاهد قبري فأتحسس به وألامسه فهذا هو مكاني بعد عمرٍ مديد قد يكون ثانية أو قد تكون أعواماً وقرونً فلا ريب في هذا فحياتنا في يد الخالق .
وما أن لبثت حتى إذ بي اسمع صوت بكاءً ونحيب فهل أنا مت وهناك من يبكي على موتي في حين أنني أصبحت طيفاً يجوب القبور فيطمئن على أصدقائه الموتى ، فلم أكن أدري أن هناك أحياءً يعيشون في أرض الأموات ينتظرون اللحظة التي يقتربون فيها من أحبائهم الذين قد ماتوا غدراً من اجل أن تخلد أسمائهم .
وتجولت أطوف هنا وهناك أبحث عن صوتِ هذا النحيب فوجدت شخصاً منهمراً في البكاء فدار في خاطري هل هذا الشخص يبكي على أرض ميعاده وحسرة وندماً على ما فعله في دنياه أم انه بكاءً على عزيز قد فقده فأتاني فضولي أن أساله وأجيب عن عقلي الذي مازال حائراً فناديت عليه بصوتٍ خافتٍ ماذا بك يا رجل ؟؟!!! ، لكنه لم يجبني فقررت سؤالي له ولكن بصوتٍ أعلى وبنبرة تدل على حزن ورثاء وتعاطفاً معه وما أن دار برأسهِ إلى ورأيت عينيه ودموعه حتى قرأت فيهم أن هذه نظرة فراقٍ ووداعاً لأحبائه فارتسمت ملامح وجهي كأنني من فقدت هذا الحبيب الغالي فلم يأتني من هذا الشخص سوى إشارة بسبابته على شاهدي قبر لا ثالث لهم فهذا لامرأة وهذا لطفل فاستنجت أنها زوجته وان هذا ابنه الرضيع فما رأيته قد زادني صمتاً أكثر وأكثر ولكنني أحاول أن اخرج من هذا الصمت فأردت أن اعرف ما الذي أتى بهم إلى ارض موعدهم فسألته ماذا حدث ؟؟؟ فأجابني بصوتٍ كدت أن أسمعه فهو ممتلئ بحزنٍ وقهراً لم أر مثيله من قبل فما حدث لهم هو وليد الإهمال وسليل الفقر وابن نظامً فاسداً لا يعرف رحمة ولا شفقة بمن لا يعرفون ولا يمتلكون غير قوت يومهم فيحكم عليهم بالموت فليس لهم حقُُ في الحياة فكل ما أراده هذا الرجل الحياة لغيره حتي لا يتكرر هذا المشهد ملايين المرات فامتدت يدي على كتفه أربت عليه من اجل أن أواسيه فقال لا تواسيني فكل ما أريده منك أن تنشر رسالتي إلى كل من يهمه الأمر وكل أصحاب الضمائر نحن لا نطلب أو نرغب منكم سلطة أو جاه فما اطلبه منكم هو الحياة ، حياة بلا موت ، حياة بلا ظلم ، حياة بلا إهمال وبلا غدر فهذه رسالتي ” رسالة شاهد قبرٍ ” فلم اهمس بصوتٍ وأتي إليه وعدي من نظرة عينٍ وأكدت عليه بإيماءة رأسي ووقفت من مكاني راحلاً وتاركاً خلفي صاحب شاهد القبر .