تعد الثورة الرقمية السمة البارزة للعصر الحالي، بعد أن أصبحت المعلومات مصدراً هاماً من مصادر القوة، ومورداً يفوق في أهميته الموارد المادية والطبيعية، فالمعلومات أضحت وسيلة الإنسان للسيطرة على الظواهر المحيطة به، حيث يستخدمها في حل المشكلات التي تواجهه، وتحويل الفكر والمعرفة إلى واقع ملموس من النظم والمعدات والسلع والخدمات.
ولقد أحدثت ثورة الاتصالات التي يعيشها المجتمع الإنساني - في ظروفه الراهنة- تغيرات حادة في شتى المجالات المجتمعية نتيجة سرعة توظيف المعلومات، وقلة المسافة بين مراكز الإنتاج والإبداع، وأماكن التطبيق والتنفيذ(1)، حتى أضحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عصب الحياة المعاصرة- كالماء والهواء- لا تقبل الاحتكار، ومن حق الجميع امتلاكها والاستفادة من نتائجها.
وتسعى الدول المتقدمة بكل دأب ومثابرة للحصول على تكنولوجيا المعلومات لتحقيق هدفين رئيسيين: الأول هو تحقيق التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي لشعوبها، والثاني هو محاولة امتلاك عناصر القوة والتفوق الحضاري، وفي سبيل تحقيق هذين الهدفين قامت الحكومات الغربية بوضع خطط قومية تقوم على تنمية وعي شعوبها بتكنولوجيا المعلومات، ودفع جهود البحث والتطوير وإعادة تشكيل مؤسساتها بما يتفق ومتطلبات المجتمع الجديد(2).
كما أدركت الحكومات الغربية أن النقلة المجتمعية التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات، هي في حقيقتها وجوهرها نقلة تربوية في المقام الأول، حيث تبرز المعرفة كأهم مصادر القوة الاجتماعية، حتى أصبحت عملية تنمية الموارد البشرية هي العامل الحاسم في تحديد قدر المجتمعات، بعد أن أصبح مصير الأمم مرهون بإبداع بشرها، ومدى قدرته على الاستجابة لمشاكل التغيير ومطالبه.
وإن ما يعظم من الدور الذي تلعبه التربية في عصر المعلومات، أن مصير المجتمعات أصبح مرهون بنجاحها في مواجهة التحدي التربوي لانتشار تكنولوجيا المعلومات، والتعليم باعتباره فن اقتناء المعرفة وملاحقتها ونقلها وتوظيفها، مهمته الأساسية تتمثل في تقديم المادة العلمية وعرضها، وإعداد المناهج وتطويرها، وتقويم أداء الطالب وتوجيهه، وإدارة عملية التعليم ووضع سياساته(3).
وهكذا تتداخل التنمية مع التربية إلى ما يشبه الترادف، وأصبح الاستثمار في مجال التعليم هو أكثر الاستثمارات عائداً، بعد أن تبوأت صناعة البشر قمة الهرم باعتبارها أهم صناعة في عصر المعلومات على الإطلاق(4)، لأن مهمة التربية الأساسية هي تنشئة الأفراد على درجة عالية من الوعي، والقدرة على تغيير واقع المجتمع والتصدي لسلبياته من أجل تحقيق حياة أفضل(5).
ويرى أحد الخبراء أن التعليم المدرسي يمكن أن يكون منتجاً من خلال استخدام التكنولوجيا الجديدة والتحديث التقني، الذي يمكن أن يؤدي إلى تطوير القدرة على التعلم، وتحسين الإنتاجية في مجالات العمل أيضاً، ومن ثم زيادة العائد من التعليم المدرسي(6).
وهذا ما جعل المجتمعات المعاصرة تعمد إلى تطوير بنيتها التعليمية، وتدخل أنساق جديدة من نظم التعليم، ذات أهداف وفلسفات ورؤى جديدة، تلبي احتياجات المجتمع المتغيرة باستمرار، واستغلال ما تقدمه التكنولوجيا الجديدة من فرص هائلة من أجل تطوير أساليب التعليم وزيادة فاعلية إدارته(7).
وقد استنهضت هذه المحاولات كثير من الدول النامية – ومن بينها الدول العربية - فسعت جاهدة للحاق بالركب الحضاري، تحاول أن تجد لها موضعاً بين مجاعتين: مجاعة الغذاء، ومجاعة المعرفة، وهي تدرك أن حل مشكلة المجاعة الأولى لن يتأتى إلا من خلال حسن استغلال المعرفة العلمية والتكنولوجية(8).
ولقد شهد المجتمع المصري - في العقدين الماضيين - تغيرات جذرية عميقة انعكست آثارها على نظامه التربوي، والتربية سواء بصفتها متغيراً تابعاً للتحول المجتمعي أو محركاً أولياً له، هي بحكم دورها وطبيعتها أكثر جوانب المجتمع عرضة للتغيير(9)، ولكن الذي لا يختلف عليه أحد هو ذلك التحدي الكبير الذي يواجه مدارسنا اليوم، وكيفية إحداث عملية تطوير وتغيير شاملة في المدارس لتواجه متطلبات المستقبل(10)، بحيث تصبح مدارسنا قادرة على خلق الإنسان المبدع القادر على الإسهام الفعال في عالم مغاير بشدة، من خلال تسخير التقنيات المختلفة تسخيراً فاعلاً في العملية التعليمية، وجعل استخدام تكنولوجيا المعلومات في المدارس وسيلة لتقديم خدمات تعليمية أفضل، وهذا ما سوف يحاول البحث الحالي الإجابة عليه من خلال دراسته لواقع المدارس الذكية بجمهورية مصر العربية.
ساحة النقاش