جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الوعي واللاوعي في الشعر
( الجواهري أنموذجاً )
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, مهند الدراجي
تناولت دراسات كثيرة موضوع الوعي واللاوعي
, تفاصيل مطولة لا نستطيع حصرها هنا , بكل هذه المصطلحات الكبيرة , علم النفس , علم الاجتماع ,علم المنطق , علم الفلسفة , وعوالم كثيرة متداخلة في هذا المجال , كلها تحدد مساراً ما لكل صنف منها , حسبما يتفق مع طبيعة هذا العلم , وهنا سوف اشير الى الوعي واللاوعي الشعري ,في مخيلة الشاعر وذهنه وما يترتب عليه من صور حسّية تتفقس في وعيه ولا وعيه , تميز الشاعر بأنه انسان يصغي كثيراً الى ذاته وافكاره , ومن هذا المنطلق ابرع في رسم صوره وتحويلها الى كلمات وملفوظات لها علاقة شائكة بينه وبين الواقع , واستطيع ان احدد هذه العلاقة الشائكة وأسميها الـ " قلق" حيث ان الشاعر يشبه المريض الذي لا علاج له الا انتظار حتفه , هذا من ناحية "القلق" الذي يعيشه مه مشاعره وعواطفه وانفعالاته وجدله القائم في ذاته , فهو متساءل
لحوح لا يهدأ حتى يتوصل ولو لأقرب اجابة , فهو يعيش فاعلية خاصة وهي "التفكير" فالوعي هو المعرفة التي تكون لكل شخص بصدد وجوده وأفعاله وأفكاره فأن يكون الشخص واعيا ويتصرف طبقا للمعرفة التي تحركه والعيش بوعي الوجود.
ان الشاعر وان كان واعي فهذا لا يعني انه ذاتاً واعيةً كلياً؟ فهو في احيان كثيرة يكون محكوما من قبل فاعلية لا واعية تتمثل في دوافع غريزية , حيث ان تحديد اللاوعي سيكون معرفا سلبياً باعتباره , ان علاقة اللاوعي بالشاعر علاقة توظيفية , لها سمات خاصة ,تحيله من الوعي الى اللاوعي وفق "سيكولوجيا" تنطلق منها أسئلة كثيرة ايهما المتحكم في الذات ؟ الوعي ام اللاوعي ؟
لا نستطيع ان نثبت ان الوعي هو حقيقة مطلقة , لأننا امام ممكن ان نخضع لمفعولات الوهم و" الإيديولوجيا " التي يمكن من خلالها تزييف وتشويه الواقع والحقائق , يقول "ديكارت" : بقدر ما أننا نميز بين الرؤية المباشرة والرؤية المنعكسة بأن تلك الأولي تتوقف علي الأشعة وتتوقف هذه علي الثانية بقدر ما أن الأفكار البسيطة والأولى ( الذين يشعرون بالألم لأن الريح نفخ أمعاءهم أو يشعرون باللذة لأنهم تغذو بمزاج لائق) يمكنها أن تسمى أفكارا مباشرة وغير منعكسة ، لكن عندما يشعر الرائد بشيء ما، ويدرك في الوقت نفسه بأنه لم يشعر فقط بالشيء ذاته فإنني أسمي هذا الإدراك الثاني انعكاسا.
وهنا اتذكر كتاب (كولن ويلسن) " الأنسان وقواه الخفية " حيث يرى في احد فصوله , ان الأنسان قادر على صنع عوالم متعددة وكبيرة وحتى انه يمكن ان يضيع فيها ولا يخرج وهذا اسموه علماء النفس (الجنون) حيث يفقد الانسان شخصيته الحقيقية التي تعيش وعياً ما , ولا وعي جزئي , اما المجنون فلا وعي لديه بقدر ما انه يعيش في عالم ممتد من اللاوعي , هو صنعه وهو ضاع فيه , ما اريد قوله هنا , ان الشاعر يعيش الوعي واللاوعي وحتى الجنون , لانه يمتلك الجرأة لتسمية العدم وخلق من العدم اشياء لا وجود لها , هي مجرد رسم تصويري لانفعالاته وقلقه الذي يرهقه , ولن يهدأ حتى يقترب ولو مسافة بسيطة من هدفه , وهنا نسمي هذه المسافة بالـ "شعر" فهي حلقة الوصل بين الوعي واللاوعي لدى الشاعر , مثال ذلك عند الشاعر الكبير الجواهري .
يقول الجواهري :
فرّ ليلي من يد الظلم
فتخطاني ولم انم
كلما اوغلت في حلمي
خلتني اهوى على صنم
يستمد الوحي من المي
وينث الروح في قلمي
آه يا احبولة الفكر
كم هفا طير ولم يطر.
لا نستطيع ابدا ان نرى اي معقولية في هذه الصور الشعرية التي رسمها الجواهري ؟ انفعال وتوهج فكري سلبه حتى المعرفة التي ممكن ان تكون مسمى , ممكن ان تكون شيء يلصق به العلة , فهو معلق بين الاشياء , لا يعرفها ولا يدركها ولا يفهمها , فقال هذا الذي قرأناه اعلاه , يوحي للمتلقي انه خارج عن الوعي وعن اللاوعي , وهو في خروجه هذا يجهل ماهية الحالة التي يعيشها , اما عندما نفكر بالأرق ؟ فعند الجواهري وصف ستغفو عليه .
يقول :
مرحباً يا أيها الأرق
فرشت أنا لك الحدق
لك من عيني منطلق
اذا عيون الناس تنطبق
لك زاد عندي القلق
واليراع النضوو والورق
ورؤى في خالة القدر
عتقت خمرا لمعتصر ..
لماذا يصاب العظماء بالأرق !!!! دراسة كبيرة قامت بها مؤسسات كثيرة , اذا فسر الجميع ان هذا الأرق والاضطراب النفسي لا يجد حاضنة افضل وانسب من عقول العباقرة ؟ صورة حسية اعتمدت المنطق في قياسها وفي علاقة وصيغ "فينومينولوجيا " فالجواهري اعتمد الفحص المستمر حتى للأسس التي تنحو المنحنى العلمي والمعرفي لقيمة المنطق , هل كان الجواهري مجرد شاعر وهو ابن عائلة اغلبها علماء ؟ اذن لماذا هؤلاء العلماء متزنين في سلوكهم ويبدو عليهم السيطرة التامة على مشاعرهم وعواطفهم واحاسيسهم , بينما يحدث التمرد غالبا ومشهورا عند الشاعر ؟ فلنرى لأيّ مدى يضطرب الجواهري ويقلق .
يقول :
أنا عندي من الأسى جبل
يتمشى معي وينتقل
أنا عندي وان خبا أمل
جذوة في الفؤاد تشتعل
انما الفكر عارما يظل
ابد الآبدين يقتتل
قائد ملهم بلا نفر
حسرت عنه راية الظفر
شدّ ذهني مشحون بالفكر نتج عنه مكونات ذات وحدات تركيبية حيث نجد الحركة والصورة في تداخلها توليد يحكم الترابط في وحدات القصيدة ذا تحليل ( انثربولوجي ) شبيه بالذي عند " شتراوس ", والى هنا اتمنى ان اكون قد قدمت للشاعر والمتلقي حالة الوعي واللاوعي عند الشاعر , لم اكن ارغب بإطالة الموضوع حرصا على وقت القارئ و ويكفينا ان هذا العملاق استطاع ان يمازح الوعي واللا وعي بنفس الوقت , حيث ينصت الى خلجاته واحاسيسه واضطراباته وانفعالاته , وما اجمله من وصف يتلاعب بكل مهارة في ملكة التوظيف اللغوي . انتهى