جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
ما من مثقف عربي أدرك ما آلت إليه أحوال النظام الرسمي العربي من عجز ووهن وانبطاح واستسلام بلغت حد التئام قادته في قمة عربية خُصصت لتصعيد الموقف ضد قطر عربي وشعبه مثلما حصل في القمة الأخيرة التي انعقدت في العاصمة القطرية الدوحة إستجابة لمتطلبات مخططات الهيمنة الصهيونية - الأميركية المشتركة على الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط بدل أن تُخصص للتوصل إلى تضامن عربي يقود إلى اتخاذ قرار التصدي العملي لغطرسة الإرهاب الصهيوني والاستكبار الأميركي المُتصلين بهذا الوطن بشكل عام وبفلسطين بشكل خاص، إلا وأبقى يده متحفزة على"زناد" قلمه تماماً كما يُبقي المقاتل العربي يده متحفزة على زناد بندقيته.
فالمثقف العربي مثله مثل المقاتل العربي يبقى في حالة استنفار دائمة كي يتمكن من الدفاع عن قضايا أمته الوطنية والقومية، لكن عن طريق الكتابة وتدوين الصفحات تلو الصفحات من السير الذاتية الأسطورية لشهداء القضية التي يفترض أن تكون قضية العرب المركزية، أولئك الشهداء الذين سقطوا ويسقطون زرافاتٍ ووحدانا نتيجة هذا الإرهاب الإجرامي الذي عادة ما يتخندق وراء ذلك الاستكبار الجهنمي، ومن ثم العمل على توثيقها وحفظها في"موسوعة الشهادة والاستشهاد"، لتسهل مهمة انتقالها من جيل عربي إلى جيل عربي آخر دون تزييف أو تزوير أو تدليس.
ولا أظن أن هناك فارقاً أو تبايناً يُذكر بين المثقف العربي من جهة والمقاتل العربي من جهة أخرى في هذا الصدد، طالما أن كلاً منهما مُعرض للشهادة والاستشهاد في كل لحظة وطالما أنه يؤدي نفس الرسالة ويتبنى نفس العقيدة الجهادية ويدافع عن نفس القضية ويقاتل من أجل ذات الهدف. ولربما أن الفارق أو التباين الحقيقي والوحيد بين الإثنين هو في نوعية السلاح الذي يحمله كل منهما والذخيرة التي يحشو بها كل منهما هذا السلاح!!
ولا أذكر أن هذا الفارق أو التباين قد شفع في يوم لمثقف عربي دون مقاتل عربي أو لمقاتل عربي دون مثقف عربي في مواجهة غطرسة الإرهاب الصهيوني والإستكبار الأميركي على مدار ستة عقود ونصف العقد!!! ولربما أن هذه الحقيقة قد تجلت بوضوح في الساحة الفلسطينية أكثر من غيرها من الساحات العربية الأخرى.
فكم من العقول والأقلام والرموز الثقافية العربية وبالأخص الفلسطينية استهدفها الإرهاب الصهيوني، مثلما استهدف المقاتلين والكوادر والقادة السياسيين والعسكريين!! وهل من مرة واحدة ميز فيها هذا الإرهاب أو فرّق بين المسلحين والمدنيين العُزل، أو بين الأطفال الرضع والنساء والشيوخ، الأصحاء والمقعدين منهن ومنهم؟
ألم يستهدف هذا الإرهاب السياسيين والعسكريين من شعب الجبارين في كل مكان وزمان دون ما تمييز أو تفريق؟ وألم يستهدف الحجر والشجر والحرث والزرع والنسل وباطن الأرض وأديمها والماء والهواء وكل البحر والفضاء في فلسطين؟ وألم يحول كل هذه منفردة أو مجتمعة إلى أهدافٍ عسكرية استراتيجيةٍ لجيشه وعصاباته وآلة بطشه وجبروته وفاشيته بدعوى وزعم " الضرورات والمقتضيات الأمنية" للكيان الصهيوني العنصري القائم فوق ثرى فلسطين منذ عام 1948، بمنطق القوة والإرهاب ودبلوماسية البوارج والقاذفات الصاروخية!!؟
في عصر التئام القمم العربية للتآمر على هذا القطر العربي وشعبه أو ذاك القطر العربي وشعبه، وهو العصر الذي يوغل فيه الإرهاب الرسمي الصهيوني تحت مظلة الاستكبار الأميركي في ارتكاب جرائمه البشعة والنكراء المتواصلة ضد الفلسطينيين خاصة والعرب عامة، أقبل علينا شهر نيسان هذا العام بكل ما حملته جعبته واختزنته ذاكرته من قوافل الشهداء الفلسطينيين الأبرار الذين سقطوا على مدار خمسة وستين عاماً من الاغتصاب الصهيوني لفلسطين.
وهل بين الفلسطينيين في الوطن والشتات من نسي أو غاب عن باله ولو للحظة واحدة مسلسل المذابح والمجازر وعمليات الاغتيال التي ارتكبها جزارو وسفاحو الكيان الصهيوني بحق شعب فلسطين على المستويين الجماعي والفردي في أعوام وشهور تلك العقود وبالخصوص الشهور النيسانية!!؟
وهل بين هؤلاء المظلومين والمضطهدين دائماً وأبداً دونما ذنب ارتكبوه غير حب الوطن والوفاء له، من نسي أو غاب عن باله ولو لبرهة أو لمحة بصر خاطفة جرائم عصابتي "شتيرن" و"الهاغاناة" وغيرهما من العصابات الصهيونية الإرهابية المنظمة وغير المنظمة قبل نكبة عام 1948 الكبرى وأثناء وبعد حدوثها وصولاً إلى عصر الانحطاط والردة هذا، وبالأخص جرائم رجال وعملاء جهاز الموساد التي ارتكبت بحق الفلسطينيين الأبرياء في شتات الداخل والخارج؟ بالتأكيد لا وألف لا.
مذابح ومجازر بربرية تجاوزت حدود الإبادات الجماعية وجرائم اغتيال جماعية وفردية لا أخلاقية ولا إنسانية كبيرة لا حصر ولا وصف لها إلا في قواميس التتار والمغول والنازيين ارتكبها الجزارون والسفاحون الصهاينة بحق الفلسطينيين خاصة والعرب عامة منذ عهد الإرهابي بن غوريون وصولاً إلى عهد الإرهابي الحالي بنيامين نتانياهو، مروراً بعهود كل من تعاقبوا على السلطة اللقيطة في تل أبيب من كبار الإرهابيين الصهاينة.
شلالات من الدماء الفلسطينية الطاهرة سفكها الإرهاب الرسمي الصهيوني الإجرامي على مدار 65 عاماً من الاحتلال القهري المستمر، ومسلسل دموي صهيوني بغطاء استكبار أميركي ما تزال حلقاته تتواصل حتى اللحظة الراهنة يتقاطع مع مسلسل دموي يشهده عدد من الأقطار العربية يتصدرهم القطرالعربي السوري على مدار عامين كاملين، ولربما أن الآتي أعظم وأدهى وأمر!!
ببلوغنا شهر نيسان الجاري الذي تجاوزنا اليوم منتصفه فإنك ترانا نعيش أيامه بكل ما تستدعيه من مستلزمات التأمل والاستنفار وما تفترضه من متطلبات الحيطة والحذر، لما لها وما عليها من مخاطر وتبعات سلبية محتملة. ونحن بدورنا نرى أنفسنا مندفعين تلقائياً ومن باب الوفاء لإنعاش ذاكرتنا باسترجاع شريط تلك المذابح والمجازر وجرائم الاغتيال التي دفع فيها الشعب الفلسطيني من دمه الذكي والغالي الكثير الكثير من أجل أرضه المباركة وقضيته المقدسة، جراء صنوف وأنواع الإرهاب الصهيوني التي مورست ضده ولم تزل تُمارس حتى أيامنا هذه.
ونحن نعيش هذه الأيام بحلوها ومرها، نستذكر القسطل ودير ياسين وفردان وسيدي بوسعيد والسارة وغيرها الكثير، ونستذكر أرواح الشهداء الأبرار الذين سقطوا في شهور نيسانية مماثلة اصطُلح على تسميتها فلسطينياً شهور البذل والعطاء والشهادة والاستشهاد من أجل الشرف والكرامة وحرية الأرض والإنسان، لكثرة الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا خلالها وبالأخص على المستويات القيادية.
ونستذكر أرواح الشهداء عبد القادر الحسيني وكمال عدوان وأبو يوسف النجار وكمال ناصر وخليل الوزير "أبو جهاد" والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والعقيد طيار محمد درويش والعقيد طيار غسان ياسين والمهندس طيار ثيودوروس جيورجي.
نستذكر أرواح ثمانية عشر شهيداً أبت أرواحهم إلا أن تهاجر من الأرض الفلسطينية المحتلة لتعانق روح "أمير الشهداء" يوم وصلت يد الغدر الإرهابي الصهيوني إلى جسده الطاهر في العاصمة التونسية، وتُزف معها في عرس شهادةٍ ما بعدها شهادة.
ونستذكر أرواح هؤلاء الذين قالوا للكيان الصهيوني لا وألف لا، لن تموت جذوة الانتفاضة المباركة مع اغتيال "أمير الشهداء". نستذكر أرواح الشهداء الثلاثة الذين قضوا دفاعاً عن "الأمير" والقضية، مصطفى وحبيب التونسي وأبو سليمان.
وحتى أجنب نفسي إحتمال الوقوع في النسيان وأنا لم أزل في شهر نيسان وحتى لا يؤخذ علي مأخذ "التجاهل المتعمد لا قدر الله" ولكي لا أرزخ تحت طائلة لوم نفسي قبل لوم الآخرين لها، أرى أن من العدل والإنصاف استذكار أرواح كل الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين وصلتهم يد الغدر الصهيونية والأميركية والبريطانية والغربية بشكل عام خلال شهور نيسان والشهور الأخرى وعلى مدار عقود الصراع العربي ـ الصهيوني الطويلة .
لكن ضرورات اختصار الحديث عن هذا الشهر اللعين تستدعي مني أن أتوقف فقط عند رموز قياديةٍ كبيرةٍ ومميزة كان شغلها الشاغل وهمها الأول الحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني من أجل خدمة القضية المقدسة ولم تفكر يوماً بتقديم "الأنا" أو المصلحة الذاتية أو الحركية أو الفئوية على المصلحتين الوطنية والقومية، استهدفها الإرهاب الصهيوني في شهور نيسانية لعينة سابقة.
فالحديث عن القائد الشهيد عبد القادر الحسيني يعيدنا بالذاكرة إلى الوراء 65 عاماً. والحديث عن هذا القائد الكبير يعيدنا إلى تاريخ استشهاده في معركة القسطل في 8 نيسان 1948، ويعيدنا أيضاً إلى أيام بالغة الظلمة والسواد، أفرطت خلالها عصاباتا شتيرن" و "الهجاناة" الإرهابيتان في عدوانهما النازي والفاشي على المواطنين الفلسطينيين لغرض ترحيلهم والاستيلاء على أراضيهم، فارتكبتا من المذابح والمجازر الجماعية ما لا يُعد ولا يُحصى وما يندى لها جبين الإنسانية.
ومن بين تلك المجازر كانت مجزرة دير ياسين التي حدثت في 9 و10 من ذات الشهر والعام والتي اغتال الصهاينة الأنذال فيها جميع أبناء البلدة إلا من نجا منهم بأعجوبة، في واحدةٍ من أسوأ عمليات الإبادة الجماعية .
والتوقف عند تاريخ 10 نيسان 1973 يذكرنا بذلك اليوم الأسود الذي تمكن فيه الإرهاب الصهيوني النازي بواسطة مجموعات مجرمة تابعة لجهاز "الموساد" من اغتيال ثلاثة من القادة الفلسطينيين الكبار في شارع فردان في قلب العاصمة اللبنانية بيروت هم الشهداء كمال عدوان وأبو يوسف النجار وكمال ناصر.
لقد كان الشهيد القائد كمال عدوان واحداً من أهم وأبرز الإعلاميين إن لم يكن أبرزهم وأهمهم. وكان الحريص الدائم على أن تتعانق الكلمة الحرة مع البندقية الحرة، فرأى العالم من خلال القضية الفلسطينية، وكان القائل، وصَدَقَ قوله، "حتى تكون قومياً وحتى تكون أممياً لا بد أن تكون فلسطينياً أولاً. أتقن فن الثورة ودرب الآخرين على إتقانه وممارسته. أصدر جريدة "فتح" من قلب المعركة عندما تطلبت الضرورة ذلك.
وكان الشهيد القائد أبو يوسف النجار "السهل الممتنع" في مرونته وصلابته صاحب الشعار الثابت والدائم "الحق أولاً والمبدأ أولاً". وقد مثل أبو يوسف النجار نموذجاً لجيلٍ فلسطينيٍ كاملٍ عَبَرَ عنه بنقاء ثوري أصيل.
أما الشهيد القائد كمال ناصر "ضمير الثورة" الذي أحبه جميع الثوار كما أحبهم، إذ كان لحركة فتح كما كان لجميع فصائل المقاومة الفلسطينية، فقد كان أديباً وشاعراً ومفكراً، وكان إنساناً بكل
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد