في ماراثون محموم للسيطرة على الفانتازيا الشرق أوسطية، تسابقت إسرائيل وأمريكا في تحقيق إخفاقات أمنية مريبة تحمل الكثير من التساؤلات والكثير من النذر. ولأن قنابل بوسطن وصواريخ إيلات تخرج دائما من كنانة واحدة، علينا أن نأخذ حذرنا ونستعد لما هو آت من عواقب وعقوبات.
يوم الإثنين الفائت، وقبل أن يضع المتسابقون أقدامهم فوق خط النهاية، كانت الجائزة في انتظارهم - قنبلتان محشوتان بكرات الغدر والمسامير الموجهة. وبعد ثوان معدودات من الصدمة، أدار من بقى على قيد الحياة من المتسابقين ظهره لمنصة التتويج وفر بما تبقى له من أنفاس ليسابق الموت الذي ظل يلاحقه أمام كاميرات المصورين التي نصب بعضها في موقع الحدث لتصوير السباق وبعضها الآخر لتصوير مراسم الانفجار.
وقد أحسنت الجهة المنظمة للغدر انتقاء موقع المذبحة، لأن أحدا لن يتساءل هذه المرة عن سر وجود الكاميرات قرب موقع الجريمة كما فعل بعض المشككيين في هوية المصورين عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فقرب موقع الكاميرات المثبتة فوق أصابع اتهامات معدة سلفا، يمكن لمخرج سيناريو هاو أن يقرب الكاميرا من وجوه الضحايا ومن أجسادهم التي رشقت فيها مسامير الغدر من كل ناحية ليستقطب آلاف الآهات ويحشد آلاف المدرعات نحونا. لهذا اكتفى المخرج المحترف هذه المرة بقتل ثلاثة مدنيين وإصابة مئة وثلاثة وثمانين بدلا من التضحية دون داع بآلاف الأرواح وشاهقات الأبراج كما فعل ذات غباء عام 2001.
أما عن الخسائر المادية، فلا تكاد تذكر - مجرد قنبلتين محشوتين بالمسامير وبعض الدخان وتراجع طفيف في مؤشرات داو جونز. لا حاجة إذن للمغامرة بالطائرات وصفوة الطيارين طالما أن الهدف المنشود قاب قنبلتين أو أدنى. ولا حاجة لتقديم أي مبررات أو حجج للتحليق فوق رؤوسنا الفارغة التي اقتصر عملها على الحشد للمليونيات والحشد لتفريقها.
وبعد أن جفف مخرج الروائع الهوليودية عرقه، أقلع بطائرته الخاصة ليصور مشهدا آخر أكثر طرافة على بعد أسلاك شائكة من أسفل منتصف الهدف. لكن صواريخه البلاستيكية التي انطلقت من أعماق حدودنا المستباحة لم تصب أحدا في إيلات رغم قدرتها الفذة على مراوغة القبة الحديدية المزعومة. فشلت السي آي إيه إذن وفشلت القبة، وعجز الإف بي آي وعجز الشاباك، لينجح سيناريو الرعب القادم.
علمتنا أحداث منهاتن أن نشعر بالأسى والحزن وأن نضع أيادينا الرخوة فوق صدورنا الخافقة رعبا كلما نزلت بأمريكا نازلة، لأننا نعلم يقينا أننا المعنيون بالانفجار، وأن مدننا العربية حتما ستردد صداه. وعلمتنا الصواريخ الذكية التي لا تقتل أحدا أنها محلية الصنع وأنها بمثابة ابتزاز لجيوشنا المعطلة وقبضاتنا الرخوة. وعلمنا الفقد أن نبكي على من رحل وعلى من سيرحل وعلى ما اغتصب وما سيغتصب من أرض وكرامة.