قال أحد أغنياء البلد المشهور بثرائه الفاحش وفحش التصرف في ثروته، مخاطبا ندماءه من زبانية التملق ، وزبونية المصلحة والصحبة:
- لو كانت الجنة تباع.. لدفعت نصف ثروتي مقابل بيت واحد فيها... ضحك من ضحك، وسخر من سخر، وكادت الجنة بكل معانيها المقدسة وحرمتها ، التي لا تجاريها حرمة. أن تصبح تشدقا في أفواه هؤلاء الرعاع الذين فتحوا أعينهم فجأة ليجدوا أنفسهم غارقين في المال الحرام ، لولا أن رد عليه وعلى الفور متسول كان يسترق السمع دون أن يتبعه شهاب راصد:
- أتريد أن تتاجر مع من يملك كل شيء بما فيه أنت وبهذا الأسلوب؟ نظر الغني جهة المتدخل ثم ما لبث أن رفع يده التي تتزين بمتجر من الذهب مشيرا إلى صاحب المقهى :
- كيف تسمحون لهذه الجراثيم بالدخول إلى هنا.. وبالتدخل في شؤوننا؟
ونهض على التو أحد الندماء غاضبا، وهو يحاول أن يخرج المتسول، ولكن هذا الأخير كان ذكيا في استمالة الغني إليه، وفتح شهيته في الحصول على ضالته، عندما قال مخاطبا ذلك الفاحش:
- سأريك كيف تستطيع أن تشتري من الإله جنة الرضوان..
استحسن الغني الفكرة، وطلب من الندماء أن يجعلوا له مقعدا بالقرب منه أمام استغرابهم ودهشتهم، وطلب من النادل أن يحضر له ما يشاء ويشتهي قائلا:
- أرني إذن كيف أستطيع أن أشتري الجنة...
- قلت إنك مستعد لدفع نصف ثروتك مقابل بيت واحد في الجنة..أليس كذلك؟
- بلى..وأنا مازلت عند قولي ...
- لو كان الأمر كذلك لاشتراها قبلك فرعون ...وقبله النمرود..وقارون كان سيدفع كل ثروته ولا أظنك أكثر مالا وأعز نفرا منهم.
صمت الغني بعدما أفحمه المتسول، ورد أحدهم بدلا عنه موجها كلامه اللاذع للمتسول:
- قلت إنك ستريه كيف يشتري الجنة...؟ إذن هات الحل ولا تراوغ..يا..يا..
لم ينظر المتسول إليه أبدا وتابع شرب عصيره، وتكرر نفس السؤال من مختلف الجبهات فقال في برودة:
- لست سمسارا.
- وما كاد ينهي عبارته هاته حتى هوى الغني بقبضته على المائدة غضبا وهو يزمجر في وجه المتسول:
- -اغرب عني يا كلب...لقد خدعتني..
- وهب على الفور رجال أشداء أولوا بأس شديد، اعتادوا التدخل السريع في مثل هذه المناسبات..ولكن المتسول امتص غضب الجميع في دهاء بليغ:
- -لن تشتري الجنة بهذا الأسلوب يا سيدي.. رجاءا لاتفسد الأمر.. وإلا ضاعت منك إلى الأبد..
- عاد الغني يطلب من الكل العودة إلى مكانه والتزام الصمت مخاطبا المتسول في لهجة صارمة:
- لا تمزح معي فأنا سريع الغضب..وأحذرك..
- لنفترض يا سيدي أنك فعلا اشتريت بيتا في الجنة، وأن الله أراك رؤية رأيت فيها أنك بالفعل قد اشتريت ما أردت..فماذا ستفعل بعدها وبعد أن ضمنت لنفسك الأمن من العذاب..؟
- صمت الغني..، وتعجب الجلساء ثم حاول المتسول أن ينسحب مستغلا حيرة الجميع من السؤال..ولكن الغني أعاده إلى الجلوس مرة أخرى قائلا:
- سأحمد إلهي كثيرا ..وسأكون أكثر الحارصين على رضاه.
فقال المتسول واثقا :
- افعل ذلك وسوف تشتري الجنة دون أن تدفع قرشا واحدا إلا ما كان صدقة أو زكاة..
- أهذا كل شيء؟
- صدقني...هكذا تستطيع شراء الجنة.
تملكت الفرحة قلب الغني وقال للمتسول:
- إذن.. اشتريت منك النصيحة...وعلي أن أدفع لك ثمنها.
ثم نظر إلى ندمائه وأضاف بكل ثقة:
- اطلب ما تشاء.
حك المتسول رأسه وصمت قليلا ثم قال:
- هل أستطيع أن أطلب ما أشاء يا سيدي...؟
مط الغني شفتيه في ثقة أكثر من ذي قبل مؤكدا كلامه في حزم:
- أجل..اطلب ما تشاء.
اقترب المتسول من الغني أكثر وقال في ثبات:
- أريد حياتك.
تعجب الجميع من جرأة المتسول التي اعتبروها وقاحة غير مبررة، وهم بعضهم بطرده، ولكن الغني أمرهم بالتزام الصمت والهدوء، ورد على المتسول بعدما شعر بتحطم كبريائه:
- لا أستطيع فعل ذلك...ولكن اطلب ما تشاء من المال.
أجاب المتسول ساخرا متهكما:
- إذا كنت قد أعجزتك بطلب واحد لا غير...فكيف تتجرأ على من أعجز كل شيء، وأما أموالك فليست كل شيء وأما قناعتي فهي كل شيء. .مع السلامة.