جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
لم يستطع سيزيف أن يضع الصخرة التي حكمت عليه الآلهة بحملها، والصعود بها إلى أعلى الجبل لوضعها فوق القمة تكفيرا عن ذنبه..
مرت السنوات، واستمر فشل سيزيف في كل محاولاته.
لقد صار هذا الرجل شيخا، وانحنى ظهره وضعف بصره، واشتعل رأسه شيبا،.. ومع ذلك ظل ممسكا بصخرة العذاب، ولم تعد تفصله عن القمة سوى أمتار قليلة...
هاهو يتصبب عرقا، ويئن من ثقل الصخرة..ويعصر روحه ويصهر طاقته في محاولة يائسة للتقدم نحو القمة، ولكنه يخشى النتيجة نفسها ..سقوط الصخرة كالعادة،.. لانت عظامه ولكن إصراره على إتمام فصول الحكم ظل مهندا ..
اجتمعت أخيرا هيأة الدفاع لمساندة الظنين... وطالبت القضاء بإصدار حكم يقضي بالعفو الفوري مما تبقى من محاولات وضع الصخرة فوق القمة، ورفعت ملتمسا إلى الجهات العليا ..بينما نزلت ملايين المتظاهرين إلى الشارع في مسيرات ومظاهرات احتجاجية طالبت بإلغاء الحكم، وتمتيع الظنين بالعفو وإنزال الصخرة عن عاتقه، وناشدت منظمات حكومية وغير حكومية، وهيآت مدنية واجتماعية رفيعة المستوى السلطات العليا..
أعيد النظر في الحكم أخيرا، وتم بعد مداولات مغلقة استصدارحكم آخر نقيض للحكم الأول..
قضى بأن يحمل سيزيف الصخرة ولكن هذه المرة سينزل بها إلى سفح الجبل مع الحرص الشديد على ألا تسقط الصخرة من يديه، وإلا اعتبرت محاولة ملغية، ووجب عليه أن يعيد المحاولة من جديد.
طعن الدفاع في الحكم لانعدام أساسه القانوني، يعني.. إذا تدحرجت الصخرة فهل سيجبر سيزيف على حملها إلى القمة ثم العودة بها إلى السفح، أم أن هناك من سيحملها بدلا عنه على أن يقوم هو بإنزالها إلى السفح تطبيقا لنص الحكم؟!.
لزم رئيس الجلسة الصمت أما النيابة العامة فقد طالبت باستئناف الحكم في مدة لا تقل عن عمر الظنين مع رفض تمتيعه بالاستراحة المؤقتة.
علم سيزيف بالحكم الجديد الصادر ضده فجلس في مكانه هادئا حريصا على أن تظل الصخرة بين يديه . ينظر إلى السفح فيراه بعيدا عنه قريبا من الصخرة، وينظر إلى القمة فيراها قريبة منه بعيدة عن الصخرة ثم بكى بكاء مريرا واتخذ قرارا بالبقاء في مكانه دون صعود أو نزول، وبقي ماسكا صخرته.
اليوم.. وعندما عج السفح بالعمران والسكان، رفعت دعوى قضائية جديدة ضد سيزيف بتهمة تهديد أمن وسلامة السكان.. خشية أن تسقط الصخرة فتدمر البنيان وتحصد الأرواح.
نظرت المحكمة الجنائية العليا في الدعوة المعروضة على أنظار عدالتها وحكمت على الظنين بنقل الصخرة مع التزام الحرص الشديد من مكان جلوسه إلى جبل مجاور، بعدما زحف البنيان على كل تراب الجبل وحصاه.. إضافة إلى تحميله الصائر والغرامة في حالة عدم التطبيق الفوري أو المماطلة.
رفض سيزيف الحكم ودخل في إضراب مفتوح عن الطعام.. وخشية من سقوط الصخرة بسبب تدهور حالة سيزيف الصحية الناتجة عن إضرابه الذي أنهك ما تبقى من قواه، أعادت المحكمة النظر في القضية وقضت بترحيل شعب كامل من السفح بدل إراحة شخص واحد ما يزال عالقا في الجبل ماسكا صخرته ممسكا عن الطعام.
رحل السكان...ومات سيزيف... فتدحرجت الصخرة نحو الأسفل، ولكن أحدا من السكان لم يعد إلى ذلك السفح، لأن الكل بات يخشى أن تبدأ الصخرة في الصعود وحدها نحو القمة، مادام الحكم قائما والحسم فيه لم ينته بعد رغم موت الظنين منذ آلاف السنين.
المصدر: الأديب المغربى دكتور : سعيد يفلح العمرانى
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد