لبلابة على وشك السقوط
إلى سعاد .. أيقونة التراب
«أين تذهبُ الأيَّامُ يا أمِّي؟»
..
سُعاد الحسيني تُنقِّي أرزًا في الشُّرفة،
بينما طفلُها،
يقفُ على أطرافِ أصابعِهِ، ليرى بابَ
حديقةِ الجيران،
يرى البابَ الكالحَ الذي ينامُ وراءه
الليلُ،
كلما هدَّهُ السَّهَر.
أيَّامَها،
إلفيس بريسلي .. كان كلمةَ السِّرّْ؛
فبالفتى اليافعِ هذا فقط،
تمكَّنَ الأمريكيونَ من ترتيبِ أوضاعِهم
بعدَ الحربِ،
في أوروبا الجريحة.
وبِطَلَّتِهِ،
التي كانت تكفي وحدَها لإثارةِ الزَّوابعِ
في مراقصِ الخمسينيات،
سدُّوا ممرَّ (فولدا) إلى الأبد،
ليبدِّدوا أملَ البلاشفةِ الألمانِ في الوصولِ
إلى (فرانكفورت)،
فردوسِهم المفقود.
على الجانبِ الآخرِ من منتصفِ الليل،
ظلَّ عبد الحليم حافظ سرًّا كاملًا،
لكن مصرَ في ساعةِ حظٍّ، باحتْ بهِ
واستراحت،
حينها،
وقفَ طفلٌ في الشًّرفةِ على أطرافِ أصابعِهِ،
من أجلِ
أن يرى حديقةَ الجيران،
تبدَّلتْ أحوالُ العائدينَ من الحقول،
وطالتْ سككُ الذاهبينَ إلى المصانع.
تغيَّرتْ زاويةُ الظِّلالِ على أسوارِ البيوتِ
في مصر الجديدة،
حتى تاهتِ العصافير،
وحطَّتْ في أعشاشِ الآخرين.
ثم كان أن نبتتْ على طرفِ كلِّ فِراشٍ
في الليل،
وسادةٌ خالية.
«أين تذهبُ الأيَّامُ يا أمِّي؟»
..
سُعاد الحسيني تبحثُ في المذياعِ عن
(تخونوه وعمره ما خانكم ..)،
بينما طفلُها في الشُّرفةِ،
يتأمَّلُ الجندَ المحمولين إلى الصَّحراء.
الولدُ كان واثقًا،
أن الزعيمَ هو الجسرُ الذي يعبرُ عليه النَّهارُ
كلَّ يومٍ،
إلى باحةِ البيت،
ليجفِّفَ الغسيلَ المنشور،
ويشدَّ خيطَ لبلابتِهِ الموشكةِ
على السُّقوط.
أيضًا بريسلي، ودونَ أن يدري،
كان الجِسرَ الذي عبرَ عليه السُّودُ
فيما بعدُ،
إلى المكتبِ البيضاويّْ.
بل ..
كان الجِسرَ الذي عبرَ عليه البِيضُ
أنفسُهم
إلى الهواءِ الطَّلقِ،
بعد أن حرَّرَ الـ (روك أند رول) من
حظائرِ الماشية،
ومن أدخنةِ التَّبغِ الرَّديءِ المحشورةِ في
أزقَّةِ (هارلم).
على الجانبِ الآخرِ من منتصفِ الليل،
كان عبد الحليم هو الفخُّ الذي وقعَ فيه
عُشَّاقُنا المحدثون،
حين ظنُّوا،
أن الوسائدَ التي تركوها خلفَهم سوف تبقى
خاليةً إلى الأبد،
تُفكِّرُ في أصحابِها.
العندليبُ،
لن ينتظرَ طويلًا حتى يدفعَ الثَّمن،
ففي الملهى الليليِّ،
سوف يرفعُه الجميعُ إلى المشفى قبيلَ أن
ينفجرَ مصرانُهُ.
ثم سرعانَ ما يعودون إلى الرَّقصةِ،
وكأن شيئًا هناك لم يكن:
(رَوْكٌ أندِ رَوْلٌ) يا حليم،
ثم (رَوْلٌ أندِ رَوْكْ).
..
..
بريسلي الآنَ متحفٌ،
حليمٌ الآنَ وسادة.
«أين تذهبُ الأيَّامُ .. يا سُعاد،
تذهبُ الأيَّامُ أين؟»
*****
يناير 2013
إشارة هامة:
هناك تقاطعات عديدة بالنص مع الفيلم المصري (الوسادة الخالية)، الذي كان قد أخرجه صلاح أبو سيف أواخر الخمسينيات من القرن العشرين.