كان من الممكن ان اكتب طلاسم حرفية ,أُحيكها بخيوط عَسْجَدية لايفْهمُها إلا إياي و أُزينها بِنمْنمات الذكريات وخلجات النفس و أجرب حرفيتي في صِـياغتها برميها في أعماق أحد البحار بعد طَرْقها من كل جانب فإذا ما وقعت في يد أحدهم و فك شِفرتها أعلنت إفلاسي في سُوق الكتابةِ , لكن هذا ليس بصنيعي . أما و قد اتضحت الصُورة _ أو هكذا سولت لي نفسي _ و خلّفت ورائي من السنين ما عرى زيفي فإنني اضْرِب صفحًا عن الأسرار و اخلعُ قناعًا كنتُ اتنكر به في حالكات الليالي فلا يعلم الرائي جدي من هزلي ,ولا يعي حزني من فرحي ,ولا يميز بكائي من ضحكي.
أتيت إلى ساميات المعالي أناجيها تسُوقني سالفات الدهور و ما يحجبه الغيب و اتخذت من رعْشة الدهرِ متكأً أخْلُصُ إليه كلما نضب وقود الفكرِ و زنادًا اقدحه حينما ترتعش أوصالي من برد الأماني.
فلا تسألني عن حياتي و قد تركتها واحة يأوي إليها المتعبون من السفر و ما أكثرهم! تَتصاغرُ في حضرتهم هُمومي و تتوحد حتى لا يَشغلني سواهم و كيف أحملهم إلى مُبتغاهم و يا لبؤسي حينما تنفذ مؤونتي! وكلما جاد الله علي بنعمة أخذت أقلبها على تخوف مضنة أن تفتنني وتسوقني إلى ما لا يسرني يومًا أن أراه في صحائف أعمالي يوم يعرض الأشهاد على ربهم فإذا ما تحرزت بكل وسيلة ادفع بها هوىً يسوقني على غفلة آويت إلى ركن شديد ألجأت إليه حولي وقوتي وتبرأت ممن سواه.
ولذا طال طريقي و تفرق عني صحبٌ خُلتْ يومًا أن وجودهم في حَـياتي شمس لابد أن تشع على مدائني لتزدهر فإذا بهم صفحة طويت شاء ربي أن يعلمني أن لا شيء سواه يبقى ,و لكنني أبقيت على صورهم نقية , لم ادع للريبة منهم مدخلاً إلى نفسي حتى و إن أساءوا بي الظنون . و ليس البغية أن أصل بقدر أن يَكون نهاية مطافي على الطريق الذي اخترته و رأيت في مُعتركِه سلامتي وما تقر به عيني كلما التفت إلى ما قطعت من طريق لأتحقق من مسيري و أنني على جَادتي لم أحِد.