لم تشهد مصر تحولا دينيا مذهبيا حادا منذ أن دخلها صلاح الدين الأيوبي في 1171 ميلادية وحينها عادت مصر الي المذهب السني بعد حوالي مائتي عام قضتها في المذهب الشيعي في العصر الفاطمي وقد ساعد هذا الاستقرار علي الحفاظ علي الهوية الدينية الوسطية الهادئة التي اتسمت بها علي مر العصور . ومنذ عصر محمد علي قبل أكثر من مائتي عام انفتحت مصر علي الغرب ومع ذلك لم تفقد هذه الهوية بفضل شيوخ أجلاء بدئا بالشيخ حسن العطار الذي أحل العمليات الجراحية وغيره من الشيوخ الذين واكبوا التطور ولم يقفوا حجر عثرة أمام المستجدات العلمية والانسانية وهو ما أكسب مصر تميزها وتفوقها علي باقي البلدان الاسلامية المحيطة وبخاصة البلدان العربية
ويمكن القول أن العقيدة الاسلامية المصرية اتسمت بالتزام المصريين بجوهر الدين ورسوخه داخل الضمير الانساني ولم يكن أبدا دينا شكليا كما نراه في الشرق العربي منّا . فالمصري الملتزم دينيا لا يكون أبدا محل شك بل أن الناس يتعاملون معه وقد اطمأنوا الي أفعاله ونياته والباقي من عموم الناس يتعاملون بالحلال والحرام حتي وإن لم يلتزموا كاملا الا ما ندر فيبقي هذا النذر اليسير واضحا ومكشوفا للجميع
الي أن أبتلينا بجماعة الإخوان المسلمين ودعاة الوهابية الذين يحاربون لإحداث تغيير مذهبي حاد بأغراض سياسية بحتة كما نشهد هذه الأيام فهل ينجحون ؟
لن ينجحوا وتلك هي أسبابي
هم ينتهجون أسلوبا قسريا جوهره فرض الوصاية والمغالبة والتهديد باسلوب الترهيب لا الترغيب فنسمعهم يتحدثون عن تطبيق الحدود وزواج القاصرات ونراهم يزدرون باقي الأديان والمرأة والطفل بحجة تطبيق شرع الله ولا نراهم يتحدثون عن مكارم الأخلاق مثلا رغم قول الرسول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وهو الجوهر الحقيقي لأي دين أو عقيدة . هكذا يتشكل الوعي العام مشككا في حقيقة توجهاتهم
يثير سعيهم الحثيث للإستيلاء علي السلطة بحجة إقامة الدولة الاسلامية شكوك العاقلين بل يقينهم كما يثير خشية العامة من المستقبل المجهول وصعوبة الحياة تحت وطأة هؤلاء المتشددين .
يأتي افتقارهم الشديد للرؤية المستقبلية في المجالات الإجتماعية والاقتصادية وكذلك كثير من أفعالهم وأقوالهم كالكذب ونقض الوعود وانتهازية المواقف بل والرشاوي والأفعال المشينة أحيانا منبئة عن حقيقة أهدافهم المغرضة وهنا اؤكد علي أن قليل من الالتفاف حولهم في السابق كان برؤية مصرية خالصة كما ذكرت مسبقا في أنهم أصحاب دين وأخلاق اسلامية فتوسم بعض العامة فيهم أن يقدموا خيرا للبلد ولكن مع افتضاح أمرهم انفض وسينفض الجميع من حولهم فلا أمل يرجي منهم وهذا هو ما قدمو له بأنفسهم بنجاح في تلك الفترة الوجيزة
الصراع الدائر الآن والذي يطلق عليه صراع الحضارات هو صراع في حقيقته يدور بين الحضارة الغربية التي تسود معظم أرجاء العالم وبين المتشددين من الاسلاميين الذين يهددون المصالح الإقتصادية الغربية خاصة في هذه المنطقة من العالم بما تحوية من مصادر طبيعية وما تشكله من أسواق تجارية رائجة نتيجة افتقارها للعلم والتكنولوجيا . ولا ينفي هذا الدعم الأمريكي المحدود للإخوان المسلمين فهو اجراء تكتيكي قصير المدي لا أكثر
..
يري علماء الاجتماع أن فكرة الأديان بشكل عام تنحسر تدريجيا وأن استمرار الاسلام يدعمه زيادة التكاثر وبالتالي زيادة أعداد معتنقيه في كل العالم وهناك أحاديث نبوية
صحيحة في هذا الشأن أذكر منها
(افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة .. الي آخر الحديث)
(يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر)
هذا الانحسار للأديان هو شيء لا نلمسه واضحا لأن مجتمعنا متدين بطبيعته وان كنت أري أن الأجيال القادمة المنفتحة علي العالم بسهولة ويسر قد تقع تحت تأثير هذا التيار العالمي وهو أمر لا يواجه بمزيد من التشدد بل يحتاج الي المرونة والتيسير وإلا فهو العصيان لا محالة
في النهاية أحب أن اؤكد علي أن فشل الاسلام السياسي هو حقيقة قادمة لا محالة حتي وإن تأخرت بعض الوقت .