دار حوار بيني وبين صديقتي الاسبانية، فسألتها خلال حديثنا من أين ينجم التطرف فقالت لي بأن سبب نشأته الجمود الفكري والجهل وعدم الرغبة في الأخر و التعاطف معه، وعرجت خلال الحديث إلى إن أن أمريكيا وإسرائيل وأضيف من عندي ذيولهم (القوي العظمى) هم الأيدي المتغلغلة في أي عنف في صراعات الشرق الأوسط لأن السلطة والقوة تتيح هذا لهم بمساحة أكبر.
فما الذي يدعو البشر إلى التطرف والتشدد و التكفير هل هو الدين ذاته أم أنهم اخطئوا فهم الديانات فراحوا ضحية اللا فهم، وأتساءل هنا أي دين أو أي منطق أو أي ملة هذه التي هي من صنع البشر وثقافتها تدعو إلى الهيمنة اللا عقلانية وفرض الذات وقتل الأبرياء من ذات جنسهم بهدف الدين أو الوطن أو الفكر.
إن الفقر المادي والفكري (الجهل) أحد أهم الأسباب التي تجعل المتطرفون كالآلة المتحركة في يد من يتلاعب بهم، فالإناء الفارغ ممكن لكل المحتويات أن تملؤه وكذلك العقل إذا كان فارغاً وفقيراً للمعرفة فيمكن لكل الأفكار أن تعتريه، أما الفقر فهو كفر والكفر بحد ذاته هو فيمن يملك المال ذلك الرأس الذي أتخذ البلهاء ألعوبة في يديه ليسقيهم ويطعمهم ويساومهم في ملحهم مقابل نشر الفتنة والخراب في الأرض وقتل وتدمير البراءة على حساب الشرف.
التطرف هو كفر بالواقع فهل الديانات والأوطان دعت للاستيلاء على الآخر والهيمنة والقتل؟ وأسأل لو وجدنا عجوزاً ضائعاً على حافة طريق، هل سنسأله ما دينك وما لونك وما جنسيتك ومن أي طائفة أنت؟! إنها اللا إنسانية بحد ذاتها والتطرف الجارف للإنسانية.
إن الروح التي أودعها الخالق فينا هي أغلى ما نملك فكيف بأولئك الجماعات الذين ينتمون لفكرٍ متطرفٍ يستسهلون زهق الأرواح بهذه البساطة بل ويعتبرونه بطولة! ألم يجدوا غير العنف وسيلة لنشر دينهم أو للانتصار لفكرهم، إذا كان الخالق فضل الإنسان عن باقي الكائنات بالعقل فلماذا يتجاهلون استخدامه، لماذا لا يحاورن غيرهم ولا يخاطبون باقي الأرواح من ذوي جنسهم وألا يسلطوا سيوفهم على غيرهم، إننا نشفق في كثير من الأحيان على موت الحيوانات فكيف بتلك الروح التي سجد لها الملائكة وكرمها الرب عن سائر المخلوقات بأن ألا نشفق عليها!
وكثيرون من المتطرفين يعتبرون أن المقاومة بحمل السلاح فقط، فلماذا خلقت المقاومة إذاً؟ أليس للحصول على الحرية؟ فكيف تقاوم بحريتك كي تكون حراً وأنت تقتل الأحرار ذاتهم! إنها ثقافة الجوع للقتل وشهوانية العنف وكأن الدين كله خلق في هذا السلاح وقال لهم تعالوا لنذهب ونقاتل هولاء الكفرة لتدخلوا الجنة!
وها هم دعاة اللا إرهاب ظهروا مجدداً ليستنكروا ويدينوا عمليات القتل والتدمير لدس السم في وعاء الدين والأوطان وتشويه صورة العرب والمسلمين، ها هم اليوم يدعمون المصطلح الذي اخترعوه و جيشوه أداة تقوي سواعدهم، فالإرهابيين والمتطرفين الذين دخلوا لمحاربة الأنظمة العربية في اليمن وسوريا وغيرها صاروا الآن شركاء الديمقراطية وأصبحوا من وجهتهم أبطال وابتسم لهم العابس في نهار مشرق.
يقول الكاتب مصطفي محمود: لقد تعودت ألا احتقر إنسانا بالغا مهما بلغ من حقارته فهو حصيلة ظروف صنعت خيره و شره و أنذل الناس له منطق في أفعاله منطق قد يسمو علي منطق النبلاء، كم أشفق عليهم أولئك المساكين المصابين بانتكاسة جهل، لكن أليست المصيبة في هروبهم من المعرفة وارتهانهم للاءها؟!