عائد إلى الميدان ..
بقلم الكاتب اللبنانى
محمد إقبال حرب
أخيرا رمى جثته إلى جذع شجرة قصية، نظر واجما في وجه القدر .... أخذ نفسا عميقا... بل عميقا جدا كأنه يخاف نضوب الهواء، كما تبخرت الأخلاق. بل يخاف عليه ان يُصَادر وجودهكما صودر كل شيء آخر. لم يعد هناك شيء لم يسرق بطريقة ما... آخر مرة سرق فيها كانت جثة والده التي أختفت من ثلاجة الأموات كما سرق زوجته الجميلة رجل ثري....
قيل له بأنه عندما ولد جاء في كتيب الضمان الإلهي الغير مرئي رزمة من الحقوق والضمانات التي تفيد بأنه إنسان... ما زال يعتقد بأنه قد ولد حرا وبأن له نصيب في الماء والهواء والطعام على سطح هذا الكوكب.... بل قيل له ذات يوم قبل الهبوط من رحم أمه "لن تعود قبل اتمام مهمتك" .... تساءل باستغراب وما هي مهمتي؟
قيل له: ستعرف ستعرف... بعدها انقطع الاتصال مع الرفيق الذي أودعه يدي قابلة امتدحت جماله وبسمته... ولكنها أصرت أن توسع مؤخرته ضربا مرحبة به على كوكب الارض.... فسقطت اولى حقوقه ...
لم يحظ بإسم لفترة طويلة كما لم يحظ بلعبة أبدا... أصابته الحمى عدة مرات ولم يحصل على نصيبه من الدواء... بل تبرع له أولاد الاثرياء بنصيبهم من الامراض والعلل...
خسر كذلك ما كان يظنه حقا مقدسا من مكان للمبيت... الى صنبور ماء يروي عطشه ... فاضطر للشرب من الترعة كما اضطر للتبول على ضفافها
ما عاد يذكر كيف أتى.. من أين ولماذا ؟...
إلى أن رآها ذات يوم تكبر... تضج بنورها... تصدح ... وعدته بأن تحقق أمله ويحصل على ختم يضيء جبينه... فيناديه أهل الارض "إنسان"
التحق بها... دافع عن الثورة.. أججها بدقات قلبه... صدح في الميدان... هي كبرت.. أصبحت جميلة.. براقة.. ضمها إلى صدره.. أغمض عينيه غفى بين ذراعيها .... نام نوما عميقا ليستريح من وعثاء رحلة العمر... وغفى ردها من الزمن
فتح عينيه كطفل صغير يترقب قبلة امه التي لم تبرق على شفتيه
لم تكن هناك... نظر حوله... وجد نفسه على رصيف قذر
لم يجد الميدان... لم يجد خلانه
جاب كل الامكنة... هرب إلى البعيد عله ... وعله وعله
وانهار عند جذع الشجرة
لم يفهم ...ولن يفهم يذكر كيف صحى ولم يجدها... وكان يعتقدها اكبر من الوجود...
هل هناك من يسرق الوجود؟
سُرقت الثورة ببريقها وجمالها وعنفوانها كما سُرق عمره وكرامته فيما مضى...
يعتقد بأنه فشل... يعتقد بأنه فشل
أمسك عودا, ارتجت يداه...صرخ في فضاء الحقيقة لا, لا لن أفشل مرة أخرى وكتب على جبينه أنا انسان ... أنا عائد الى الميدان