جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الفارس المنتظر.. والحلم برئيس يحقق
أحلام البشر..
بقلم الكاتبة المصرية دكتورة
نهلة درويش
نشاهد في الوقت الحاضر العديد من البرامج التي تتحدث عن السادة المرشحين للرئاسة، وتستعرض برامجهم الإنتخابية بما تحمله من وعود وخطط وآمال وتطلعات تدعاب خيالات الجماهير الغفيرة من المواطنين. وبطبيعة الحال ينتابنا التخبط والحيرة، بل وأحياناً الشعور بعدم الثقة فيما يقال من وعود، وخاصة عند تفكيرنا في اتخاذ قرار الاختيار، باعتباره قرار مصيري وحيوي يتوقف عليه حياتنا المستقبلية بكافة أبعادها.. فهو قرار يذكرني بقرار اختيار شريك الحياة، أو قرار اختيار تحديد المستقبل المهني لشخص ما.. طبعاً مع الفارق الكبير بين أهمية هذه الأختيارات، فقرار أختيار القائد/ الرئيس يعتبر من أصعب القرارات الواجب اتخاذها في الوقت الحالي، وذلك نظراً لحداثة عهدنا بممارسة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية.. ونظراً أيضاً لما تمر به البلاد من ظروف مضطربة وتوترات هائجة.. وتساؤلات وشكوك تملئ عقول المواطنين عن مستقبل وطنهم وما يحمله في طياته من خبايا حسنة أو سيئة..
وتظل تعقد الآمال الكبرى بتولي رئيس يتصف بصفات كاريزمية خارقة للعادة؛ وشخصية قوية حكيمة ساحرة، تبهر أعين الناس بأقواله وأفعاله.. وتفاجئهم بعقلية داهية فزة في تقديم الحلول ولتساعدهم على التخلص من أنياب الغول.. وتحررهم من الأثقال والأغلال الملقاة على عاتقهم والتي تقيد خيوط أحلامهم بسبب عقدها ألف عقدة وعقدة.
ولكن هل سيأتي هذا الفارس المنتظر؟.. هل سيوفي بكافة وعوده لإسعاد البشر؟..
هل هذ القائد يملك مهارات عالية من أساليب القيادة والإدارة بما يمكنه من الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة، ومن الموقع الاستراتيجي للدولة.. وبما يمكنه من تطوير القوى البشرية بكافة فئاتها.. بما يمكنه من فرض الضبط الاجتماعي وتطبيق القوانين التي تضمن المصلحة العامة للمواطنين وحقوقهم وبصفة خاصة الفئات المهمشة والمستضعفة منهم، وتكفل الحماية التامة للأفراد والممتلكات، والقضاء على الفساد بكافة أشكاله في جميع القطاعات الكبرى والصغرى..
هل يدرك الدراية الكفاية لقدر ومكانة كيان الدولة ومؤسساتها بما يشمل ذلك الجهاز الحكومي.. إذ أنه عليه أن يعي أن السلطة التي تمارسها الدولة هي سلطة مجردة "غير مشخصنة"، حيث يفترض أن يكون موظفي هيئات الدولة محايدين سياسياً تحصناً لهم من التقلبات الأيديولوجية التي قد تنتج عن تغير الحكومات. بل وأيضاً عليه أن يؤمن أنه بتوليه هذا المنصب فأنه يؤدي رسالة كبرى بالغة الأهمية، رسالة يؤديها لفترة محددة وسيسأل عنها يوماً ما.. وعليه أن يحرص بأن تكون أهداف رسالته هذه أهداف ممتدة يحملها من يخلفه بعده.. بمعنى أن المصلحة العامة للدولة ينبغي أن تكون هي المصلحة الغالبة.. فلا يصح أن تعم الخيرات خلال فترة رئاسة شخصً بعينه.. وبعد رحيله يعم الفوضى والانهيار في كافة منظومات المجتمع.
هل يدرك هذا الفارس المنتظر أن بتوليه منصب الرئاسة أنه سوف يكون مسئولاً مسئولية كاملة عن كل قضية صغيرة وكبيرة تخص شعبه.. وعليه أن يهتم بمباشرة ومتابعة كافة شئون بلاده مع المسئولين الآخرين المختارين بعناية وفقاً لكفآتهم وخبراتهم العلمية، وليس وفقاً لاعتبارات نفعية خاصة ومجاملات شخصية..
على هذا الفارس المنتظر أن يبهرنا بما سيقدمه من إنجازات واسهامات لعلاج كافة المشاكل التي يعاني منها المواطن المصري.. علاج مكثف جذري يتناول أصل المشكلة بالدراسة والتحليل وطرح الحلول ونشر الوعي للتصدى لها، بالشكل الذي يضمن عدم ظهورها مرة أخرى.. وعدم الاكتفاء بتقديم حلول مؤقتة، كما كان معتاد سابقاً، حيث تقدم الحلول المؤقتة ثم تعود المشكلة أكثر عمقاً وتضخماً مسببة نهايات كارثية..
هل سيهتم هذا الفارس باتباع منهج المصداقية والشفافية في كافة الأمور والمعاملات سواء داخلياً أو خارجياً، بما يحقق لنا الاحترام والسيادة التي تتناسب مع مكانة الدولة المصرية وتاريخ حضارتها.. وبما يمكن المواطن من استعادة الثقة بمؤسسات الدولة وإثراء روابط الإنتماء لديهم، وتعميق خلق حب الوطن وإعلاء المصلحة العامة.
هل ستعود صورة القائد الممجد، الذي يستقبل بالتهليل والتبجيل عند مروره بموكب أو حضوره مناسبة من المناسبات.. أم ستظهر صورة جديدة من صورة القائد.. قائد يتحلى بخلق خير السلف من القادة، مثل صلاح الدين الأيوبي وعمر بن الخطاب.. وغيرهم كثير من مشاهير القادة ممن تركوا بصمات مؤثرة "إيجابية وبنائة" حفرت علامات في تاريخ البشرية.
وربما ينبهنا هذا إلى حقيقة أننا من نصنع القائد/ الرئيس، بشكل مباشر أو غير مباشر.. ويرجع هذا إلى مجموعة المستشارين وطقم العمل المحيط بالقائد/ الرئيس.. ولعل الأمر لا يتطلب لتغيير الرئيس فقط، بل لتغيير أنفسنا، فكل واحد منا يجب أن رقيب على تصرفاته وأعماله، كل واحد منا عليه أن يدرك أنه مسئول وسيسأل يوماً ما عما هو مسئول عنه، ينبغي أن يكون كل واحد رئيساً على نفسه.. وساعتها من الممكن أن يتحقق الحلم بظهور الفارس المنتظر، رئيس يحقق أحلام البشر.
د. نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
المصدر: " صحيفة الوطن العربى " الأسبوعية المستقلة - أسسها : علاء الدين سعيد
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد