من أجمل الاعتذارات عن البكاء
********************
ثمَّة فن رائع من فنون الشعر العربي وهو فن ( الاعتذار ) , والاعتذار معروف فيما بيننا واضح القسمات بيِّن المعالم لا يخفى
وأسوق إليكم هذا الخبر الماتع , والأثر الرائع , عن حديث وُدِّي دار بين عملاقين من عمالقة الشعر فى العصر العباسي , بين أبى معاذ بشار بن بُرد , وبين أبى العتاهية , حيث يُشد كل منهما الآخر ما أعجبه من شعره , وراقه من بديع نظمه , في موضوع واحد وهو الاعتذار عن البكاء – والخبر يُنبئ عن نفسه ...
* * * * * *
حدثني الصولي قال حدثنا الغلابي قال حدثنا مهدي بن سابق قال: قال بشار لأبي العتاهية: أنا والله استحسن اعتذارك من دمعك حيث تقول :
كَم مِن صَديقٍ لي أُسا ... رِقُهُ البُكاءَ مِنَ الحَياءِ
فَإِذا تأمَّلَ لامَني ... فَأَقولُ : ما بي مِن بُكاءِ !
لَكِن ذَهَبتُ لأرتَدي ... فَطرفتُ عَيني بِالرِداءِ
فقال له أبو العتاهية: لا والله يا أبا معاذ، ما لُذْتُ إلا بمعناك , ولا اجتنيت إلا من غرسك حيث تقول :
شَكَوتُ إِلى الغَواني ما أُلاقي ... وَقُلتُ لَهُنَّ : ما يَومي بَعيدُ
فَقُلنَ : " بَكَيتَ " , قُلتُ لَهُنَّ : " كَلا " ... وَقَد يَبكي مِنَ الشَوقِ الجَليدُ
وَلَكِنّي أَصابَ سَوادَ عَيني ... عُوَيدُ قَذىً لَهُ طَرَفٌ حَديدُ
فَقُلنَ : " فَما لِدَمعِهِما سَواءً ؟! ... أَكِلتا مُقلَتَيكَ أَصابَ عودُ ؟!