الشباب روح الأمة, ودماء الحياة التي تجري في شرايينها, وعليه فإن تلك الدماء لا بد أن تظل دائمة الصفاء والنقاء والطهارة, وخالية من كل ما قد يمثل أي خطر أو تهديد على الجسم, وإلا فإن النتيجة ستكون إصابته بالتلوث والمرض, وبالتالي فإن من الضرورة الاهتمام بسلامتها وحمايتها من الملوثات بجميع أشكالها وأنواعها, وكما أن لجذور الأشجار الدور الأكبر في حياتها وبقائها؛ حيث لا حياة لها بدونها, إذ تساوي المجموعة الجذرية في أهميتها للنبات المجموعة الخضرية؛ بل تفوقها، فلا بد إذًا من تأمين متطلباتها من المواد الغذائية الضرورية لدعمها وتقوية نموها وانتشارها, فكذلك الشباب بالنسبة لكيان كل أمة.
فإذا أردت أن تتعرف على قوة أو ضعف دولة فانظر إلى شبابها، فإذا رأيته شبابًا مُتديِّنًا، ذا أخلاق سامية، وقيم متنامية، وثقافة عالية، منشغلًا بمعالي الأمور، فاعلم أنها أمة قوية البناء، عظيمة الشأن، رفيعة القدر، لا يطمع فيها قوي، ولا ينال منها عدو.
وإذا رأيت شباب الأمة غير مُتديِّنٍ، سيئ الخلق، وعديم القيم، منشغلًا بسفاسف الأمور، فاعلم أنها أمة ضعيفة، مفككة الأوصال، سرعان ما تنهار، وتصبح كلأً مباحًا لأعداء الإسلام.
والشباب الطموح الواعي المُتديِّن في كل أمة هم قلبها النابض، ودمها المتدفق، وعصب حياتها، وسر نهضتها، وعنوان تقدُّمها، وأمل مستقبلها؛ ولذلك اهتم الإسلام بالشباب اهتمامًا كبيرًا.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: «الشباب في أي أمة من الأمم هم العمود الفقري الذي يشكل عنصر الحركة والحيوية؛ إذ لديهم الطاقة المنتجة، والعطاء المتجدد، ولم تنهض أمة من الأمم، غالبًا، إلا على أكتاف شبابها الواعي، وحماسته المتجددة.
ولقد علم أعداء الإسلام هذه الحقيقة، فسعوا إلى وضع العراقيل في طريقهم، أو تغيير اتجاههم، إما بفصلهم عن دينهم، أو إيجاد هوة سحيقة بينهم وبين أولي العلم والرأي الصائب في أمتهم، أو بإلصاق الألقاب المنفِّرة منهم، أو وصفهم بصفات ونعوت غير صحيحة، وتشويه سمعة من أنار الله بصائرهم في مجتمعاتهم، أو بتأليب بعض الحكومات عليهم»(1).
إن شباب الإسلام يتعرضون لمؤامرة كبيرة من قِبَل أعداء الإسلام، وهذه المؤامرة متعددة الوجوه والأشكال والأساليب، فالأعداء يعلمون جيدًا أن الشباب هم قوام الأمة، ومصدر قوتها، وسر نهضتها، وصُنَّاع مجدها، ومبعث عزها وكرامتها، وهم قادة الغد، وأمل المستقبل، وعلى أكتافهم تقام حضارات وترفع أمجاد، وهم يعلمون يقينًا أن الشباب هم العمود الفقري للأمة، بصلاحهم تنصلح الأمة وتسود وتقود، وبفسادهم تفسد الأمة وتضيع.
فالشاب المستقيم لبنة صالحة في بناء المجتمع، والشاب الفاسد معول هدم ينخر في جسد الأمة، فأعداء الإسلام على يقين بهذا، فهم يُقدِّرون أهمية الشباب ودوره في بناء الأمة، ويخططون لإفساد الشباب وتبديد هذه الطاقات وتعطيلها، وذلك عن طريق إفساد عقول الشباب بالمخدرات المُفسِدة، والأفكار المنحرفة، والمذاهب الباطلة، والدعوات المضللة، والأفلام الهابطة، والمسلسلات الساقطة، والمجلات الفاجرة، والأغاني الماجنة، والروايات الفاضحة، وتشويه الرموز، وتحطيم المُثُل العليا، والغرض من هذا كله أن ينحرف الشباب عن الهدى إلى الضلال.
وقد نجح أعداء الإسلام فيما خططوا له؛ من سلب عقول الشباب المسلم، وطمس هويته، وقطع الصلة بينه وبين الجيل الفريد، وهذا أمر نراه رأي العين، لا يحتاج إلى بيان، فالناظر إلى أحوال الشباب اليوم يصاب بالدهشة وخيبة الأمل، يجد أمامه شبابًا ممسوخ الهوية، منكوس الفطرة، ليس له هدف، همه الأول إشباع رغباته وشهواته، ويسعى لتضييع الأوقات على الشات، والتحدث مع الفتيات عن طريق وسائل الاتصالات، ومشاهدة المباريات، وشرب المخدرات، شباب لا يتَّبِع إلا هواه، شباب بَعُد عن مولاه، شباب تربى على الميوعة والخلاعة، لا يهتم إلا بمظهره من التزين والتعطر، وأفرطوا في ذلك حتى تشبهوا بالنساء، فلبسوا الملابس الضيقة والرقيقة، والتي هي أقرب للأنوثة من الرجولة.
فلا عجبَ أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عجاب
فشباب اليوم ليس له هدف واضح في الحياة، وإذا ضاع الهدف فلا ترى إلا شبابًا يترنح لا يدري أين الطريق، شباب يعيش لشهواته، وأصبح حب فتاة أسمى غاياته، وسماع أغنية أو الفوز ببطولة أقصى طموحاته.
فهؤلاء الشباب غاب عنهم الأهداف والغايات، فلا يدركون ما يريدون، وقد أسلموا زمام أمرهم لعدوهم ليحدد لهم مصيرهم، فسعى هذا العدو لمسخ الهوية الإسلامية، وتخدير هؤلاء الشباب، والعمل على إفساد دينهم، والذي هو عصمة لأمرهم، ونجاة لهم في معاشهم ومعادهم.
فعلى الشباب أن يدركوا المخطط الذي يدبر لهم، والخطر المحدق ببلادهم.
ونحن على يقين أن الشباب بما يتصف به من روح الإقدام والإقبال، وصفاء الذهن والعقل، ووفرة الطاقة والقوة تجعله هو الأقدر على قيادة الأمة وبنائها، والعمل على صناعة حضارتها(2).
فلهذا ولغيره يبذل أهل الحق والعلماء الربانيون قصارى جهدهم لإحياء الإيمان في نفوس الشباب، وصرفهم عما يضر دينهم ودنياهم، وصرف طاقتهم فيما يعود عليهم بالنفع وعلى أمتهم بالخير.
الرسالة الأولى:
عودوا إلى ربكم, وأعلنوا توبتكم, وارجعوا إلى الطريق السوي, واعلموا بأن الله تعالى يحب عباده التوابين المتطهرين, وألا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة, ولا فوز إلا بأوبة, ولا نجاة إلا بالخلاص من الملهيات والأقذار، وتوحيدكم للملك القهار.
عودوا وأعلنوها صرخة مدوية: لقد تبنا الآن، وحان وقت الجد والاجتهاد، والعمل على ما يرضي الرحيم الرحمن.
عودوا إلى ربكم: {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم:8].
الرسالة الثانية:
أين أنتم من متابعة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم؟ أين حبه في قلبكم؟ أليس هو الذي دلنا على كل خير, وحذرنا من كل شر؟ أليس هو النعمة المسداة والرحمة المهداة؟
تُترك سنته عليه الصلاة والسلام فلا نحرك ساكنًا, يُستهزأ به ويُنال من عرضه من الأوغاد المجرمين وأنتم بين شهواتكم مكبلين مساكين.
يا مدعي حب طه لا تخالفه الخُلفُ يحرم في دين المحبينا
أراك تأخذ شيئًا من شريعته وتترك البعض تدوينًا وتهوينا
خذها جميعًا تجد خيرًا تفز به أو فاطّرحها وخذ رجس الشياطينا
اقرءوا سيرة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم, واستشعروا محبته دائمًا لكم لتتحقق محبتكم له, وتذكروا فضله بعد فضل خالقه جل وعلا بأن علَّم الأمة طريق الجنة ودلهم عليه, ولا تنسوا أن تصلوا عليه دائمًا ما حييتم.
الرسالة الثالثة:
اقرءوا في سيرة السلف الصالح, وانهلوا من مناهلهم العذبة, وتعلموا من حياتهم وتجاربهم, عندها تدركوا كيف استغلوا شبابهم بالطاعة والعبادة, وكيف اهتموا بأعمارهم بأن جعلوها وقفًا لخالقها تعالى, وكيف اعتنوا بأوقاتهم بأن سخروها لقراءة القرآن، وتعلم الحديث، وحضور مجالس الذكر ومجالسة الصالحين, فها هو علي رضي الله عنه يشهد المعارك كلها ما عدا تبوك، وهو أول من أسلم من الصبيان, وهذا معاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام, ويسبق العلماء يوم القيامة, وسفير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، يموت وعمره 32 عامًا, وذاك الشافعي يحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين, ويفتي الناس وهو دون العشرين عامًا, وابن حجر يؤلف الفتح وعمره 32 عامًا.
فأين أنتم من هؤلاء الشباب الأفذاذ، والذين رسموا عز أمتهم بين أمم الدنيا.
الرسالة الرابعة:
تذكروا نعم الله تعالى المتتالية عليكم, بأن جعلكم شبابًا أقوياء أصحاء, ومنحكم عقلًا تفكرون به, ورزقكم من عطائه ما يفيدكم ويعينكم على عبادته تعالى، فاتخذتموها عونًا لاتباع سبيل الشيطان, وأعنتم الشيطان على أنفسكم, ثم تأملوا فعلًا في شبابكم وهو أقوى مرحلة في عمركم تجدوا أن باستطاعتكم القيام بأمور ومهام سنّها لكم ربكم تعالى، وقد لا تستطيعوا فعلها في مراحل أخرى من مراحل عمركم، فلا صلاة ليل ولا ضحى, ولا متابعة للنوافل, ولا صيام في غير أيام رمضان, ولا طلب للعلم الشرعي, ولا اهتمام بالوالدين والأرحام, ولا مجاهدة للنفس والهوى والشيطان, وإن العاقل فعلًا يسأل نفسه: إذا لم أجتهد في عمل الصالحات والطاعات في شبابي فمتى أجتهد؟
الرسالة الخامسة:
احذروا من الشهوات التي تسقط بصاحبها, وتخلصوا منها إذا كنتم ممن أَسَرَتهم، واعلموا بأن أكثر ما تهاجمهم الشباب، وطهّروا فؤادكم من براثينها القذرة, واحرصوا على نظركم وسمعكم وجوارحكم من الحرام, واجعلوا من أنفسكم منارة للطهر يهتدي بها غيركم, وقدوة صالحة في مجتمعكم يقتدي بها من تحبه ويحبكم, ثم اعلموا بأن هذه الشهوات هي التي خدّرت همم شباب المسلمين في كل مكان, ونوّمت عزائمهم، فأصبح أولئك الشباب لقمة سائغة لمن يخطط لحربهم، ويسعى لقتل الإسلام الطاهر في قلوبهم.
الرسالة السادسة:
احذروا من الشبهات في الدين, ومن أولئك الذين يميّعون ثوابته ويهمشون أصوله، ولا يكون ذلك إلا بطلب العلم الشرعي, والسؤال عما خفي عنكم, وملازمة العلماء الصالحين, والدعاة المهتدين, وجِدوا في أن تكونوا نافعين لأنفسكم, ولا تنجرفوا وراء الدعاوى المغرضة, والعناوين الهدامة, وخذوا الكتاب بقوة, فإن دينكم دين التثبت والروية, ولا يحب الجهل والاستعجال, وأول ما يجب عليكم تعلمه كتاب الله تعالى، فـ «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»(3).
الرسالة السابعة:
أعينوا إخوانكم المسلمين في كل مكان بدعائكم لهم, فرب دعوة في جوف الليل يُفرج بها هم أو ينفس بها كرب, فإن أخًا لكم في الشرق يشكو الزلازل والأعاصير، وأخًا لكم في الغرب يشكو الفقر والجوع, وأخًا ثالثًا يشكو الاستبداد والاحتلال والظلم، فأين أنتم منهم, ولماذا تقاعستم عنهم وعن إعانتهم, هم لا يريدون منكم إلا أن تكونوا مستشعرين مآسيهم, حاسين بمعاناتهم، داعين لهم بالنصر على أعدائهم, والفرج من الضيق الذي يغشاهم, والكرب الذي يعتريهم.
الرسالة الثامنة:
احفظوا وقتكم حفظكم لأنفسكم, واعلموا بأنكم مسئولون عنه ومجازين به، وإني سائلكم لماذا أهدرتم وقتكم في الملاهي والألعاب؟, وأضعتم ساعاتكم في المناهي وصور الفساد؟ لماذا لم تستفيدوا من حياتكم التي تروها تذهب من بين أيديكم يومًا بعد يوم؟
إن ديننا دين العمل والإنتاجية، لا يعترف بالفراغ, ولا يحب البطالة, ولا يريد المنتمين له عالة على غيرهم, فقوموا الآن واعقدوا العزم بأن يكون وقتكم كله لله, وأن تكونوا ممن يخلد لهم مجدًا في حياتهم وقبل مماتهم، فالذكر بعد الموت عمر ثان.
الرسالة التاسعة:
تأكدوا بأن الموت قادم, وهو لا يعترف بكبير ولا صغير ولا بصحيح أو مريض, فاحذروا أن يأتيكم الموت وأنتم على جرم أو معصية, وإياكم من فجأته وأنتم بين الإثم والخطيئة, واعملوا على أن يكون ذكر الموت بصورة دائمة في مخيلتكم، وحبيبكم صلى الله عليه وسلم يقول: «أكثروا من ذكر هادم اللذات»(4)، واتعظوا ممن كانوا حولكم أحياءً في سرور وسعادة، وأصبحوا، بقدر الله، أمواتًا، يعلم الله حالهم تحت الجنادل والثرى, نعم، سنموت حتمًا ولن يبقى لنا إلا ما قدمنا, فالله الله في الاستعداد لهذا القادم {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون:115-116](5).
كم من الشباب اتخذوا أهواءهم مطية! ولبئس المطية مطية الهوى، أما رأيتم كيف ذم الله تعالى الهوى في كتابه العزيز؟! فقد قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23].
قال الحسن البصري رحمه الله: «هو المنافق لا يهوى شيئًا إلا ركبه»(6).
وكل امرئ يدري مواقع رشده ولكنه أعمى أسير هواه
يشير عليه الناصحون بجهدهم فيأبى قبول النصح وهو يراه
قال مالك بن دينار: «بئس العبد عبدٌ همه هواه وبطنه»(7).
يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: «اعلم أن مطلق الهوى يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في عاقبة، ويحث على نيل الشهوات عاجلًا، وإن كان سببًا للألم والأذى في العاجل، ومنع لذات في الآجل، فأما العاقل، فإنه ينهى نفسه عن لذة تُعَقِّبُ ألمًا، وشهوة تورث ندمًا، وكفى بهذا القدر مدحًا للعقل وذمًا للهوى، ألا ترى أن الطفل يؤثر ما يهوى، وإن أداه إلى التلف، فيفضل العاقل عليه بمنع نفسه من ذلك، وقد يقع التساوي بينهما في الميل بالهوى»(8).
ما أسعدكم يوم أن تصبحوا فتستقبلوا يومكم بطاعة لله تعالى، وتقتلوا هواكم يومها! فلكم أن تعدوا هذا اليوم من أيامكم الصالحة، التي ستنفعكم غدًا، إذا وقفتم أمام الله تعالى، فتحتاجون إلى الحسنة الواحدة، ولا تقفوا عند يوم واحد؛ بل فلتحرصوا أن تكون أيامكم كلها بيضًا، بيض الله وجهي ووجهكم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله، فإن كان عمله تبعًا لهواه فيومه يوم سوء، وإن كان هواه تبعًا لعمله فيومه يوم صالح»(9).
ومن البلاء وللبلاء علامة أن لا يرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواته والحر يشبع تارة ويجوع
ألا أخبركم عن أصل الداء وأصل الدواء؟ قال ابن السماك: «إن شئتَ أخبرتك بدائك، وإن شئتَ أخبرتك بدوائك؛ داؤك هواك، ودواؤك ترك هواك».
وجاء رجل إلى الحسن البصري فقال: «يا أبا سعيد، أي الجهاد أفضل؟ قال: جهادك هواك»(10).
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات»(11).
إنه شبابكم فلا تضيعوه، وحصنكم إذا ضعفتم فلا تهدموه، وانظروا إلى عواقب المعاصي والشهوات بعين بصيرة؛ تعلموا سوء بركتها وقلة خيرها، وضمنوها قلبكم، يقول الإمام ابن الجوزي: «فالعاقل من حفظ دينه ومروءته بترك الحرام، وحفظ قوته في الحلال؛ فأنفقها في طلب الفضائل من علم أو عمل، ولم يسعَ في إفناء وتشتيت قلبه في شيء لا تحسن عاقبته»(12).
أين أنتم من عواقب المعاصي؟! شقاء وجحيم يوم الحساب.
يا من غدا في الغي والتيه وغره طول تماديه
أملى لك الله فبارزته ولم تخف غب معاصيه
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «من استحوذت عليه الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق»(13).
اجعلوا مطيتكم طاعة ربكم تعالى تسعدوا في الدنيا، وتَفُوزوا بالدرجات العالية يوم يقوم الناس لرب العالمين، قال الحسن بن محمد الجريري: «أسرع المطايا إلى الجنة الزهد في الدنيا، وأسرع المطايا إلى النار حب الشهوات، فمن استوى على متن شهوة من الشهوات أسرع به القود إلى ما يكره».
إن لكل شيء منتهى، وإن توهم بعض الناس اللذة في شهوة من الشهوات فإن الإدمان يورث فقد حلاوة الشهوات.
يقول الإمام ابن الجوزي: «وليعلم العاقل أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذونها، وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها؛ لأنها قد صارت عندهم كالعيش الاضطراري»(14).
ها هي الشهوات قد أحاطت بكم، وها هي تبدو إلى ناظريك كأجمل ما يكون، قد تزينت لكم في ثياب شتى! وها أنتم تخبطتم خبط عشواء، وتتراموا إلى أحضانها دونما تروٍ أو تفكر.
إن شئتم أن تقصموا ظهر الشهوات فلن تقصموها بسلاح أقوى من الصبر؛ فهو عدوها اللدود، فلا تكونوا خوارًا ولا ضعفاء، فاضربوا الشهوات بعزيمة لا تلين، عندها تجنوا ثمار ذلك إيمانًا ويقيًنا تجدوه في قلبكم، قال إبراهيم القصار: «أضعف الخلق من ضعف عن رد شهوته، وأقوى الخلق من قوي على ردها».
فاصبروا وصابروا تنالوا النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان:12]، قال أبو سليمان الداراني: «صبروا عن الشهوات»، وقال يحيى بن معاذ: «حفت الجنة بالمكاره وأنت تكرهها، وحفت بالنار بالشهوات وأنت تطلبها، فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء؛ إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية، وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علة الضنى»(15).
قال الإمام ابن الجوزي: «لا يتمكن العشق إلا مع واقف جامد، فأما أرباب صعود الهمم فإنها كلما تخايلت ما توجبه المحبة فلاحت عيوبه لها، إما بالفكر فيه أو بالمخالطة، تسلت أنفسهم، وتعلقت بمطلوب آخر...، وعلى قدر النظر في العواقب يخف العشق عن قلب العاشق، وعلى قدر جمود الذهن يقوى القلق»(16).
لقد آن لكم أن تعتزوا بإسلامكم، وتفتخروا به بين العالمين، وترفعوا أصواتكم عالية، إننا مسلمون، ما أحلى تلك الكلمة إن خرجت من جوف صادق، وقلب نابض بالإيمان، فكونوا متشبهين بالصالحين إن لم تكونوا مثلهم في كل شيء.
ولست أبالي حين أقتل مسلمًا على أي جنب كان في الله مصرعي
نريدكم أن تكونوا من هؤلاء.
شباب مؤمن بالله يمضي وللإسلام يندفع اندفاعًا
ويعلنها بعزم إن دربي إلى الجنات يأخذني سراعًا
شباب لم تدنسه المعاصي ولم تتركه في الدنيا ضياعًا
أولئك هم شباب للمعالي لقد بعثوا لدنيانا شعاعًا
لما سبق بيانه كان على الشباب المسلم دورٌ مهم، وأعمال بالغة الأهمية؛ لينهضوا بأنفسهم تجاه ما يراد بهم، وليكونوا حرَّاسًا للدين تجاه ما يكاد به .
ويمكن أن نلخص ذلك الدور وتلك الأعمال فيما يلي:
العلم الشرعي:
قال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم».
فالعلم واجب شرعي على كل مسلم، ولا يمكن للجاهل أن يفهم دينه، ولا أن يدافع عنه في المحافل والمنتديات، والجاهل لا تستفيد منه أمته، ولا مدينته، ولا قريته، ولا أهله؛ فلذا كان على الشباب المسلم أن يسارعوا إلى حلقات العلم، في المساجد والمراكز الإسلامية، وأن يستثمروا نشاطهم وفراغهم في حفظ القرآن وقراءة الكتب .
الدعوة إلى الله وتعليم الناس:
قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] .
والدعوة والتعليم زكاة العلم، وواجب على من تعلَّم العلم الشرعي أن يبلغه لغيره، وأن يساهم في هداية الكفار إلى الإسلام، وهداية العصاة إلى الاستقامة .
الصبر على أذى الناس:
قال تعالى على لسان لقمان وهو يعظ ابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان:17] .
ولا بد، غالبًا، للداعية من أن يصاب بأذى قولي أو فعلي، ولا ينبغي لذلك أن يصده عن الاستمرار في الدعوة إلى الله، وليعلم أن الأنبياء والمرسلين قد أصابهم من ذلك الشيءُ الكثير، وهو يسير على هديهم وطريقهم، فليصبر وليحتسب .
الطاعة للأوامر والاجتناب للنواهي:
والشاب المسلم مطيع لربه تعالى، فلا يسمع أمرًا من الشرع إلا ويكون أول المستجيبين له، ولا نهيًا إلا ويكون أول المبتعدين عنه، وقد استحق مثل هذا الشاب الثواب الجزيل يوم القيامة في أن يكون في ظل عرش ربه تعالى، في وقت تدنو الشمس بلهيبها فوق رءوس الخلائق .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه...»(17) .
تزكية النفس:
ومما يحتاجه الشاب المسلم، ويجب علينا نصحه به، أن يجعل لنفسه نصيبًا من التزكية، فيجتهد على نفسه فيربيها على القيام بما يتيسر من العبادات النوافل؛ كقيام الليل، وصيام الأيام الفاضلة، وقراءة الأوراد والأذكار اليومية؛ فهي زاد الشاب للثبات على طريق الهداية، مع الالتزام بحفظ البصر عن المحرمات، وصيانة السمع عن المنكرات، وهكذا باقي جوارحه يجعلها مصونة عن ارتكاب ما يبغضه ربه، ولا يرضاه منها .
ومما يحرص عليه الشاب المسلم في هذا الباب إعفاف النفس؛ تنفيذًا للوصية النبوية منه صلى الله عليه وسلم حين خاطب الشباب فقال: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»(18)، والباءة: هي القدرة على تكاليف الزواج، من مهر ونفقة، والوجاء: الوقاية؛ لأن الصوم يكسر حدة الشهوة .
الالتفاف حول العلماء الثقات:
قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83].
والشاب المسلم لا توجهه عاطفته، ولا تقوده حماسته، إنما يسير على طريق الهداية بتوجيه العلماء الثقات، والشيوخ الكبار، ممن لهم علم واسع، وتجارب نافعة، فيهتدي بنصحهم، ويعمل بمشورتهم، ويُرجى أن يكون بعد ذلك أكثر نفعًا لأمته ودينه، ويكون أكثر حماية ممن يكيد بالشباب لصرفهم عن رسالة الحق، ونشر النور في الأرض .
أن يكونوا قدوة حسنة للناس:
وهذا هو حال طلاب العلم والدعاة إلى الله، فالشباب المسلم الذي يقوم على تعليم الناس ودعوتهم ليس له أن يخالف فعلُه قولَه؛ بل هو متحلٍّ بالفضائل التي يدعو إليها، وقائم بالطاعات التي يرغب الناسَ بها، وهو قدوة لغيره في الأمانة، والاستقامة، والصدق، والعفاف، وغير ذلك من الأخلاق الواجبة والفاضلة.
الاعتزاز بدينهم، وترك تقليد الكفار:
قال تعالى في هذه النقطة والتي قبلها: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ}، إلى قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة:4–6].
وأكثر من نراه اليوم في عالَم تقليد الكفار، في لباسهم وهيئاتهم وحركاتهم، هم طائفة الشباب، وللأسف؛ لذا كان من الدور المهم للشاب المسلم أن يكون فخورًا معتزًّا بدينه، لا يخجل من إظهار شعائره، ولا يتوارى من الناس حين يقوم بعبادة خالقه، وهو يبغض في قلبه الكافرَ وفعله، فلا يتشبه بهيئته، ولا بلباسه، وهو بهذا يكون قدوة لغيره من الشباب الذي انماع في قبائح الحضارة الغربية الكافرة .
الجهاد وبذل النفس في سبيل الله:
والأمة الإسلامية تحتاج لكل طاقة في الشباب المسلم؛ فلذا يبذل الشاب نفسه رخيصة في سبيل إعزاز دينه، فإذا ما غزا كافرٌ بلاد الإسلام سارع للذب عنها، والدفاع عن حرمات المسلمين، وإذا شُرِّدت العائلات قام على رعايتها، والعناية بها، وهو في كل ذلك جندي للإسلام، يُرَى حيث تكون الحاجة لنشاطه وقوته فيبذلها رخيصة لربه تعالى، وقدوته في ذلك الشباب المسلم من الصحابة الأجلاء؛ كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حين نام في فراش النبي ليلة الهجرة، وكعبد الله بن أبي بكر؛ حيث كان يستمع أخبار قريش، ويزوِّد بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر رضي الله عنه، وكأسامة بن زيد رضي الله عنهما، حين قاد جيشًا فيه كبار الصحابة رضي الله عنهم(19) .
ليعتبر كل فرد من أفراد أمة التوحيد والعقيدة هذا الدين خالصًا له من دون الناس، فإن الشاب المسلم إذا انشغل عن شهواته بمتابعة قضايا المسلمين ملأ وقته بالقضايا النافعة، وأصاب، بإذن الله، أجرًا عظيمًا، فنبينا صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»(20)(21).
***
_________________
(1) فتاوى الشيخ ابن باز (2/ 365).
(2) رسالة للشباب المسلم، شبكة الألوكة.
(3) أخرجه البخاري (5027).
(4) أخرجه ابن ماجه (4258).
(5) (10) رسائل للشباب، موقع: يا له من دين.
(6) ذم الهوى، ص17.
(7) المصدر السابق، ص23.
(8) الأخلاق الإسلامية (2/ 245).
(9) صفة الصفوة (1/ 243).
(10) غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (2/ 458).
(11) أخرجه مسلم (2822).
(12) صيد الخاطر، ص441.
(13) ذم الهوى، ص24.
(14) روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص470.
(15) صفة الصفوة (2/ 294).
(16) صيد الخاطر، ص120.
(17) أخرجه البخاري (660).
(18) أخرجه البخاري (1905).
(19) نصائح وتوجيهات للشباب المسلم تجاه نفسه ودينه وأمَّته، موقع: الإسلام سؤال وجواب.
(20) أخرجه مسلم (2586).
(21) رسالة إلى الشباب، ملتقى أهل الحديث.