يستحق الحفاوة ذلك التصريح الذى نشرته الصحف السودانية على لسان وزير الخارجية المصرى خاصا بإحياء فكرة المثلث الذهبى الذى يضم كلا من مصر والسودان وليبيا. بذات القدر فإننى أستغرب تجاهل الصحف المصرية لهذا الكلام الذى سجله الموقع الإلكترونى لجريدة «الشروق»، رغم أنه يطرح فكرة استراتيجية بالغة الأهمية، طالما ألح عليها الباحثون المهتمون بالشأن الاستراتيجى فى مصر، واعتبروا أن النجاح فى تحقيقها يمثل إحدى حلقات النهوض بالدول الثلاث، وربما بالمنطقة العربية بأسرها. 
لا أخفى أن الكلام كان مفاجئا أيضا من عدة نواح. ذلك أن أسبابا عدة أعطتنى انطباعا بأن دور وزارة الخارجية المصرية قد انكمش مع تراجع الدور المصرى فى المنطقة، وتولى أجهزة الأمن والمخابرات ملفات السياسة الخارجية. عزز هذا الانطباع أننا لا نكاد نرى حضورا يذكر لوزير الخارجية الحالى السيد محمد كامل عمرو. فى حين نلاحظ أن الذى يتحرك فى المنطقة ثلاثة وزراء آخرين أولهم الوزير السعودى وثانيهم القطرى وثالثهم التركى. لكن ما قاله الوزير المصرى صحح ذلك الانطباع بصورة جزئية، رغم أن الإعلام المصرى لم يأخذه على محمل الجد، حتى أزعم أن الوزير المصرى لو استطاع أن يحرك ملف المثلث الذهبى وينجز فيه شيئا، فإنه سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه. ولك أن تتخيل تكاملا بين مصر بإمكانياتها البشرية الكبيرة على كل المستويات، وليبيا بقدراتها النفطية ورقعتها الجغرافية الشاسعة، والسودان بإمكانياته الزراعية الضخمة وثروتها الحيوانية التى تحسد عليها. هذه العوامل إذا اجتمعت ووظفت لأجل رخاء شعوب الدول الثلاث، فلست أشك فى أنها يمكن أن تحدثا انقلابا استراتيجيا يغير من خرائط المنطقة وموازين القوة فيها.
 
من المصادفات ذات الدلالة أيضا أن يتواجد المشير محمد حسين طنطاوى فى ليبيا فى الوقت نفسه الذى كان فيه وزير الخارجية المصرى فى الخرطوم. ولست متأكدا من علاقة ذلك التزامن بإحياء فكرة المثلث الذهبى، وإن كنت أتمنى ذلك، لكن دعونا نتفاءل به ونعتبره ــ على الأقل من باب التمنى ــ تمهيدا للتقدم نحو تنفيذ الفكرة، يشجعنا على التفاؤل ان السيد محمد عمرو تحدث عن خطوات مرجوة للتكامل مع السودان، تمثلت فى إنجاز الطرق البرية بين شرق النيل وغربه، وعن إقامة مزارع تجريبية على مساحة مليون فدان.
 
لم نعرف الكثير عن نتائج زيارة المشير طنطاوى لليبيا، وإن كانت الصحف قد تحدثت عن تعاون مفترض فى مشروعات إعمار القطر الشقيق، وهو أمر يستحق التشجيع لا ريب، وإن كنت أتمنى أن يكون فى السياق الذى يستهدف إقامة المثلث الذهبى الذى يشكل حلما يستحق أن يحدب عليه الجميع.
 
وإذا جاز لى أن أكون أكثر صراحة فإننى لا أعرف بالضبط حدود ومعالم الرؤية الاستراتيجية لدى المجلس العسكرى، ولست مطمئنا إلى وضوح تلك الرؤية، سواء فى ظل الضغوط الدولية والعربية التى تريد لمصر الثورة أن تكون امتدادا لمرحلة مبارك، على الأقل فى مجال السياسة الخارجية، أو فى ظل انشغال المجلس العسكرى باستتباب الوضع الداخلى، على الأقل حتى تنتهى الفترة الانتقالية وتسلم السلطة إلى المدنيين بعد ستة أشهر. وقد يفهم فى ظل تأقيت مدة المجلس العسكرى إلا بفتح ملفات السياسة الخارجية بعيدة المدى. ولذلك رأينا أن الحكومة مهتمة بما هو عاجل بأكثر من اهتمامها بما هو استراتيجى وضرورى. وهو ما يضع على رأس الأولويات ملفى الاقتصاد والأمن الداخلى، وإذا كان وزير الخارجية قد قام بجولة أفريقية زار فيها دول أعالى النيل، فإن ذلك يظل تحركا وثيق الصلة بقضية الأمن المائى، التى تعد عاجلة واستراتيجية فى الوقت نفسه.
 
الموضوع الذى تطرق إليه وزير الخارجية السيد محمد عمرو أكبر مما نظن، ولن يتقدم السير فيه دون عقبات، لأن أطرافا عدة إقليمية ودولية لن يسعدها إقامة المثلث المنشود. وإذا تذكرنا كيف حوربت الوحدة بين مصر وسوريا، وكيف تم الاحتشاد ضد الوجود المصرى فى اليمن، حتى حارب بعض الإسرائيليين إلى جانب بعض العرب لإنهاك القوات المصرية وإخراجها ــ إذا تذكرنا كل ذلك فلنا أن نتوقع عقبات لا تخطر على البال لإجهاض ذلك الحلم ــ لكن ذلك شأن الأحلام الكبيرة دائما، التى لا تهدى إلى أصحابها، وإنما لابد من دفع ثمن باهظ لها.

 

 

المصدر: الشروق / بقلم : فهمي هويدي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 276 مشاهدة

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

720,105

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته