الإثنين 5 مارس 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة الشروق / بقلم : فهمي هويدي                     ما أن يلتقى المواطن المصرى بالشيخ سلطان القاسمى حاكم إمارة الشارقة فإنه لا يسأله فقط عما يجرى فى مصر. من ميدان التحرير إلى «هويس» إسنا، مرورا بميدانى الأربعين فى السويس والقائد إبراهيم فى الإسكندرية، وإنما يستعيد معه شريط ذكريات الستينيات التى قضاها فى البلد أثناء التحاقه بكلية الزراعة. من مقاهى شبرا إلى مطاعم الدقى وتجربته مع حارس العمارة التى سكنها الذى أقرضه يوما ما وأستاذه فى كلية الزراعة الذى احتضنه حتى أنساه أهله، على حد تعبيره. 

ذلك كله كامن فى خلفية الرجل الذى عرف مصر على حقيقتها، ولم يتخل عن وفائه لها حتى أصبح أحد «الناشطين» فى الحياة الثقافية المصرية، بإسهاماته العديدة، فى مساندة اتحاد الكتاب وإقامة مقر جديد لكل من دار الكتب والوثائق والجمعية التاريخية إضافة إلى تكفله بنفقات بناء وتجديد مكتبة كلية الزراعة ومعاملها. وتمثل أحدث إسهام له على ذلك الصعيد فى تعهده بإعادة بناء مقر المجمع العلمى المصرى الذى احترق، وإهدائه نسخة لديه من كتاب «وصف مصر» الذى كتبه مؤرخو الحملة الفرنسية فى القرن التاسع عشر. ولا ينسى أحد كلماته التى بثها التليفزيون حين أعلن عن إسهامه فى إعادة بناء المجمع العلمى وقال فيها إنه لا يمكن أن ينسى جمائل مصر التى احتضنت الجميع ورعتهم وعلمتهم. وكان مدرسوها هم من أوائل الذى حملوا شعلة المعرفة والتنوير فى منطقة الخليج. ولا تسأل عن تكلفة إسهاماته تلك، لأنها تجاوزت عشرات الملايين من الجنيهات.
 
حين استمعت إليه فى زيارتى الأخيرة للشارقة وقارنت خطابه ومواقفه بآخرين من النخب سواء فى دولة الإمارات العربية أو فى بقية إمارات الخليج، وجدت أن ثمة فرقا كبيرا فى الخطاب والإدراك، بين مسئول عرف حقيقة مصر وعاش بين أهلها ورآها فى أحد أزمنة حيويتها وعافيتها، وبين آخرين لم يعيشوا فى مصر وإنما ألحقوا بمدارس ومعاهد أوروبا وأمريكا. وأغلب الظن أنهم سمعوا بها فقط وربما شاهدوا بعضا من أفلامها ومسلسلاتها. ولم يصادفوا إلا ممثلين عن مصر المنكسرة والمهزومة. الأولون رأوا مصر التى تقود، والآخرون رأوا مصر التى سلمت قيادها لغيرها. لذلك لم يكن مفاجئا ولا غريبا ان تختلف مواقف الأولين عن الآخرين. وربما كان ذلك أحد أسباب الأزمة التى يعانى منها المصريون الآن فى بعض الدول الخليجية.
 
لست من أنصار توجيه الاتهام إلى الآخرين وإلقاء اللوم عليهم. كما أننى أحسب أنه من غير المروءة أو الشهامة أن يعير الآخرون بما قدمته إليهم مصر يوما ما، ناهيك عن أن ذلك ليس من شيم الكبار الذين ينهضون بمسئولياتهم تجاه غيرهم لأنهم يعتبرون أن مقامهم وريادتهم يقتضيان ذلك. وأزعم أن المشكلة تكمن فى مصر بالدرجة الأولى، إذ بوسعها أن تفرض احترامها على الآخرين باحترامها لشعبها وتقديمها للنموذج الذى يستحق الاحترام. وهو ما لم يحدث خلال العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل، التى تراجع فيها دور مصر بعدما تحولت إلى «سلطنة» تحكم فيها الرئيس السابق وحاشيته وأسرته. وصارت فى نهاية المطاف كنزا لإسرائيل، بعدما كانت رمزا لكبرياء العرب وتجسيدا لضميرهم وحلمهم.
 
إن بعض المسئولين المصريين يستحضرون التاريخ ويعتبرونه مسوغا كافيا لتبؤ مقعد القيادة والريادة. وكان الرئيس الأسبق أنور السادات دائم الإشارة إلى حكاية السبعة آلاف سنة التى هى عمر الحضارة المصرية، غير منتبه إلى أن حضور التاريخ فى النظر الراهن يقاس بمقدار تواصله واستمراره، أما إذا انقطع وانفصل الحاضر عن الماضى، فإن التاريخ يتحول إلى نصوص وروايات يتناقلها الدارسون ولا تبرح خزائن الكتب.
 
وإذ نقدر النخب من أمثال الدكتور سلطان، إلا أننا نعذر الآخرين الذين عرفوا مصر التليفزيونية أو السياسية ولم يعايشوا مصر الحقيقية. وأزعم أن الكرة لاتزال فى «ملعبنا» ــ كما يقال ــ وأكرر أن بوسعنا أن نجعل هؤلاء الآخرين يستعيدون احترامهم للبلد وأهله، وبوسعنا أن نجعلهم يتعاملون مع مصر من منطلق العطف أو الرثاء. وللأسف فإن وسائل الإعلام المصرية تروج لأسوأ ما فى مصر ما بعد الثورة، حين تبالغ فى تصوير ما يجرى، بدافع الإثارة حينا أو لتصفية الحسابات فى أحيان أخرى كثيرة، لذلك فإنها باتت تشكل عنصرا للطرد والتشاؤم، بأكثر من دورها فى الجذب والتفاؤل.
 
لقد قلت ذات مرة إن مصر «إذا مالت هانت» (كان ذلك عنوانا لإحدى مقالاتى قبل الثورة). ولأننا تجاوزنا سنوات الانكسار والهوان فبوسعنا أن نذكر بأنها إذا قامت فسيكون لا شأن آخر، لا أريد أن أتحدث عنه الآن، لأن مصر انتفضت فقط بعد الثورة، ولم يحن أوان قيامتها بعد

 

المصدر: الشروق / بقلم : فهمي هويدي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 366 مشاهدة

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

721,390

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته