تلوح فى فضاء المشرق إشارات تدعو إلى القلق، على العكس مما يسود المغرب من إرهاصات تبعث على الاستبشار والتفاؤل بالمستقبل، بعد التطورات التى حدثت فى تونس وليبيا والمغرب. آية ذلك أنك إذا مددت البصر صوب المشرق ستجد أن محنة الشعب السورى مستمرة منذ عشرة أشهر، لكنها فى الوقت الراهن أصبحت تكتسب بعدا جديدا. ذلك أن الصراع السياسى الذى بدأ بين المجتمع الذى يتوق إلى الحرية وبين السلطة المهيمنة منذ نحو أربعين عاما بصدد التحول الآن إلى صراع طائفى بين العلويين والسنة. إذ المعروف أن العلويين احتلوا موقعا متميزا فى مراكز السلطة ومراتب الثروة فى ظل حكم أسرة الأسد. ولم يعد سرا أن أغلب ضباط الجيش والأجهزة الأمنية ينتمون إلى تلك الطائفة. كما بات معلوما أن بعض العلويين أصبحوا يشكلون ركائز مهمة فى قطاعات الصناعة والتجارة. الأمر الذى يعنى أن النظام السورى حرص على أن يوسع طول الوقت من دائرة ارتباط مصالح الطائفة العلوية باستمراره فى السلطة. ورغم أن بعض الشخصيات العلوية انضمت إلى الحركة الوطنية وتجاوزت الحدود الطائفية، إلا أن هؤلاء ظلوا استثناء لا يغير من حقيقة التداخل بين مصالح الأغلبية العلوية وبين النظام الراهن. وسواء كانت بعض الأطراف العلوية هى التى تحركت دفاعا عن مكتسباتها أو أن السلطة كان لها دور فى تحريكها، فالشاهد أن العلويين والسنة أصبحوا فى مواجهة بعضهم البعض. على الأقل فى مدينة حمص ثالث أكبر المدن السورية التى يسكن السنة أحياء المدينة القديمة ويقطن العلوية فى الأحياء الجديدة. إذ أصبح الجانبان يتبادلان الخطف والقتل، حتى وصل معدل الجثث من الجانبين التى تصل إلى المستشفى العام للمدينة نحو 250 جثة فى المتوسط شهريا. 
هناك من يتحدث عن انضمام أعداد من العلويين إلى «الشبيحة» الذين يلاحقون المتظاهرين. والأخبار متواترة عن ميليشيات من شباب العلويين المسلحين أصبحت تطوف بقراهم بدعوى حماية الأهالى من هجمات السنة.
 
ثمة أحداث مشابهة تتفاعل الآن فى العراق الذى أيقظ الاحتلال الأمريكى المشاعر الطائفية فيه منذ لحظاته الأولى. وظلت تلك المشاعر تظهر وتخبو طوال السنوات الماضية، مما أدى إلى تقسيم الأحياء وإقامة الأسوار بين المناطق الشيعية والسنية. ولكن الأمر اختلف حين تم انسحاب القوات الأمريكية فى نهاية العام. إذ اختل الميزان بشدة وفوجئنا برئيس الوزراء ينقلب بسرعة على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمى ويتهمه بارتكاب بعض الجرائم. ويطالب بتقديمه إلى العدالة. تواكب ذلك مع إصرار من جانبه على قمع السنة واستفراد الشيعة بالسلطة، وهو التطور الذى حين انضاف إلى سلسلة الإجراءات الأخرى التى استهدفت إضعاف موقف أهل السنة، فإنه أفرز حالة من الاحتقان وأشاع قدرا من المرارة، ينذر بانفجار الموقف وإطلاق شرارة الحرب الأهلية، التى ظلت قوات الاحتلال تحول دون  تأجيجها حتى لا يحترق العراق بحضورهم.
 
مؤشرات التوتر تتصاعد هذه الأيام، بعدما أصبح أهل السنة فى موقف حرج للغاية، ذلك أن حكومة المالكى المدعومة من إيران تواصل الضغط عليهم وإقصاءهم (جهاز الشرطة كله من الشيعة حتى فى المناطق السنية خلافا لما اتفق عليه). وهم يحاولون اللجوء إلى الجامعة العربية للتحذير من مغبة استمرار تلك السياسة. إن الصراع فى ظاهره يبدو الآن اشتباكا بين كتلتى «العراقية» بزعامة اياد العلاوى «ودولة القانون» التى يتزعمها نورى المالكى رئيس الوزراء، لكنه فى جوهره يضمر انفجارا وشيكا بين السنة والشيعة.
 
على صعيد آخر فالمعلومات شحيحة عن أوضاع منطقة الخليج، لكننا قرأنا قبل أيام عن إعلان رسمى فى السعودية عن 23 اسما لشبان مطلوبين من أبناء المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية. وقد وجهت إليهم تهم مختلفة بينها إثارة الشغب، ومقاومة السلطات. وقرأنا قبل ذلك اختبارا عن محاكمة 16 شخصا فى جدة للقيام بأنشطة محظورة، وسجنهم لفترات تراوحت بين 5 و30 عاما، ومنعهم من السفر بعد ذلك لفترات تراوحت بين 20 و30 سنة، وقرأنا فى حيثيات إدانة المتهم الأول الذى لم يذكر اسمه ثبوت «خروجه على ولى الأمر ونزع يد الطاعة وإسقاط ما لولى الأمر من ولاية وطعنه فى انعقاد البيعة له، والقدح فى ذمة ولاة الأمر، وتأسيسه تنظيما مناوئا للدولة وتوجهاتها يهدف إلى إشاعة الفوضى والوصول إلى السلطة، وذلك بمشاركة بعض المدعى عليهم تحت غطاء النصيحة والحرية والإصلاح والديمقراطية، والطعن فى عقيدة علماء هذه البلاد المعتبرين وفى ذمتهم والتنقص منهم ومحاولة صرف العامة عنهم». وهى الحيثيات التى شكلت المحور الأساسى لإدانة بقية المتهمين الذين نسبت إليهم الدعوة لفكر تنظيم القاعدة وإشاعة الإرهاب فى المملكة.
 
ثمة صدى آخر لهذه التوترات فى البحرين التى لم يهدأ فيها التوتر بين الشيعة والسنة. إلا خلال فترة قصيرة، عاد بعدها التصعيد خلال الأيام القليلة الماضية، الأمر الذى يعنى أن أسباب الاحتقان لاتزال قائمة، وان الأمل فى التعايش السلمى المنشود لايزال بعيد المنال.
 
إن سحابات الخريف الداكنة لم تنقشع بعد من المشرق.

 

 

المصدر: الشروق / بقلم : فهمي هويدي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 256 مشاهدة

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

756,880

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته