ونحن ندرس فى كلية الحقوق تعلمنا ان المسئولية الجنائية فى القانون المصرى تقوم بكل فعل من شأنه أن يحدث الجريمة. فإذا كان الفعل الايجابى وهو الصورة الغالبة فى الحياة العملية، إلا أن ذلك لا ينفى أن هذه المسئولية تقوم كذلك بأى فعل سلبى من شأنه أن يحدث النتيجة ذاتها. ففى جريمة القتل العمد يسأل عنها من يطلق الرصاص على المجنى عليه إذا اتخذ نشاطه صورة الفعل الإيجابى، كما يسأل من يتخذ فعلا سلبيا كذلك عنها، ومثال ذلك الأم التى تمتنع عن ارضاع وليدها أو السجان الذى يمتنع عن إطعام المسجونين حتى الموت، أو الإطفائى الذى يمتنع عن انقاذ خصمه من الموت حرقا.
إلا أن أساس قيام المسئولية بالفعل السلبى هو ثبوت وجود تكليف قانونى أو عقدى بالقيام بالفعل الذى امتنع عنه. فهذا التكليف هو الذى يوجب تدخل الفاعل السلبى للحيلولة دون وقوع الجريمة، فإذا أخل بهذا التكليف كان قعوده يعادل الفعل الايجابى، ويرتب ذات الأثر الذى يرتبه، فالتزام السجان بالحفاظ على حياة المسجون والتزام الأم بحفظ حياة ابنها فى حضانتها هو أساس هذه المسئولية الجنائية.
فى ضوء ذلك يثور البحث حول ما إذا كان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الداخلية ملتزمين بالحفاظ على حياة المتظاهرين ومنع وقوع أى اعتداء على أرواحهم، وما إذا كان قعودهم عن التدخل لانقاذهم يشكل جريمة قتل عمد أو ضرب أو خلافه؟ وهو التساؤل الذى يثير مسألتين هما: هل يختص الرئيس أو الوزير حقا بالحفاظ على أرواح الشعب والمتظاهرين على وجه الخصوص. وهل يعد هذا الاختصاص من قبيل التكليفات أو الواجبات القانونية التى يلتزم بها بموجب وظيفته.. ثم هل علم الرئيس أو الوزير بالاعتداء الواقع على أفراد الشعب أو المتظاهرين وامتنع عن اتخاذ أى إجراءات لمنع وقوع الجريمة؟ وذلك على فرض أن مقدوره التدخل لممارسة هذا الاختصاص من الناحية الواقعية.
إن صريح نصوص الدستور الذى كان معمولا به إبان أحداث الثورة يكلف كل مسئول عن أمن الوطن سواء أكان رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو وزير الداخلية، أو حتى قيادات الداخلية التى كانت مخولة فى التصرف بالحفاظ على حياة وأرواح المواطنين، بأن يتخذ من الإجراءات ما يكفل ذا الهدف. وإلا كان كل منهم مسئولا فى حدود قصده أو خطئه ــ بحسب الأحوال ــ عن أثر الامتناع الذى سبب موتا أو إصابة لأى مواطن. بعبارة أخرى فإن عنصر التكليف القانونى قائم بلا ريب فى حق كل منهم ويتعين بمقتضاه أن يبذل من المجهود ما يحقق الحفاظ على حياة الأفراد وسلامتهم.
بقى بعد ذلك، أن تتولى سلطة التحقيق والمحاكمة الوقوف من الوقائع الثابتة لديها على علم الرئيس أو الوزير أو المسئول أيا كان بوقوع الاعتداء على الحياة الخاصة أو السلامة البدنية، وثبوت قعودهم عن واجبهم الوظيفى. ويختلف موقف المسئول هنا فى تحديد مسئوليته، فهو إن قاده الإهمال وعدم المبالاة إلى هذا القعود سئل عن جريمة غير عمدية، أما إذا تعمد القعود بالفعل سئل عن جريمة عمدية، وإذا كان قعوده العمدى قصد به التمكين للمعتدى من بلوغ غايته فى القتل أو الإصابة سئل عن النتيجة التى وقعت جراء ذلك.
تلقيت أكثر من رسالة من أهل القانون نبهت إلى هذه الخلفية المهمة، منها رسالة من الأستاذ مدحت أبوالفضل المحامى، تمنى فيها على المدعين العامين بالحق المدنى فى محاكمة الرئيس السابق ووزير الداخلية وأعوانه أن يقدموا دفاعا احتياطيا يستند على فكرة إنه كما يحدث القتل أو الاشتراك فيه نتيجة فعل ايجابى فإنه يمكن أن يحدث بطريق الامتناع، وذلك إذا ما كان على الممتنع التزام قانونى بالتدخل لإنقاذ حياة المجنى عليه. لان من يترك متعمدا نتيجة معينة تتحقق لانه يريد تحقيقها، مع انه كان بمقدوره منعها بالتدخل لدى الفاعل. فإنه يكون متسببا فيها، طالما أن هذا المنع مقرر بموجب التزام قانونى فى حقه. بمعنى آخر فإنه إذا ما كان من الممكن تفادى مقتل المجنى عليه لو تدخل الشخص فى الوقت المناسب، فإن ذلك يوفر رابطة السببية بين الأمرين طالما كان هناك التزام قانونى يلزمه بهذا التدخل. وهو ما فصله وأفاض فيه الدكتور محمود نجيب حسنى أستاذ القانون الجنائى. فى مؤلفه «علاقة السببية فى قانون العقوبات» (ص398 وما بعدها).
ان تهمة القتل ثابتة بحق الرئيس السابق ووزير داخليته وأعوانه، حتى لو انكروا إصدار أوامرهم بذلك، لأن عدم إصدارهم الأوامر بإيقاف القتل جريمة تدينهم أيضا.
ساحة النقاش