هل نفهم أن الدول النفطية العربية تريد أن تعاقب مصر أو تضغط عليها بسبب ثورة الشعب فى 25 يناير؟ ــ هذا السؤال يفرض نفسه بعد إعلان وزيرة التعاون الدولى أنه خلال الأشهر العشرة الأخيرة فإن جملة ما تلقته مصر من معونات واستثمارات عربية لم يتجاوز مليار دولار، فى حين أنها كانت قد وعدت بثمانية مليارات و200 مليون دولار. علما بأن أحدا لا يستطيع أن يقول بأن تلك الدول «الشقيقة» تعانى من أية أزمة، لأن فوائضها المالية تقدر بما لا يقل عن تريليون و500 مليار دولار. وإحدى هذه الدول التى لم تقدم دولارا واحدا لمصر لها فوائض بحدود 800 مليار دولار، وقد منحها النظام السابق أراضى شاسعة فى مصر، تم شراؤها بعشرات الجنيهات للفدان الواحد، وبيعت بعدة ملايين.
المعلومات المتوافرة تقول إن المليار دولار التى تلقتها مصر بعد الثورة، نصفها من السعودية ونصفها الثانى من قطر. أما الكويت ودولة الإمارات العربية فقد نقلتا إلى المسئولين المصريين رصيدا لا بأس به من المشاعر الطيبة والدافئة، لكنها لم تترجم إلى مساندة عملية، رمزية أو غير رمزية. والجملة الأخيرة ليست من عندى لكنى سمعتها من مسئول مصرى كبير بعدما التقى نظيرا كويتيا له، كان تلميذا له يوما ما. وحين سألته عن نتيجة اللقاء كان رده على النحو الذى ذكرت.
ليس بوسع أحد أن يدعى بأنه لا يعلم بتدهور الوضع الاقتصادى فى مصر بعد الثورة، حيث توقفت السياحة وهربت الاستثمارات وأدى الانفلات الأمنى إلى توقف عجلة الإنتاج. إلى غير ذلك من الأعراض الطبيعية التى تحدث بعد أى ثورة تسقط نظاما وتتطلع إلى إقامة نظام جديد. وليس بوسع أحد أن يدعى أنه لا يعلم بأن البنية الأساسية للصناعة المصرية من الضخامة والقوة بمكان، وأن نقص السيولة النقدية هو الذى يضعف من قدرتها على الانطلاق.
لست أشك فى أن وقائع المشهد وتفاصيله معلومة لدى جميع «الأشقاء»، لكنهم يقفون متفرجين على الأزمة الاقتصادية المصرية وهى تشتد يوما بعد يوم، والاحتياطى النقدى للبلاد يتآكل يوما بعد يوم.
لا يخفى المرء شعوره بالخزى حين يقرأ أن الرئيس الإسرائيلى شمعون بيريز ناقش مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما، كيفية مساعدة مصر اقتصاديا. وسواء كان الخبر الذى نشرته الصحف بهذا الصدد للدعاية والغواية فقط أم أن الرئيس الإسرائىلى كان جادا فى مسعاه، فإن أول ما يخطر على بال المرء حين يقرؤه السؤال التالى: لماذا لم تفكر الدول «الشقيقة» فى مناقشة الموضوع فيما بينها؟
لقد رأينا دول الاتحاد الأوروبى وهى تجتمع لبحث الأزمة الاقتصادية فى مسئولية اليونان وفى إيطاليا، لكننا لم نسمع أن محفلا عربيا على أى مستوى حاول أن يناقش الدور العربى فى مواجهة الأزمة الاقتصادية المصرية. ليس فى بالى أن أشير إلى ما قدمته مصر إلى «الأشقاء»، لأننى أزعم أن ذلك كان واجبا أدته إزاء اشقائها. لكننى لا أجد غضاضة فى التذكير بأن «الشقيقة الكبرى» لها حقوق على الآخرين تختبر فى أوقات الأزمات، ذلك أنه إذا قيل إن الصديق يعرف فى وقت الضيق. فإن الشقيق أولى بذلك وأجدر.
أدرى أن بعض الدول النفطية لم تكن سعيدة بالثورة المصرية. ومنها من منع الاشارة إلى الموضوع فى وسائل الإعلام المحلية والرسمية، حتى إن إحدى الصحف الخليجية التى تنشر مقالاتى الأسبوعية منذ عشرين عاما أضطرت إلى الامتناع عن نشر كل ما كتبته فى الموضوع خلال الأشهر الماضية. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن أوضاع العاملين المصريين فى تلك البلدان تأثرت بحالة عدم الرضى، فأنهيت عقود البعض وجرى التضييق على المصريين فى التعيينات وتأشيرات الدخول.
لم أفهم لماذا يعاقب الشعب المصرى على ثورته على الفساد الذى حل بالبلد وبالظلم الذى عانى منه. ولماذا يؤثر البعض أن يتعاملوا مع نظام فاسد ومستبد، فى حين يعرض عن مساندة الشرفاء والأحرار الذين ثاروا على ذلك النظام. قيل فى ذلك أيضا أن عددا من رعايا بعض الدول الخليجية ــ لا يزيدون على أصابع اليد الواحدة ــ لوحقوا قضائيا فى مصر بعد الثورة، لسبب أو آخر. لكننى أتصور أن العلاقات الاستراتيجية بين الأشقاء لا ينبغى أن تتأثر بمثل هذه الأمور، علما بأنها ليست مستعصية على التسوية.
ما يحيرنى فى الأمر أن الجامعة العربية فرضت بعض العقوبات الاقتصادية على سوريا فى حين لم تلاحظ أن فى مصر أزمة اقتصادية تتطلب القيام «بواجب ما». وعندما حاولت تفسير التقاعس عن أداء ذلك الواجب سمعت صوتا للنفس الأمارة بالسوء يقول إن تلك كانت حدود التعليمات التى صدرت من «أولى الأمر»، وحين قرأت فى صحيفة «الأهرام» يوم أمس (الثلاثاء 13/12) أن مستثمرين إيرانيين سينفذون مشروعات بالصعيد بقيمة خمسة مليارات جنيه، فإننى لم أستغرب ذلك لأن إيران دولة تمردت على التعليمات منذ انطلاق ثورتها.
ساحة النقاش