مصر لن تدير خدها الأيمن 
 لم يكن أحد يتوقع أن تتخذ الإدارة الأمريكية موقفا متوازنا إزاء التصعيد العسكرى الإسرائيلى على الحدود المشتركة مع مصر نتيجة التوتر الذى شهدته منطقة الحدود مع غزة، وأدى إلى استشهاد عدد من قوات الأمن المصريين.. وبدلا من أن تدين واشنطن العدوان الإسرائيلى وتطالبها بضبط النفس ووقف الغارات على الأراضى الفلسطينية، طالبت هيلارى كلينتون مصر بالعمل على الحفاظ على أمن حدودها مع إسرائيل. واقترحت أن يصدر مجلس الأمن مشروع بيان يدين الاعتداءات الإرهابية جنوبى إسرائيل، دون إشارة إلى التصعيد العسكرى الإسرائيلى والغارات الليلية المتعاقبة على قطاع غزة أو إدانة الأنشطة الاستيطانية التى تسببت فى الهجمات التى شنتها المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة على حافلتين إسرائيليتين فى إيلات.. ولكن لبنان اعترض على المشروع فحال دون صدوره من مجلس الأمن.. مما أثار حنق أمريكا!
لأول مرة منذ سنوات عديدة، وعلى وجه التحديد منذ رحيل الرئيس السابق عن السلطة وانتهاء مرحلة العلاقات الخاصة التى ربطت بينه وبين قادة إسرائيل.. تفكر مصر فى الرد على انتهاك كرامتها بطلب اعتذار وإجراء تحقيق واستدعاء السفير فى تل أبيب.. ثم تتراجع عن كل ذلك. ولا يدرى أحد ماذا سيحدث بعدها؟ وجاء القرار الشعبى بمحاصرة السفارة أقوى رد على تذبذب الحكومة وضعف موقفها!
وإذا كانت تسيبى ليفنى وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، قد وصفت الحدود المصرية الإسرائيلية بأنها لم تعد حدود سلام كما كانت فى عهد مبارك، فالأولى أن يقال إنها لن تصبح حدود سلام إلا إذا اعترفت إسرائيل بالحقوق الفلسطينية وأوقفت عمليات الاستيطان والاعتداء المنظم على المدنيين الفلسطينيين. وهو ما يعنى أن مرحلة جديدة من السياسات الأمنية فى التعامل مع إسرائيل أصبحت ضرورة ملحة، بحيث لا يكون تطبيق اتفاقيات كامب ديفيد لحساب إسرائيل ولمصلحتها، على حساب مصر ومصالحها.. وأن تتوقف مصر عن إدارة خدها الأيمن إذا تعرض خدها الأيسر للصفع من إسرائيل.
بعض الآراء ذهبت إلى أن انفجار الموقف على الحدود مع إسرائيل، وانشغال القوات المسلحة باحتمالات المواجهة، يصبح مبررا للمطالبة بعودة الجيش إلى ثكناته والتفرغ للدفاع عن أمن الوطن.
وهى حجج لا تزيد الموقف إلا اشتعالا وإضعافا للجبهة الداخلية بما يعرقل مسار الإصلاح. والأقرب للمنطق هو أن يكون ما يحدث على الحدود فى سيناء ومع غزة، دافعا لإيقاظ وعى المتحمسين لميدان التحرير بأن الأمن الداخلى جزء لا يتجزأ من الأمن الخارجى. وأن إسرائيل تحاول استغلال ما تعتقد أنه فراغ أمنى أو سياسى للتغطية على مشاكلها الداخلية.
وهو ما يقودنا إلى الحديث عن العمليات التخريبية التى تجرى فى سيناء، وتعرضت فيها العريش ورفح لهجمات عناصر غريبة.. وهى خليط من البدو والفلسطينيين. فقد ادعت إسرائيل أن الهجمات التى تتعرض لها تأتى من غزة عن طريق سيناء. وأن مصر غير قادرة بالتالى على السيطرة على هذه المناطق وتأمينها. متناسية أن إسرائيل هى التى لم تتوقف عن قصف الأراضى الفلسطينية.
من الواضح أن المنطقة تمر بإعصار سياسى حاد.. فالوضع فى سوريا يزداد اضطرابا وغموضا.. والضغوط التى يتعرض لها حزب الله فى لبنان للاعتراف بدور فى اغتيال الحريرى.. والأوضاع القلقة للفلسطينيين فى غزة وسوريا تثير كثيرا من التكهنات حول العلاقة بين ما يجرى فى سيناء وأصابع أجنبية من خارجها! بقصد إحداث حالة من الفوضى فى المنطقة تضع حدا لما يسمى بالربيع العربى!
هناك من يتهم حزب الله وإيران بتدريب وتمويل العمليات فى سيناء للفت الأنظار عن الأزمة الخانقة التى يمر بها النظام السورى. ولكن ليس من المستبعد أن يكون لإسرائيل دور فيها، بهدف التشويش على المساعى الفلسطينية والحيلولة دون إثارة قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية فى الأمم المتحدة، وهو مشروع القرار الذى تنوى حكومة عباس التقدم به فى سبتمبر، وتسعى لتجميع الصفوف وكسب التأييد الدولى له.
ولكن ما ينبغى أن نهيئ له أنفسنا فى ضوء رفض إسرائيل الاعتذار عن العدوان الذى ارتكبته فى سيناء ضد قوات الأمن المصرية، وتمسكها بموقفها ـ كما فعلت مع ضحايا السفينة التركية ـ هو العمل على انتهاج سياسة أمنية مختلفة إزاء إسرائيل.. ولدى مصر أوراق عديدة فى هذا الصدد!

المصدر: الشروق / بقلم: سلامة أحمد سلامة
  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 246 مشاهدة

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

721,914

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته