العسلية لا تزال فى جيبى
عاتبنى القارئ الجميل حسين على لأننى عاتبت فى تصريح على موقع «الشروق» أحزاب ما بعد 25 يناير على غيابها عن جمعة القصاص للشهداء امس الأول، وأرسل لى صورتنا معا وهو ممسك بكمية من العسلية أهدانى منها واحدة وقال ساخرا إنها ليست عسلية بل أصابع ديناميت مادام الخطاب الرسمى يرى فى الذين تظاهروا من أجل الشهداء مجموعة من البلطجية المسلحين.
ومن هذا المكان أقر وأعترف أمام الجميع أننى بالفعل حصلت على «العسلية» واستخدمتها فى قلب الميدان بأن التهمتها كاملة، وهو ما يستوجب الشكر أولا لمن قدمها لى، والاعتذار له ثانيا عما حدث من سوء فهم فيما يتعلق بعدم وجود الأحزاب الجديدة فى الميدان، ذلك أننى لم أنكر على الإطلاق ان أعضاء من شباب هذه الأحزاب تواجدوا فى مظاهرة الجمعة، لكن كأفراد، كانوا سيحضرون سواء هم أعضاء فى هذه الأحزاب أم لا.
وما قصدته أن مجموعة من الأحزاب كانت قد أعلنت قبل الجمعة أنها ستشارك فى المظاهرات، غير أن هذه الأحزاب لم تظهر، وإن حضر أفراد منها، خصوصا من الشباب، وهو ما اعتبرته أمرا لا يليق بجلال ومهابة الشعار الذى وجهت الدعوة للمشاركة على أساسه وهو «القصاص للشهداء ومحاكمة القتلة».
وربما كان لهذه الأحزاب وبقية القوى التى تخلفت عن هذا اليوم المشهود منطق واعتبارات تتعلق بأن الدعوة له جاءت على عجل وبشكل مباغت، بما لم يسمح بالحشد اللازم له، ومن ثم ارتأت الانتظار إلى الجمعة المقررة قبلا وهى جمعة 8 يوليو.
لكن المضحك فى الأمر أن كثيرا من الصحف ووسائل الإعلام تعاملت بابتهاج شديد مع أعداد الذين شاركوا فى جمعة الشهداء، وخرجت فى قمة السرور والحبور وهى تبرز بعناوين حمراء فاقع لونها محدودية الأعداد التى لبت نداء القصاص للشهداء، بما بدا معه وكأن هذه الصحف تزف لقرائها بشرى انتصار، ولولا بقية من خجل لقالت إن هذه المشاركة «المحدودة الضعيفة المتدنية الهزيلة» جاءت على هذا النحو بفضل السياسة الحكيمة للمجلس العسكرى، على المنوال ذاته الذى كان ينسج عليه أسلافهم مع الرئيس المخلوع.
وقد ظهر لكل ذى بصر وبصيرة أن جمعة القصاص جاءت تعبيرا عن شعور يتنامى لدى قطاع من المصريين بأن هذه الثورة صارت مثل اليتيم على موائد بعضهم، وليس أدل على ذلك مما يحدث مع شهدائها ومصابيها، الذين هم جوهرة هذه الملحمة الشعبية المجيدة، وبالتالى عندما يهان هؤلاء ويتسولون القصاص والعلاج يكون هناك شىء ما خطأ وخطر يتربص بمسيرة الثورة كلها.
إن كل ما حصل عليه الشهداء والمصابون وأسرهم بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الثورة هو قرار بإنشاء صندوق، لم يدخل حيز التنفيذ بعد، فيما كانت أبسط قواعد المنطق والالتزام الأخلاقى تجاه هذه الثورة تقتضى أن يكون إنشاء مثل هذا الصندوق فى اليوم التالى لسقوط مبارك مباشرة.
وعليه فإننى أتفق مع البيان الصادر من الجمعية الوطنية للتغيير للدعوة إلى مليونية 8 يوليو وخصوصا حين يقول لنستقبل جميعا قبلة مصرنا الحبيبة، فوقت حصد المغانم والمكاسب لم يحن بعد.. ومازال الوطن بحاجة إلى شعار الثورة الخالد «إيد واحدة».
ولصديقى المعاتب أعلاه أقول «العسلية لا تزال فى جيبى».
ساحة النقاش