ماذا يشغل الفقراء الآن؟     

 باستثناء الجدل حول الدستور، ومن هى القوى التى ستضعه وكيف ومتى؟ فإن كل المعارك والقضايا التى ننشغل بها ــ مع كل التقدير لها ولأصحابها ــ تبدو فرعية وهامشية، وأخشى أن يكون ذلك مقصودا.

فى تقديرى الشخصى المتواضع فإن المعركة أو القضية التى ينبغى أن تستحوذ على معظم تفكيرنا هى أى النماذج الاقتصادية سوف تسود فى الفترة المقبلة.

تخيلو لو وضعنا أفضل دستور عصرى تقدمى، لكن القوى السياسية التى ستهيمن على السلطة المقبلة ستعيد إنتاج نفس النموذج الاقتصادى الذى كان سائدا أيام حسنى مبارك مع بعض التحسينات الشكلية مع تغيير كل الوجوه بالطبع.. لو حدث ذلك هل سيشعر غالبية المصريين أن الثورة قد قامت؟!.

للأسف فإن الثورة لا تعنى الدستور أو تداول السلطة أو حتى الديمقراطية لدى فئات عديدة من الشعب ــ رغم أن ذلك خطأ بالطبع ــ لأن الذى يشغل هذه الفئات التى عانت حرمانا طويلا هو حياتها المعيشية البائسة من تعليم متخلف وخدمات صحية متردية وتلوث وبطالة متفشية أو أجور ضئيلة، وفقر مدقع نرى مظاهره المتنوعة كل لحظة.

مثل هذه الفئات ــ وأظن أنها تزيد على نصف المجتمع ــ ساهمت فى الثورة، ورحبت بها نظرا لأنها هى التى دفعت أثمان العهد البائد، لكنها ستنتظر الآن بفارغ الصبر كيف ستسهم الثورة فى تغيير حياتها.

جزء كبير من هذه الفئات بدأ يشعر بالضجر وهو يرى المعارك السياسية والملاسنات الكلامية بين القوى التى ساهمت فى نجاح الثورة.

هذه الفئات لا تملك ترف الدخول فى معارك من عينة تلك التى تخوضها بغرابة شديدة ائتلافات الثورة «المصنوعة»، ولا يشغلها من يحكم الرياضة المصرية الآ: وهل هم أبناء الثورة أم الفلول؟ لا يشغلها أيضا من هو الأصح: الإخوان أم الليبراليون؟! وهل السلفيون متطرفون أم معتدلون وهل قرارات المجلس الأعلى بطيئة أن سريعة، وهل المتهم الإسرائيلى بالتجسس التقط صورا مع خمسين ألف أم مائة ألف مصرى فى ميدان التحرير؟!.

كل هذه المعارك لا تشغل كثير من المصريين.. الذى يشغلهم هو كيف ستكون حياته وحياة أسرته فى الغد، وكم سيبلغ مرتبه، وهل يستطيع أن يضمن تعليما جيدا، ومستشفى مؤهلا، وبنية أساسية سليمة أم لا؟!.

من دون القضاء على الفقر، وإعطاء فقراء هذا الوطن الأمل فى غد مشرق، ستذهب الثورة أدراج الرياح، حتى لو كان لدينا أفضل دستور.

لا قيمة لوجود ألف حزب ومليون ائتلاف ومليار جمعية مجتمع مدنى، إذا لم تكن هناك سياسات وقوانين تقود إلى العدالة الاجتماعية فى هذا الوطن.

هذه العدالة الاجتماعية لن تتحقق من دون وجود قوى سياسية تؤمن بها وتدافع عنها وتحاول فرضها عبر سياسات وقرارات وبرامج.

الملاحظة المبدئية لخريطة القوى السياسية الأعلى صوتا على الساحة الآن أن غالبيتها تنتمى إلى «اليمين» بشقيه السياسى والاقتصادى والدينى، ومعظمها يتحدث عن الحرية والديمقراطية ــ وهذا شىء جيد جدا ــ لكنها لم تتحدث بنفس نبرة الصوت عن برامج محددة لتحقيق العدالة الاجتماعية.

النموذج الاقتصادى الذى سيتم اعتماده قريبا هو الذى سيحدد شكل الحياة فى السنوات المقبلة، وهو إما أن يكون نموذجا يلبى طموحات غالبية أفراد الشعب أو تكرارا لنماذج قديمة تعيد إنتاج ثورة جديدة.

 

 

المصدر: الشروق المصرية / بقلم : عمادالدين حسين

التحميلات المرفقة

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 216 مشاهدة
نشرت فى 28 يونيو 2011 بواسطة TAHAGIBBA

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

755,665

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته