كان 'دوني' يقف في أحد ميادين القاهرة عندما لفت انتباهه، وهو المهتم بكل تفاصيل الحياة المصرية عدد كبير من سيارات الميكروباص يخرج أحد ركابها يده من النافذة ويشير بإصبعيه بعلامة النصر.

وبعد جولة له في عدد من الميادين وجد أن هذه الحالة موجودة بكثرة.

هرش 'دوني' رأسه وكأنه يتذكر 'أوه.. احنا في شهر سبتمبر وأكيد الناس دول متأثرين بمشروع الديمقراطية الأمريكية في المنطقة وبيشاركونا انتصارنا علي الديكتاتورية في أفغانستان والعراق'.

بسرعة أمسك 'دوني' بالهاتف المحمول وطلب رقما وهو في حالة نشوة قائلا:

هاللو.. صباح الخير مستر بريزيدنت معاك 'دوني' من القاهرة.. أحب أبشرك بأن مقولة سيادتكم إن مصر هي الجائزة الكبري ومشروعاتنا لنشر الديمقراطية حققت نجاحات هايلة

اوباما علي الطرف الآخر: صحيح يا 'دوني'.. نفسي من زمان أسمع خبر كويس بدل الأخبار الطين اللي نازلة ترف فوق دماغي.. وجنود الامبراطورية الأمريكية بقوا زي فيران المجاري.. وبدل ما ننشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير رحت أنشرها في (ميانمار).. يا 'دوني' شفت الوكسة.. أنا خايف مالقيش حاجة أنشرها أبقي أنشر الملابس الداخلية بليز 'دوني'.. اعمل حاجة. 

'دوني' في ثقة: يا مستر بريزيدنت الميكروباصات اللي مليانة ناس وبترفع علامة النصر دي كتير جدا وبمعرفتي بثقافة الميدل إيست فيه واحد بيقول (السابع مكرم) وبدراستي للموضوع اكتشفت وده في حكم المعلومة اعتمدت فيها علي تقارير من أقوي جهاز مخابرات في العالم وهو ال 'سي. آي. إيه'- أن كلمة السابع دي معناها أن مصر رقم سبعة في مشروع نشر الديمقراطية لأنها الجائزة الكبري، ومكرم دي مرتبطة بجامع قريب من السفارة الأمريكية اسمه (عمر مكرم) وده هيكون مكان انطلاق الثورة.. وبالمناسبة أنا اخترت لها اللون الوردي علشان بيهدي أعصابي ونسميها الثورة الوردية.. بعد البرتقالية في أوربا الشرقية. 

اوباما: يا 'دوني' اختار أي لون بس حاول تعمل أي حركة.. الانتخابات قربت والديمقراطيين أسنانهم حامية.. وأنا شكلي بقي عفش قوي. 

'دوني': طيب أنا رصدت للمهمة دي ٠٥ مليون دولار لدعم مشروع اطلقت عليه مبادرة القرن لنشر ثقافة (السابع. . مكرم). 

اوباما: المبلغ حالا هيكون تحت تصرفك وأنا هاعمل مؤتمر صحفي بكره. 

ذهب 'دوني' إلي السفارة واتصل بعناصر اللوبي الصهيوني ومراكز ال(Think Tanks) ومراكز دراسات الشرق الأوسط والأدني ومؤسسات دعم الديمقراطية وفي الصباح كان بوش يعقد مؤتمرا صحفيا في البيت الأبيض وهو يشعر بالفرح قائلا: 'إن النظام المصري يجب أن يستجيب لنداءات الديمقراطية.. إن مصر دولة كبيرة وهي نموذج إذا حققت تقدما في مجال حقوق الإنسان.. إن هناك نماذج تتعرض للاضطهاد مثل المثليين.. لكن أبشركم بأن مبادرة نشر الديمقراطية أثمرت فهناك الآن في مصر مجموعة مبشرة.. هي (السابع مكرم) إنها ستكون النموذج في مبادرة نشر الديمقراطية.. وإنني أشكر مستر 'دوني' علي ما يبذله من مجهود خارق في هذا المجال'.

وفي خلال أيام كانت عناصر المخابرات الأمريكية تمسح شوارع القاهرة ترصد وتجمع المعلومات.. أشكال السيارات ماركاتها عدد ركابها خطوط سيرها ارتباط سائقيها بأسامة بن لادن والظواهري.. هل يمكن لهذا التنظيم أن يتم اختراقه من جانب كوريا الشمالية وإيران؟

خبراء المخابرات فسروا تكدس الناس داخل خطوط الميكروباص في الصباح وقت الذروة وساعة خروج الموظفين بأنه احتشاد من جانب مؤيدي مبادرة نشر ثقافة (السابع مكرم).

البعض الآخر قال: إن هذا التنظيم يتمتع بقدر هائل من الديمقراطية الداخلية.. فقائد الخلية السائق لا ينفرد بالقرار ولكن لديه شخص (نائب) أو مساعد هو الذي يجمع من الأعضاء (الركاب) التبرعات طوال الرحلة.. وهو مبلغ موحد.. أي أن لديهم (سيستم).. هذا رائع. 

وكانت المشكلة لدي الخبراء الأمريكان أن التنظيم يتكتل في اتجاه واحد فقط إلي مدينة نصر.. فلماذا لا تنتقل هذه التجربة ويتم تعميمها في الجيزة وشبرا والمعادي وحلوان والمرج وميدان المؤسسة؟.. أي أن أعضاء الحركة يركبون ميكروبوصات (السابع مكرم) ولكن يذهبون إلي شبرا والمعادي وغيرها.. لنشر مفهوم الديمقراطية في هذه المناطق. 

وعندما رأت الإدارة الأمريكية أن الأمور تحتاج إلي المزيد من الضغوط فكرت في انشاء قناة فضائية علي غرار (الحرة).. وفي أحد الأيام قرر 'دوني' وأحد مستشاريه أن يقوموا بعملية (طرق أبواب) مع أحد أعضاء التنظيم الجديد.. قبل فتح قنوات اتصال مباشرة فاستوقفا أحد الميكروباصات (السابع مكرم) وجلسا بجوار قائد الخلية أقصد السائق.

قال له 'دوني': باين عليك سياسي محنك.. التنظيم بتاعكوا محل تقدير عند الرئيس بوش.

صرخ السائق وهو يضغط علي دواسة الفرامل، فسمع صراخ الإطارات.. قائلا: يا نهار طين سياسة إيه وتنظيم إيه يا أخينا.. أنا لاقي آكل.. دا أنا متخرج من سنة ٧٨ ومعايا ماجستير علوم سياسية وشغال سواق ميكروباص علشان ألاقي أصرف علي العيال.. وبعدين اللي بيتغطي بأمريكا عريان.

ابتسم 'دوني' ابتسامة هادئة وهو يهز رأسه وكمان معاك ماجستير علوم سياسية يبقي احنا نضغط علي الحكومة علشان يكون فيه انتخابات رئاسية حرة وانت تبقي مرشح حركة (السابع مكرم) الوردية.

نظر السائق إليه في سخرية.. يا سيدي إحنا بنقف في طابور العيش ساعتين علشان ناخد عشرة أرغفة. 'دوني' في ثقة: إحنا هنضغط علشان يكون فيه حرية جنسية.. وحرية معتقدات و... 

قاطعه السائق ضاحكا: يا عم حرية جنسية إيه احنا بنفتكر الحاجات دي في الأعياد.. يا سيدي موش لاقيين الميه.. بنشتريها.. واللحمة بتصور جنبها والسمك من الرفاهيات.. انتوا بتضغطوا في الهيافة.

رد 'دوني' في تصميم: لكن الحركة لازم تلتزم ببروتكول (كيوتو)..

وقبل أن يكمل مستر 'دوني' كان السائق يهدئ من سرعة الميكروباص ويقف..

سأله 'دوني': أنت وقفت ليه يالا نكمل.

رد السائق في قرف: خلاص يا عم وصلنا مكرم انزل.  

سأله دوني: مكرم إيه..

رد السائق: نهاية الخط مكرم عبيد.. العربية دي خط سيرها رمسيس الحي السابع مكرم عبيد يعني ده آخر الخط يا خواجة.. انزل.

نزل 'دوني' وهو ينظر إلي مستشاره نظرة حائرة وسأله انت فاهم حاجة؟!  

رد المستشار بصراحة: فيه 'بروبلم' مستر امباسادور، من الواضح أن التنظيم تعرض للاختراق ولازم نتصرف بسرعة ونقابل رئيس جهاز المخابرات الأمريكية.

ولم يقطع هذه الحالة من الذهول سوي رنين جرس الهاتف المحمول ل'دوني' وكان علي الطرف الآخر الرئيس 'بوش' إيه الأخبار يا 'دوني'.. عايز أسمع أخبار كويسة عن برنامج مبادرة نشر ثقافة السابع مكرم.. الحزب الجمهوري معلق آمال كبيرة علي نجاح التجربة.

رد عليه 'دوني' في احباط: مستر بريزيدنت.. من الواضح أن تنظيم القاعدة اخترق التنظيم وفيه واحد اسمه (أبو مسعد الخانكاوي) هو اللي بوظ العملية.. وإن تنظيم (السابع مكرم) طلع زي أسلحة الدمار الشامل العراقية.

كان صوت الرئيس 'بوش' قويا لدرجة جعلت الهاتف يقع من يد 'دوني'..

يا نهار أسود.. دا أنا لسه صارف ٠٠١ مليون دولار لتنظيم جديد اسمه (واحد- مؤسسة). 

تسونامي الصحفيين

طوبي لمن لا يكون رئيس تحرير.. فهم يا إخواني هذه الأيام أصبحوا رد سجون والحمد لله الذي لم يبتلينا بهذا البلاء.

وكنا قديما نسمع أن التطور الطبيعي للحاجة الساقعة- أقصد العمل الصحفي هو أن يبدأ الصحفي محررا ثم رئيس قسم ثم يتدرج حتي يصل إلي نهاية السلم الطبيعي للعمل الصحفي رئيسا للتحرير.. وعندما يصل إلي هذه المرحلة أو المرتبة يكون قد وصل إلي نهاية القصة.

أما بعد اجتياح أحكام الحبس نقابة الصحفيين مثل اعصار تسونامي فإنني أحمد الله علي وضعي لمؤاخذة المهني الذي وصلت إليه وكفاية.. وكده رضا.

وما يحدث للصحافة فيما يبدو أنه سيناريو محكم تم الاعداد له منذ فترة وكانت الحكومة فقط تنتظر تسوية بعض الملفات مع الاخوة الأمريكيين والأصدقاء الصهاينة حتي تتفرغ للقضاء علي آخر ملجأ باق علي قيد الحياة بعد إجهازها علي النقابات وتنظيمات المجتمع المدني.

ويشم الإنسان رائحة -عفنة- في هذا السيناريو الذي فيما يبدو أنه لن يتوقف عند هذا العدد الذي سيرتفع لتتحول نقابة الصحفيين إلي (نقابة التهذيب والإصلاح)، أو كما كان يريد أحد قادة الحزب الوطني تحويلها إلي مجرد ناد اجتماعي. الهجوم علي الصحافة والصحفيين هو حماية للفساد السياسي والاقتصادي ومجموعة الهبيرة من أعضاء (اللي ما يتسماش).

ويقف جميع الزملاء أعضاء الجمعية العمومية في موقف صعب للغاية فالهجمة لن تتوقف علي الصحف الحزبية والمستقلة ولكنها ستطال الجميع حتي حملة المباخر ومشعلي الحرائق والمحرضين وكتبة التقارير.

واقترح ردا علي ما يفعله أعضاء 'اللي مايتسماش' أن تمتنع جميع الصحف عن نشر أخبار وصور أعضائه وأعضاء حكومته.

وصدقوني إن فعلت الصحف القومية ذلك أنا علي يقين أن توزيعها سيزيد كثيرا.. فعمنا ابن عروس قال قديما:

وعتاب الندل اجتنابه

واحبسني يا معلم.. بهدلني يا معلم