باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ،وعل. آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإن المسلمين في هذه الأيام بين يدي موسم كريم من مواسم الخير المتكررة،موسم يتكرر-ولله الحمد-كل عام ،فيفوز فيه قوم بالمتاجرة مع الله الكريم المنان ،فتربح تجارتهم ،وتعلو أسهمهم ،وتتضاعف مرات ومرات كثيرة،إن ذلك موسم شهر الله المحرم ،فيه يوم أعلى الله قدر موسى عليه السلام وقومه ،وأغرق الجبار العاتي فرعون وجنده.
وبهذه المناسبة الكريمة أقدم هذه النصيحة- التي أرجو نفعها لي ولإخواني المسلمين -وهي عن يوم عاشوراء الذي حصل فيه انتصار الحق على الباطل ،فيُبادٓرُ لصيامه والإكثار من التضرع إلى الله،واللهج بالدعاء رجاء أن ينصرنا ربنا ،ويتفضل علينا بتفريج كرباتنا ،وإنا لمنتظرون من الله كشف كل غمة ودحر كل عدو.
إن نعم الله على عباده لا تحصى في أمور دينهم ودنياهم ،وقد يسر الله سبحانه أسباب المغفرة والرحمة،وأمر عباده بالأخذ بها ،وتفضل عليهم بالوعد بقبول التوبة،ودعاهم لما يحييهم ،دعاهم إلى المتاجرة معه في مواسم الخيرات ليتدارك مٓن زلت قدمه،أو أخذته غفلة عن السعي والجد في مسابقة المشمرين لنيل كريم المطالب وأعالي المراتب.
إخوة الإسلام؛
إن هذا الموسم الذي أظلنا موسم عظيم ،أرشد إلى فضله نبينا المبعوت رحمة للعالمين ،الذي مامن خير إلاّ دلّ الأمة عليه وحتها على الأخذ منه بأوفر نصيب ،ولا شر إلاّ حذرها منه وبين مغبته ونتائج ارتكابه ،فقد أمر صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء ،وذكر ثواب ذلك وعظيم أثره على النفس والأسرة،والصيام سبب عظيم من أسباب مغفرة الذنوب وتفريج الكرب.
يوم عاشوراء جعله الله يوماًمباركاً من أيام الله المعدودة،ومن مواسم النصر المشهودة،هو يوم كان له شأن عظيم في السابق،ويُرجى من الله أن يعيد ذلك على الأمة الإسلامية في هذه الأيام التي نعيش فيها أنواعاً من الآلام والأسقام ،وصنوفاً من العدوان والظلم .
وله فضائل كثيرة:
ومن فضائله ما قاله النبي صلى ابلله عليه وسلم حيث قال :(أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ،وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل). رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه،كما قد ثبت عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال:(يكفر السنة الماضية). رواه مسلم وغيره،وكان له شأن عندالأمة العربية قبل الإسلام ؛إذا كان يوم عاشوراء محل عناية السابقين،وكانت العرب تصومه في الجاهلية،ففي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :(كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ،فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصومه ،فلما فرض صوم شهر رمضان قال صلى الله عليه وسلم:(من شاء صامه ومن شاء تركه). وفي رواية:(وكان يوماً تستر فيه الكعبة)؛ تعني:في الجاهلية.وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما:(أن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء،وصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قبل أن يُفرض رمضان). وفي الصحيحين أيضاًمن حديث ابن عباس رضي الله عنه :(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء ،فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :ماهذااليوم الذي تصومونه؟فقالوا:هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه ،وأغرق فرعون وقومه،فصامه موسى شكرا لله،فنحن نصومه تعظيماً له. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :فنحن أحق بموسى منكم ! فصامه رسول الله عليه وسلم، وأمر بصيامه).
وقد أمر صلى الله عليه وسلم بمخالفة اليهود في صيام عاشوراء بأن يُصام يوم آخر مع اليوم العاشر،فروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)؛يعني:والعاشر .وروى الإمام أحمد وغيره من حديث ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود ،صوموا يوماً قبله،أو يوماًبعده).وفي حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(صوموايوماًقبله،أو يوماً بعده).
فيا أخي المسلم ؛تأمل هذه الأحاديث التي ذكرتها لك عن فضل صيام يوم عاشوراء،واغتنم مواسم الأرباح،واحرص على مخالفة اليهود ،وذلك بصيام يوم قبل يوم عاشوراء ،أو يوماًبعده ،أو صم ثلاثة أيام يوم عاشوراء،والذي قبله،والذي بعده.اهـ
(كلمة عن يوم عاشوراء ،وفضل الصيام في شهر الله المحرم ،للشيخ صالح بن محمد اللحيدان)
بدع عاشوراء
1- سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أحْمَدَ بن تيميه -رحمه الله تعالى-:
عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، مِنْ:
1-الْكُحْلِ.
2-وَالِاغْتِسَالِ.
3-وَالْحِنَّاءِ.
4-وَالْمُصَافَحَةِ
5-وَطَبْخِ الْحُبُوبِ.
6-وَإِظْهَارِ السُّرُورِ.
7-وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَى الشَّارِعِ.
فَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ؟ أَمْ لَا؟
وَإِذَا لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَهَلْ يَكُونُ فِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةً؟ أَمْ لَا؟
وَمَا تَفْعَلُهُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مِنْ:
1-الْمَأْتَمِ وَالْحُزْنِ وَالْعَطَشِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. مِنْ:
2- النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ.
3-وَقِرَاءَةِ الْمَصْرُوعِ.
4- وَشَقِّ الْجُيُوبِ.
هَلْ لِذَلِكَ أَصْلٌ؟ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ -شيخ الإسلام-رحمه الله تعالى:[الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَا الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا غَيْرِهِمْ. وَلَا رَوَى أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، لَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا الصَّحَابَةِ، وَلَا التَّابِعِينَ، لَا صَحِيحًا، وَلَا ضَعِيفًا، لَا فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ،وَلَا فِي السُّنَنِ، وَلَا الْمَسَانِيدِ، وَلَا يُعْرَفُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، عَلَى عَهْدِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ.
وَلَكِنْ رَوَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ، مِثْلَ مَا رَوَوْا:
1- أَنَّ مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، لَمْ يَرْمَدْ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ.
2-وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَمْرَضْ ذَلِكَ الْعَامَ.،وَأَمْثَالُ ذَلِكَ.
3- وَرَوَوْا فَضَائِلَ فِي صَلَاةِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ.
4- وَرَوَوْا أَنَّ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَوْبَةَ آدَمَ.
5- وَاسْتِوَاءَ السَّفِينَةِ عَلَى الْجُودِيِّ.
6- وَرَدَّ يُوسُفُ عَلَى يَعْقُوبَ.
7- وَإِنْجَاءَ إبْرَاهِيمَ مِنْ النَّارِ.
8- وَفِدَاءَ الذَّبِيح بِالْكَبْشِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
9- وَرَوَوْا فِي حَدِيثٍ مَوْضُوعٍ مَكْذُوبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ.
وَرِوَايَةُ هَذَا كُلِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذِبٌ....
فَصَارَتْ طَائِفَة جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ: إمَّا مُلْحِدَةً مُنَافِقَةً، وَإِمَّا ضَالَّةً غَاوِيَةً، تُظْهِرُ مُوَالَاتَهُ وَمُوَالَاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ، تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ:1-يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ.
2-وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ، مَنْ لَطْمِ الْخُدُودِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ....
3-وَإِنْشَادِ قَصَائِدِ الْحُزْنِ، وَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ، وَالصِّدْقُ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَجْدِيدُ الْحُزْنِ، وَالتَّعَصُّبُ، وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ، وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؛ وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى سَبِّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ....
وَشَرُّ هَؤُلَاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، لَا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلَامِ. فَعَارَضَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ إمَّا مِنْ النَّوَاصِبِ الْمُتَعَصِّبِينَ، عَلَى الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِمَّا مِنْ الْجُهَّالِ الَّذِينَ قَابَلُوا الْفَاسِدَ بِالْفَاسِدِ، وَالْكَذِبَ بِالْكَذِبِ، وَالشَّرَّ بِالشَّرِّ، وَالْبِدْعَةَ بِالْبِدْعَةِ، فَوَضَعُوا الْآثَارَ فِي شَعَائِرِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؛كالاِكتحال والاِختضاب،وتوسيع النفقات على العيال،وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة،ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم،فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح،وأولئك يتخذونه مأتماً يقيمون فيه الأحزان والأفراح،وكلا الطائفتين مخطئة خارجة عن السنة.....
وأما سائر الأمور:مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة،إما حبوب ،وإما غير حبوب، أو في تجديد لباس،أو توسيع نفقةٍ،أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادةٍ مختصةٍ ،كصلاة مختصةٍ به،أويقصد الذبح، أو ادخار لحوم الأضاحي، ليطبخ بها الحبوب ،أو الاِكتحال أو الاِختضاب أو الاِغتسال، أو التصافح أو التزاور،أو زيارة المساجد والمشاه ونحو ذلك،فَهَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي لَمْ يَسُنُّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، وَلَا اسْتَحِبَّهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَا مَالِكٌ وَلَا الثَّوْرِيُّ وَلَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا الأوزاعي وَلَا الشَّافِعِيِّ،وَلَا أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ، وَلَا إسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه، وَلَا أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ، قَدْ كَانُوا يَأْمُرُونَ بِبَعْضِ ذَلِكَ، وَيَرْوُونَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ وَآثَارًا، وَيَقُولُونَ: إنَّ بَعْضَ ذَلِكَ صَحِيحٌ، فَهُمْ مُخْطِئُونَ غَالَطُونِ بِلَا رَيْبٍ، عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ. وَقَدْ قَالَ حَرْبٌ الكرماني فِي مَسَائِلِهِ: سُئِلَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؟ فِلْم يَرَهُ شَيْئًا.]اهـ.
(مجموع الفتاوى )لابن تيمية(25/299-312)
وقال الإمام ابن قيم الجوزية-رحمه الله تعالى :-(أحاديث الاكتحال يوم عاشوراء، والتزين والتوسعة والصلاة فيه،وغير ذلك من فضائل،لا يصح منهاشئ ،ولا حديث واحد ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شئ،غير أحاديث صيامه ،وما عداها فباطل .وأمثل ما فيها :من وسع على عياله يوم عاشوراء ،وسع الله عليه سائر سنته ؛قال الإمام أحمد :لا يصح هذا الحديث، وأما حديث الاكتحال والادِّها يوالتطيب،فمن وضع الكذابين ،وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن ،والطائفتان مبتدعتان خارجتان عن اغنة،وأهل السنة يفعلون فيه ماأمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الوم،ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع).اهـ
(المنار المنيف)(ص111-112)
وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى -:(وكل ماروِى في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء،والاختضاب ،والاغتسال فيه ،فموضوع لا يصح.....وأما اتخاذه مأتماً،كما تفعله الرافضة،لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنه فيه،فهو مِن عمل مٓن ضٓلّ سعيه في الحياة الدنيا،وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ،ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً،فكيف بمن دونهم؟).اهـ
(الطائف المعارف)(ص٥٨-٦٠)