توطئة :
تمثل المنظمات الأهلية قوة دفع جديدة نسبياً على مستوي العمل التنموي إلى جانب الدولة والقطاع الخاص خاصة مع بداية ثمانينات القرن العشرين(1) وفي كثير من الدول يتم تضمين الإسهامات الاقتصادية والاجتماعية لهذه المنظمات ضمن الحسابات القومية ومن خلال عدة مؤشرات أبرزها إسهام هذه المنظمات في توفير فرص العمل والقضاء على البطالة والقيمة الاقتصادية لعمل المتطوعين مقاسه بمتوسط أجور العاملين في الساعة وعدد وطبيعة المستفيدين من خدمات هذه المنظمات وقيمة مشروعاتها وإسهامها في توليد الدخل القومي(2)
وهناك جدل مفاهيمي حول التسمية الصحيحة والدقيقة لهذه المنظمات فهناك من يطلق عليها القطاع الثالث Third sector أو القطاع التطوعي voluntary sector أو المنظمات غير الحكومية أو غير الربحية(3) وفي هذا المجال يمكن أن نشير إلى أنماط التعريفات دون الدخول في تفصيلها فهناك تعريف قانوني وتعريف اقتصادي ومالي وتعريف وظيفي وأخيراً تعريف هيكلي إجرائي(4)
ولقد برهنت التطورات المعاصرة على الصعيدين العالمي والعربي على أهمية المنظمات الأهلية كآلية لتحقيق ديمقراطية المشاركة وتعبئة المواطنين في المجالات المختلفة وتأكيد الحقوق والدفاع عنها وانفتاح المجتمع المدني وتحريره من كافة القيود ومن ثم تنظيم القدرة على إنجاز تنمية اجتماعية واقتصادية وسياسية حقيقية تستند إلى آمال الناس واحتياجاتهم وأحلامهم ورؤياهم(5)
وتتمثل أبرز العوامل المحفزة لنشأة العمل الاجتماعي الأهلي والتطوعي في الأفكار المعينة في الاتجاهات الخيرية والإنسانية المنبثقة عن الأديان السماوية. وللقيم الدينية في المنطقة العربية تأثير كبير على العمل الأهلي حيث تعد الجمعيات الخيرية هي أقدم أشكال النشاط الأهلي امتداداً لنظام الزكاة ومفهوم الصداقة الجارية الذي تتمثل في الوقف في الإسلام . وانعكاس لقيم التكامل الاجتماعي التي تحث عليها الأديان وقد قامت هذه المنظمات الدينية بدور كبير في نشر التعليم والثقافة الدينية وتقديم الخدمات والمساعدات الاجتماعية(6)
فالمنظمات الأهلية نتاج إرادة شعبية داخلية واستجابة لاحتياجات مجتمعية لا تتعدى علاقتها بالدول علاقة الإشراف والرقابة .
وسأحاول في هذه الوريقات التي أعدت على عجالة أن أتناول العلاقة بين المنظمات الخيرية والأمن الاجتماعي مستهلاً حديثي عن مفهوم الأمن الاجتماعي كمحاولة لتحديد المصطلح بعد أن تعرضت في هذه المقدمة لمصطلح المنظمات الأهلية وتعريفاته وتصنيفاته المختلفة.
ثم سعيت لاستعراض أكثر الأمراض والآفات التي قد تهدد الأمن الاجتماعي شارحاً هذه الآفات لغوياً واصطلاحياً مبيناً بعض مظاهره وأسبابها والنظريات العلمية التي تناولتها الدراسات التي اهتمت حولها ولم أشأ أن أضع بعد كل آفة أو مرض علاج له لأنني وجدت أنني سأكرر هذا الأمر مع جميع الآفات ففضلت الحديث بشكل عام عن هذه العلاجات مستعرضاً دور المؤسسات الخيرية في التعامل مع هذه الآفات مسرداً لمكونات هذه الحلول دون الدخول في تفاصيلها لاعتقادي أن هناك من هو أفضل مني في صناعة الدواء لهذه الآفات مع ذكر بعض الأدوات التي من الممكن أن تستخدم في العلاج.
كما تتناول هذه الوريقات الحملة الغربية الشرسة على الإسلام والعمل الإسلامي تحديداً والمؤسسات الخيرية بشكل أكثر خصوصية وأهدافها العامة وملامحها مختتماً ورقتي هذه ببعض التوصيات سائلاً الله أن أنال شرف المساهمة في بيان أهمية موضوع الأمن الاجتماعي والدور المتوقع من المؤسسات الخيرية الدعوية في هذا الموضوع.
أولاً : الأمن الاجتماعي
الأمن الاجتماعي جزء من مفهوم الأمن القومي والأقرب أن يكون داخلياً وعلى الرغم من أن مفهوم الأمن القومي أكثر ما يرتبط بالشؤون الخارجية ولكن يمكن القول أن العوامل الداخلية المؤثرة فيه ليست أقل من العوامل الخارجية.
ويرى أرنولد والفرز أن الأمن القومي يعنى عدم الخوف من وجود خطر على القيم الحياتية وأن وجود الأمن القومي دليل على عدم وجود ما يهدد القيم المكتسبة وهذا التعريف يشمل الأمن الاجتماعي ورعاية الحقوق الأساس ، والأمن والنظام متلازمان ، فالمجتمع الذي يفتقر إلى النظام الاجتماعي يفقد الأمن وفقدان الأمن يدل على عدم وجود نظام اجتماعي منظم وقوي ومهيمن على الأمور.
وإذا فقد الأمن الاجتماعي يصبح المجتمع مضطرباً مذبذباً وقد يخل بأسس النظام الاجتماعي وقد تتغير العلاقة بين طرفي العقد الاجتماعي(7)
والأمن الاجتماعي قد يعرف بأنه حماية المجتمع من جريمة حالة أو متوقعه والمقصد من الأمن الاجتماعي هو إحقاق الاستقرار والعيش تحت مظلة السلام الاجتماعي وفقاً لقوله تعالى{ يا أيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافة} "البقرة 208" كما أنه يعني احترام حقوق الآخرين وعدم النيل منها كحرمة النفس والأموال والأعراض مما يدعوا إلى الأمان النفسي والاجتماعي والتوافق والانسجام واللاصراع واللاتنافر ويبدو مفهوم الأمن الاجتماعي بمعني التأني في الظلم حيث يقول الله تعالى { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} "الأنعام 82" لذا كان من مقومات الأمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحفظ النظام العام والعمل بأوامر الإسلام ويعرف د. محمد عمارة الأمن الاجتماعي بأن الطمأنينة التي تنفي الخوف والفزع عن الإنسان فرد أو جماعه في سائر ميادين العمران الدنيوي بل وأيضاً في المعاد الأخدوي(8). والماردوي عندما حدد قواعد صلاح الدنيا وانتظام عمرانها وضع ستة أشياء هي دين متبع وسلطان قاهر (أي دولة قوية) وعدل شامل وأمن عام وحقيقة دائمة وأمل فسيح وفي تفسيره للأمن العام يشير أنه أمن عام تطمئن إليه النفوس وتنتشر به الهمم ويسكن فيه البريء ويأنس به الضعيف فليس لخائف راحه ولا لحاذر طمأنينة وقد قال بعض الحكماء أن الأمن أهنأ عيش والعدل أقوى جيش لأن الخوف يقبض الناس عن مصالحهم ويحجزهم عن تصرفهم يكفيهم عن أسباب المواد التي منها قوام أودهم وانتظام جملتهم والأمن مطلق ما عم(9)
والأمر الذي لا شك فيه هو أن فلسفة الإسلام في تحقيق الأمن الاجتماعي وهو سد ثغرات الخوف والفزع عند الإنسان ذات مهام أساسية ثابتة إلا أنها في السبل الاجتماعي والظواهر السلوكية التي هي انعكاس لواقع الحال ونتاج لمعطيات معيشية داخل أي مجتمع.
ثانياً : الآفات والأمراض التي تهدد الأمن الاجتماعي
1- الانحراف
مفهوم الانحراف
الانحراف لغة هو الميل والعدول والمجانبة
واصطلاحاً : هو الابتعاد عن المسار المحدد أو هو انتهاك لقواعد ومعايير المجتمع ووصمة تلصق بالأفعال أو الأفراد المستبعدين عن طريق الجماعات المستقيمة داخل المجتمع (جاك دوغلاس) أو هو انتهاك القواعد التي يتميز بدرجة كافية داخل من الخروج على حدود التسامح العام في المجتمع (كلبنارو)
أما الانحراف في الشريعة فهو مجانبة الفطرة السليمة واتباع الطريق الخطأ المنهي عنه دينياً أو الخضوع والاستسلام للطبيعة الإنسانية دون قيود
والشخصية المنحرفة في نظر الشارع هي من يقوم صاحبها بعمل يفسد النظام ويحول دون تطبيقه على واقع الحياة حتى يلحق الضرر بالمصلحة الفردية أو الجماعية أو كليهما .
وأن كل الظواهر السلوكية الخاطئة هي ثمرة الجهود المبذولة لتحطيم الإنسان وسلب عقله وفكرة وفطرته للسيطرة على إنسانيته.
{إنا خلقنا الإنسان من نطفه أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيراً * إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا} "الإنسان 2-3" فالله خلق الإنسان من خليط من المادة والروح وأعطاه إرادة الصلاح والفساد (أي القدرة عليهما) وجعله ممتحناً ومبتلى وبإرادته يختار الخير أو الشر الاستقامة أو الانحراف(10)
مظاهر الانحراف
إذا كان من معاني الانحراف لغة أنه كل ابتعاد عن الخط المستقيم فإن الحديث عن السلوك الاجتماعي وبتطبيق هذا التعريف عليه بحذافيره يصعب علينا المسألة فتعريف الخط المستقيم أمر نسبي يختلف من مجتمع لآخر بل وفي نفس المجتمع من زمن لآخر ومن مدينة لأخرى ويرجع ذلك لاختلاف المعايير والقوانين والثقافات وكذلك نتيجة للتطور الطبيعي في أساليب المعيشة . لا أن هناك مجموعة من السلوكيات التي لا تختلف تشريع على اعتبار أنها انحرافات في المناهج والنظريات التربوية والاجتماعية المنبثقة من هذه السلوكيات على سبيل المثال لا الحصر السرقة والجريمة بأنواعها والإدمان على المخدرات(11)
دوافع الانحراف(12)
• النفس الأمارة بالسوء
يقول الله تعالى {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها} "الشمس 7-10 " ويقول تعالى {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إن ربى غفور رحيم} "يوسف 53" .
فالنفس تشكل قوة ضاغطة لجر الإنسان في متاهات لا حصر لها وهي عدو الإنسان الأول فهي تسعى للطغيان على نور العقل وتكون عامل هدم لا نفع لذا فلا خيار أمام الشخصية السوية سوى مواجهة النفس بقوة إرادة.
• إتباع الشهوات
والتعريف اللغوي للشهوة هي الرغبة الشديدة والقوة النفسية التائقة للملذات المادية وتأتي الشهوة أحياناً بمعني الهوى وحيناً آخر بمعنى اللذة وكلاهما يفيد نفس المعنى ويساعد انتشار المغريات في المجتمع وظهورها بشكل سافر على تأجيج هذه الشهوات خاصة إذا لم يوجد ما يحفظها أو يخمدها.
• الخضوع لنداء الشيطان
إن المفهوم القرآني للعلاقة مع الشيطان هي العدوان {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً} "فاطر 6" وأن مهمة الشيطان الوحيدة هي إغواء البشر عن الصراط المستقيم وإضلالهم عن معرفة نور الحق وحركة الشيطان حركه ليست ساكنة بل هي متحركة فاعلة تتفاعل في أذهان البشر وفي خواطرهم وأعمالهم وتحوم حولهم وجاء في الروايات أن إبليس قال خمسه ليس لي معهم حيله وسائر الناس في قبضتي
- من اعتصم بالله عن نية صادقة وأتكل عليه في جميع أموره
- من كثر تسبيحه في ليله ونهاره
- ومن رضي لأخيه المؤمن ما يرضاه لنفسه
- ومن لم يجزع على المصيبة حين تصيبه
- ومن رضي بما قسم الله له ولم يهتم برزقه.
أسباب ونشأة الانحراف :
هناك مجموعة من النظريات العلمية التي تعرضت لأسباب ونشأة الانحراف وسنتطرق باختصار لأربعة منها فقط لأن المجال لا يتسع للإسهاب فيها جميعا وهذه النظريات هي (13) (14).
• نظرية الانتقال الانحرافي
ويسميها البعض الانحراف الانتقالي وتعتمد هذه النظرية على أن الانحراف سلوك مكتسب حيث يتعلم الفرد الانحراف كما يتعلم فرد آخر السلوك الذي يرتضيه النظام الاجتماعي ويشبه رواد هذه النظرية ظاهرة الانحراف بآلة المغناطيس التي تجذب إليها نشارة الحديد وتترك نشارة الخشب وذرات التراب.
• نظرية العقد الاجتماعي
يؤمن مصممو هذه النظرية بأن الانحراف ظاهرة اجتماعية ناتجة عن القهر والتسلط الاجتماعي الذي يمارسه بعض الأفراد تجاه البعض الآخر .
فالفقر مرتع خصب للجريمة ، والفقراء يولدون ضغطاً ضد التركيبة الاجتماعية للنظام مما يؤدي لانحراف الأفراد بمعنى أن الفقر يولد رفضاً للقيم والأخلاق الاجتماعية التي يؤمن بها الأفراد في المجتمع باعتباره انعكاساً صارخاً لانعدام العدالة الاجتماعية بين الطبقات.
ويدعى زعماء هذه النظرية أيضاً بأن الانحراف يؤدى إلى عدم التوازن بين الهدف الذي يسعى الفرد لتحقيقه في حياته والوسيلة التي يستخدمها لتحقيق ذلك الهدف في النظام الاجتماعي فإذا كان الفارق بين الأهداف الطموحة والوسائل المشروعة التي يستخدمها الأفراد كبيراً أصبح الاختلال الأخلاقي لسلوك الفرد أمراً واضحاً حتى يضطر معه الفرد لاستخدام الوسائل غير المشروعة مثل السرقة والرشوة والجريمة وغيرها ومن أبرز دعاة هذه النظرية عالم الاجتماع المعروف (اميلي دوكهايم).
• نظرية الضبط الاجتماعي
يعتقد أصحاب هذه النظرية أن الانحراف ظاهرة ناتجة عن فشل السيطرة الاجتماعية على الأفراد فيبدأ بطرح تساؤل كيف لا ينحرف الأفراد وأمامهم كل هذه المغريات ويؤكد أصحاب هذه النظرية أن الانحراف يتناسب عكسياً مع العلاقة الاجتماعية بين الأفراد ويرى أصحاب هذه النظرية أن من أجل منع الانحراف الاجتماعي بين الأفراد لابد من اجتماع أربعة عناصر هي (15)
§ الرحم والقربى حيث أن شعور الأفراد بصلاتهم الاجتماعية المتينة يقلل فرص انحرافهم .
§ الانشغال الاجتماعي : وهو انغماس الأفراد في نشاطات اجتماعية سليمة تستهلك طاقته الفكرية والجسدية كالرياضة والهوايات والعمل التطوعي لخدمة المجتمع .
§ الالتزام والمتعلقات : وهو استثمار الأفراد أموالهم عن طريق شراء وتملك العقارات والمنافع والمصالح التجارية لأن مصلحة هؤلاء الأفراد المالية تقتضي منهم دعم القانون والنظام الاجتماعي ، أما من لا يملكون فهم معرضون للانحراف أكثر من غيرهم.
§الاعتقاد : حيث أن الأديان عموماً تدعو معتنقيها إلى الالتزام بالقيم والمبادئ الخلقية فالدين يهذب السلوك الشخصي للأفراد في كل مجالات الحياة الاجتماعية .
• نظرية الإلصاق الاجتماعي :
وتبني هذه النظرية رأيها على فكرة مهمة لم تتطرق إليها النظريات الاجتماعية السابقة فتقول أن الانحراف الاجتماعي ناتج من نجاح مجموعة من الأفراد بالإشارة إلى أفراد آخرين بأنهم منحرفون فإذا قال الأوربيون أن إفريقيا متخلفة وتكرر هذا الحكم في وسائل إعلامهم أصبح الأفارقة جميعاً متخلفين في المنظور الاجتماعي الأوربي .
وإذا الصق صفة التحضر على الشعب الأمريكي أصبح الأمريكان متحضرين في نفس المنظور الاجتماعي الأوربي وتقسم هذه النظرية الانحراف إلى قسمين الأول هو الانحراف المستور وهو الانحراف الذي يرتكبه أغلب الأفراد في فترة ما من فترات حياتهم ويبقى مستوراً دون أن يكتشفه أحد خاصة شريحة الأطفال والمراهقين والثاني الانحراف الظاهر فعندما يتهم هؤلاء الأفراد بالانحراف علنياً يتبدل الوضع النفسي والاجتماعي للمتهمين قبولاً جذرياً لأن الآثار المترتبة على انحرافهم تعنى أولاً إنزال العقوبات التي أقرها النظام الاجتماعي عليهم وثانياً افتضاح أمرهم أمام الناس وثالثاً انعكاس ذلك الافتضاح على معاملة بقية الأفراد لهم ، لذلك فالصفات القاسية التي يستخدمها النظام الاجتماعي ضدهم كصفات السرقة والاحتيال والزندقة والتكفير إنما وضعها في الواقع النظام الاجتماعي والسياسي وألصقها بهؤلاء الأفراد ، وعلى هذا الأساس يتصرف المنحرف بقبوله هذا التعريف الاجتماعي ومع مرور الزمن ينظر المنحرفون لأنفسهم بالمرآة الاجتماعية التي تدينهم وتحدد علاقاتهم الاجتماعية فيصبح لهم مجتمعهم الانحرافي الصغير داخل المجتمع الإنساني الكبير.
وكأي نظرية علمية خاصة إذا كانت تفسر السلوك الإنساني نجد لها من المؤيدين والمعارضين ولكن أبرز الانتقادات التي وجهت لهذه النظريات هي أن نظرية الانتقال الانحرافي تجعل علاج الانحراف مستحيلاً لأنها تعتبر الانحراف ظاهرة اجتماعية طبيعية يصعب ضبطها والسيطرة عليها ونظرية القهر الاجتماعي تفشل في المعالجة لأنها تعزي الانحراف إلى انعدام العدالة الاجتماعية وتتجاهل انحرافات الطبقة الغنية في النظام الاجتماعي الأمر الذي يجعلها أكثر بعداً عن التحليل الواقعي الاجتماعي العملي.
حتى أن علاقة الرحم والقرابة والمعتقد والانغماس الاجتماعي التي نادت بها نظرية الضبط الاجتماعي من أجل ردع الانحراف وضبط المنحرفين لم تؤدي ثماره المرجوة لقصور النظام الجنائي الرأسمالي وعدم إحاطتهم بدقائق النفس البشرية.
أما نظرية الإلصاق الاجتماعي ففاشلة في علاج الانحراف خاصة في تفسير الانحراف المستور الذي يتحقق دون إلصاق تهمة معينه بالمنحرف.
الرؤية الإسلامية وتحليلها ومعالجتها لظاهرة الانحراف الاجتماعي :
يمكن أن نعزى نجاح هذه الرؤية إلى أربعة أسباب لم تتطرق لها النظريات الغربية الأربع وهذه الأسباب هي :
•العدالة الاجتماعية والاقتصادية التي جاء بها الإسلام وحاول نشرها بين الأفراد وأهمها السعي لتضييق التفاوت الحاصل بين الطبقات الاجتماعية من خلال تقرير حقوق الفقراء من أموال الأغنياء مثل الزكاة وأنواع الضرائب الإجبارية الأخرى ناهيك عن حقه في الصدقة ومحاربته للترف في الاستهلاك واعتبار المجتمع ككل مسؤول عن الفقير ومشاركاً في قتلة إذا مات من الجوع
•العقوبات الصارمة ضد المنحرفين كالقصاص والدية والتعزير وقد صنف الإسلام الانحراف إلى أربعة أصناف وهي :
- جرائم الاعتداء على النفس وما دونها وحدد لها القصاص أو الدية مع الشروط
- جرائم ضد الملكية وضمنها القطع ووجوب رد المغصوب
- الجرائم الأخلاقية (العرض) ومنها الرجم والقتل والجلد
- جرائم ضد النظام الاجتماعي كالحرابة والاحتكار ونحوهما وفيها التعزير أو الغرامة وهذه الأحكام هدفها الردع وليس الانتقام
• المساواة التامة بين جميع الأفراد أمام القضاء والقانون وفي هذا المجال ليس أبلغ من قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد أتشفع في حد من حدود الله والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها أو كما قال عليه الصلاة والسلام . والتاريخ الإسلامي زاخر بالأمثلة الدالة على المساواة ومنها قول عمر بن الخطاب للقبطي أضرب ابن الأكرمين وهو ابن عمرو بن العاص.
•المشاركة الجماعية في دفع ثمن الجريمة والانحراف كإلزام عائلة المنحرف دفع دية القتيل عن طريق الخطأ ودفع دية القتيل الذي لا يعرف قالته من بيت المال وهذا كله لدفع الأسرة والطائفة لإصلاح الفرد المنحرف وإرشاده.
2- الغلو :
الغلو مجاوزة الحد في كل شئ ومنه الغلو في الدين وهو يعني الميل والانحراف عن الطريق المستقيم فمن زاد في الدين ما ليس منه أو تشدد في العبادة حتى خرج بها عن الصفة الشرعية فقد تعبد الله بغير ما شرع(16)
ومقابل الغلو هناك الاعتدال وهو مفهوم مشتق من الجذر اللغوي الثلاثي عدل وفي معناه التوسط والقصد الاقتصاد والتوازن والاستقامة والاستواء في التفكير والعمل والسلوك وفق هذه المعاني تنزل القرآن الكريم ومن ذلك {وجعلناكم أمة وسطا} {واقصد في مشيك} {واقيموا الوزن بالقسط} {فاستقم كما أمرت} أي على المنهج الوسط {تعالوا إلى كلمة سواء}وبمقتضى هذا فنحن أمة مدعوه أو محفوزة إلى التحرر مما يضاد هذه الدلالات مثل الغلو والعدوان والشطط والطغيان والإسراف والانحراف والتنطع والتشدد وسائر النقائض المتعارضة مع مفهوم الاعتدال(17)
فالكون كله يقوم على التوازن والاعتدال لا على الغلو والتطرف والاضطراب {والسماء رفعها ووضع الميزان} ولو أختل هذا الميزان أو التوازن لانفرط عقد الكون ومثل ذلك {والأرض مددناها وألقينا فهيا رواسي وانبتنا فيها من كل شئ موزون} {والله أنزل الكتاب بالحق والميزان}.
ومما قاله عليه الصلاة والسلام (إياكم والغلو في الدين) (وهلك المتنطعون) ومن قواعد الشريعة أن المشقة تجلب التيسير وكلما ضاق الأمر اتسع والضرورات تبيح المحظورات.
الجذور التاريخية للغلو في الدين
يعتقد البعض أن حركة الغلو باسم الدين نشأت مع ظهور حركة الخوارج في العقد الرابع الهجري ولكن الأصح أنه وجدت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذرة أوليه لجذور التشدد في الدين ويظهر ذلك مع النفر من القوم الذين سألوا عن عبادته صلى الله عليه وسلم وكأنهم استقلوها فأحدهم قال أصوم ولا أفطر والآخر يقول أقوم ولا أنام والثالث قال لا أتزوج النساء فكان رده عليه الصلاة والسلام حاسماً في بيان اعتداله وتوازنه في عبادته فقال أنا أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن شئ فليس مني .
وقد تنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل هذا السلوك بقوله " يخرج من ضئطى هذه أقوام تحفرون عبادتكم إلى عبادتهم وصلاتكم إلى صلاتهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميه) (18) ويمثل الخوارج أول حركة منظمه للغلو في الدين وأسست عقائدها الباطلة على الغلو وتبعها حركات أخرى مثل القراطمه وغيره.
أنواع الغلو
للغلو أنواع عدة وترتبط أنواعه بتعريفه ويمكننا هنا أن نقول أن الناحية الشرعية ينقسم إلى :-
1- غلو اعتقادي : وهو ما كان متصلاً بالعقائد كالغلو في الائمه وادعاء العصمة لهم أو البراءة من العصاه كغيرهم واعتزالهم وهو من أشد أنواع الغلو الديني مما يترتب عليه من التفرق والتحزب(19)
2- غلو عملي : ومنه التعسف في أداء العبادة والتكليف بم لا يطاق أو تحريم المباحات من باب الزهد والورع وترك ما أحل الله (20)
نتائج الغلو
من أهم نتائج الغلو هي تأزم العلاقات بين المختلفين حتى ولو كان الخلاف بسيط ورفض الآخر لمجرد أنه لا يتبع ما اتبعه في عبادتي ورفض حقيقة شرعيه مهمة أن الاختلاف سنة وأن كبار الصحابة والتابعين والائمه اختلفوا وكان من نتائج هذا الاختلاف اتساع الخيارات الفقهية أمام المسلمين.
وهذا التأزم في العلاقات ورفض الآخر هو بذرة التكفير الذي قد يقود للعنف لاثبات صحة الرأي والاعتقاد لدي ضيقي الأفق وغير القادرين على المجادلة الحقه ومن نتائج الغلو ظهور شخصيات ورموز يتبعها بعض السذج واكبر شخصيات الخوارج التي أظهرها هذا الغلو عبدالرحمن بن ملجم الذي قتل الإمام على رضي الله عنه فلما قطعت يده لم يجزع ولما سملت عيناه لم يجزع وعندما هموا بقطع لسانه فزع فلما سأل قال اخشي أن تمر ساعة واحده دون لسان فلا أستطيع ذكر الله وباسم الدين قامت فتنة القرامطة وباسم الدين وقف العباس السفاح على مائدته فوق جثث تسعين من بني أمية تختلط خطبته مع أنين الأطفال والشيوخ وينزعون الروح طلباً للموت(21)
ونجد اليوم من يشكك في معتقدات مشايخ الفقه الإسلامي لمجرد أنهم حملوا رؤية مختلفة لمسائل فقيه بحتة لا تحتمل التفسير العقائدي ، وقد أدى انحدار الدولة العثمانية في أخر أيامها لنشوء أزمة فكريه في العالم العربي لم تكن المنظومة الدينية بعيده عنها ولهذا نشأت كثير من البدع والطرائق المتصوفة في شبه الجزيرة العربية تحديداً وادي هذا إلى نشوء تيار يحاول تفكيك هذه البدع عن طريق الايفال بالنقيض وبهذا كانت بذرة الغلو في تأطير مفهوم العقيدة تلك التي انقسم بها المجتمع الإسلامي وإلى مذاهب شتى.
ومن أخطر نتائج الغلو كذلك تمسك الكافر بكفره واعتقاده صواب رأيه لكثرة ما يراه في ممارسة بعض الدعاة من تنطع لا يتناسب أحيانا وواقع مجتمع ما أو فترة زمنية معينه(22)
أسباب الغلو(23)
وأسباب الغلو كثيرة وسنحاول التطرق لإبرازها فقط بما يتناسب مع مساحة هذا العمل وهي:
1- الجهل بالنصوص الشرعية وعدم العلم بمقاصد الشريعة السمحاء.
2- الاعتقاد بملكية الحقيقة الواحد وأن كل مسألة فقيه لها مرجح واحد متناسين شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس والرخصة والعزيمة.
3- انتشار المظاهر المنافية لتعاليم الإسلام وأوامره ونواهيه في بعض المجتمعات وبشكل سافر يتحدى بها مشاعر المسلمين مثل أماكن بيع الخمر وأماكن اللهو غير البريء والدعارة وما في حكمها.
4- إبراز الإعلام بأنواعه المختلفة لرموز مجتمعيه فاسده من الناحية الشرعية والفكرية بل وتبوأها مراكز متقدمة في البلد وفتح المجال لها لمهاجمة الدعاة وأحياناً الدين نفسه تحت ذرائع مختلفة
5- اضطهاد حملة الفكر الإسلامي السليم والدعوه الملتزمة بشروطها والتضييق على أصحابها بشتى الطرق بما فيها التعذيب الجسدي والنفسي ووصمها بالإرهاب والتطرف لمجرد اتباع أعضائها لدين الله.
6- عدم قدرة العلماء والرموز الدينية الكبيرة على صياغة خطاب إرشادي يتوافق مع روح العصر في عباراته ويحاكي الواقع المرير الذي تعيشه الأمة ويقدم الحلول والمقترحات .
7- عدم وجود ساحات حره للحوار والفكر وعرض الرأي والرأي المخالف مهما كانت شدته مما أدى لانزواء البعض بعيداً عن المجتمع ولو بشكل حسي وان اختلطوا به مادياً مما يجعل هذه الفئة تفتى وتبرر بنفسها ما تقوم به دون قائد أو قدوه أو عالم.
8- قلة ثقافة بعض الدعاة وضحالة قدراتهم العلمية والتحليلية فنجدهم يأخذون بنصوص دون أخرى ويأخذون المتشابه ويتركون المحكم والجزئيات دون الكليات
3- المخدرات:
سأحاول أن اركز هذا المخدرات كأحد أخطر الآفات التي تنخر جسد المجتمع وتهدد كيانه واستقراره واحياناً استمراره وليس هذا تقليل من خطر باقي المسكرات لكن اعتقد أن هذه الآفه أكثرها خطراً وأسرعها انتشاراً في المجتمعات خاصة الغنية منها.
فالمخدرات مواد نباتيه أو كيماوية لها تأثيرها العقلي والبدني على من يتعاطاها وتصيب جسمه بالفتور والخمول وتشل نشاطه وتعطل عقله وتؤدي إلى حالة الإدمان والتعود عليها بحيث أنها لو امتنع عنها قليلاً تغير طبعه وتغير حاله وساء مزاجه
الجذور التاريخية لاستخدام المخدرات
يعتقد أن استخدام المواد المخدرة يعود لأكثر من 5000 سنة فمنذ العصور السحيقة قام أناس بزراعة نباتات مخدرة لأغراض ترفيهية وطبيه أو اجتماعية لكن البداية المعاصرة لاستخدام المخدرات خاصة في الغرب بدأت بالاستخدام الطبي للمخدرات حتى أن بعض الأطباء كانوا يصفونها كعلاج لبعض الأطفال جميلاً منهم بآثارها الجانبية ، وفي الحرب الأهلية الأمريكية كان المورفين يستخدم علاجاً في حالات الإصابة حتى سمي الإدمان على المورفين آنذاك (مرض الجندي) وفي سنة 1890 أنتجت شركة باير في ألمانيا مادة مخدره جديدة على اعتبار أنها أقل خطورة من الهيروين وهي المورفين والذي تبني لاحقاً أنه لا يقل خطورة عن الهيروين وعندما أدرك الناس مخاطر الإدمان كانت المخدرات قد انتشرت بشكل واسع جداً (24)
بوابات الإدمان
إضافة لوجود عوامل اجتماعية وشخصية وبيئية تهيئ الظروف الانحرافية للشباب وغيرهم إلا أن بعض الدراسات خاصة في الغرب أثبتت أن هناك بوابة محدده تساهم في تعاطي المخدرات ومن هذه الدراسات دراسة (Fonseco 1997)(25) وابرز هذه البوابات:
1. التدخين : فإن تدافع كثير من المراهقين نحو التدخين هدفه إبراز الذات والتحدي والسعي للحصول على صورة لذواتهم تعطيهم شيئاً من النشوة التي يبحثون عنها وتدفعهم للبحث عن درجات أعلى من النشوة واللذة فيتولد لديهم الاستعداد لتعاطي المخدرات وتزول الحواجز الأخلاقية والقانونية ويقول أحد الباحثين (Johnston 1996) إن تعلم تدخين السجائر هو تدريب ممتاز لتعلم تدخين الماريون (الحشيش) .
2. الكحول : تدل الدراسات العلمية ومنها دراسة (Kandel,eral 1992) أن استخدام المخدرات يبدأ بتعاطي البيرة والخمرة وهي أم الخبائث وأثبتت هذه الدراسات وجود علاقة قوية بين التدخين والكحول .
3. رفاق السوء:
يأتي خطر رفاق السوء من أن تأثيرهم يتزايد في مرحلة يكون الشباب فيها قابلاً للتأثير خاصة مرحلة المراهقة وضعف الترابط الأسرى ويزداد أثر رفقاء السوء عندما تكون شخصية المراهق هشه وعناصر المقاومة لديه ضعيفة ولا يستطيع أن يقول لا .
إحصائيات عامة(26)
- تبلغ نسبة المدخنين للحشيش (الماريرونا) من البالغين بين سن 18-25 64% في المجتمع الأمريكي
- 32% من حجم القوى العاملة الأمريكية يتعاطى المخدرات بخلاف أنواعها
- يقدر حجم التجارة في المخدرات بمختلف أنواعها 90 مليون دولار أمريكي سنوياً
- وتذكر السجلات الرسمية السعودية أن مستخدمي المخدرات يدفعون أكثر من 60% من دخلهم للحصول عليها وتصل لـ 90% من دخلهم في حالة الإدمان
- ذكر مدير إدارة مكافحة المخدرات في الأردن في لقاء تلفزيوني معه أن الأردن فقد خلال العامين المنصرمين 30 شاباً بسبب تعاطي المخدرات فكم شاباً فقدناهم لنفس السبب دون أن نعرفهم.
- وفي الكويت يعتقد أن عدد متعاطي المخدرات بلغ 20 ألف متعاطي ، وفي عام 2000 بلغ عدد الحوادث المرورية بسبب السكر والمخدرات 753 حادث ، وتبلغ نسبة المسجونين في قضايا المخدرات في السجن المركزي 7% وقد بلغ عدد من توفوا بسبب تعاطي المخدرات في الكويت 54 شخصاً في عام 2001
أسباب انتشار ظاهرة المخدرات
في دراسة قام بها المشروع الوطني للوقاية من المخدرات (غراس) في الكويت ظهرت الأسباب التالية :-
1- سهول الحصول على المال مقابل تسهيلات يعرضها تجار هذه السموم.
2- غياب الوازع الديني وتدني مستواه لدي البعض من الناس وانتشار قيم دخيلة على المجتمع
3- ضعف عمليات التفتيش والرقابة واتساع الحدود البحرية وصعوبة السيطرة عليها
4- قيام بعض مقاهي الشيشة بدس المخدرات للزبائن ليعتادوا عليها وليعودوا لهذه المقاهي دون غيرها خاصة الحشيش.
5- عدم وجود مستشفى متخصص لعلاج المدمنين جسدياً ونفسياً واجتماعياً فالمدمنون يوضعون في مستشفى الطب النفسي في جناح خاص (يجري حالياً إنشاء مستشفي متخصص للإدمان بتبرع من بيت التمويل الكويتي وهو بنك إسلامي في الكويت بقيمة 4 ملايين د.ك)
6- ضعف الترابط الأسري فـ 75% من المتعاطين يتبعون لأسر مفككه.
وفي دراسة أخرى(27) على عينه من المدمنين الكويتيين وسؤالهم مباشرة عن أسباب اتجاه الشباب في المجتمع الكويتي لتعاطي المخدرات والمسكرات ظهرت النتائج التالية:-
• أن بداية الإدمان عادة تبدأ عند سن 19.5 سنة
• أغلب المتورطين في هذا الأمر من أصحاب الدخول المحدودة
• 0% من أفراد العينه تقريباً يصرفون أكثر من ثلث دخولهم على هذه المواد
• ويمثل الأقران والأصدقاء واحدة من أهم المتغيرات التي تؤثر على سلوك الإنسان وتحدد مساره
• غياب الوازع الديني يعتبر مسألة مهمة في سلوك الفرد لطرق غير سوية
• أظهرت الدراسة الحاجة لوضع استراتيجية تربوية توعوية واضحة المعالم للحد من انتشار هذه المسكرات والمخدرات.
وفي دراسة ثالثة(28) على عينه من طلاب المدارس الثانوية الحكومية يبلغ تعدادها 4007 مفرده 54.2% ذكور و 45.7% إناث بين سني 13-20 سنة من خلال استبيان يتكون من 65 تبدأ وتهدف الدراسة إلى إلقاء الضوء على مدى انتشار تعاطي المواد المؤثرة في الأعصاب على طلاب المدارس الثانوية بدولة الكويت وعلاقة ذلك بعدد من المتغيرات النفسية والاجتماعية ومن أبرز نتائج هذه الدراسة :
- 15.6% من أفراد العينة تعاطوا الأدوية المهدئة والمنشطة والمنومة بدون أذن طبي و 14.7% منهم دخنوا السجائر 12.7% الكحوليات و 12.2% دخنوا الشيشة 2.1% المخدرات الطبيعية مثل الحشيش والأفيون و 1.8% تعاطوا مخدرات غير محدده و 1.5% تعاطوا هيروين وكل هؤلاء تعاطوا هذه المواد على سبيل التجريب.
- أثبتت الدراسة أن من استمروا بعد مرحلة التجريب أعلاه هم 30.7% في حالة الأدوية و 63.8% في المخدرات الطبيعية و 31.8% في الكحوليات
- المدى العمري لبداية من تعاطي هذه المواد المؤثرة 15-17 سنة
- وجود علاقة سلبية وعكسية بين التعاطي ومستوى تحصيل الطالب
- أثبتت الدراسة وجود اقتران بين تعاطي المواد المؤثرة مثل التدخين والأدوية والمخدرات والكحوليات وبين ارتكاب العديد من الانحرافات السلوكية داخل المدرسة خاصة مثل الغش في الامتحان والشجار مع المدرسين والهروب والسرقة والشجار مع الوالدين.
4- الفقر :
تعتبر ظاهرة الفقر واحده من أهم المعضلات التي واجهتها المجتمعات والحكومات والنظريات الاجتماعية منذ أقدم العصور وفي القدم ارتبطت ظاهرة الفقر بفقدان الموارد أو بالحروب التي تؤدي إلى القهر والاستعباد ولذا فإن الأديان السماوية جميعها أولت ظاهرة الفقر اهتماما خاصةً وقال صلى الله عليه وسلم "اللهم أعوذ بك من الكفر والفقر) أبو داوود ويقول صلى الله عليه وسلم (كاد الفقر يكون كفراً) رواه أبو تميم في الحليه عن انس وسنده ضعيف. ومن أشهر المقولات مقولة سيدنا على بن أبى طالب رضي الله عنه (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) وفي التراث الفلسفي يقول ارسطو (الفقر مولد الثورات والجريمة)
الفقر كمفهوم : والفقر من المفاهيم المجردة النسبية فهو مفهوم يحاول وصف ظاهرة اجتماعية واقتصادية بالغة التعقيد تدور معظم الأدبيات التي تتحدث عن ظاهرة الفقر حول نوعين أساسيين من الفقر الأول يسمى بالفقر المطلق absolute poverty)) ويحدد الفقر بأنه عدم قدرة الفرد / الأسرة على الوفاء باحتياجاتها الأساسية الغذائية وغير الغذائية وهناك الفقر النسبي relative poverty)) ويشير لعدم قدرة الفرد الأسرة للوفاء بالمستوي المعيشي للمجتمع الذي تعيش فيه .
وتحدد الأمم المتحدة خط الفقر أي الخط الذي يفصل بين الفقير وغير الفقير أنه دولار واحد باليوم بالنسبة للفقر المطلق (29) وبطبيعة الحال فالفقر يختلف باختلاف المجتمعات والأوقات والأحوال والأشخاص وأساليب تعريفه وطرق قياسه ووسائل معالجته.
ويمكن التأكد أن الفقر بمفهومه النسبي الذي يرتبط بالظروف الاقتصادية والاجتماعية لكل بلد هو ظاهرة موجودة في بلدان الخليج يبرز أكثر في صورة التفاوت في توزيع الدخل وليس في انتشار ظاهرة الفقر المطلق أو المدقع منه(30)
أخطار الفقر(31)
أ- خطره على العقيدة : فالفقر قد يكون مدعاة للتشكك في حكمة التنظيم الإلهي للكون والارتياب في عدالة التوزيع الإلهي للرزق وقد يؤدي لنظرة جبرية تدعوا لقبول الواقع وعدم العمل والكدح والسعي للرزق.
ب- خطر الفقر على الأخلاق والسلوك :
فقد يدفع البؤس والحرمان الذي يعيشه الفقير خاصة إذا كان إلى جواره مترفون قد يدفعه لسلوك غير سوي وتشكيك منه بالقيم الأخلاقية والنظام العام للمجتمع لهذا قالوا (صوت المعدة أقوى من صوت الضمير) ويقول صلى الله عليه وسلم (إن الرجل إذا غرم – استدان – وحدث فكذب ووعد فأخلف)(32)
جـ- خطر الفقر على الفكر الإنساني :
فأثر الفقر يمتد للجانب الفكر كما هو في الجانب الروحي والأخلاقي للإنسان فروي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال " لا تستشر من ليس في بيته دقيق" لأنه مشتت الفكر ومشغول البال فلا يكون حكمه سديداً.
د- خطر الفقر على الأسرة :
فالفقر مانع رئيسي من موانع الزواج وتكوين الأسرة والتناسل الإنساني لما وراءه من أعباء ونفقه لهذا أوصى القرآن غير القادرين على الزواج بالتعفف والصبر حتى تواتيهم القدرة الاقتصادية بقوله تعالى {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله والله واسع عليم} (النور 33) واثر الفقر كذلك على استمرار الأسرة فمن حق القاضي أن يفرق بين المرأة وزوجها لعجزة عن النفقة عليها رفعاً للضرر عنها وفقاً لقاعدة (لا ضرر ولا ضرار).
بل قد يتعدى الأمر إلى قتل النفس التي حرم الله بسبب الفقر وهي حقيقة قرآنية ذكرها تعالى بقوله {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم} (الأنعام 151) وفي بعض الصحف تظهر أخبار تشير لبيع بعض الأسر لأولادها بسبب ضيق الحال أو انتحار الأب أو الأم مع الأولاد بسبب الفقر .
هـ- خطر الفقر على المجتمع واستقراره :
روي عن أبي ذر أنه قال " عجبت لمن لا يجد القوت في بيته ! كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه" فقد يصبر المرء على الفقر إن كان ناشئاً من قلة الموارد وكثرة الناس أما إذا نشأ من سوء التوزيع للثروة والدخل وبغي بعض الناس على بعض وترف أقلية في المجتمع على حساب الأكثرية فهذا هو الفقر الذي يثير النفوس ويحدث الفتن والاضطراب ويقوض أركان المحبة والإخاء بين الناس.
ثالثا: المؤسسات الخيرية ودورها في حفظ الأمن الاجتماعي :
بينا فيما سبق أهم الأمراض والآفات التي يعتقد أنها تهدد الأمن الاجتماعي وتقوض أركانه الأمر الذي سيؤدي للفوضى والاضطراب والتوجس والخوف على النفس والمال في المجتمع المسلم الذي تشكل هذه المنظمات الخيرية عنصراً مهماً من عناصر تكوينه وأحد الأدوات الأساسية لترتيب علاقاتها البينية بين فئاته المحلية أو بينه وبين الدولة باعتبارها مؤسسات وسطيه تحدث التوازن بين المجتمع والدوله وهي ناشئة من إرادة شعبية وانعكاساً لحاجات لمسها أفراد من هذا المجتمع وقاموا بإنشاء هذه المنظمات لتلعب دورها.
وفيما سبق استعرضنا الآفات ولكننا لم نقترح الحلول لها حتى لا تتضخم هذه الوريقات لأننا سنضطر للربط بين هذه الحلول ودور المنظمات الخيرية في معالجة هذه الأمراض.
فمنهج معالجة الأمراض واحد وان اختلفت أسباب هذه الأمراض وأعراضها ونتائجها فالأدوية قد تختلف ولكن أسلوب المعالجة واحد يعتمد على تشخيص الداء وتحديد حجمه وابعاده وانتشاره ودقائق تكوينه المرضي واختيار الدواء المناسب له ومدى صلاحيته للمريض ، وكذلك الأمر بالنسبة للأمراض الاجتماعية فقد شخصناها وبينا تعريفاتها وأسبابها وحجم انتشارها وصورها ونتائجها أما أسلوب مكافحتها قبل استفحالها وهو ما يسمى بالعلاج الوقائي ومعالجتها إذا وقعت او يمكن تسميته بالعلاج المرضي أو الدوائي فقد رأيت أن نجمعها لاحقاً.
المنطلق:
ينطلق دور المؤسسات الخيرية في موضوع الأمن الاجتماعي من دورها الدعوى في المجتمع والناس يمثل لب الإسلام نفسه وقد لوحظ اختلاف العلماء في تعريف الدعوة وذلك نابعاً من اختلافهم في تحديد معنى الدعوى فكلمة الدعوة من الألفاظ المشتركة التي تطلق على الإسلام كدين وعلى عملية نشره بين الناس ومن هنا فإن التعريف الاصطلاحي للدعوة التي هي بمعنى النشر والبلاغ يغاير تماماً الدعوة التي يراد بها الدين لأن التعريف الأول يعرضها كمعلم من العلوم مثل سائر العلوم الإنسانية له موضوعه وخصائصه وأهدافه (33) وبعرض الدكتور محمد أبوالفتح البيانوني الدعوة بأنها تبليغ الإسلام للناس وتعليمه إياهم وتطبيقه في واقع الحياة
والدعوة لغوياً هي الدعاء للشيء بمعني الحث على قصده والدعوة إلى الإسلام تعنى المحاولة العملية والقوليه لإمالة الناس إليه.
رابعاً: المكونات الأساسية لمكافحة الآفات التي تهدد الأمن الاجتماعي:
لكل دواء مكونات يتولى أصحاب الاختصاص تحديدها ومن ثم تحديد مقاديرها وأسلوب مزجها لتكون الشكل النهائي للدواء الذي سيقدم للمريض حسب حالته المرضية وتكوينه الجسماني .
ولا تختلف مسائلة علاج الآفات الاجتماعية عن معالجة الأمراض العضوية ,النفسية لذا سنحاول أن نسلط الضوء على أبرز مكونات العلاج تاركين التركيبة العلاجية لأصحاب الاختصاص والعاملين في الميدان والذين يملكون دون شك خبرة أكثر ومعرفة أعمق من أي طرح نظري مهما بلغت حبكته.
أما المكونات التي نعتقد أنها مهمة فهي :
- العلم والرفق والصبر والتي يراها الإمام ابن تيمه مهمة في عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالعلم قبل الأمر والنهي والرفق معه والصبر بعده واستدل على ذلك بما ذكره القاضي أبو على في المعتمد حيث قال لا يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر إلا من كان فقيهاًَ بما يأمر به فقيهاً بما ينهى عنه ، رفيقاً فيما يأمر رفيقاً فيما ينهى عنه حليماً فيما يأمر حليماً فيما ينهى (34)
- تغليف الترغيب على الترهيب في بعض الأحيان حسب حالة الناس فالخطاب الدعوى الحالي يغص بمفردات الترهيب والنار والعقاب وشدة الحساب وكأن الله خلق النار دون الجنة ، وليس كل الناس مترفين بل أن بعضهم يعيش في ضنك وعسره ويحتاج للأمل والرجاء والفسحه.
- الحوار والحوار المباشر مع المخالفين أياً كانوا ولأي فكر ينتمون ، فقد عرض القرآن المنهج الحواري حتى مع فرعون الطاغية المتجبر والمستكبر ليؤكد القرآن المنهج العلمي في التعامل مع الآخر حتى لو كان مخالفاً في العقيدة بقوله {أذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى}(طه 43-44) وهذه هي الخطوط العامة التي ثبتها القرآن لمنهج الحوار مع المخالفين.
- استحضار الهدف الأساسي من الحوار وهو الوصول للحقيقة واكتشاف الحق وإيصال الطرف الآخر إليها وليس الهدف هو التغلب عليه أو تدميره وإظهاره بمظهر العاجز المهزوم والسعي للدليل والبرهان بالعقل والمنطق(35) .
- اتباع أسلوب الإدارة بالمشاريع كشكل مؤسس ضمن الإطار التنظيمي داخل المؤسسات الأهلية لضمان حسن التخطيط لها وتحديد مسئولياتها والنتائج المتوقعة منها.
- السعي لإظهار التمايز الفكري بين الجماعات الإسلامية والمنظمات الأهلية وأن الناس ليسوا سواسية في الفكر والفهم وبيان الأصوات النشاز خارج منظومة العمل الإسلامي الملتزم.
- النظر لمن أصابتهم هذه الآفات الاجتماعية من انحراف وغلو وتكفير انهم مجموعة ضحايا لظروف اجتماعية معينه أو فهم خاطئ أو استنباط جائر أو تضليل متعمد وبالتالي فهم مرضى وليسوا خارجين على القانون (وأن كانوا كذلك من وجهة النظر القانونية البحتة) ويحتاجون لعلاج واحتضان لأنهم ضلوا الطريق ويحتاجون للهداية والرشاد
- التركيز على الجانب الوقائي لعلاج هذه الآفات قبل إصابة المجتمع والأفراد بها والسعي لإيجاد مؤشرات وتكوين وحدات رصد يكون هدفها رصد بدايات هذه الظواهر وتكون شبيه بمراصد الزلازل ، ففى كل الأحوال درهم وقاية خير وأقل تكلفة من قنطار العلاج . وقد يكون ذلك بإنشاء مراكز البحوث والدراسات داخل المؤسسات الخيرية لتتبع مثل هذه الظواهر فبل استفحالها.
- الاحترافية في العمل والتي تتمثل في التعاون مع أصحاب الاختصاصات العلمية الفنية أفراداً ومؤسسات ذات العلاقة بهذه الظواهر وعدم الاكتفاء بالخطاب الوعظي الإرشادي بل تدعيمه بالآراء والدراسات العلمية والإحصاءات وغيرها من وسائل الرصد والتنظيم.
- الصدق والشفافية والمكاشفة في التعامل مع هذه الظواهر دون تهويل أو تقليل {يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} .
- بناء التحرك العملي على استراتيجيات وخطط واضحة الأهداف والوسائل يعضها أصحاب الاختصاص ، والتخلى عن العمل بردود الأفعال فرد الفعل لا يرقى للفعل ذاته وهو تابع له منقاد إليه.
- التخلي عن أسلوب الدفاع لأن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم حتى تنتقل المعركة لأرض الخصم وملاعب الكرة تشهد على فشل أسلوب الدفاع في تحقيق النتيجة المرجوة وحتمية البدء بالهجوم.
- المواجهة المباشرة لمعالجة الأسباب وليس النتائج لأن أغلب الناس الذين ينحرفون إنما تدفعهم الحاجة للانحراف سواء كانت الحاجة فقر أو ظلماً أو ما شابه وكذلك الأمر بالنسبة لباقي الأمراض الاجتماعية.
- استقطاب اكبر عدد ممكن من الشباب المتحمس للعمل التطوعي داخل المنظمات الأهلية واشعارهم بأهميتهم وقدرتهم على الإنتاج مع الإشادة الإعلامية بهذه الأعمال وإبرازها في وسائل الإعلام المختلفة.
- التثبت والتأكد من رموز العمل الدعوى فهم قدوات يتبعها الشباب فإن لم تحسن اختيارهم كانت النتائج وخيمة والعواقب سيئة.
خامساً: أدوات العلاج والمكافحة :
تتعدد أدوات علاج الآفات الاجتماعية كما تتعدد أدوية علاج الأمراض العضوية فنجد لكل مرض أكثر من دواء تتشابه في تأثيرها المزعوم وتختلف في مكوناتها ومن أهم الأدوات التي من الممكن أن تكون ذات تأثير في المجتمع وبالتالي تكافح وتعالج الآفات الاجتماعية المشار لها في هذه الوريقات هي :
1. المسجد : وهو أول شكل مؤسسي في التكوين التنظيمي في الإسلام فهو مكان للعباده وإدارة الدولة وتجييش الجيوش وحل المشاكل بل والزواج والترفيه ومع تعدد المؤسسات الاجتماعية تقلص دور المساجد ليكون داراً للعبادة اليومية والأسبوعية ولسنا بصدد قبول أو رفض هذا التقليص وإنما بيان أهمية دور المسجد حتى مع محدودية هذا الدور الآن. لذا لابد من إعادة النظر بالخطبة من حيث اختيار المواضيع ذات العلاقة بالواقع المعاش ومناقشة هذه المواضيع بتجرد وعلمية والتخفيف من اللغة الوعظية والحماسية التي تخاطب العواطف ولا تحرك العقول ولابد من اختيار الخطباء فلكل وظيفة شروط وآلية اختيار صعبة إلا الخطباء فالشروط ميسره فالمطلوب حفظ عدد من أجزاء القرآن ومعرفة بعض الأحكام الفقهية المرتبطة بالصلاة.
2- الدروس والمحاضرات العامة