مَدَارِسّ الَبَتَانُونَ

مصر بين نصر 6 أكتوبر وتحرير 25 يناير

تهل علينا هذه الأيام، أطياف الفخر والنشوة والانتصار في الذكرى الثامنة والثلاثين لنصر السادس من أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1973 - الموافق العاشر من رمضان - تلك الذكرى الغالية على قلب كل مصري وعربي، ذكرى العبور الى النصر والكرامة واسترداد الأرض، ذكرى تحرير جزء عزيز من ارض الوطن هو سيناء الحبيبة، وتحطيم خط بارليف «المنيع» - الذي كان يعد من أقوى الحصون العسكرية في تاريخ الحروب وأسطورة العدو الذي قيل عنه انه لا يقهر - وتلقين العدو دروسا في فن القتال والتكتيك العسكري وشل حركته كاملة في ست ساعات، فيما تم اعتباره بمثابة معجزة عسكرية بالمقاييس كافة.

تمر هذه المناسبة العطرة الرائعة، أمام عيني وأنا استدعي من خلالها ذكريات وطنية جليلة، تسري في عروقي دون توقف، تغمرني بفخر وإعزاز لقواتنا المسلحة، وإرادة وكفاءة ووطنية المقاتل المصري، الذي استطاع تحقيق المستحيل، وحقق النصر والعبور من أجل أن تحيا مصر مستقلة كريمة عزيزة في قلوب شعبها المناضل. في السياق ذاته، أجد نفسي كواحد من جنود مصر إبان تلك الفترة، واقفا أمام درسين رئيسيين من دروس هذا النصر العظيم:

أولها: أن هذا اليوم لم يولد من فراغ فقد سبقته حرب الاستنزاف ببطولاتها وشهدائها، فقد سبقته حرب استنزاف زاخرة بالبطولات والشهداء، كما سبقته أيضا ملحمة بناء حائط الصواريخ ودشم الطائرات بشهدائها المدنيين والعسكريين، وملحمتي رأس العش وشدوان، وإغراق المدمرة إيلات ومهاجمة الضفادع البشرية لميناء إيلات عدة مرات.

ثانيها: أن عظمة شعب مصر تجلت خلال حرب أكتوبر إذ لم تقع جريمة واحدة طوال الحرب ولم تسجل محاضر الشرطة أية واقعة سرقة ولم يحدث أي تكالب على المواد التموينية... كان الكل في واحد هو الوطن... اختلطت دماء الشهداء المسلمين والمسيحيين... الكل عزف لحن الوفاء لمصر الأرض والكرامة والعزة.

اتصالا بما سبق ومما يعطي احتفال مصر بذكرى أكتوبر المجيدة لهذا العام بريقا خاصا وخصوصية غير مسبوقة، تواكبها مع حدث استثنائي آخر في تاريخ مصر المعاصرة ونقطة تحول مفصلية في تاريخها الحديث، ألا وهو ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ذلك الحدث الذي يعد بمثابة عبور ثان لا يقل أهمية عن عبور أكتوبر المجيد، ألا وهو العبور الى دولة المؤسسات الديمقراطية الجديدة، التي بدأت ملامحها في التشكل خلال المرحلة الانتقالية الحالية في خلق مستقبل مشرق للوطن العزيز.

وليس ثمة شك، في ثقة الشعب المصري اللامحدودة يثق في الجيش كصمام للأمان لكل مواطن مهما كانت توجهاته. فالجيش المصري الذي عبر في أكتوبر (1973) هو نفسه الذي حمي ثورة يناير ويعمل حاليا على تحقيق تطلعاتها وطموحاتها. فلقد حطم جنودنا الأبطال في (1973) خط/ بارليف المنيع، وأمامنا الآن أكثر من بارليف في الداخل والخارج، سواء من خلال من يتربصون بمصر بعد سقوط النظام السابق، أو يرغبون في نشر مناخ التشرذم والتنابذ والعنف بين المصريين، أو يريدون إثارة الفتن الطائفية.

ولكن هيهات، فشعب مصر الأبي - الذي طالما حمى بلاده من المعتدين وكانت أبوابه بمثابة الصخرة التي تحطم عندها الأعداء - لن يقع فريسة لهذه المحاولات فحماية الله التي جاءت في كتابه العزيز «أدخلوا مصر ان شاء الله آمنين» لن تخبو عن مصر أبدا.


مصر لم ولن تسقط

 

ولقد جاء ما تقدم، التأكيد الحاسم على لسان القائد العام رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، المشير محمد حسين طنطاوي، بأن مصر ستظل أمة عظيمة بين الأمم وأن القوات المسلحة لن تسمح أبدا بتراجعها، وستساهم بكل إمكاناتها حتى تعبر مصر هذه المرحلة الدقيقة في تاريخها على جميع المستويات، وتكون في طليعة الأمم وتسترد ريادتها والمكانة التي تستحقها.

ولا يخفى على أحد أن هذا التصريح هو رسالة ثقة لجميع المصريين بلا استثناء على مستقبل وطنهم وقوة أمتهم وقدرتها على بناء غدها الأكثر إشراقا، والأفضل استقرارا وأمنا ورخاء وازدهارا، ولم يكن غريبا أن تتزامن هذه الرسالة مع رسالة أخرى مماثلة، جاءت ضمن ما أكده أعضاء المجلس العسكري خلال لقائهم مع شباب الثورة، على أن القوات المسلحة لا تنحاز لأي طرف أو حزب أو كيان، وأنها مستمرة في إعلاء القانون ومحاسبة الفاسدين من خلال قضاء مصر النزيه، وأنها ملتزمة بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في جو ديمقراطي نزيه يعبر عن إرادة ورأي الشعب، وذلك بوضع دستور وطني يحمي مدنية الدولة ويعلي من قيمة المواطنة وينقل مصر إلى آفاق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

لقد تعهد المجلس العسكري الذي يحمل أمانة مصر على كتفيه ونصب عينيه، بحرصه على إعلاء المصالح العليا للوطن، وانه ليس بديلا عن الشرعية، ولا يسعى لإطالة الفترة الانتقالية، بل إنه ملتزم بخريطة طريق واضحة ومحددة زمنيا لنقل السلطة بعد اختيار رئيس الجمهورية، على أن يتم انعقاد مجلس الشعب المنتخب مارس/ آذار (2012) بعد إعلان نتيجة الانتخابات لممارسة مهماته، مؤكدا نقل أمانة مصر الى أبنائها المدنيين عبر انتخابات تشريعية ورئاسية نزيهه وشفافة، مرحبا بجميع المنظمات المدنية المحلية والأجنبية ووسائل الإعلام لمشاهدة ومتابعة الانتخابات، والتأكد من أن مصر ستقدم نموذجا عمليا في كيفية إجراء انتخابات حرة ونزيهة وآمنة تعبر عن إرادة الشعب في اختيار من يمثله، تحت سمع وبصر العالم أجمع.

ولن يتبقى بعد خطوتي الشعب والشورى سوى صياغة الدستور والمضي قدما في الانتخابات الرئاسية، وهو الأمر الذي يتوقع انتهائه بحلول نهاية العام (2012) أو بداية (2013) بإذن الله.

ومن بين الخطوات التي اتخذها المجلس العسكري للبرهنة عمليا على جديته، من خلال الآتي:

• تقديم جدول زمني لانتقال السلطة

• تعديل المادة الخامسة من قانون مجلسي الشعب والشورى، بما يسمح للأحزاب والمستقلين بالترشح على المقاعد الفردية

• تغليظ العقوبات الخاصة بجرائم الانتخابات

• عدم إحالة المدنيين الى المحاكم العسكرية إلا في الجرائم التي ينص عليها قانون القضاء العسكري

• دراسة وقف حالة الطوارئ

• دراسة إصدار تشريع لحرمان قيادات الوطني المنحل من مباشرة الحقوق السياسية

تلك هي رسائل الأمن والأمان، رسائل البناء والتنمية والإنتاج، رسائل توحيد الصف ونبذ الفرقة والخلاف، رسائل إلى مصر المحروسة من جيشها الوطني الأمين، رسائل إليها وهي تعيش وقت الشدة والأزمة، وما أكثر هذه الرسائل التي تحتاجها مصر منا جميعا الآن وهي تجابه تحديها الأخطر في تاريخها الحديث والمعاصر.

«فمصر هبة النيل، وقلب العالم العربي، وبوصلة الشرق الأوسط»...


مصر بوصلة الشرق الأوسط

 

هذا آخر وصف لمصر من أحد أكبر المرجعيات الفكرية في الغرب ألا وهو رئيس المعهد الألماني للعلاقات الخارجية المفكر الألماني فولكر بيرتيس، حيث قال أمام منتدى الحوار العربي الألماني والذي عقد بالقاهرة في يوليو/ تموز 2011 الماضي إن مصر هي بوصلة منطقة الشرق الأوسط، ولعبت أدواراً مهمة عبر تاريخها وذلك باستثناء السنوات العشر الماضية، مضيفاً أنه يجب على مصر أن تستعيد دورها وتعمل على إقامة نظام ديمقراطي حقيقي حتى يتحدث المسئولون المصريون مستقبلا مع واشنطن، على أن بلادهم هي أهم دولة ديمقراطية في المنطقة.

تأتي هذه الشهادة المهمة لتؤكد مدى ضخامة الآمال التي ينتظرها العالم من مصر وهي تمر حاليا بفترة اختبار كبرى، والتي لا يترتب على نتيجتها مصير الشعب المصري فقط، بل مصائر شعوب المنطقة بأكملها، لأن مصر كما قال هذا المفكر الألماني بوصلة منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم فإن دول المنطقة ستترسم خطى التجربة المصرية، وتأخذ بها دليلاً في كيفية تطبيق المبادئ والقيم الديمقراطية الغربية في البيئة العربية، ومعرفة مدى قبول أو رفض هذه البيئة لها، في ظل حداثة التجربة وحال الاستقطاب الحادة من الرؤى المؤيدة والأخرى الرافضة والثالثة الحائرة بين الاثنين.

ومن هنا تأتي جسامة التحدي الذي يعيشه شعب مصر بكل أطيافه المتعددة، وحتمية توافقه العاجل على منهاج العمل وأجندة المستقبل.

وفي الحقيقة، ربما يمكنني القول - وبكل ثقة - إن مصر ماضية في ضبط بوصلتها بعد أن هدأت كثيرا بعض الأصوات الناشزة التي استخدمت ضجيجها العالي في محاولة فرض رؤيتها المعاكسة للتاريخ على مستقبل وهوية مصر، وظنت أن مصر بحضارتها الإنسانية ووسطيتها الفريدة قد غابت عن الزمن وغيبت عن العصر.

ولم يلبث الوقت، أن يمر حتى تجلت مصر بوجهها الحضاري العريق والإنساني الناضر، وجاءت الرؤى الحضارية من جميع التيارات الأساسية في المجتمع، مثل الأحزاب السياسية، ومؤتمر الحوار الوطني، ومنتدى الوفاق الوطني، وعناصر المجتمع المدني والحقوقي، ومراكز البحوث والدراسات، والمجلس العسكري، فوق كل ذلك الأزهر الشريف في وثيقته التاريخية بشأن مستقبل مصر، لتؤكد مدنية الدولة المصرية، ولتبرهن أن سيادة القانون وإرساء قيم الديمقراطية هي قوام الحكم الرشيد وأن المواطنة هي أساس المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع أبناء الوطن، وإرسال رسائل تطمين حقيقية وصادقة إلى الداخل والخارج.


تحية وإعزاز

 

وإنني اليوم، إذ أقف مستذكرا انتصارات أكتوبر المجيدة وبطولات أصدقائي وزملائي من الشهداء الذين عاصرتهم وفقدتهم في هذه الحرب الباسلة التي تحل علينا بعد ثورة يناير المباركة بشهدائها الذين لن ننساهم أو تنساهم مصر، لأستلهم منها عبور الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

فمصر التي كانت وستظل دوما في خاطري وخاطرنا جميعا، مصر التي قهرت الهزيمة والانكسار قادرة بإذن الله على الانطلاق لآفاق المستقبل بوحدة أبنائها، ووحدة شعبها وجيشها الذي برهن على أنه من الشعب وإلى الشعب.

نحن نعلم جيدا إرهاصات أي ثورة ونتائجها، ولذا في تقديري أن ما يحدث حاليا هو نتاج طبيعي لمرحلة سابقة من السلبيات التي تتطلب التعامل البناء معها وتهدئة خواطرها قبيل المضي قدما في عملية البناء. فمصر ماضية لا محالة في طريق الإصلاح والتحديث والتقدم والريادة، بما قد يتطلبه ذلك من أيام أو أسابيع أو شهور أو سنوات وما قد يحويه من جهد وعطاء وتضحيات، فالتجربة صعبة ولكنها ستخرج بإذن الله نموذجا يحتذى ونبراسا نتباهى به جميعا كعرب.

ودعوني في الختام، لا أنسى أرواح شهداء أكتوبر (73) ويناير (2011) التي روت بدمائها ثمار النهضة التي تشهدها - وستشهدها - مصر في الحاضر والمستقبل. وعندما تقرأون يا أخي وأختي ويا والدي ووالدتي هذه السويطرات، استأذنكم في الوقوف دقيقة حداد وقراءة الفاتحة والدعاء وتوجيه أعظم تحية لكل جندي مصري وعربي قادونا إلى تحرير أرضنا.

فتحية وإعزاز وتقدير لكل روح شهيد خضبت دماؤه أرض سيناء الحرة.

وكل عام وأنتم بخير..



محمد أشرف حربي 

المصدر: جريدة الوسط البحرينية الألكترونية
SchoolsAlpatanon

مرحبا بكم فى مدارس البتانون

  • Currently 10/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
3 تصويتات / 223 مشاهدة
نشرت فى 6 أكتوبر 2011 بواسطة SchoolsAlpatanon

ساحة النقاش

مرحبا بكم

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

719,172

عبدالمقصودمحمدحجازى

SchoolsAlpatanon
موجه بالتربية والتعليم المصرى »