مَدَارِسّ الَبَتَانُونَ

مصر بحاجة إلى نظام تعليم لائق

أحمد زويل

بينما كنت أغادر القاهرة بعد تنحي حسني مبارك، سألتُ إسراء، وهي امرأة شابة كانت من زعماء الثورة: ''ما هدفكم؟''. قالت ''تغيير النظام''. لقد أطاح المصريون برأس النظام، وليس بالنظام نفسه. وهذا هو التحدي الآن. إن الثورة المصرية، كالثورة التونسية، تمثل أنموذجاً للتغيير في الشرق الأوسط. فهذان المجتمعان ليسا مفتتين بالصراعات القبلية أو الطائفية. ورغم الاختلافات في العقيدة، أو حتى الصدامات التي تقع من حين إلى آخر، فإن مصر موحدة. وفي المقابل، فإن الأنموذج الثاني هو أنموذج اليمن وليبيا والبلدان الأخرى التي بدأت تتشكل فيها الثورات. ومما يؤسف له في هذه الحالات أن الصراعات القبلية والطائفية يمكن أن تؤدي إلى الفوضى والحرب الأهلية، وأن تعيد منطقة الشرق الأوسط في نهاية المطاف إلى دائرة الصراع والعصبية ولا تأخذ بها إلى الأمام. وتفادياً لهذا، لا ينبغي أن يسمح بفشل الثورتين في مصر وتونس. ومصر هي المفتاح. فبسكانها الذين يعدون 85 مليون نسمة، تعد أكبر بلد في المنطقة وقلب العالم العربي. ويعتبر التأكد من نجاح ثورتها أمراً جوهرياً لانتشار الديمقراطية واستقرار إمدادات الطاقة العالمية وكذلك للسلام في المنطقة. فما الذي يمكن عمله؟

من تجربتي في الدفع نحو الإصلاح على مدى عقدين من الزمن، وكمفاوض مع الشباب والزعماء الحكوميين أثناء الثورة، فإنني أعرف ما الذي تمس له الحاجة أكثر من غيره في المدى الطويل؛ إنه نظام تعليم لائق. إن ''شباب الفيس بوك'' الذين أشعلوا الثورة يعرفون أن مصر كانت في وقت من الأوقات متقدمة على كوريا الجنوبية في البحث العلمي والتطوير. ويعرفون أن الصين في السنوات الـ 30 التي قضاها مبارك في قصره وتردى فيها حال مصر، انتشلت مئات الملايين من الفقر، وأرسلت رواداً إلى الفضاء، وشيدت مدناً عملاقة وقطارات عالية السرعة، وارتقت بطلبتها إلى مستويات عالية. وهم يسألون لماذا لا تستطيع مصر أن تفعل الشيء نفسه. بطبيعة الحال، سوف يستغرق هذا وقتاً لكن من الضروري أن يبدأ الآن. ومن بين المشاكل الكثيرة التي تعاني منها مصر، فإن المشاكل الثلاث التي تعتبر معالجتها أكثر إلحاحا هي الإدارة، والاقتصاد، والتعليم. وينبغي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، بصفته الهيئة الحاكمة الآن، أن يضمن حدوث تغييرات سياسية سريعة. إن مصر بحاجة ماسة إلى الوحدة الوطنية والمصالحة. لكن اتخاذ الخطوات المهمة في المدى الطويل لتحويل المجتمع يحتاج إلى دعم مالي. وبينما يتعين على المصريين أنفسهم أن يشكلوا البلد الجديد، فإنهم بحاجة للمساعدة في إعادة بناء مؤسسات مستدامة. والنقطة التي ينبغي الانطلاق منها هي المشروع المحوري: ''نهضة في التعليم والتطوير''، وهو أول أمر نزل به القرآن الكريم ـــ اقرأ. على مدى أعوام قام الغرب بدعم مبارك وقدم المساعدات لما كان يأمل أن يكون استقراراً، لكنه في الحقيقة كان ركوداً ــ في منطقة الشرق الأوسط. إن ما تحتاج إليه مصر الآن هو شراكة عالمية من الهيئات الخاصة والحكومية لإنشاء صندوق لتمويل ثورة في التعليم. وينبغي أن يتولى الإشراف على هذا الصندوق مجلس أمناء مؤلف من مصريين بارزين ومن قادة عالميين بالتعاون مع الحكومة المصرية. ويحتاج هذا الجهد مبدئياً إلى مبلغ مليار دولار يتم تأمينه من مصادر خاصة وحكومية. وبعدئذ يمكن أن يأتي مزيد من الأموال من البلدان الأخرى ويتم استعماله بإشراف البنك الدولي، والبنك العربي، والبنك الإسلامي للتنمية. وسوف يعيد الامتناع عن سداد الديون توجيه الموارد الوطنية لهذا المشروع وغيره من المشاريع الحيوية. إن مصر لا تملك موارد طبيعية غنية ورقعتها الزراعية صغيرة نسبياً ـــ أقل من 10 في المائة من المساحة الكلية للبلد. ويعتمد نموها على السياحة، ورسوم المرور في قناة السويس، وعلى الاستثمار الأجنبي. لكن مصر غنية برأس المال البشري. فحسب الأمم المتحدة، سوف ينمو عدد سكانها إلى 114 مليون نسمة قبل أن يستقر في عام 2065. لا يمكن التقليل من التأثير النفسي لإطلاق هذا الصندوق في هذا الوقت. وكما هي حال تونس، فإن مصر تعيش حالة من التغيير المستمر، حيث يتنافس العديد من الجماعات ذات المصالح على توجيه المستقبل. وعبر إثبات أن بالإمكان بناء مؤسسات فاعلة وذات قاعدة شبابية، فإن هذا المشروع سوف يضع مصر في الاتجاه الصحيح. إن كل عائلة في مصر تعاني تردي التعليم المدرسي والجامعي في عهد مبارك. وأهم ما تريده العائلات هو أن تؤمن تعليماً جيداً لأبنائها. ومن مصلحة الجميع ــ الصينيين، والأمريكيين والأوروبيين والدول العربية الأخرى - الذين يرغبون في أن تنعم منطقة الشرق الأوسط بالاستقرار في المدى الطويل، أن تنجح الثورات الديمقراطية السلمية في مصر وغيرها من البلدان. وعامل الوقت مهم للغاية.

الكاتب حائز جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999. ويعمل أستاذا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وعضواً في مجلس مستشاري الرئيس باراك أوباما للعلوم والتكنولوجيا. وشارك في انتقال مصر إلى الديمقراطية.

المصدر: صحيفة الاقتصادية الألكترونية
SchoolsAlpatanon

مرحبا بكم فى مدارس البتانون

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 339 مشاهدة
نشرت فى 1 مايو 2011 بواسطة SchoolsAlpatanon

ساحة النقاش

مرحبا بكم

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

725,939

عبدالمقصودمحمدحجازى

SchoolsAlpatanon
موجه بالتربية والتعليم المصرى »