التلوث يشطب الطفل المصري من قائمة الأذكياء
أثبتت دراسة حديثة صدرت مؤخرًا بالولايات المتحدة- ولأول مرة- وجود علاقة بين تراجع الذكاء عند الأطفال وبين ارتفاع نسبة الرصاص في الدم، وأكد هارفي ماركوفيتش، رئيس تحرير مجلة أرشيف الأمراض عند الأطفال: أن الأبحاث في الولايات المتحدة قد أظهرت وجود علاقة بين انخفاض الذكاء وارتفاع مستوى الرصاص في الدم، إلا أنَّ هذه الدراسة أثبتت لأول مرة وجود علاقة بين المشاكل السلوكية وارتفاع تركيز الرصاص في الدم.
ووجد باحثون من بريطانيا أنَّ الأطفال الذين يُعانون من مشاكل في السلوك يحملون نِسبًا أكبر من الرصاص في دمهم، وأنَّ البعض يحمل مستويات تفوق مستوى التسمم، ويقول الباحثون إنَّ نتائج أبحاثهم تشير إلى أن أي طفل تظهر عليه علامات الغرابة في السلوك يجب أن يخضع لفحص مستوى الرصاص في دمه.
وقد قام الباحثون بفحص عينات من الدم من تسعة وستين طفلاً أُحيلوا إلى مركز تنمية الأطفال في جنوب إنجلترا بسبب تخلفهم في النطق ونمو اللغة الذي يقود إلى مشاكل تعليمية، أو أن لديهم مشكلة سلوكية كالنشاط المفرط، كما أخذت عينات من مائة وستة وثلاثين تلميذًا أُدخلوا المستشفى لإجراء عمليات جراحية، وأظهرت التحليلات أنَّ الأطفال الذين أظهروا مشاكل في السلوك أو النمو كان في دمهم مستوى أكبر من الرصاص من الأطفال الآخرين، ومن المعروف أن الرصاص يسبب أضرارًا للأعصاب لكن تأثيراته قابلة للعلاج، وبإمكان الرصاص أن يدخل الجسم عن طريق الاستنشاق أو الطعام.
استمرار تلوث جو القاهرة
التلوث في مصر
بلغت نسبة التلوث في بعض المناطق بمصر ثلاث أمثال معدلات منظمة الصحة العالمية- خاصةً في القاهرة- وتعتبر المصانع التي تقع في وسط المناطق السكنية ومحطات صهر الرصاص بالإضافة لأكثر من مليون سيارة غالبيتها قديم تسير في طرق العاصمة أهم الأسباب التي أدَّت إلى ارتفاع نسبة تركيزات مادة الرصاص في هواء بعض المناطق إلى ثلاثة أمثال المعدلات التي تسمح بها منظمة الصحة العالمية، مما سيكون له بالطبع تأثير خطير على الصحة وعلى التنمية على المدى الطويل إذا ما وضُع في الاعتبار تكاليف العلاج وفقدان القدرة على التفكير مع وجود مثل هذه النِسب المرتفعة في الهواء، وبالتالي في عقول الأطفال المصريين!
ويتعرض الأطفال- خاصة قاطني المدن- لمستويات عالية من الرصاص؛ حيث إنَّ قدرة الأطفال على امتصاص الرصاص تفوق قدرة البالغين بثلاثة أضعاف؛ لأنهم دائمًا يمضغون الأجسام المختلفة أو يمتصون أصابعهم؛ ويتواجد الرصاص في الطلاء وبعض أنواع الوقود المستخدم في سير المركبات القديمة نسبيًا، فضلاً عن وجوده بنسب عالية في أنابيب المياه القديمة وفي التربة، ويعد الطلاء القديم مصدرًا مهمًا من مصادر الرصاص المؤذي؛ لهذا يُنصح بمنع الأطفال من وضع أصابعهم أو أشياء أخرى في أفواههم دون غسلها.
الرصاص والجريمة
والرصاص الذي يتواجد في المياه والهواء والتربة والطلاء وأشياء أخرى لا يقتصر تأثيره على انخفاض مستوى الذكاء عند الأطفال فحسب، بل يمتد إلى ارتفاع معدلات جرائم العنف بصورة ملحوظة، خاصة لدى المراهقين والشباب.. هذا ما خلصت إليه دراسة أمريكية حديثة.
ودعت الدراسة إلى بذل المزيد من أجل تخفيض معدلات الرصاص في البيئة، كما ناشدت الآباء حجب أطفالهم عن الأماكن التي قد يتعرض فيها الأبناء لجرعات أكبر من الرصاص، مؤكدةً أن الرصاص قد يكون عاملاً كبيرًا يسهم في السلوك العدواني للشباب والمراهقين ويفسر جنوح الكثير منهم للجريمة.
وحذر فريق علمي من جامعة "بيتسبرج" الأمريكية من أن التعرض حتى للجرعات القليلة من الرصاص قد يسوق الأطفال والمراهقين إلى عالم العنف والجريمة، بحسب ما جاء على الموقع الإلكتروني لمجلة "فروبس" السبت 19/2/2005م.
وقال قائد الفريق الدكتور هربرت نيدلمان: "عندما يجد الرصاص الموجود في الطبيعة طريقه إلى المخ النامي فإنه يسبب اختلالاً في الآليات العصبية المسئولة عن تنظيم النبض، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى سلوك إجرامي ومعادٍ للمجتمع".
وأشارت الدراسة إلى أنَّ ما يتراوح بين 18% و38% من جرائم الأحداث في منطقة بيتسبرج يمكن أن تعزى إلى التسمم بالرصاص بين المراهقين.
وعضَّد نيدلمان أستاذ الطب النفسي وطب الأطفال بكلية الطب بالجامعة دراسته بالعديد من الدراسات التي تربط بين الجريمة وارتفاع مستويات الرصاص، إما في أجساد المتهمين أو في البيئات التي جاءوا منها بما في ذلك دراسة أظهرت ارتفاع متوسط معدلات الرصاص في عظام 190 من المجرمين الأحداث عن أترابهم من غير المتهمين بجرائم.
وأضاف نيدلمان أمام المؤتمر: "التعرض لجرعات من الرصاص تقل عن تلك التي تستوجب الرعاية الطبية للأطفال ترتبط بتزايد الميول العدوانية واختلال الانتباه والإجرام، ومن الإستراتيجيات الفعالة لتقليل الجريمة إزالة الرصاص من بيئة الأطفال".
وفحصت دراسة أخرى 300 من المجرمين، وتوصلت إلى أن الذين يعانون من وجود معدلات رصاص أعلى في أجسادهم سجلوا مشاعر أكثر عدوانية أو اختلالات سلوكية.
ساحة النقاش