عندما يتحوّل المعلّم إلى شريحة إلكترونيّة
لقد قفز التّعليم في بعض المؤسّسات التّعليميّة ببلادنا قفزاتٍ تطويريّةً هائلةً ، ممّا جعلها تتنافس في التّوسّع في تطويع التّقنيات الحديثة ؛ لاستخدامها في التّدريس بشكلٍ مستمرٍّ. و إذا كان هذا المسار مناسباً للتّطوّر الّذي يعايشه الجيل ، و ميسِّراً للوصول للمعلومة، و عرضِها بالطّرق الشّيّقة الّتي تجذب التّلاميذ لحبّ البحث و التّعلّم الذّاتيّ ، من خلال الشّبكة العنكبوتيّة ، و الأقراص المدمجة..، إلاّ أنّ تكثيفه و الاستغراق فيه إلى حدِّ اتّخاذِه هدفاً بذاتِه ، بدلاً من النّظرِ إليهِ وسيلةً لغايةٍ ، أفرزَ نوعيّةً من المعلّمين و المعلّمات ، ممّن نتجت خبراتهم المهنيّة عن الاندماج الكامل بجهاز الحاسب الآليّ ، تحضيراً و تدريساً ، ممّا يدفعني لتسميتهم بـ ( الشّرائح الإلكترونيّة ) . فالمعلّم :( الشّريحة الإلكترونيّة) هو الّذي يعتمد اعتماداً كلّيّاً على التّحضير الجاهز من (الإنترنت) ، كما يتّكئ على العرض الإلكترونيّ في معظم درسه ، حيث تصبح الشّرائح المعروضة تذكيراً له بما يفعله في كلّ مرحلةٍ من مراحل الحصّة ، و ليست إثرائيّةً لمادّته . و إذا ما توبعتْ مهمّاتُه الأخرى من متابعة الدّفاتر و الكتب تصحيحاً و إتماماً ، و كذلك قياس مُخرجاته التّعليميّة على طلاّبه باختبارات تحديد المستوى ..، ظهر الخلل ، و برزت المشكلة الّتي يمكن إثباتُها بمرحلةٍ أخرى ، و هي إبعاد ذلك المعلّم تماماً عن جهاز الحاسب – تحضيراً و تدريساً – و متابعة بدائله في ذلك ، فإن لم تكن بدائلُه مقنعةً ، أو محقّقةً للنّتائج المرجوّة ، كان هذا المعلّم من تلك الإفرازات السّلبيّة للتّطوير ، حيث تحوّل إلى : ( شريحة إلكترونيّة )، و صار نسخةً مشوّهةً للمعلّم الأصيل..، و لربّما ظُلِمَ هذا المعلّم لاحترافه التّعليم في تلك البيئة المطوّرة ، إذ أنّه لو كان معلّماً في البيئات السّابقة، لحاولَ إثبات ذاته بطرقٍ أعمق و أجدى للخبرة الإيجابيّة المثمرة . إنّ المعلّم الّذي كان متميّزاً قبل التّطوير ، هو الّذي بقي متميّزاً بعده ،بإدراكه أنّ التّطوير ( المادّيّ و المعنويّ ) ما هو إلاّ وسيلة لعرضِ المعلومة، و إثرائها، و تثبيتِها في أذهانِ الطّلبة ، مع تحوّلِه الإيجابيّ من التّلقين و المحاضرة إلى غرس التّعليم الذّاتيّ في نفوس طلاّبه، ممّا كان يميل إليه سابقاً بفطرته ، و يحقّق قدراً منه بأسئلته الصّفّيّة العميقة ، و المثيرة للتّفكير. هنا : نجد كلّ مؤشّرات التّميّز تشير إلى هذا المعلّم الّذي أتقن مهامّه جميعها ، و أدّاها على أكمل وجهٍ ، متّخذاً من العروض الإلكترونيّة إثراءً لمادّته ، و تشويقاً لطلبته ،خلال دقائق من الحصّة ، دون تكلّفٍ ، أو إخلالٍ بسيرِ الدّرس ، كما أثرى تحضيره بالمستجدّات المناسبة ، دون إغفال شخصيّته الّتي تبصم بصمتها في كلّ مهمّةٍ من مهمّاته ، و في كلّ تفصيلٍ من دروسه ، و في كلّ منتجٍ تعليميٍّ من منتجاته،حيث تنبض كلّ خليّةٍ من خلاياه بجملة:( أنا معلّمٌ متميّز ) . حقّاً : كم نحن بحاجةٍ إلى هذا المعلّم الكنز، لا سيّما في هذا الطّور من أطوار التّعليم ، إذ لا يعجزه إطفاء زرٍّ ، أو تعطّل جهازٍ ، لأنّه يملك البدائل – بل المصادر – الأصيلة في ذاته ، ليبقى هو المكسب الأساس في التّعليم : ماضياً ، و حاضراً و مستقبلاً . نسيبة بنت فيصل الحجّي
|
ساحة النقاش