لم أنظر إليه حين خلع جلبابه وتصنعت الانشغال بالماء حتى لا أسبب له الحرج..فله ثديين كبيرين، أشرت له بالمتابعة؛ فتقدم متباطئًا بخطوات حذرة، كادت قدماه تنزلقان للزوجة الطمي على الحافة، ألقى بجسده في الماء وأحدث جلبة وفوضى كبيرة؛ ضحكت، بدا منزعجًا من رد فعلي، كانت المياه دافئة لحد كبير، صار بالنهاية مستمتعًا وسعيدًا وبدأ بفرك جسده وإبطيه وهو يغني، التصقت قصته بجبهته وتورد اغتباطًا، لا أدري سر انجذاب الكلاب لمنطقتنا، بدأت بالتوافد، اقتربت من ملابسنا على الحافة، لم يلحظ ، لم أتوقع أن يجري أحدها بجلبابه بين فكيه مسرعًا وبداخله سرواله، لم يفطن لما حدث ولم أشأ أن أخبره، عندما انتهينا دلف للخارج باحثًا عن ملابسه بين البوص والأحجار على الحافة ولم يجد لها أثرًا، تصنعت الدهشة وقمت بالبحث معه وبداخلي شعور بالسعادة لا أعرف له سببًا، غالبت الضحك كثيرًا ورسمت بعض الدهشة، وكنت أسرع منه في البحث متصنعًا البلاهة:
طلب مني الإسراع بالذهاب وإحضار جلباب آخر دون إثارة الانتباه؛ فقد حذرتنا أمي مرارًا من الذهاب هناك؛ لكون الهويس خطرًا حقيقيًا وله ضحايا عند اشتداد التيار، تركته بالماء وارتديت جلبابي مسرعًا ووعدته بسرعة العودة، لم تكن المسافة بالطويلة أو القصيرة.
قدرت الوقت بعشر دقائق.. لولا إصرار "ياسين" ابن عمي على الذهاب معه لساحة بيتهم لنراقب عراك الديكة وتساقط الريش وتطايره.
انتبهت أنني فعلًا أضعت الوقت وقررت الركض حتى البيت، فوجئت بأمي على الباب تتلفت يمينًا ويسارًا بانزعاج شديد.
أخبرتها ما حدث ؛ فشهقت عاليًا واصفرّ وجهها، صرخت وضربت صدرها بكفها، أمسكت أذني بشدة تقرصها بلا هوادة، كادت تنخلع من رأسي، اقتادتني عنوة أمامها، دفعتني بلا رحمة غير مهتمة لتوجعي.
وصلنا حيث كان وقد أظلمت، كان قد أصابه الإعياء وملّ الانتظار، وجدناه بالقرب من الحافة ممسكًا بالنجيلة على البر، عندما لمحها تراجع خطوتين للوراء ونزل بكامل جسده بالماء وبدا مرتعشًا، أصابته القشعريرة فأغمض عينيه وأجهش بالبكاء، اقتربت منه بهدوء، بلغ الماء نصف ساقيها ولم تهتم للبلل الذي أصاب ملابسها، استمرت فقط تقترب، ناولته جلبابه الذي التقطه مسرعًا مرتعشًا، ارتداه بسرعة وقام منتصبًا، ضمّته لصدرها حتى هدأت أنفاسه وتوقف عن البكاء، نظرت لي وضمتني أنا الآخر؛ سرت تلك الرائحة الحميمة بي، دمعت عيناها، قالت محذرة إنها لن تسمح لنا أبدًا بتَكرار ذلك، وإن العقاب الأكبر سيكون عسيرًا إن علم أبي بالأمر، ذكرتنا بالجياد النافقة عند الهويس.
يومان متتاليان أراه بالحلمِ راحلًا وأحاول اللحاق به بلا فائدة، لا يسمع صوتي ولا أسمع إلا صوت خطواته البعيدة على الطريق، ينفذ عبر ممر ضوئي يشبه تلك الهالة حول القمر، يلج بهدوء، يمر بلا أدنى مشكلة ولا يعوقه شيء أبدًا، بعدها انغلقت الطاقة، وجدتها حائطًا أصم بعدها، ولم تمرر حتى يدي، اختفى خضر ولم أجد له أثرًا بالحلم؛ قمت فزعًا من نومي، كانت أمي إلى جواره تضع الكمادات الباردة على جبينه، دعوت الله له باكيًا بالشفاء فاستجاب.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

النقد الادبى

المكان هو سيد النص .. لديك قدرة مدهشة حرية على استدعاء المكان ليتصدر المشهد رغم كونك لا تصفينه بأى شكل مباشر .. أعتقد أن تلك القدرة هى من خصائص موهبتك . يتجسد المكان فى قصصك من خلال الاحساس به فى همس الشخصيات وسلوكها وحركتها . قدرتك الفذة على معايشة النص والالتحام به , تجعل المتلقى يعيش نصك بدلا من أن يقرأه . البحيرة .. أسيل ... رائحة التوت ... وهنا ... بيئات مختلفة ومتنوعة , وشخصيات متباينة . لكن تفردك حرية وسطوة احساسك التى تحتوى القارىء واحدة .. سلاسة سردك وتدفقه . يعكس ثراء قاموسك ومفرداتك . ويجعل اللغة تطاوعك لنقل المشهد الذى تصورينه بلا عنت ولا مشقة . حبال التواصل موصولة بينك وبين القارىء لوضوح الفكرة التى تعالجينها . أنت حرية تدركين منذ البداية حدود التجربة الى تعالجينها . وتديرنها بين أصابعك وعلى سن قلمك بمهارة بالغة . ولذلك تنجحين فى حشد كل عناصر القص فى اتجاه تحقيق الشحنة الانفعالية المرجوة . ونادرا مارأيتك تشطحين فى الفراغ أو تهومين بلا هدف .. قدرتك على قنص التجربة متناهية .. لا يفلت منك أى خيط .. انفعال الأم البسيطة وتطوره من بداية علمها بالواقعة مرورا بها وانتهاء بانفراج الأزمة تطور بالغ الحساسية . ومحكم دراميا .. مشهد نزول الترعة فى بداية القصة بالغ النعومة والجمال . وحقيقى لدرجة تدفع القارىء الى الاخساس بملمس المياه .. المزحة البريئة غير المقصودة والتى كادت تودى بحياة الفتى , تتناسب مع الحلم الذى راود الأخ خلال نومه ويعكس احساسه بجسامة ما وقع فيه من اهمال بتعمده الغياب عن أخيه فترة طويلة أدرك متأخرا أنها ربما تسببت فى هلاكه .. الحلم نفسه بالغ النعومة رغم مايحمله من نذير .. جميل جدا حورية ,,, أشهد لك أنك واحدة من الكتاب المتميزين . تعرفين ماتفعلين . أدواتك كاملة وناضجة . ولديك رؤية ثاقبة . وحس فنى عال .. وأتوقع أن تكون لك مكانة تناسبك فى عالم الأدب والقصة القصيرة .. تحياتى . محسن الطوخى

المصدر: https://www.facebook.com/hryh.slyman ، الكاتب والشاعر سمير احمد القط
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 263 مشاهدة
نشرت فى 8 يونيو 2013 بواسطة SAMIRALSHEIR

مجلة (( نسمات عربية )) لشعبة المبدعين العرب

SAMIRALSHEIR
مجلة الكترونية ناطقة لحال الشعبة العامة للمبدعين العرب رئيس مجلس الادارة سمير عبد الرازق رئيس التحرير سمير احمد القط »

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

38,486