مصر والنيل والمستقبل*
يسعدنى ان اكون بينكم هذه الليله. كما اقدم الشكر الكثير لجماعة تحوتى التى سمعت عنها واعجبت بنشاطها العظيم ومطبوعاتها التى استفدت منها الكثير . وسوف يكون حديثنا الليله عن نهر النيل .
طبعا نهر النيل يلعب دورا اساسيا وهاما فى مصر فبدونه لكانت مصر امتدادا للصحارى المدارية والتى تتميز بانها منطقه تسطع بها الشمس طويلا وتهب عليها رياح جافه وامطارها قليله ونسبه البخر بها عاليه جدا وبالتالى فهى السكان ، وكان من الممكن ان تكون مصر جزءا من هذا الحزام لولا وجود نهر النيل .
والذى بنظر الى خريطة افريقيا خاصه المنطقة الشمالية يجد انه لا يوجد على طول هذا الجزء من الارض اى نهر غير نهر النيل فهو النهر الوحيد الذى استطاع تحت ظروف خاصة جدا ان يحمل جزءا من مياه الامطار التى تتساقط فى افريقيا الاستوائية او افريقيا نصف المدارية الى البحر الابيض المتوسط البحر آلاف الكيلو مترات من القفار والصحارى . مثل هذه الرحله فريده كظاهره جغرافيه لاسباب متعدده.
اول هذه الاسباب حادثه جيولوجيه تسببت فى ان تكون هنالك حركه ارضية تجعل المياه التى تتساقط على اثيوبيابدلا من ان تنحدر ناحيه البحر الاحمر تنحدر الى داخل افريقيا وتتجه شمالا الى البحر الابيض المتوسط .
وفى الزمن الماضى كانت مثل هذه الامطار تذهب فى معظمها الى البحر الاحمر ولكن حدثت ليه فى تضاريس الارض جعلت هذه الامطار بدلا من ان تذهب الى البحر الاحمر او الى المحيط الاطلنطى اصبحت تذهب الى الداخل وتتجه شمالا بكميه من المياه متدففه امكنها ان تصل الى البحر الابيض المتوسط لمسافه تزيد على أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر وهذه الحاله جعلت من البحر الاحمر احد البحار الفريدة فى العلم لانه البحر الوحيد الذى لا يصب فيه نهر ، ولكن طبعا هناك مجارى صغيرة تذهب اليه .وهذه الخاصيه لها ذكرى خاصه بالنسبه لى حيث كنت فى عام 68 مسئولاعن ادارة مناجم مصر الموجودة على البحر الاحمر .وكانت هذه المناجم فى الصحارى فى القصير وسفاجه وكانت المياه تصل الى هذه المناطق من السويس عن طريق مراكب عبر البحر الاحمر ولكن فى حرب 67 وعندما فقدنا السويس ولم يكن من الممكن نقل المياه منها واخذنا نبحث عن مصدر اخر للمياه ، ولم نجد على طول البحر الاحمر بلد واحده تستطيع أن تزودنا بالمياه غير عدن وهذا يوضح الى اى حد هذه المناطق تعتبر قفارا ولا يوجد بها نهر واحد سواء من ناحية بلاد العرب ولا من ناحية افريقيا وهذا مما يفاقم من مشكله المياه بهذه المناطق ويمكن ان تنشب حروب بسبب ذلك .
- ايضا من الوجه الجيولوجيه يعتبر نهر النيل حاله فريده فمعظم الانهار تأتى لها مياه اضافيه كى يستمر تدفقها فى الصيف وبعد اخر منبع لها يتبخر جزء كبير من المياه ويتسرب جزء ، لكن نهر النيل امكن للمياه فيه على الرغم من ارتفاع نسبع البخر والتسرب ان تصل الى البحر المتوسط . هذا يجعل من وادى النيل بالذات ومصر التى نعرفها بعراقه حضارتها حادثا فريدا حقا فلا يوجد بلد مثيل لهذا النهر يحمل كميه من المياه قليله جدا بالنسبه لمساحه حوضه ومن حيث انه اطول نهر فى العالم . ويقصد بالحوض الأرضى التى تحيط بالنهر والتى اذا سقطت عليها امطار تصل الى النهر . واذا قارنا نهر النيل بغيره من الانهار فى العالم نجد أن نهر النيل يحمل فى المتوسط 84 مليار متر مكعب من المياه فى السنة بينما الانهار الاخرى المماثله مثل الكنغو او الامزون او المسيسبى توجد بها الاف الملايين من الامتار المكعبة وهو يحمل كمية تقارب نهر الراين الذى لا يزيد حوضه عن 1/ 20 من مساحه حوض نهر النيل وربما تكون هذه احدى مميزات نهر النيل التى جعلت من الممكن للبشر ان يعيشوا عليه فى أمان حيث يصل خلال ثلاثه اشهر 80 مليار متر مكعب . وباقى الكميه تصل خلال باقى اشهر السنه ويعود ذلك لوجود منبعين الاول من الهضبه الاثيوبيه والتى يأتى منها معظم المياه ، والثانى من الهضبه الاستوائيه .
وهذان المنبعان يكملان بعضهما بعضا مما يجعل المياه تجرى طوال السنه . ولو كانت المياه تأتى فقط من الهضبه الاثيوبيه لكانت تأتى فى اندفاع شديد نتيجه موسم الامطار الموسميه ثم تتبخر والتبخر يزيد الجفاف يشتد لنصل الى جفاف تام لمجرى النهر خلال فتره التحاريق . هذه حاله نهر عطبره الذى يمتلىء بالمياه خلال موسم الامطار ولايصبح فيه قطره من الماء تقريبا فىغير فصل الامطار.
هذا ما كان سيحدث لنهر النيل لولا وجود المنبع الاخر من الهضبه الاستوائيه التى تسقط عليها الامطار طوال السنه مما يجعل جريانه مستمرا طوال السنه . وهذا شكل حديث فلم يكن نهر النيل بهذا الشكل فى الازمان القديمة . وهذا الشكل الحديث منذ عشره الاف سنه والتى تمثل تاريخ مهم جدا بالنسبه للارض فمبدأ نشأه العالم الحديث بشكله الجغرافى وتقسيماته المناخيه وشكل المظاهر الطبيعية واستيطان الانسان الحديث منذ هذا الزمن . لماذا هذا التاريخ مهم لانه مبدأ زوبان الجليد . قبل ذلك التاريخ من 75 الف سنه مضت وحتى هذا التاريخ كان العالم مغطى بالثلوج وكانت الثلاجات بالقطب الشمالى قد امتدت الى الحنوب وغطت اجزاء كبيره من اوروبا والثلاجات الموجودةفوق قمم الجبال امتدت واصبحت المناطق التى كانت فيها مصر صحروات ولم تسقط عليها امطار .والعدد القليل من البشر الموجودين حينذاك هجروها وقد هبط منسوب سطح البحر الى – 125 مترا عن منسوبه الان . ونظرا للجفاف السائد فى افريقيا لم تكن تصل الى نهر النيل سوى كميه قليله جدا من المياه من الحبشه ، ومن الهضبه الاثيوبية تأتى له باندفاع شديد فى الصيف وبقيه العام لاتصل اليه مياه وذلك لان افريقيا الاستوائية فى ذلك الوقت كانت قليلة الامطار. وقد اختفت الغابات واصبحت عباره عن حشائش والنيل الابيض الذى يربط الهضبة الاستوائية بالنيل غطته الرمال ولم تكن تصلنا المياه من هذه المنطقة وقد قل عدد السكان بشكل كبير فى مصر وكانوا متجمعين حول نهر النيل اما باقى الصحراء فلا يوجد دليل على ان الانسان كان موجود بها . هذا الامر انتهى بتراجع الجليد وتحسن الجو وبدأت الامطار تتساقط وتتزايد فى افريقيا وبدأ نهر النيل يتحدد مجراه الحالى عندما ملات الامطار النيل الابيض واخذت تندفع حامله الرمال التىكانت تسد مجراه كما زادت الامطار فى النوبه وجنوب الصحراء المصريه ، وكثير من الوديان امتلا بالمياه وكونت فيضانات ضخمه فى نهر النيل وحيث ان تصرف النهر اى الكميه التى كان يحملها من المياه خلال تلك الفتره من عشرة الاف سنه ةالى نهاية فتره هذه الامطار كانت تمثل ضعف او اكثر من ضعف الكمية التى يحملها نهر النيل الان . طبعا حين تكون المياه بهذا القدر يكون الافضل للانسان ان يعيش فى الصحراء التى تسقط عليها بعض الامطار أيضا مكونه من بعض البحيرات المؤقته حيث ان الموسم الامطار كان صيفيا وكانت تأتى من هضبه الحبشه وتصل الى منطقه اسيوط تقريبا . وقد امتلأت المناطق المنخفضه بالمياه مما ادى الى ورود قطعان الحيوانات والطيور اصبحت هذه المناطق جذابه للانسان والحيوان وتحسن الجو.
هذا هو الاستيطان الذى يشكل الان قوام سكان مصر وبعد ان جفت الصحارى انتقلوا الى اماكن متعدده كان نهر النيل واحد منها .لكن ما يزال فى الصحراء المصرية بقايا من هؤلاء الاقوام يتكلمون لغه خاصه بهم فى الصحراء الشرقية التى تسقط عليها كميه من الامطار القليلة مما يجعل بعض الرعاه يعيشون هناك مثل قبائل – البجه – العبابده – البشارية – وهم يتحدثون بلغات قد تعطينا فكره عن المكان الذى جاءوا منه وهذه القبائل جزء كبير منها اصبح يشكل سكان مصر الاوائل اى منذ خمسه الاف سنه قبل توحيد مصر وبدء الدوله القديمة فى الاسره الاولى على يد مينا موحد القطرين وقد ظل الجفاف على اشده حتى نهاية الدوله القديمة حيث جفت الصحارى تماما .
تأثير نهر النيل على تاريخ مصر:
لقد جعل نهر النيل من مصر منطقه فريده من عده وجهات
- اولا ساعد وسهل من امكانية توحيد مصر .
- فمصر واحدة من أوائل الدول فى العالم التى توحدت وانشأت دولة مركزية او دوله قوميه . ولم تنشأ الدوله القومية فى أوروبا فى ألمانيا وايطاليا الا منذ حوالى 100- 150 سنه وهكذا معظم الدول باستثناء فرنسا فهى الدوله الوحيدة منذ 800-900 سنه فالدوله المركزية فى مصر قديمة جدا بل لعلها اقدم بألاف السنين عن اى دوله اخرى ، فما الذى جعل ذلك ممكنا ؟
كان سكان مصر بعد فتره الجفاف الاولى عبارة عن اقوام مختلفة من الرعاه وكانت الزراعة بدائيه ولم نعثر حتى الان على باقيا هياكل عظيمة لهذه الاقوام ولا كيفيه حياتهم ولا توجد سوى بعض الادوات التى كانوا يستخدموها والحيوانات التى كانوا يصطادونها وكل مجموعة من المجموعات التى جاءت للاستيطان فى وادى النيل كانت مختلفة عن باقى المجموعات ، واضح ان واحده من هذه المجموعات قويت لدرجه انها اصبحت تستطيع ان توحد او تفرض سلطتها على بقيه ارضى مصر . وكان ذلك نتيجه أحد امرين اولا ، إما عن طريق القوه او عن طريق تغلغل حضارى ولا شك انه كان هناك نوع من القوه ولكن ليس لدينا دليل على ذلك ، لكن من الواضح ان الحضارات المتأخره فيما قبل عصر الاسرات مثل حضاره نقاده اصبحت سائدة فى كثير من الاماكن بما فى ذلك الوجه البحرى . وهذا معناه ان تغلغلا حضاريا حدث بين الاقوام المختلفة ، ولكن فى النهاية من اجل انشاء دوله مركزية وان تسود حضاره فوق حضارات أخرى لابد من وجود شىء مهم وهو القدره على الاتصال بمعنى انك تستطيع الوصول إلى هذه الاماكن والعوده مره اخرى . هذه القدره على الاتصال حدثت عن طريق وادى النيل .حيث ان نهر النيل يتميز بميزه فريده جدا . فاى مركب بشراع تستطيع ان تبحر شمالا بقوه التيار وتعود جنوبا بقوه الرياح بمثل هذه الطريقة امكن لاحدى هذه الحضارات ان تكون على صله واتصال بين المراكز المختلفة على امتداد وادى النيل وجعل امكان تفوق جنس واحد على بقيه هذه المراكز وهذا هو بالضبط ما قام به الملك مينا الذى كان يعيش فى منطقة الكوم الاحمر فى صعيد مصر .
ولم يحدث ذلك فى اى مكان اخر ولا على اى نهر اخر حيث ان هذه احدى ميزات نهر النيل .
الميزه الثانيه: ان الجفاف الذى حدث فى مصر فى اعقاب الفتره المطيره التى اعقبت فتره تراجع الجليد كان جفافا تاما بحيث ان الصحارى الموجوده حول مصر لم يكن بها من أقوام أشداء فالحضاره التى نشأت على وادى النيل عكس ما حدث فى حضاره ما بين النهرين التى كانت المناطق المحيطه بها صحروات شبه قاحله وكان يسكنها اقوام اشداء يستطيعون ان يتعلموا الزراعه وفنونها ويصبحوا اقوى من سكان ما بين النهرين لذا كانوا دائما يهددون هذه الحضاره . اما فى مصر فلقد تمتعت لفترات طويله بالاستقرار نظرا لضعف القبائل المحيطه بمصر ولم يكن لديهم الكثره العدديه ولا الدرايه التقنيه التى تجعلهم يهددون مصر بالشكل اذى يؤثر على استمرار حضارتها ليس معنى ذلك ان مصر لم تهدد من مناطق اخرى مثل الهكسوس والعرب ولكن حقيقه الامر ان مصر كانت معظم الوقت تنعم باستقرار جيد .
الميزه التاليه :ادى ايراد نهر النيل من المياه الى تحديد عدد سكان مصر فلم يزيدوا عن خمسه ملايين فى اى وقت بل كانوا فى معظم الاوقات حوالى 3:2 مليون .مثل هذا العدد من السكان باستخدام طريقه رى الحياض كانت تعطيهم من الثروه ما كان يجعلهم يعيشون فى رغد وسعاده عيشه طيبه حيث ان تركيبه ارض مصر تجعل ذلك ممكنا وبدون جهد كبيروبدون تحدد كبير .
فالنيل يفيض ويرتفع عن سطح الارض ويغمر مساحات شاسعه من ارض مصر . مثل هذا العمل يجعل المصريين لا يحتاجون الى رفع المياه باى شكل من الاشكال كذلك تهبط المياه فى نهايه فتره الفيضان مخلفه ما تحمله من غرين وفى نفس الوقت تحمل ما يكون فى التربه من املاح وذلك يمثل عمليه صرف طبيعى وبالتالى تحتفظ الارض بجودتها.
وعمليه الصرف هذه مهمه ولكن فى بلاد ما بين النهرين التى سبقت الحضاره المصريه فى اشياء كثيره مثل تقنيات الزراعه واستئناس الحيوان وصهر المعادن وصناعه الفخار ولكن لم يكن لديهم ارض مثل مصر يتم الصرف فيها بشكل طبيعى وبدون جهد وبالتالى فان الزراعه تأخذ اسلوب اخر، فزراعه القمح مرات متكرره تؤدى الى تمليح الارض وهكذا فى زراعه الشعير مرات متكرره خلال سنوات طويله وبالتالى يتركون الارض بور بلا زراعه وحتى الان ما يزال هذا الاسلوب متبع وفى جنوب العراق توجد منطقه اهوار غير مستغله بالزراعه . وهذا يؤكد فساد الارض نظرا لعدم وجود صرف طبيعى .مصر ايضا من البلاد القليله ان لم تكن البلد الوحيد فى العالم التى لم يكن ادخال المحراث بها يمثل كارثه فالمحراث اله مهمه فى تحسين انتاجيه الارض ولكن استخدام هذه الاله يسبب مشكله كبيره وهى تعريه التربه وهذا ما حدث فى تركيا التى عندما دخل بها استخدام المحراث وكانت الامطار تسقط تزيل التربه التى هى ميراث يتكون عبرمئات من السنين وهذا يؤدى الى فقر شديد لمكونات التربه .
اما فى حاله مصر فلم يكن هذا امرا واردا اطلاقا . لان مياه النيل كانت تأتى بتربه جديده وبالتالى لا توجد مشكله . ويمكن استخدام المحراث وحتى لو تم تعريتها فسيتم فى العام القادم تعويضها. كل هذه الظواهر جعلت مصر من البلاد القليله المتامسكه وفى وحده تامه وفى استقرار معقول لمدد طويله من الزمن قادره على انتاج الثروه بأقل جهد وبدون حاجه الى ضخ المياه او صرفها ، كانت حياه المصريين هنيئه لدرجه انه لم يكن هناك تحد حقيقى يواجههم وكان من الصعب ادخال اى شىء جديد فى مصر لانها بلد محافظه ، ولذلك يكاد لم يدخل الى مصر شىء جديد من التقنيات الا مع دخول الاجانب فيها نتيجه حرب او غزو . حتى الشادوف احتاج المصريون لاكثر من ثلاثه الاف سنه من الزراعه قبل ادخاله وكان سهلاو بسيطاومحاولاتهم البسيطه التى قاموا بها فى تهجين الحيوان لم يفلحوا فى معظمها وهذه الحياه السهله ساهمت فى ان تكون مصر بلدا غنيا ومتماسكا ومطمعا لكل القوى منذ اقدم الازمنه.
طبعا انا لا اريد ان اقلل من قدره المصريين على الاخذ والعطاء من العالم – وسوف اعطى مثالين على ذلك :
المثال الاول يوضح ان مصر قد فقدت استقلالها نتيجه لتخلف تكنولوجى عن الشعوب المحيطه بها .فلقد تم اكتشاف البرونز من خلال هذة الشعوب المجاوره . ولكن المصريين ظلوا يستخدمون النحاس مده طويله جدا .والبرنز عباره عن سبيكه من النحاس والقصدير . المصريون لم يعرفوا البرونزولا العجله الحربيه ، وبالتالى فان بعضا من البرابره من الشعوب المجاوره فى منطقه الشام عرفوا هذه الاشياء وسبقوا المصريين فيها ، وبالتالى استطاعوا ان يغزو مصر فى غزوه الهكسوس الاولى .
من الصدفة الحسنة ان هذه الغزوه حدثت بعد ان كانت مصر قد تفكك نظامها قليلا خلال عصر الاضمحلال الاول بين الدوله القديمه والدوله المتوسطه وخلال هذه الفتره كان هناك شبه استقلال لامراء الصعيد الذين تمكنوا من تعلم البرونز وتطبيقه فى تعلم صناعه العجله الحربيه واستخدام الحصان ومن ثم من طرد الهكسوس وبعد ذلك اصبح المصريون ساده فى استخدام البرونز والعجله الحربيه والحصان ، وهناك اكتشاف حديث فى منطقه شرق الدلتا
" قنطيره " وجد بها مصنع لعمل البرونز وصناعه العجلات الحربيه مساحته 30.000 متر مربع وهذا يعنى انه كان يمثل مرحله فى التصنيع الكبير . كان يوجد به افران تصل درجه الحراره بها الى درجه عاليه تمكن من صناعه البرونز والعجلات الحربيه وصناعات اخرى كثيره بما فيها الزجاج ذلك فى الاسره التاسعه عشر . عصر " تحمس الثالث " الذى كان امبراطورا عظيما فتح فتوحات كبيره وصلت الى منابع نهرى الفرات ودجله واستولى على جزيره قبرص حيث انها كانت المكان الذى يأتى منه النحاس فى ذلك الوقت والذى كان يمثل العنصر الاساسى فى صناعه البرونز وقد استولى ايضا على خطوط التجاره العالميه حيث ان جميع السفن والمراكب كانت تصل الى مصر محمله ليس فقط بالنحاس ولكن بالاخشاب والمحروقات الاخرى اللازمه لمثل هذه الصناعات المتقدمه فى مصر.
ومما يؤكد ذلك ان علماء الاثار والمصريات وجدوا بقايا مركب من عصر تحتمس الثالث غارقه تحت مياه البحر قريبا من تركيا وبها اختام للملك وانواع من المنقولات التى كانت تحملها هذه المراكب الى مصر فى ذلك العصر الذهبى واسمحوا لى ان ابتعد قليلا عن نهر النيل حيث اننى اعلم الكثير منكم قد اطلعوا على كتاب " نهر النيل " وسوف اعرض لكم بعض الخلفيات عن الكتاب الجديد الذى اعمل به الان وهو يتعرض للاجابه عن سؤال : لماذا تخلفت مصر ؟ وذلك من خلال دور الصحراء فى نشأت الحضاره المصريه وسقوطها ايضا .
وفى حقيقه الامر ان سقوط الحضاره المصريه يعود لان المصريين توقفوا عن البرونز واتقنوه ولكن كانت هناك حضاره اخرى قد اكتشفت معدنا اخر هو الحديد الذى تم اكتشافه فى ارمينيا ثم اخه الاشوريون الذين كونوا جيشا كاملا مزود بالألات الحديديه .وعندما فعلوا ذلك استطاعوا ان يغزوا العالم القديم كله حيث ان من يستخدم سلاحا من البرونز . والحقيقه ان الاشوريون كانوا ذى بأس وقد دخل الحديد الى الاساطير القديمه باعتباره ذا بأس وعظمه مما مكن الاشوريين من غزو مصر التى كانت من الصعب عليها ان تحصل على الحديد . لماذا؟ لان الحديد من المعادن ذات التقنيه الصعبه . ولم يكن الامر يتعلق بصعوبه الحديد يحتاج الامر لاكثر من مائه شجره بالغه وحرقها حيث ان الحديد كان يتم صنعه بالفحم النباتى وللان مصر لم يكن لديها اشجار ولم تكن فى ذلك الوقت امبراطوريه تستطيع ان تحصل على اشجار من اماكن اخرى تحت سيطرتها . هذا ما ىجعل من الصعب على مصر الدخول فى عصر الحديد . ولم تدخله الا فى زمن متأخر جدا وبكميات قليله . وبالتالى لم تكن من القوه بحيث تعيد امجادها مره اخرى ومن هنا كان انهيار الحضاره المصريه القديمه .
وما يمكن ان نستخلصه من كل هذا هو ان مصر كانت وحتى اوائل القرن العشرين تعيش على الزراعه ، وعلى طريقه خاصه من الزراعه لا تحتاج الى عمل كثير . والخير فيها كثير وعدد السكان كان قليلا . حتى انها كانت تستطيع ان تعيش مع أردأ الحكومات لان مصر كانت تجدد نفسها بنفسها سواء بالتربه الجديده التى كانت تصل اليها او بالمياه التى كانت تتدفق اليها هذا جعل الحياه تستمر فى اسوء الظروف اما الان فان مثل هذا الحال اصبح صعبا اولا لتزايد عدد السكان ، مما جعل ضبط النيل امرا حيويا وهاما وقد تم ضبط النيل فى البدايه بعدد من الخزانات والسدود واخيرا بالسد العالى . هذا مما عطل الدورة الطبيعية ، واصبح النيل مجرد قناه تمر فيها . المياه المحجوزه خلف السد العالى . واصبحنا نعيش على زراعه ثلاثه محاصيل حقليه مما يستوجب المحافظه وتجديد التربه باساليب صناعيه ، المياه اصبحت ترد بتنظيم معين مما اصبح يستوجب حكومه قويه .
مصر الان يصبح وجود حكومه رديئه بها بمثابه رفاهيه لا يستطيع المصريون ان يتحملوها ، لابد من وجود حكومه جديده كى تنظم النيل واستمرار المحافظه على التربه الذىكانت تتم بشكل طبيعى وخصوصا بعد تزايد السكان بها .
ساحة النقاش